بعد عقدين من الصراع واليأس.. بوادر ازدهار اقتصادي في الشرق الأوسط تعكره مصر

12

طباعة

مشاركة

كانت مجموعة البريكس حتى شهر يوليو/تموز 2023 تضم أعضاء من جميع أنحاء العالم النامي باستثناء الشرق الأوسط، لكن الوضع لم يعد كذلك.

فمن بين الدول الست التي دعتها بريكس للانضمام إلى الكتلة في القمة السنوية التي عقدت في 22 أغسطس/آب، تنتمي أربع دول منها إلى المنطقة، وهي مصر وإيران والسعودية والإمارات.

المنطقة تتغير

وخلال اجتماعات "بريكس" في جوهانسبرغ، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الاتفاق على انضمام السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين إلى المجموعة، التي تضم الصين وروسيا وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل.

وفي 2006 جرى تأسيس "بريكس"، وعقدت أول اجتماعاتها في 2009، ويسعى الأعضاء إلى تقويتها ضمن جهود لتأسيس نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب.

وتعد المجموعة نفسها بديلا عن الهيمنة الاقتصادية الغربية ممثلة في مجموعة الدول السبع الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وتقول صحيفة لافانغوارديا الإسبانية إنه "إذا قبلت جميع الدول الجديدة الدعوة فسيصبح الشرق الأوسط المنطقة التي تمثل أكثر من ثلث أعضاء الكتلة الموسعة". 

وتسلط الضوء على صيغة الاستقرار والتنمية التي أصبحت مغرية بالنسبة لدول الخليج، رغم أنها جُربت من قبل في الشرق الأوسط. 

وتكشف هذه الدعوات عن علامة أخرى، من بين أدلة كثيرة، أبرزها أن الشرق الأوسط يتغير. وتحديدا، تحاول دول الخليج الغنية ترسيخ نفسها بمثابة قوى وسطى غير منحازة.

وكذلك، عرضت السعودية نفسها لتتصدر دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في الحرب الدائرة منذ فبراير/شباط 2022.

ومن جهتها، تريد دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تستضيف قمة المناخ العالمية خلال العام 2023، أن تلعب دورا مزدوجا وتكون دولة مصدرة للنفط وأيضا مصدّرة للطاقة الخضراء.

وأبعد من ذلك، تمثل الدول الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي أحد محاور الاقتصاد العالمي؛ فهي تجتذب المواهب والثروات الضخمة من الشرق والغرب، وتنشر احتياطيات هائلة من رأس المال في الخارج. 

ونوهت الصحيفة بأن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو الهدوء الجديد والنسبي في الشرق الأوسط. فقد، ساهم وقف إطلاق النار في تخفيف حدة الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في اليمن.

واتفقت طهران والرياض بوساطة صينية في مارس/آذار 2023 على إنهاء الخلاف بينهما والذي تصاعد عام 2016 بعد الهجوم على الممثليات الدبلوماسية للمملكة على إثر إعدام الأخيرة رجل الدين الشيعي نمر النمر.

ومن جانبها، أعادت قطر العلاقات مع جيرانها مطلع عام 2021 بعدما قاطعتها 4 دول هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 2017.

حتى إن المنطقة تصالحت مع الديكتاتور السوري الدموي بشار الأسد. ومن جانبها، تحث الولايات المتحدة السعودية على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، التي طبّعت بموجبها أربع دول عربية العلاقات مع إسرائيل منذ سنة 2020، تقول الصحيفة الإسبانية.

إمكانات هائلة

وأردفت: "قبل خمس سنوات، قدم محمد بن سلمان، ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، رؤية مفعمة بالأمل حول مستقبل المنطقة".

وقال ابن سلمان: "أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط". وواصل: "النهضة العالمية القادمة ستكون في هذه المنطقة".

وبينت الصحيفة أن "تعليقاته تتوافق مع سرد يلاقي عددا متزايدا من المؤيدين في الخليج، والتي بموجبها سيركز الشرق الأوسط الجديد على الاقتصاد وليس الديمقراطية أو أي شيء آخر".

ومن هنا، ستجلب المنطقة بالدبلوماسية الاستقرار، وهو ما من شأنه أن يعزز بدوره الاستثمار والنمو الذي سيساعد الجميع على التغلب على الاضطرابات التي شهدتها خلال العقود الماضية.

وقد دأبت دول الخليج منذ فترة طويلة على تطبيق هذا النموذج داخليا؛ والآن، يريدون تصديره إلى المنطقة الشرق أوسطية. 

وأوضحت لافانغوارديا أن الشرق الأوسط يتمتع بإمكانات هائلة. أولا، والأكثر وضوحا، تزدهر المنطقة بالهيدروكربونات.

ويأتي منها 36 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، و46 بالمئة من صادرات النفط، و22 بالمئة من إنتاج الغاز الطبيعي، و30 بالمئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال.

ولا تتوقف الأرقام عند هذا الحد، إذ إن المنطقة تتمتع باحتياطيات هائلة، تعادل 52 بالمئة من إجمالي النفط في العالم و43 بالمئة من الغاز؛ فضلا عن تكاليف إنتاج منخفضة.

وفي الوقت الذي تتردد فيه شركات النفط الغربية الكبرى في الاستثمار، تعمل نظيرتها الخليجية على زيادة طاقتها الإنتاجية. 

وبينت الصحيفة أن موقع الشرق الأوسط مهم أيضا، فالمنطقة تربط بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. وتحديدا، تمرّ 30 بالمئة من الحاويات البحرية في العالم عبر قناة السويس في مصر، ويتوقف 16 بالمئة من الشحن الجوي في مطارات الخليج.

وتشكل الكثافة السكانية الشابة مصدر قوة آخر، حيث إن 55 بالمئة من سكان الشرق الأوسط تحت سن الثلاثين، مقارنة بنحو 36 بالمئة من سكان دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو النادي الذي يتكون في أغلبه من الدول الغنية. 

تاريخ مضطرب 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الازدهار يخفي وراءه عقدين من الصراع واليأس. أولا، جاء الغزو الأميركي الكارثي للعراق في سنة 2003.

ثم جاء غضب الربيع العربي، الذي جلب الاضطرابات ولكن لم يجلب الديمقراطية، وانتهى الأمر بكل البلدان المتضررة إلى العودة إلى الديكتاتورية أو الغرق في حرب أهلية. وأدى العنف الإرهابي والصراع الطائفي إلى تفاقم مشاكل المنطقة، وفق تعبير الصحيفة.

 وتجدر الإشارة إلى أن الشرق الأوسط يمثل ستة بالمئة من سكان العالم، لكنه لا يمثل سوى أربعة بالمئة من الإنتاج الاقتصادي، بحسب قولها.

وأردفت: "إذا استبعدنا عددا قليلا من كبار منتجي النفط، فإن الرقم سينخفض ​​إلى أقل من اثنين بالمئة". وفي معظم أنحاء المنطقة، يعاني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من الركود أو الانخفاض.

فقد ارتفعت معدلات الفقر بشكل كبير في مصر ولبنان، ناهيك عن السودان وسوريا واليمن الذي مزقته الحرب. ومع ذلك، هناك العديد من التغييرات الكبيرة تحدث الآن ويمكن أن تغير مكانة الشرق الأوسط في العالم.

أولا، يمكن الحديث عن المسافة المتزايدة بين دول الخليج والولايات المتحدة. وقد اقترح ثلاثة رؤساء متعاقبين خفض الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.

زيادة على ذلك، لا يحاول الرئيس الأميركي جو بايدن فرض الديمقراطية في المنطقة؛ بل إنه لا يبدو مهتما كثيرا بوقف البرنامج النووي الإيراني.

ولدى الولايات المتحدة أولويات أخرى: المنافسة مع الصين، والحرب في أوكرانيا، وحل مشكلة عدم الاستقرار السياسي الداخلي، وفق تقدير الصحيفة الإسبانية.

من جانب آخر، تراجع الدور الاقتصادي للولايات المتحدة. وفي الأعوام الثلاثين الماضية، ارتفعت نسبة صادرات الشرق الأوسط المتجهة إلى الصين والهند من خمسة إلى 26 بالمئة، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وانخفضت النسبة المئوية المرسلة إلى أوروبا والولايات المتحدة من 34 إلى 16 بالمئة. ويعكس هذا الوضع إلى حد كبير شهية آسيا المتزايدة للنفط، وهو منتج التصدير الرئيس في المنطقة.

ففي تسعينيات القرن العشرين، استحوذت الصين على أقل من واحد بالمئة من صادرات المملكة العربية السعودية من النفط الخام، وحصلت الهند على أقل من ثلاثة بالمئة؛ وفي عام 2021، بلغت هذه الأرقام 28 بالمئة و12 بالمئة على التوالي، تقول الصحيفة.

ونوهت بأن التغييرات في الشرق الأوسط كثيرة، ومن أبرزها، التغيير في المواقف؛ حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن العرب يعدون الاقتصاد همهم الرئيس. وبين الاستقرار والديمقراطية، اختار 82 بالمئة من الشباب العربي الخيار الأول. 

وتابعت الصحيفة: "يبدو أن قادة دول الخليج لديهم أيضا منظور جديد، فعلى مدى العقد الماضي، حاولوا استخدام القوة لتغيير المنطقة؛ لكن، باءت كل تلك المحاولات بالفشل".

ونتيجة لذلك، انتهى عصر السياسة الخارجية العدوانية، على الأقل في الوقت الحالي. وكان التغيير الدبلوماسي، غير المتوقع أكثر من غيره، هو الاتفاق بين السعودية وإيران بعد انغمارهما في حرب بالوكالة امتدت في نهاية المطاف إلى العراق ولبنان وسوريا واليمن. 

وعلى الرغم من كل شيء، فإن تراجع التوترات جلب معه بعض الهدوء، وهو ما قد يساعد في تفسير التحسن في الآفاق الاقتصادية.

وبالمثل، ازدهرت أسواق رأس المال، حيث استحوذت شركات أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات، على 14 بالمئة من الاكتتابات العامة الأولية في العالم في الربع الأول من سنة 2023.  

ومن المخاوف التي يمكن أن تعكر صفو الازدهار الاقتصادي في المنطقة، تبرز حالة مصر. وفي هذا البلد الذي أساء فيه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي إدارة المشاريع الفرعونية، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 93 بالمئة.

وقد ظل اقتصادها غير النفطي في حالة انكماش لمدة 33 شهرا متتاليا ولمدة 81 شهرا من الـ 90 شهرا الماضية. كما فقدت العملة نصف قيمتها في العامين الماضيين ومن المؤكد أنها ستنخفض مرة أخرى قريبا، تقول الصحيفة.