أزمات دولية تدفعها للمقدمة.. هل تصبح إفريقيا سلة غذاء العالم؟ 

12

طباعة

مشاركة

في ظل تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا، وجائحة كورونا، والارتفاع السريع في درجات الحرارة على إمدادات الغذاء عالميا، بدأت الأنظار تتجه إلى الأهمية المتزايدة لقارة إفريقيا وإمكانية أن تصبح "سلة غذاء للعالم".

وفي هذا الإطار يقول الأستاذ المساعد للدراسات الدولية، في جامعة "جونز هوبكينز" الأميركية، مجدي أمين، في مقال نشرته مجلة "ذا أفريكا ريبورت" الناطقة بالإنجليزية، إن "إفريقيا قادرة على إطعام العالم، ولكن فقط إذا استثمرنا فيها".

 

وأكد أن "الافتقار إلى الاستثمار في الزراعة والتكنولوجيا اللازمة لزيادة الإنتاج، من شأنه أن يضر بقدرة إفريقيا على أن تصبح سلة غذاء للعالم".

شيخوخة أوروبا

وأفاد أمين بأنه "بحلول عام 2050، ستعاني العديد من البلدان المتقدمة في أوروبا وشرق آسيا من الشيخوخة، رغم أنها الآن من بين البلدان الأكثر إنتاجية حول العالم".

ووفقا للأمم المتحدة، فإن عدد الأشخاص في سن العمل في إيطاليا وكوريا الجنوبية سينخفض بمقدار 13 مليونا و10 ملايين على التوالي، بحلول هذا التاريخ.

في المقابل، فإن "العديد من البلدان، التي يتزايد عدد مواطنيها الذين في سن العمل، ستكون بلدانا إفريقية".

وللمفارقة، فإن هذه هي نفس البلدان الأقل إنتاجية على مستوى العالم، حيث تنتج أقل كمية من الغذاء لكل هكتار.

ورغم أن النشاط الزراعي يقع في قلب الاقتصاد الإفريقي، حيث تمثل الزراعة حوالي 60 بالمئة من فرص العمل في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، حسب البنك الدولي.

وأكد أمين أنه "إذا تمكنت إفريقيا من رفع مستويات الإنتاج الزراعي لديها، فإن هذا التحول الديمغرافي من شأنه في المستقبل أن يقود إلى دورة قوية من النمو الاقتصادي، وخلق فرص للعمل، ورفع الدخل، وتحقيق الأمن الغذائي".

وشدد أمين على أن "تزايد عدد السكان الذين يفتقرون إلى وظائف منتجة أو إلى الأمن الغذائي، رغم أنهم في سن العمل، يشكل وصفة للسخط الشعبي".

وفي إفريقيا، تبلغ الفجوة الإنتاجية، أي الفارق بين إنتاجية المزارعين العاديين وأولئك الذين يحققون أعلى إنتاجية، 90 بالمئة.

"وهذا يعني أن إفريقيا يمكن أن تطعم نفسها، وأن تصبح مُصدِّرا رئيسا للأغذية، إذا تمكن المزارع العادي من الاستثمار في زيادة إنتاجه، للوصول بها إلى المستويات الأكثر إنتاجية"، وفق الكاتب.

واستدرك: "لكن هذا يتطلب من المزارعين الحصول على أصناف من البذور المحَسّنة، والأسمدة، والأدوات اللازمة لزيادة الإنتاجية".

ووفقا لبنك التنمية الإفريقي، فإن سوق الزراعة في إفريقيا يمكن أن يرتفع من 280 مليار دولار عام 2023، إلى تريليون دولار بحلول عام 2030. 

وأكد أمين على إمكانية أن تحقق إفريقيا ذلك، مشيرا إلى أنه في عام 1980، كانت محاصيل الحبوب في فيتنام مماثلة لتلك الموجودة في شرق إفريقيا اليوم، أي أقل بقليل من طنين للهكتار الواحد.

وتابع: "لكن اليوم نجد أن العائدات الزراعية في فيتنام تضاعفت ثلاث مرات".

تحديات مالية

ويرى الأستاذ في الدراسات الدولية أن "المشكلة الرئيسة التي تواجه القارة الإفريقية في زيادة إنتاجها الزراعي هي التمويل".

وقال إن "الأمر ببساطة هو أن البنوك الإفريقية ليست فعالة فيما يخص إقراض المزارعين، إذ إن هناك انفصالا صارخا في البيانات".

وتسهم الزراعة بنسبة 29 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإفريقي، ولكنها لا تتلقى سوى 3 بالمئة فقط من القروض المصرفية.

وتابع: "تقدر فجوة التمويل الزراعي هذه بنحو 240 مليار دولار لإفريقيا ككل، و13 مليار دولار في الأسواق الزراعية الأساسية شرق إفريقيا، والتي تشمل منتجات الألبان، والقهوة، والبذور الزيتية، وفول الصويا، وعباد الشمس، والذرة، والبطاطس".

وأفاد أمين بأن "عدد المستفيدين من هذا التمويل حوالي 44 ألف مزارع فقط".

وبحسبه، فإن المصارف -التي تقوم سياستها على تفادي المخاطر بشكل كبير- تتجنب منح القروض لصغار المزارعين.

كما أن بعض البنوك تطالب المزارعين بالتعهد بأراضيهم كضمان، رغم أن قيمة تلك الأراضي تبلغ عدة أضعاف قيمة القرض.

ويرى أمين أن "هذا يحول دون تقديم القروض للاستثمارات، التي يمكن أن تحدث فرقا هائلا في الإنتاج الزراعي".

وأضاف أنه "يمكن الوصول إلى المزيد من المزارعين من خلال حسابات الأموال المتنقلة، مما يجعل التمويل أكثر سهولة حاليا".

وأشار إلى أن "حسابات الأموال المتنقلة قد زادت في جميع أنحاء إفريقيا من 30 مليون عام 2012 إلى 560 مليون عام 2021".

ومكن هذا النمو التحويلي، المقرضين الرقميين الجدد من تقديم التمويل لصغار المزارعين، مما يمكّنهم من القيام باستثمارات ضرورية وحيوية في الوقت المناسب، وزيادة الإنتاجية بشكل فعّال.

وأردف أمين: "تقدم الشركات الرائدة مثل شركة التكنولوجيا المالية الأوغندية (إيماتا) حلا لهذا التحدي، حيث تعتقد أنه من الواجب تقدير المزارعين كروادّ أعمال ومنتجين".

ويتمثل حلها في إقامة شراكة مع التعاونيات الزراعية والسماح للمزارعين باستخدام سجل إنتاجهم مع التعاونيات، كدليل يمكنهم من خلاله التأهل للحصول على القروض.

"وبدلا من الصراع مع المقرضين، يستخدم المزارعون عملية لتقديم الطلبات، تستغرق خمس دقائق فقط على هواتفهم"، وفق الكاتب.

وتابع أنه "بهذا التمويل، يشتري المزارعون في إفريقيا البذور المحسنة، والأسمدة، وغيرها من الأدوات لزيادة إنتاجيتهم، وقد حقق هذا النهج معدل سداد يصل إلى 95 بالمئة".

حلول إبداعية

وقال أمين: "هناك مبدعين -من أمثال شركتي التأمين (AcreAfrica)، و(Pula)- يعملون على إحداث ثورة في مجال التأمين المرتبط بكوارث الطقس".

كما يعمل آخرون على ربط المزارع بالأسواق من خلال التكنولوجيا، متجاوزين الوسطاء غير الأكفاء.

لكن شدد أمين على أن "رواد الأعمال والمبتكرين الأفارقة يواجهون عقبات".

فرغم الحقائق الديمغرافية المذكورة أعلاه، فإن إفريقيا ماتزال تتلقى حوالي 1 بالمئة فقط من تمويل رأس المال الاستثماري العالمي، ويتركز ما يصل بشكل كبير في عدد قليل من مراكز التكنولوجيا.

وأردف: "لنأخذ على سبيل المثال حالة، وضاح حاجو، وهو مهندس زراعي شاب رأى أن المزارعين في المناطق التي تروى بمياه الأمطار في السودان، لا يستطيعون استخدام البذور أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية خلال مواسم الأمطار؛ لأن الجرارات تتعثر في الوحل".

ولذلك، أطلق شركة تعتمد على الطائرات المسيرة في رصد حالة الأراضي، وذلك لتقديم المشورة في مجال تصريف الأراضي، وخدمات الرش، بجزء بسيط من التكلفة.

غير أن المهندس الزراعي لم يتمكن من الحصول على التمويل لتوسيع نطاق المشروع، وفق أمين.

وأكد أن "هذا النهج المستند إلى التكنولوجيا يحل محل النهج التنموي المركزي والمفروض من أعلى إلى أسفل، بحلول إفريقية محلية من الألف إلى الياء، ومستدامة اقتصاديا، وقابلة للتطوير".

وأضاف أنه "من خلال الاستثمار في الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها الزراعة الإفريقية، وتمكين المزارعين عبر التكنولوجيا، سيصبح من الممكن معالجة الفجوة الإنتاجية، وإنشاء دورة تنموية فعالة".

وختم أمين بالتأكيد على أن "هذا سيكون ذا فائدة للقارة الإفريقية، وبصورة متزايدة، لنا جميعا".