عبر العقوبات المالية.. كيف تسحب واشنطن بغداد من فلك إيران؟ 

12

طباعة

مشاركة

في مطلع يوليو/ تموز 2023، أعلنت السلطات العراقية، أن كل الأموال الإيرانية المستحقة عليها، والبالغة 10 مليارات دولار، جرى رفع التجميد الأميركي المفروض عليها، وتم إيداعها في المصرف العراقي للتجارة الـ "TBI".

وأوضحت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن "العراق وإيران اتفقا على صرف هذا المبلغ لشراء السلع الغذائية والدوائية التي لا تشملها العقوبات الأميركية المفروضة على إيران".

وهذا يعني أن أميركا أعادت تفعيل نظام "النفط مقابل الغذاء" الذي طبقته على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد حرب الخليج، وكان فيه كثير من المهانة، وفق موقع "فرارو" الإيراني.

تطور لافت

وذكر الموقع أن خطوة رفع التجميد عن الأموال الإيرانية المستحقة على العراق جاءت بموافقة من الإدارة الأميركية، وعبر سلطنة عمان.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلز،  في 24 يوليو 2023، أن جزءا من الأموال الإيرانية المحجوبة في البنوك العراقية سوف يتم تحويله إلى سلطنة عمان، موضحا أنه من المهم إخراج هذه الأموال من العراق، لأنها ذريعة تستخدمها إيران ضد بغداد.

وأضاف ميلز أن هذه الأموال سوف يتم الاحتفاظ بها في سلطنة عمان، وسوف تطبق عليها القيود العراقية أيضا، ولا يمكن استخدام هذه الأموال إلا لأغراض إنسانية وغير خاضعة للعقوبات، وأن التحويلات لن تتم إلا بموافقة من قبل وزارة الخزانة الأميركية. 

كما أشار ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إلى أن العراق ملتزم بدفع المطالب الايرانية، و قد أودع الأموال في حساب إيراني لدى مصرف عراقي.

وتعود مشاكل سداد ديون العراق لإيران إلى حقيقة أن بغداد تعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز والكهرباء من طهران. 

ويعود نقص الكهرباء في العراق في الأشهر الأخيرة جزئيا إلى القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على تحويل الأموال إلى إيران.

من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي في بيان أخيرا، إنه يتبع مبدأ التوازن في سياسة حكومته الخارجية مع دول المنطقة والعالم، ولن تسمح بانزلاق العراق إلى الصراعات، أو أن تكون مسرحا لتصفية الحسابات.

ولتسليط الضوء على هذا الوضع، تحدث موقع فرارو مع علي بيغدلي، خبير السياسة الخارجية الإيراني البارز.

وقال بيغدلي: "أولا وقبل أي شيء، يجب أن ننتبه إلى إصرار المملكة العربية السعودية الشديد على أن تنأى إيران بنفسها عن الدول العربية بالمنطقة".

وضرب المثل بسوريا، وذلك بعد أن تمت دعوة بشار الأسد لاجتماع قمة قادة الدول العربية، حيث استقبلت سوريا استقبالا حسنا رغم كل المشاكل السابقة.

كما عززت زيارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر خطة بناء طريق من الخليج إلى إسطنبول وأنقرة. 

نقطة مهمة

والنقطة المهمة في هذا الأمر، وفق بيغدلي، هي مرور هذا الطريق عبر العراق، لأن بغداد سوف تحصل على أفضل فرصة في مجال الترانزيت، لنقل البضائع بالشاحنات، وسوف يعود تنفيذ الخطة بالنفع على اقتصاد البلاد ودبلوماسيتها.

وأضاف: "تمتلك جميع دول الخليج تقريبا سفارات نشطة في العراق، وسوف تقدم هذه الدول أيضا الكثير من المساعدات المالية لبغداد". 

حتى المملكة العربية السعودية والكويت عرضتا توريد ما تورده إيران إلى العراق من الغاز والكهرباء. لذلك، اتخذ العراقيون خطوات كبيرة نحو الارتباط بالدول العربية والتضامن معها.

وهناك أيضا نقطة أخرى أشار إليها بيغدلي، وهي أن الأميركيين يوطدون علاقاتهم بالعراقيين، ويعززون نفوذهم في العراق يوما بعد يوم. 

ونتيجة لذلك، فإن الاستثمارات الإيرانية طويلة الأمد في العراق لإنشاء مراكز أمنية سوف تنخفض ​​تدريجيا.

وفيما يرتبط بالعلاقات الإيرانية العراقية، قال بيغدلي: صحيح أن انعكاس وجود الإيرانيين في العراق يكون محسوسا على الدوام، بسبب الجوار والتقارب بين البلدين.

إلا أن العراق يواجه مشاكل في علاقته مع إيران التي تحاول حل هذه المشاكل بطريقتها الخاصة. 

لكن الموضوع المُهين من وجهة نظر بيغدلي، هو كلام القادة الأميركيين حول المطالب المالية الإيرانية من العراق. 

إذ سوف يتم استلام المطالبات الإيرانية من العراق عن طريق دولة أخرى، ولن تكون هذه المطالبات على شكل نقود، ولكن في شكل شحنات أدوية وغذاء.

"النفط مقابل الغذاء"

ويرى بيغدلي أن هذا النوع من التعامل هو نفس نظام "النفط مقابل الغذاء" الذي طبقه الأميركيون في تعاملهم مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. 

وكان برنامج النفط مقابل الغذاء قد تم تنفيذه بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 986، في أبريل/ نيسان 1995، وبعد فرض العقوبات من جانب الأمم المتحدة ضد العراق بعد غزو الكويت.

ووفقا لقرار مجلس الأمن رقم 986، يمكن للعراق تصدير منتجاته النفطية، لكن طريقة تلقي الأموال كانت مماثلة للوضع الذي تواجهه إيران في الوقت الراهن. 

أي أن العراق كان يقوم بتصدير النفط مقابل الاحتياجات البشرية (الغذاء والدواء). وهو ما يعتقد بيغدلي أنه سلوك مهين بالنسبة لإيران، نظرا للقيود الواسعة لهذا النوع من البرامج.

وأكد خبير العلاقات الدولية هذا أن علاقات إيران مع العراق ليست قابلة للاستثمار أو الاستمرار. 

وحذر من أن الأميركيين يدربون حاليا الجيش العراقي ويزودون هذا البلد بأسلحة جديدة، وهو أمر لا يمكن إغفاله في الحديث عن العلاقات بين طهران وبغداد. 

وأكد أن هذا الوضع يمكن أن يجعل العراق ينأى بنفسه عن إيران في المستقبل. 

وأشار إلى أن الأميركيين فرضوا عقوبات على 14 مصرفا عراقيا بسبب ارتباطها السري بإيران، وبالتالي فإن النظام المصرفي العراقي لا يمكن الاعتماد عليه بالنسبة للولايات المتحدة.

ولهذا السبب وجهت الولايات المتحدة مسار الأموال الإيرانية إلى دول أخرى، مثل عمان، بعد أن رفضت قطر القيام بهذه العملية. وبناء على ذلك، فإن السلطنة سوف تقوم بالدفع نيابة عن إيران إذا رغبت الأخيرة في شراء الأدوية!