علي دوبا.. سوط حافظ الأسد الذي عاث في سوريا فسادا ومات مصحوبا باللعنات
في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، كان سماع اسم الضابط العلوي "علي دوبا" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في نظام حافظ الأسد، يدب الرعب في قلوب السوريين لشدة إجرامه وتعطشه للدماء.
هذا الضابط الذي وصل إلى رتبة عماد وهو يترقى فوق جماجم السوريين توفي في 21 يونيو/ حزيران 2023 عن عمر ناهز 89 عاما، في المشفى العسكري بمدينة اللاذقية بعيدا عن أي عدالة أو محاسبة.
ويوصف علي دوبا بأنه "جزار الإعدامات الميدانية" في نظام الأسد الأب، والذي تولى مهمة تصفية خصوم الرئيس السابق لسوريا حافظ الأسد من كل التيارات السياسية واستباح دماءهم دون رحمة.
وكان دوبا قد رأى كيف صفى حافظ الأسد رفاق الأمس الذين قادوا معه الانقلاب العسكري الذي أفضى لتنصيب الأسد نفسه رئيسا لسوريا عام 1971، ولهذا اعتقد دوبا أن الإيغال في دم السوريين من خصوم الأسد السياسيين أقصر الطرق لكسب قلب الأسد وجعله مقربا منه.
النشأة والإجرام
ولد علي عيسى دوبا عام 1933 في قرية قرفيص بريف اللاذقية لأسرة من الطائفة العلوية.
وبين عامي 1964 1966 شغل منصب الملحق العسكري في السفارة السورية في بريطانيا وفي بلغاريا بين عامي 1967 و1968.
ومن المهام الخارجية، عاد دوبا إلى سوريا وأصبح رئيس الاستخبارات العسكرية في مدينة اللاذقية نهاية عام 1970، وعقب ذلك بعام نقل للجهاز الاستخباراتي نفسه بالعاصمة دمشق، حيث دعم انقلاب حافظ الأسد عام 1971.
وكمكافأة له على مشاركته بالانقلاب، عينه الأسد نائبا لرئيس المخابرات العسكرية آنذاك العماد حكمت الشهابي، قبل أن يعين دوبا قائدا لهذا الجهاز وهو أقوى وكالة استخبارات سورية منذ عام 1973 إلى عام 2000.
كما انتخب دوبا عضوا في اللجنة المركزية لحزب "البعث العربي الاشتراكي" عام 1978، ورقي إلى رتبة لواء عام 1980.
وجرى ترقية دوبا إلى رتبة عماد، وتعيينه نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة في كانون الثاني 1993، إلى جانب مهمته في رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية.
وكان مستشارا مقربا من الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، وأحيل إلى التقاعد عام 2000.
يفيد موقع "مع العدالة" المعني بـ"إحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان" أن علي دوبا تلقى في ستينيات القرن العشرين تدريبات في فنون التعذيب من ضابط الصاعقة النازي ألويس برونر الذي أصبح مستشارا للشؤون الألمانية في المخابرات السورية.
وبحسب إفرايم زوروف المحقق الرئيس في قضية ملاحقة "برونر" بأن الأخير "لعب دورا مهما في تنفيذ سياسة الزعيم النازي أدولف هتلر المعروفة بالحل النهائي وأرسل 47 ألف يهودي إلى حتفهم في فيينا و44 ألفا في اليونان و 23 ألفا في فرنسا".
ويعتقد المحقق وفق ما نقل عنه موقع "بي بي سي" مطلع ديسمبر/كانون الأول 2014، أن "برونر فر إلى سوريا في خمسينيات القرن العشرين، وتفيد تقارير أنه عمل مستشارا للرئيس حافظ الأسد، ويعتقد أنه كان مستشارا للحكومة في أساليب التعذيب"، وتوفي برونر عام 2010 بدمشق.
في عام 1995 أصدر منتدى “الشرق الأوسط”، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، دراسة حول هيكلة نظام الحكم في سوريا، حملت عنوان "صراع الخلافة في دمشق"، وورد فيها موقع العماد علي دوبا من المتغيرات السياسية داخل نظام الحكم في سوريا بعيدا عن كونه رئيس “الاستخبارات العسكرية".
وقالت الدراسة، إن العماد دوبا كان مسؤولا عن الجزء الأمني داخل الجيش السوري، وفي الوقت نفسه كانت من مسؤولياته حماية النظام في سوريا بشكل عام، بصفته رئيسا لأهم وكالة أمنية.
ويؤكد كثير من الضباط السوريين أن علي دوبا كان مسؤولا عن كل الضباط الذين حكموا لبنان من سبعينيات القرن العشرين إلى عام 2005 عند خروج الجيش السوري من هذا البلد المجاور بعد عقود من الوصاية عليه.
القاتل والمفاوض
ويعد علي دوبا من منفذي مجزرة سجن "تدمر" الشهير الواقع شرق حمص، وفي التفاصيل فإن قوات "سرايا الدفاع" التي يقودها رفعت الأسد شقيق حافظ نفذت المجزرة في 27 يونيو/ حزيران 1980.
وقتل فيها نحو ألف معتقل رميا بالرصاص والقنابل اليدوية، من المعتقلين السياسيين المعارضين لحافظ بمن فيهم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين".
وجاءت المجزرة عقب يوم واحد من محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها حافظ، اتهم فيها نظام الأسد الأب جماعة "الإخوان المسلمين" بمحاولة الاغتيال.
ولم ينتظر نظام الأسد الأب طويلا حتى افتعل حجة القضاء على ما سماها "عصيان الإخوان المسلمين" المناهضين لحكمه في محافظة حماة الواقعة وسط سوريا وتبعد عن دمشق 222 كم، والتي تعد المعقل الرئيس للحركة.
وأعطى الأسد الأب الذريعة لنفسه لاجتياحها عسكريا بقيادة شقيقه رفعت، ووزير دفاعه آنذاك مصطفى طلاس عام 1982 وعدد من الضباط على رأسهم علي دوبا والذي تولى حينها مهمة المداهمات وتنفيذ الإعدامات الميدانية.
وحينها أفرغ رفعت إجرامه وحقده على أهالي حماة التي اقتحمها جيش النظام في 2 فبراير/شباط 1982 واستمر الهجوم لـ27 يوما، طالت محتجين في المدينة ضد عائلة الأسد، ما أدى لارتكب مجازر بشعة.
لقب إثرها رفعت الأسد بـ"جزار حماة" لإصداره أوامر بقتل 40 ألف سوري في حماة، بعد تطويقها وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكريا، إذ كان عناصر وضباط سرايا الدفاع يقتحمون البيوت ويقتلون عوائل بأكملها رميا بالرصاص.
وعام 1984 كلف حافظ الأسد علي دوبا بمفاوضة جماعة "الإخوان المسلمين" السورية في محاولة من النظام آنذاك لإيهام الدول العربية والمجتمع الدولي بتغليب لغة الحوار، إلا أنها كانت مسرحية مفضوحة ومجرد استعراضات استخباراتية.
وفي هذا الصدد، يؤكد صدر الدين البيانوني، المراقب الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، أن "تلك المفاوضات لم تكن جادة بسبب عدم رغبة الأجهزة الأمنية في إنجاح المفاوضات خاصة بعد تقديم مطالب الجماعة".
وأضاف في مقابلة تلفزيونية على قناة "تلفزيون سوريا" المعارضة أجريت معه عام 2021، قائلا: "لأنه كنا عندما نصل معهم إلى صيغة حوار ينقلبون عليها مباشرة، وهم علي دوبا وحسين خليل وهشام اختيار".
ولفت البيانوني إلى أن المفاوضات كانت تجري في ألمانيا بناء على اقتراح النظام السوري في الجولة الأولى عام 1984 والثانية عام 1987"، مشيرا إلى أن علي دوبا شخصيا هو الذي رتب مجريات المفاوضات بعد أن تواصل مع شقيق حسن هويدي المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بسوريا آنذاك.
في تلك الفترة تناقل بعض السوريين بأن علي دوبا رفض فتح ملف المعتقلين السياسيين، وقال للجماعة "ملف المعتقلين هو خاص بالسيد الرئيس"، في إشارة منه على أنه لا يمتلك أي صلاحيات حول الملف، لكن الأمر فسر حينها بتهرب نظام الأسد من الاعتراف بوفاة البعض تحت التعذيب أو إعدامهم رميا بالرصاص دون محاكمات.
استشارة الجزار
وبقي علي دوبا وفيا لوريث السلطة عن أبيه بشار الأسد، لكن تقدمه بالعمر لم يسعفه ليكون ضمن دائرة الأسد الابن الضيقة بعد استلامه الحكم عام 2000 بعد وفاة أبيه حافظ.
إلا أن بشار لجأ إلى دوبا إبان اندلاع الثورة السورية في 2011 لمعرفة كيفية التعامل معها بعد امتدادها لكامل الجغرافيا السورية.
آنذاك قال بعض الضباط السوريين المنشقين، إن الأسد تواصل مع الحرس القديم لوالده ومن بينهم علي دوبا للعمل على وضع الخطط الأمنية لسحق الثورة.
ومنذ إبعاد بشار الأسد لعدد من الشخصيات البارزة في حكم أبيه ومنهم علي دوبا، عاش الأخير في بيته في قرية قرفيص، مرفها وقد انتشرت له صور نادرة من داخل منزله وهو يشرب السيجار الكوبي.
كما انتشر له مقطع مصور وهو على كرسي متحرك داخل إحدى المراكز الانتخابية، حينما أجرى النظام انتخابات رئاسية عام 2021، لإعادة انتخاب الأسد والتي انتهت بإعلان النظام فوز بشار الأسد في انتخابات صورية وغير شرعية، بولاية رابعة بعد حصوله على 95.1 بالمئة من الأصوات.
لقد أدار سامر علي دوبا منذ عام 2012 أموال عائلة علي دوبا وذلك بعد اختفاء شقيقه الأكبر محمد دوبا في شهر مايو من العام المذكور بمدينة اللاذقية في ظروف غامضة لم تنكشف حتى الآن.
إذ كان محمد يتولى إدارة شركات تجارية مملوكة لعلي دوبا، فضلا عن حصوله على تسهيلات لبيع النفط العراقي عبر طرق التهريب مما يزيد خزينة دوبا من النقد الأجنبي.
كما يعد أمجد محمد دوبا ابن أخ علي هو أيضا الواجهة المالية لهذه العائلة الذي، استقر في روسيا ودرس فيها الهندسة المدنية في بداية تسعينيات القرن العشرين.
وعقب ذلك بنى شبكة الأعمال التجارية، وقام بتصدير المواد الغذائية والأقمشة إلى روسيا، وكذلك قام باستيراد الحديد والخشب إلى سوريا بتسهيلات من عمه وهما من المواد ذات الكلفة العالية آنذاك.
قالوا عنه
وتفاعلا مع نبأ وفاته، كتب الإعلامي السوري أحمد زيدان: "فطس اليوم المجرم الهالك علي دوبا مدير المخابرات العسكرية عن عمر يناهز 90 عاما، وهو الذي أجرم بحق جيل الثمانينيات.. عليه لعائن الله تترى".
فطس اليوم المجرم الهالك #علي_دوبا مدير المخابرات العسكرية عن عمر يناهز ٩٠ عاماً، وهو الذي أجرم بحق جيل الثمانينات.. عليه لعائن الله تترى. pic.twitter.com/oGZKBhMcg5
— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) June 21, 2023
بدوه كتب الناشط السوري أحمد أبازيد: "توفي العماد علي دوبا، كان علي دوبا في اللغة الشعبية مثل الغول والبعبع رمزًا للرعب والظلم. مات بدون محاكمة، بدون عدالة، بدون انتقام الضحايا، مات بعدما قتلوا سوريا والسوريين طيلة نصف قرن".
توفي العماد علي دوبا، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في نظام الأسد منذ عام 1974 حتى عام 2000.
— أحمد أبازيد (@abazeid89) June 21, 2023
كان علي دوبا في اللغة الشعبية مثل الغول والبعبع رمزًا للرعب والظلم.
مات بدون محاكمة، بدون عدالة، بدون انتقام الضحايا، مات بعدما قتلوا سوريا والسوريين طيلة نصف قرن pic.twitter.com/YYIBu7dbhX
من جانبه لخص الناشط السوري أكاد الجبل حياة دوبا بالقول: "رحل علي دوبا رجل حافظ الأسد الأول، ورئيس الزنازين السرية المظلمة التي لا يعرف طريقها الجن الأزرق..".
وأضاف: "رحل الذي كان يظن أنه الرجل الذي لا يموت.. وخلفه زنازين مملوءة بجثث الذين ينتظرونه في العالم الآخر بعد أن قضى حياته بالتنكيل بالسوريين".
رحل علي دوبا
— أكاد الجبل (@ElegancMad) June 21, 2023
رجل حافظ الأسد الأول
رئيس شعبة المخابرات السورية
ورئيس أمن النظام
ورئيس الزنانزين السرية المظلمة التي لا يعرف
طريقها الجن الأزرق..
رحل الذي كان يظن أنه الرجل الذي لا يموت..
وخلفه زنازين مملوء بجثثالذين ينتظروه
في العالم الأخر
بعد أن قضى حياته بالتنكيل بالسوريين
⬇️ pic.twitter.com/gOsVdzGAXu
أما الناشط السوري ورد فراتي، فكتب: "من نكد الزمان أن يمر عليك خبر موت الخسيس علي دوبا جزار الإعدامات الميدانية في معتقلات نظام آل الأسد بانقضاء الأجل، موت طلبناه بأيدي أولياء الدم وأصحاب الثأر، لكن قدر الله نافذ ﴿.. وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾".
من نكد الزمان أن يمر عليك خبر موت الخسيس علي دوبا جزار الإعدامات الميدانية في معتقلات نظام آل الأسد بانقضاء الأجل، موت طلبناه بأيدي أولياء الدم وأصحاب الثأر، لكن قدر الله نافذ
— ward furati (@wardfurati88) June 21, 2023
﴿.. وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ﴾ pic.twitter.com/oU4SFXGVJ0
كما قال الصحفي السوري عمر إدلبي: "قبل محاسبته وإنصاف ضحاياه من السوريين وغيرهم.. مات المجرم علي دوبا على سريره محاطا بعائلته..".
قبل محاسبته وإنصاف ضحاياه من السوريين وغيرهم.. مات المجرم علي دوبا... رئيس الاستخبارات العسكرية السابق في عهد مؤسس عصر الإجرام حافظ الأسد.. مات على سريره محاطاً بعائلته .. قبل أن تطاله مشنقة العدالة.
— عمر إدلبي Omar Edlbi (@OmarEdlbi) June 21, 2023
ويبقى أن ننتظر عدالة الله! pic.twitter.com/BDkUngWgwh