محمود توفيق.. وزير داخلية السيسي المسؤول عن القمع السري في سجون مصر

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وزير داخلية النظام المصري، محمود توفيق، نشأ مع جيل أمني صارم وتربى على يد أعتى وزراء الداخلية من أحمد رشدي وزكي بدر وصولا إلى حبيب العادلي ثم مجدي عبد الغفار.

ضمن آخر تحركاته، زار توفيق (62 عاما)، تونس في 28 فبراير/ شباط 2023، للمشاركة في قمة وزراء الداخلية العرب، حيث أعلن الدعم الكامل منه ومن رئيسه عبد الفتاح السيسي، للرئيس التونسي قيس سعيد وأجهزته الأمنية فيما أسماه "مسارهم الإصلاحي". 

وجاءت تصريحات توفيق من قلب تونس، في وقت تشهد فيه انتهاكات مروعة وحملة اعتقالات لناشطين سياسيين وقائمة طويلة من الشخصيات العامة المعارضة لسعيّد، الذي يمضي على خطى السيسي، مستخدما الأذرع الأمنية واليد الباطشة للسلطة.

ولطالما كانت وزارة الداخلية في مصر هي سلاح الحاكم الموجه للشعب، لذلك فلا عجب أن اختار المصريون في 25 يناير/ كانون الثاني 2011 (عيد الشرطة) للقيام بثورتهم.

ابن "أمن الدولة"

وولد الوزير محمود توفيق عبد الجواد قنديل، بمحافظة الجيزة في 3 أغسطس/ آب 1961. 

التحق بأكاديمية الشرطة في القاهرة وحصل منها على ليسانس القانون والشرطة عام 1982، برتبة ملازم أول، في عهد وزير الداخلية اللواء حسن أبو باشا. 

فور تخرجه التحق توفيق بجهاز أمن الدولة "سيئ السمعة" وبقي فيه وتدرب بداخله، حتى أصبح من نخبة ضباط الجهاز على مدار سنوات طويلة.

وعمل توفيق في إدارة مكافحة النشاط المتطرف، وهي أسوأ الإدارات سمعة وأكثرها تورطا في الانتهاكات والتعذيب والقتل، وهي المتهمة بقتل المواطن سيد بلال عام 2010 في الإسكندرية، وهي من الحوادث التي تسببت في اشتعال "ثورة يناير" لاحقا. 

وفي تلك الفترة كان توفيق من المسؤولين عن ملف "جماعة الإخوان المسلمين" داخل الجهاز.

وكتب الصحفي المصري عبد الواحد عاشور، مدير التحرير السابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط (حكومية) أن "محمود توفيق الملقب بـ(الثعلب) عمل لفترة طويلة في ملف النشاط الخارجي بجهاز أمن الدولة، تحديدا الشأن العربي".

وفي تغريدة نشرها في 14 يونيو/حزيران 2018، أضاف عاشور "كانت أول مرة ألتقيه فيها على عشاء بمنزل أحد الدبلوماسيين المصريين في العاصمة الأردنية عمان إبان الحرب الأميركية على العراق عام 2003". 

وتابع: "بعدها بأيام كان اللقاء الثاني بأحد مطاعم عمان، وكنت حينها مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في الأردن، بحضور عدد من الصحفيين والدبلوماسيين المصريين وبعض الضباط، حيث دار الحوار بالطبع حول الحرب على العراق، ونتائجها على المنطقة، ولاحظت إنصات الضابط محمود توفيق".

دشنه المحتل

ولمعرفة مدى خطورة جهاز أمن الدولة "الأمن الوطني حاليا"، الذي نشأ توفيق داخل أروقته، لابد من تتبع سياقاته ومهامه التاريخية، حيث أنشئ عام 1913 في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر.

حينها قرر المحتل تأسيس جهاز للأمن السياسي، بهدف تتبع أفراد الحركة الوطنية والقضاء على مقاومتهم، وسمي وقتها "قسم المخصوص"، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط.

واستعان الإنجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى إدارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقربا من المحتل.

وعقب معاهدة 1936 بين مصر والاحتلال الإنجليزي، تغير اسم "قسم مخصوص" إلى "القلم المخصوص" وأصبح يتلقى أوامره من الملك شخصيا، بعيدا عن وزارة الداخلية.

بعد ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 والإطاحة بالنظام الملكي حدثت تغيرات جذرية وعميقة داخل الدولة المصرية، إلا أنه من العجيب أن ظل كثير من آليات عمل "القلم المخصوص" مستمرا، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة تحت اسم "المباحث العامة". 

لكن بعد ثورة التصحيح التي أطلقها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1971، أعاد تسميته بـ"مباحث أمن الدولة"، ثم تغير مرة أخرى إلى "قطاع مباحث أمن الدولة"، وفي عام 1981 سمي "جهاز أمن الدولة" وهو المسمى الذي استمر عليه حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، ليسمى بعدها "قطاع الأمن الوطني". 

توفيق والثورة 

وقبل اندلاع شرارة الثورة كان محمود توفيق يشغل منصب نائب مدير إدارة أمن الدولة في محافظة القليوبية.

وبعد الثورة كان شاهدا على حادثة اقتحام المتظاهرين لمقرات جهاز أمن الدولة العتيد في 6 مارس/آذار 2011. 

وهي لحظة صعبة شاهدها وزير داخلية النظام، وكانت فارقة في مسير "ثورة يناير" حيث جاءت عناوين الصحف معلنة "سقوط دولة أمن الدولة"، باعتبار أن الجهاز هو الذراع الضاربة لنظام حسني مبارك في التحكم بالحياة السياسية، كما كان المتهم الأول في التعذيب وبث الرعب في نفوس المواطنين.

وفي منتصف مارس 2011، تقرر حل جهاز أمن الدولة، ووصفت وكالة "رويترز" البريطانية الجهاز بـ"البغيض" في تقرير أكدت فيه أن هذه الخطوة تمثل إنجازا مهما للثورة. 

بعد ذلك توجه توفيق للعمل الإداري داخل وزارة الداخلية، وعمل تحديدا في الإدارة العامة للنشاط الخارجى كمسؤول عن الملف الفلسطيني.

واستمر الوضع حتى عام 2015، عندما تقلد منصب نائب مدير قطاع الأمن الوطني بالقاهرة، حيث كان يترأسه اللواء سعيد حجازي.

وفي نفس العام خلال ديسمبر/ كانون الأول، أصبح نائبا لمدير الجهاز على مستوى القطر المصري، وكان يرأس الجهاز آنذاك اللواء شعراوي جمعة.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أصدر وزير الداخلية السابق، مجدي عبد الغفار، قرارا بتعيين اللواء محمود توفيق رئيسا لقطاع الأمن الوطني، بعد أسبوع واحد من عملية الواحات (20 أكتوبر) التي نفذتها عناصر مسلحة، وراح ضحيتها 16 من ضباط وجنود الأمن.

وزير الانتهاكات 

وفي 14 يونيو/ حزيران 2018 أدى محمود توفيق، اليمين القانونية أمام رئيس النظام السيسي، وزيرا للداخلية، خلفا للواء مجدي عبد الغفار.

التسلسل الأمني الذي سلكه توفيق من قاع الترتيب الإداري في وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة إلى القمة كوزير للداخلية، تجعله جزءا من الانتهاكات التي ارتكبتها تلك المؤسسة على مدار سنوات، خاصة في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013. 

لكن كونه وزيرا يحمله المسؤولية القانونية والتاريخية لما يحدث من انتهاكات، ففي تقريرها العالمي لعام 2022، أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، أن "محاولات مصر خلق انطباع التقدم في حقوق الإنسان لم تخف القمع الحكومي الوحشي لجميع أنواع المعارضة".

وشددت المنظمة على أن "حكومة السيسي استمرت  بالسير في الطريق المعتاد للقمع الذي لا يعرف الهوادة".

وأضافت أن "قوات أمن النظام تصرفت بحصانة من العقاب، وارتكبت بشكل روتيني القتل خارج نطاق القانون، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب بحق النشطاء السياسيين أو المشتبه بهم وكذلك المواطنين العاديين".

ففي وقت اشتهر فيه وزراء الداخلية السابقون بانتهاكات "سجن العقرب" أحد أسوأ السجون في التاريخ المصري ضد المعتقلين السياسيين، فإن توفيق يشتهر حاليا بـ"سجن بدر" الجديد شديد الحراسة، والذي وصف من قبل حقوقيين أنه يفوق "العقرب" شراسة وخطورة.

حتى إنه في 20 يناير/كانون الثاني 2023، نشرت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ومقرها لندن، مجموعة رسائل مكتوبة بخط اليد، قالت إنها مسربة من معتقلين داخل سجن بدر. 

المعتقلون وصفوا السجن بأنه "الأقسى على الإطلاق بين السجون المصرية" المعروفة بسمعتها السيئة وشدتها على نزلائها.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، قدر السيسي عدد المعتقلين في مصر بنحو 55 ألف سجين.

لكن منظمات حقوقية، منها "العفو الدولية" و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، قدرت المعتقلين السياسيين بقرابة 65 ألفا، وجميعهم يقبعون تحت رحمة وزارة الداخلية ووزيرها اللواء توفيق، الذي شهد بنفسه افتتاح مجمع سجون بدر في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2021. 

وكان مركز "النديم" لحقوق الإنسان قد أصدر تقريره في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، عن سجن بدر، أكد فيه أن "المعتقلين يتعرضون لأصعب أنواع التعذيب البدني والنفسي، من المراقبة بالكاميرات 24 ساعة، وتسليط الإضاءة المستمرة عليهم بالليل، مع الإهمال الطبي الجسيم"، حتى إنه وصفت الوضع بـ"القاتل". 

وكل ذلك يتم تحت أعين وزير الداخلية توفيق، الذي ينضم إلى قائمة من وزراء التعذيب والانتهاكات مثل سابقيه مجدي عبد الغفار وأحمد جمال الدين ومحمد إبراهيم.