لوبي المحروقات بالمغرب.. كيف يتحكم فيه أخنوش ويعزز ثروته من خلاله؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

كشف سؤال برلماني موجه لوزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح العلوي عن شبهة وجود تلاعب في شواهد إقرار مصدر استيراد المواد النفطية بميناء طنجة شمالي البلاد واستغلال السلطة لمضاعفة الأرباح على حساب عموم المواطنين.

السؤال المعني، وجهه البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي عبد القادر الطاهر، وفق ما نقل الموقع المحلي "إفريقيا بلوس"، 25 فبراير/شباط 2023.

 وقال الطاهر إن بعض الشركات تستورد المواد النفطية السائلة لتلبية حاجيات السوق الوطنية بإدخال الغازوال (السولار) الروسي بصفته الأرخص، إذ لا يتجاوز ثمنه 170 دولارا للطن وأقل من 70 بالمئة من الثمن الدولي.

وأضاف أن الشركات المستوردة للغازوال الروسي تغير في وثائق وشواهد مصدره، كأنه آت من الخليج أو الولايات المتحدة الأميركية، وتبيعه بالسعر الدولي داخل التراب الوطني.

ونبه النائب البرلماني إلى أن هذه الشركات تحقق عبر العملية المذكورة أرباحا مهولة، وكل ذلك يحدث بتواطؤ صريح للشركة المسيرة لمخازن الوقود بميناء طنجة المتوسط، وبعيدا عن مراقبة الأجهزة المالية للدولة.

وطالب النائب وزيرة الاقتصاد والمالية بمعرفة الإجراءات التي سيجري اتخاذها لضبط مصادر استيراد الوقود وثمنه.

"قنبلة مدوية"

في تفاعله مع الخبر، وصف موقع "تيليكسبريس" المحلي، 25 فبراير 2023، السؤال البرلماني وما تضمنه من معطيات بـ "القنبلة المدوية في وجه حكومة عزيز أخنوش".

وذكر المصدر أن الشركات العملاقة المتورطة في هذه الشبهة، وعلى رأسها شركة رئيس الحكومة، باعتباره الفاعل الأول في قطاع المحروقات في المغرب، "تتاجر في الأزمة الحالية، وتراكم أرباحها على حساب جيب المواطنين".

فضلا عن أنها "تتستر على أرباحها الحقيقية، وتتحايل على البنوك التي ترفض أصلا تموين المنتج الروسي".

وقال الموقع إن المغرب ضاعف وارداته من النفط الروسي الذي بلغ نحو 140 ألف طن منذ بداية 2023، وذلك، قبل حلول الحظر الكامل لواردات المنتجات النفطية الروسية المحدد في فبراير 2023.

وذكر أن بيانات شركة "ريفينتيف"، وهي واحدة من أكبر مزودي المؤشرات الخاصة بالأسواق المالية في العالم، كشفت أن حجم واردات المملكة من "الديزل" الروسي، ارتفع سنة 2022 إلى 735 ألف طن، مقارنة بـ 66 ألف طن في العام الذي سبقه.

وأوضح المصدر أن هذه المعطيات تشير إلى أن الغازوال الروسي المنخفض التكلفة يغذي بنسبة كبيرة السوق الداخلية للمحروقات بالمغرب.

ويحدث هذا في وقت تحافظ فيه محطات التوزيع على أثمنتها المرتفعة، مما يؤكد مراكمة الشركات المستوردة أموالا طائلة على حساب القدرة الشرائية للمواطن.

في تفاعلها مع هذه المراسلة والأخبار المرتبطة بها، قالت القيادية بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، إن الحكومة لم تتدخل لتصحيح هذه الأخبار أو نفيها أو إثباتها، رغم كل ما أحدثته من ضجة، معبرة عن اعتقادها بصحة ما تضمنه سؤال البرلماني.

وشددت الشويكة لـ "الاستقلال"، أن وزارة الاقتصاد والمالية، والحكومة عموما، تعاملت مع الموضوع كالعادة، عبر تبني سياسة النعامة، أي دفن الرأس في الرمل، دون انشغال أو جواب على ما يعتمل الرأي العام الوطني.

ورأت القيادية النقابية أن السؤال ومعطياته هو قنبلة إعلامية وسياسية، ولذلك كان من المفترض أن تحدث ضجة كبيرة.

واستدركت: "لكن لم يحدث ذلك، أو على الأقل بالشكل المطلوب رغم خطورته"، وترى أن هذا الأمر مثير للاستغراب، خاصة وأنه في السابق كانت المواقع الإخبارية تشغل الرأي العام المحلي بقضايا وأحداث أقل خطورة من هذا بكثير في الولايات الحكومية السابقة.

بدوره، قال الكاتب الصحفي مصطفى الفن في افتتاحية نشرها موقع "آذار" المحلي، 26 فبراير 2023، إن "الاستيراد المفترض للغازوال الروسي ليست قنبلة إعلامية حقيقية فقط، بل قضية دولة بالمعنى السياسي".

وأردف الفن، "المفروض أن يتوقف كل شيء، بعد تفجير هذه القنبلة، ما لم نعرف حقيقة وهوية هذه "المافيا" العابرة للحدود والتي تريد شرا بالوطن.

وتابع الكاتب الصحفي، كما من المفترض أيضا أن تقوم الدنيا ولا تقعد حتى نعرف حقيقة هذا الجشع الذي يهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي لبلد بكامله.

واسترسل أن المثير في هذا كله هو أن كثيرين تعاملوا مع هذه "القنبلة" كما لو أنها خبر عادي من أخبار "المنوعات"، وربما خبر لا يستحق حتى أن ينشر في صفحة داخلية من الصحف.

وشدد الفن أن عزيز أخنوش له مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية في هذه القضية ذات الحساسية الخاصة، ليس لأنه رئيس حكومة المغرب فقط، ولكن أيضا لأنه الفاعل رقم واحد في المحروقات.

ولذلك، أكد الكاتب أن من المفترض أن يخرج إلى العلن لتنوير "زبنائه" المغاربة بالمعلومة الصحيحة والدقيقة حول هذا "الغزو الروسي" للأسواق المغربية في ظرفية غلاء صعبة تجتازها البلاد.

وأكد الفن أن "التزام الصمت من طرف الحكومة والفاعلين في المحروقات وحتى الفيسبوك، ليس حلا، حتى لا نقول إن هذا الصمت قد يوسع رقعة الاحتقان ليس إلا".

تعطيل المنافسة

نقل موقع "آشطاري" المحلي، 24 فبراير 2023، أن السؤال البرلماني للفريق الاشتراكي بمجلس النواب، لم يكن الوحيد الذي تطرق لهذا الموضوع، ولسياسة تدبير الحكومة لملف المحروقات.

وذكر أن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، طالبت الحكومة بالكشف عن أسباب تأخر إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 40.21 المغير والمتمم للقانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة.

وأيضا القانون رقم 41.21 المغير والمتمم للقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة الصادران بالجريدة الرسمية عدد 7152، بتاريخ 15 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وهذا المجلس هو مؤسسة حكومية مسؤولة عن ضمان شروط الشفافية واحترام قواعد المنافسة. وأشارت المجموعة إلى أنها وجهت سؤالين في الموضوع، واحدا لوزيرة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، والثاني لرئيس الحكومة.

وأوضحت أن خلفيات سؤاليها، تتعلق بما كشف عنه رئيس مجلس المنافسة أحمد رحو، خلال ندوة صحفية عقدها بداية شهر فبراير 2023، عن انتظاره إفراج الحكومة عن هذه المراسيم التطبيقية.

وأكدت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية أن إصدار هذه المراسيم التطبيقية مهم جدا ليتسنى للمجلس إجراء تحقيقات في ملفات يثار حولها نقاش كبير، مرتبط بغياب المنافسة والتواطؤ، في السوق الوطنية، خاصة بين شركات توزيع المحروقات.

وسبق لهيئات عديدة أن انتقدت تلكؤ الحكومة في إصدار هذه المراسيم التطبيقية، من ضمنها نقابة "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" التي وجهت رسالة إلى رئيس الحكومة أخنوش، تطالبه فيها بوقف تعطيل صدور قرار المنافسة.

وشددت النقابة أن عدم إخراج المراسيم التطبيقية لقانون حرية الأسعار والمنافسة ولقانون مجلس المنافسة، يجعل الشكاية المطروحة على المجلس منذ 15 نوفمبر 2016 حول شبهة الممارسات المنافية للمنافسة في سوق توزيع المحروقات بالمغرب، تراوح مكانها.

كما سبق لموقع "مدار 21" المحلي، 27 سبتمبر/أيلول 2022، أن نقل عن مجلس المنافسة، قوله بأن قطاع المحروقات مربح جدا، ويحقق نسب مردودية مالية مرتفعة للغاية.

وأوضح المجلس، ضمن رأي له أن أسـواق الغـازوال والبنزيـن تتسـم بنسـبة عاليـة من التركيز، سـواء فـي المراحل الابتدائية أو النهائيـة لسلسـلة القيمـة.

وأوضح المجلس أنه يمكـن تفسـير هـذا الوضـع القائـم بمسـتوى المردوديـة الماليـة المرتفـع للغايـة الـذي يمكـن أن يحققـه هـذا النشـاط، ولا يشـجع الفاعليـن علـى التنافـس بواسـطة الأسـعار فـي هـذه الأسواق.

وأكد أن النتائـج الإيجابية المتعلقـة بحسـاباتهم الماليـة تظـل مضمونـة أو شـبه مضمونـة، بصـرف النظـر عـن الظرفيـة أو عـدد الفاعليـن.

وبين أن هـذه الوضعيـة تفسـر، إلـى حـد كبيـر، غيـاب خـروج أي مـن الفاعليـن مـن هـذه الأسـواق طـوال العشـر سـنوات الماضيـة

وشدد المجلس على وجود "ســلوكيات ســلبية للفاعليــن في القطاع، الذيــن أبطلوا أيـ منافسة علــى أســعار البيــع"، منتقدا غياب انعكاس انخفاض سعر البرميل دوليا على السوق المحلية.

تفاعلات فيسبوكية

عدد من الناشطين عبروا عن استغرابهم لما تضمنه السؤال البرلماني، مطالبين بفتح تحقيق في الموضوع، محذرين من تبعاته الاقتصادية والسياسية.

وفي هذا الإطار قال محمد نجيب البقالي البرلماني السابق والقيادي بجمعية "محامون من أجل العدالة"، إن صح ما جاء في هذا السؤال البرلماني، فإننا لم نعد أمام شركات نهبت الوطن والمواطنين وساهمت في تجويع شعب وطبقاته الفقيرة والمتوسطة، بل أمام أفعال جرمية تقترب من منطق العصابة، تزور الوثائق وتغتني على ظهر بسطاء الوطن.

وأردف البقالي في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 24 فبراير 2023، "أشكر هذا النائب على جرأته في زمن الخوف من تغول المال على الشعب وشرائه الذمم، وأنا على يقين أن 90 بالمئة من البرلمان الحالي غير قادر على التفكير في هذا السؤال فبالأحرى كتابته فبالأحرى طرحه".

وأما الناشط السياسي عياد الوجكَالي، فأجرى عملية حسابية لتبيان الأرباح الهائلة للوبي المحروقات من شراء الغازوال الروسي وبيعه بالسعر الدولي في المغرب.

وكتب في تدوينة على حسابه بفيسبوك، 24 فبراير 2023: "طن من الغازوال الروسي 170 دولار حوالي 1770 درهما، الطن يساوي تقريبا 1180 لتر، يعني ثمن لتر هو 1,5 درهم".

ليردف متسائلا: "من يبحث الآن عن الفتة، من لم يجد ما يطعم به فلذات كبده، أم من يشتري الغازوال الروسي ويبعه بثمن سوق روتردام؟".

من جانبه، انتقد أحمد زروال، في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، 24 فبراير 2023، الصمت الإعلامي على هذه الواقعة، قائلا إنها فضحية كبيرة جدا والكل اختار الصمت.

وأضاف زروال، نحن أمام خيارين، أحدهما أن القضية حقيقية، أو أن الفريق الاشتراكي يكذب، مشددا أن ما يقع ليس بالهزل أو نكتة، لكي نصمت أمامها بهذا الشكل.

بدوره، انتقد الصحفي المقرب من السلطة، رضوان الرمضاني، في تدوينة على حسابه بفيسبوك، 25 فبراير 2023، ضعف تفاعل الحكومة ووزيرة الاقتصاد والمالية مع الموضوع.

وأضاف "يزعِجني كثيرا أن تُطرَح أسئلة، وقضايا، بهذه الحساسية، فلا تجِد من يتفاعل، بالسرعة المطلوبة، معها، كما لو أن الحكومة تُعوِّل على الزمن ليداوي ما ينبغي أن يداوى بتدخل قصير".

وأردف: "لو كانت وزيرة الاقتصاد والمالية تفهم في السياسة قليلا، لكانت خرجت لتُوضِّح حقيقة الموضوع، إما بنفيِه أو تأكيده، واتخاذ الإجراءات اللازمة".

وبين أنه "لو كان رئيس الحكومة يعي درجة الخطورة التي يسببها هذا الأسلوب في مُعالجة ما يروج لكان أمر وزيرته في المالية بالتحرك والتوضيح".

وتابع الرمضاني: "لكن لا شيء من هذا حدث، وربما تنتظر الوزيرة أن تجيب البرلماني عبر الوسائل "الكلاسيكية"، دون أن تنتبه إلى ارتدادات هذا النوع من "الأخبار" على نفسية الرأي العام".

ويرى الصحفي أنها أول حكومة تعشق خلق المتاعب لنفسها، كما لو أنها تتلذذ بذلك، وهي في الواقع تساهم في تجييش الرأي العام ضدها، وتساهم، بكَسَلِها التواصلي والتفاعلي، في شحن الأجواء، مردفا: "وهذا يعني أمرا من اثنين: خوفا مُبالغا فيه، أو هِواية سياسية".

مراكمة الثروة

تعليقا على هذا التفاعل، قالت القيادية النقابية والناشطة السياسية حليمة الشويكة لـ "الاستقلال"، إن الإعلام هو ضمير الرأي العام، وكان مطلوبا منه إحداث استنفار، والضغط من أجل فتح تحقيق في الموضوع.

وشددت أن هذا التحقيق مطلوب وبشدة، لأن ما وقع كارثة ومصيبة كبيرة جدا، محذرة من ترك الأمور على حالها دون تفاعل لائق ومناسب.

وترى الشويكة أن ما يقع، وفي ظل وجود رئيس الحكومة على رأس الفاعلين في قطاع المحروقات، يجعل الرأي العام المغربي، يبني فكرة لا لبس فيها، من أن أخنوش يستغل السلطة لمراكمة الثروة والحفاظ على أرباحه، بمعية لوبي المحروقات.

وذكرت أن الدليل الأبرز على هذا، أن ثروة أخنوش تضاعفت من 2022 إلى 2023، وفق تقارير فوربس لقوائم الأثرياء في العالم، مشيرة إلى أن مصدر ثروته الأساسية هو المحروقات.

وشددت الناشطة أن هذا الواقع يفسر سر سكوته وحكومته عن ما يتعلق بملف المحروقات، وما يرتبط به، سواء من قريب أو بعيد.

وهو ما يؤكد أيضا الخطر الداهم الذي يشكله تضارب المصالح على المغرب، اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا.

وأشارت الشويكة إلى أن الحكومة بمقدورها نفي كل هذا التفسير بالخروج للمواطنين والتواصل معهم، وتوضيح الحقائق لهم، بكل صدق وشفافية، وإلا، تردف المتحدثة ذاتها، الصمت لن يزيد هذه الآراء سوى قوة وتجذرا.

وكان وزير الميزانية الأسبق، إدريس الأزمي الإدريسي، أكد أن الزيادات الأخيرة في أسعار الغازوال والبنزين غير مبررة وغير مفهومة وتنم عن تواطؤ الحكومة التي لم تتدخل لمعالجة الأمر.

وشدد الأزمي، في تصريحات لبرنامج "صوت الناس" براديو "أصوات"، 24 فبراير 2023، أنه لا يمكن بأي حال تفسير ارتفاع المحروقات بارتفاع الأسعار على مستوى السوق الدولية.

واستشهد في هذا الصدد، بسعر البرميل الذي بلغ على المستوى العالمي 85 دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لكن الأسعار بقيت نفسها ولم تتغير.

إذ بقي سعر الغازوال في حدود 10:50 دراهم والبنزين بـ 11:50 درهم، بينما البرميل اليوم لم يتعد 80 دولارا والأسعار في ارتفاع مستمر.