وليد الأعظمي.. شاعر الشعوب المسلمة الذي لا يغيب عن ذاكرة العراقيين

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

"أديب، موسوعي، شاعر الشعوب المسلمة"، هذه الألقاب وغيرها تطلق على وليد الأعظمي، أحد رموز الحركة الإسلامية في العراق لعقود طويلة من الزمن استمرت منذ العهد الملكي (1920- 1958) وحتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

في 22 فبراير/شباط 2004، رحل الشاعر العراقي وليد الأعظمي عن عمر بلغ 74 عاما، بعد عقود من العطاء في مجال الشعر والأدب والتاريخ والخط، لذلك كان يطلق عليه أبناء مدينة الأعظمية مسقط رأسه (شرق بغداد)، "الرجل الموسوعي".

وبعد 19 عاما على رحيله، استذكر العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي في 22 فبراير 2023، الشاعر، ووصفوه بأنه رمز من رموز الأعظمية خاصة والعراق عامة، وقامة كبيرة من قامات الإبداع الذي لم يعط حقه مهما كتب عنه.

قامة كبيرة

وعن سيرته، يقول الشيخ أحمد حسن الطه رئيس المجمع الفقهي العراقي (سني)، إن وليد ليس شاعرا ولا كاتبا ولا يقال عنه مؤرخ ولا يصح أن يسمى بالخطاط.

بل يجب أن تجمع كل هذه الألقاب بلفظ أدق ويطلق عليه الموسوعة، لما جمعه من علوم ومهن توشحت بالطابع الديني، وفق ما أوضح الطه في حديث نقله موقع "الجزيرة نت" في 21 فبراير 2020.

وبين أن "أمثال الأعظمي لا يمكن نزعهم من منصب العلماء وقدوات المجتمع حتى بعد رحيلهم عن الحياة وستبقى سيرتهم كما مؤلفاتهم مصادر ومراجع لطلبة العلم".

ولفت إلى أن "رحيل الأعظمي كان خسارة مؤلمة لدعاة الأمة الإسلامية وعلمائها جميعا".

وأطلق على الأعظمي العديد من الألقاب في حياته وبعد مماته، إذ لقّبه الأديب العراقي الراحل، بهجت عبد الغفور الحديثي، بـ"شاعر القصيدة الإسلامية الأول في العراق".

واشتهر الراحل وليد الأعظمي بأنه "شاعر الحقائق"، وهو اللقب الذي أطلقه الداعية والعالم العراقي نور الدين ابن الشيخ رضا الواعظ بسبب تناول الراحل الحقائق بأسلوبه الشعري.

وصفه يوسف القرضاوي الداعية الإسلامي الراحل والرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بأنه "شاعر الشعب يشدو له حين يفرح، ويبكي حين يأسى، ويزأر من أجله حين يُظلم، ويصرخ صراخ الحارس اليقظ إذا أهدرت حقوقه، أو ديس في حماه، وشعبه هم المسلمون في كل مكان، عربا كانوا أم عجماً، بيضا كانوا أو سودا، رجالا كانوا أم نساء".

كما وصفه القرضاوي، بأنه "شاعر الإسلام"، مبينا أن "كل شاعر حقيقي للشعب، لابد أن يكون شاعرا للإسلام، فالإسلام هو دين الشعب ومنهجه الذي ارتضاه الله له، وارتضاه هو لنفسه بمقتضى عقد الإيمان".

ابن الأعظمية

ولد وليد عبد الكريم إبراهيم الأعظمي سنة 1930 في "الأعظمية" المدينة التي أخذت اسمها من اسم الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، وهو من قبيلة "العُبيد" العربية القحطانية الحميرية.

انتسب الراحل إلى مدرسة الأعظمية الأولى وأكمل الدراسة الابتدائية فيها، لكنه لم يكمل في بداية الأمر الدراسة الجامعية لانشغاله في إشباع شغفه بتعلّم الخط والشعر العربي منذ بواكير الصبا.  

لكنه انتسب إلى معهد الفنون الجميلة ببغداد، قسم الخط العربي والزخرفة الإسلامية، وتخرج فيه، وتعلم فن التركيب في الخط العربي على يد الخطاط التركي الشهير ماجد بك الزهدي، كما رافق الخطاط النابغة هاشم محمد البغدادي عشرين عاما، اغترف خلالها الكثير.

وقد نشأ في بيئة دينية وأسرة محافظة على دينها، فقد كان في شبابه يحرص على حضور دروس العلماء الراحلين في مساجد الأعظمية.

ومنهم: قاسم القيسي (مفتي بغداد) وتقي الدين الهلالي، ومحمد القزلجي الكردي، والقادر الخطيب، وحمدي الأعظمي، وأمجد الزهاوي.

بدأ نظم الشعر وهو ابن خمسة عشر عاما، وكان قبل ذلك بقليل ينظم "الزجل" أو الشعر الشعبي كما يعرف باللهجة العامية العراقية.

وكان خاله الأديب مولود أحمد الصالح كان يوجهه ويرعاه ويصحح له بعض الأوزان ويبدل بعض الكلمات.

وفي عام 1946 افتتحت جمعية الآداب الإسلامية فرعا لها في الأعظمية، فكان ينشر فيها بعض المقطوعات الشعرية بعد أن يراجعها ويصححها الأستاذ المصري محمود يوسف المدرس في دار المعلمين بالأعظمية.

ذاع صيته وانتشرت قصائده وأشعاره في العالم العربي كله، وكان الشباب المسلم يترنم بها في كل مكان وينشدها في المناسبات.

إذ أسهم بإلقاء الكثير منها في البلدان التي زارها مثل: الكويت، وسوريا، والأردن، وفلسطين، ومصر، والجزائر، والسعودية، والإمارات، واليمن وغيرها.

داعية نشيط

أولى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في العراق الشيخ محمد الصوّاف، عناية كبيرة بالشاعر الراحل وليد الأعظمي، فكان يشجعه ويقدمه في المحافل العامة لينشد الشعر الإسلامي وينشره في مجلة "الأخوة الإسلامية" كما كان يصحبه في زيارة المدن العراقية.

وبناء على ذلك، عاش الأعظمي داعية من دعاة الإخوان المسلمين، وشاعرا من شعراء الإسلام المعاصرين، وسخّر كل طاقاته وإمكاناته لخدمة المسلمين داخل العراق وخارجه، فكان يعيش قضاياهم ويتفاعل مع الأحداث، ولاسيما في العالم الإسلامي.

وقد ساهم في تأسيس "جمعية الأخوة الإسلامية" 1950، وشارك في جميع أنشطتها من المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمخيمات والمعسكرات الكشفية، والتمثيليات والمسرحيات والأناشيد الإسلامية وغيرها.

وحصل على إنجازات في فن الخط العربي من الخطاط المصري الشهير محمد إبراهيم البرنس ومن خطاط مصحف مكة المكرمة محمد طاهر الكردي، ومن الخطاط أمين البخاري (خطاط كسوة الكعبة المشرفة) وغيرهم من الخطاطين المعروفين.

وكان الأعظمي عضوا مؤسسا في الحزب الإسلامي العراقي (الذراع السياسي للإخوان المسلمين بالعراق) عام 1960، إضافة إلى أنه أحد مؤسسي جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين، وكذلك عضو مؤسس لجمعية الخطاطين العراقيين، وساهم بتأسيس منتدى الإمام أبي حنيفة في الأعظمية.

كما كان الأعظمي خبيرا في شؤون المصاحف في وزارة الأوقاف العراقية، وخبيرا في فن الخط العربي وتاريخه وآدابه في وزارة الثقافة والإعلام، واشتغل خطاطا في المجمع العلمي العراقي، ومصححا في مطبعته لمدة عشرين سنة.

وترأس الشاعر الراحل نادي التربية الرياضي في مدينة الأعظمية لمدة خمس سنوات، واستطاع أن يحقق النادي في عهده الفوز ببطولة العراق في رياضة المصارعة التي تشتهر بها مدينته.

صاحب قضية

نشرت للراحل الكثير من القصائد والمقالات والبحوث في النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفن في عدد من المجلات.

ومنها: الوعي الإسلامي في الكويت، ومجلة المجتمع ببيروت، والمجمع العلمي العراقي، والرسالة الإسلامية ببغداد، ومجلة التربية الإسلامية ببغداد، وبعض الصحف اليومية ببغداد مثل: الأيام، والبلد، والسجل، والجمهورية وغيرها.

وكان الأعظمي يعيش قضايا أمته الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي كلها وليس مختصا بقطر دون آخر، فالعراق والعالم العربي كله، والعالم الإسلامي برمته، هو شغله الشاغل.

فهو يتحدث عن فلسطين وكشمير وقبرص والفلبين والشيشان والجزائر وزنجبار وسائر الأقطار الإسلامية التي نابتها النوب.

للشاعر الراحل دواوين كثيرة أهمها: الشعاع، الزوابع، أغاني المعركة، نفحات قلب، وقد جُمعت كلها في حياته في مجلد كبير، تحت عنوان "ديوان وليد الأعظمي".

وأما مؤلفاته النثرية، فهي: شاعر الإسلام حسان بن ثابت، المعجزات المحمدية، تراجم خطاطي بغداد المعاصرين، الرسول في قلوب أصحابه، مدرسة الإمام أبي حنيفة، تحقيق ديوان الأخرس، تحقيق ديوان العُشاري، الخمينية، السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني.

وأيضا: هجرة الخطاطين البغداديين، شعراء الرسول، تاريخ الأعظمية، تحقيق ديوان عبدالرحمن السويدي، أعيان الزمان وجيران النعمان في مقبرة الخيزران، ذكريات ومواقف، ورجال من قبيلة العبيد.

وتقديرا لذلك الأثر خصصت رسائل جامعية لشخص الراحل، منها رسالة ماجستير للطالب ناجي محمد ناجي السوري من جامعة الجزرية بالسودان، ورسالة أخرى من جامعة "أم القرى" بعنوان (شعر وليد الأعظمي) للطالب فلاح العتيبي.

مناوئ للاحتلال

ومن ضمن أشعاره في حب فلسطين، كتب الراحل:

إيه فلسطين للتاريخ دورته .. وللحوادث إيراد وإصدار

نمنا زماناً وكان الخصم منتبها.. من نام خاب ولم تسعفه أقدار

إنا على موعد يا قدس فانتظري.. يأتيك عند طلوع الفجر جرار

جيش تدرّع بالإيمان يدفعه.. لنصرة الحق تأكيد وإصرار

ومن أواخر قصائده قصيدة نظمها - وألقيت بالنيابة عنه بسبب مرضه - في احتفالية البردة النبوية التي أقيمت في مدينة الموصل شمال العراق في شهر يوليو/تموز من العام 2003، ومن أبياتها:

عاهدت ربي أن أظل مجاهدا.. أشدو بميلاد النبي قصائدا

أدعو الأنام بها إلى سبل الهدى.. مستنهضا منهم شعورا خامدا

وأبث في روح الشباب عزيمة.. تذكي بأعماق القلوب مواقدا

وفي آخر قصيدة له عن العراق، والتي نشرتها صحيفة "دار السلام" العراقية بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة، والتي أعرب فيها الشاعر وليد الأعظمي عن أسفه وألمه لوضع البلاد وشعبه وهو يرزح تحت وطأة الاحتلال في إشارة إلى جيوش الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وأنشد قائلا:

في كل مؤتمـر تبدو مبـادرة.. فيها لشباننا الأبطـال تخـذيل

يقررون ويحتجـون لاهـية.. قلوبهـم فـهي أدوار وتمـثيل

لا ينبسون بحرف فيه بارقـة.. من الصمود ليستقوي بها الجيل

وكان لإعلان احتلال العراق في 9 أبريل/نيسان 2003، أثر كبير في تدهور حالته الصحية، فقد كان شديد الحزن لسقوط بغداد أمام ناظريه واجتياح العربات العسكرية الأميركية مدن بلاد الرافدين، إذ فاضت روحه إلى بارئها بعد أقل من عام على وقوع هذا الحدث.