هجوم على سفارة أذربيجان في إيران.. ما خلفيات التوتر ومستقبله؟

رمضان بورصا | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

كان خروج إيران خلال حرب قره باغ في عام 2020 عن الرواية الأذربيجانية، وموقفها الموالي لأرمينيا، بمثابة إيذان ببداية التوتر في العلاقات بين البلدين.

وأطلق الجيش الأذربيجاني بدعم من تركيا في 27 سبتمبر/ أيلول 2020، عملية لتحرير  إقليم "قره باغ"، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوما، جرى توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، ينص على استعادة باكو السيطرة على أراضيها المحتلة منذ 30 سنة وفق جدول محدد.

وتعارض إيران فكرة شق ممر لوجستي يحوي طرقا سريعة وخطوط سكك حديدية عبر الأراضي الأرمينية في منطقة "زنغازور" من أجل ربط أذربيجان بإقليم ناخيتشيفان ذاتي الحكم، ما يعني اتحاد تركيا مع "العالم التركي" وسط آسيا.

ومنذ 2020، شهدت العلاقات بين إيران وأذربيجان مدا وجزرا، لكنها لم تهدأ قط، ولا يبدو أنها ستعرف الهدوء قريبا، مع تعرض السفارة الأذربيجانية في طهران في 27 يناير/ كانون الثاني 2023، لهجوم مسلح أدى إلى مقتل مسؤول أمن السفارة وإصابة اثنين من الموظفين.

جذور التوتر

وترى أذربيجان أن إيران كانت ومازالت تسعى لمنع تحرير قره باغ من الاحتلال الأرميني.

بينما ترى إيران أن جهود أذربيجان لتحرير إقليم قره باغ، الذي يعد أرضا أذربيجانية وفقا لقرارات الأمم المتحدة، محاولة لتغيير الجغرافيا السياسية للمنطقة.

واتهم الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، في أكثر من مناسبة إيران بتقديم الدعم اللوجستي للأرمن في إقليم قره باغ، ومنح لوحات ترخيص للشاحنات الأرمينية، ولهذا تحركت السلطات الأذرية واعتقلت سائقي هذه الشاحنات.

وفي المقابل، وجهت إيران اتهامات إلى أذربيجان بالتآمر ضدها، كما ادعت أنها سمحت لجنود إسرائيليين بالدخول والانتشار في أراضيها. 

وصرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في بيان صدر في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 قائلا: "أخبرنا باكو أننا لن نتسامح على الإطلاق مع وجود عناصر من الكيان الصهيوني بالقرب من حدودنا".

وردا على ذلك، رفضت أذربيجان مزاعم إيران بشكل واضح، وقال علييف: "يُزعم أن باكو أحضرت إسرائيليين إلى هذه المناطق، هل هناك دليل؟ فليفتحوا أعينهم ويروا، أين رأوا إسرائيل هنا؟".

وبينما تصر إيران تأكيد مزاعمها بشأن الوجود الإسرائيلي في أذربيجان، تواصل إدارة باكو رفض وإنكار هذه المزاعم.

إضافة لذلك، من المؤكد أن تعيين أذربيجان سفيرا لها لدى إسرائيل سيصعد التوترات إلى نقطة مختلفة.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قررت أذربيجان بعد موافقة البرلمان، فتح سفارة لها في إسرائيل، في خطوة قابلتها الأخيرة بالترحيب والإشادة. 

ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية القرار بـ"التاريخي"، وقالت: "ستكون هذه أول سفارة في إسرائيل لدولة ذات أغلبية شيعية وحكومة شيعية".

ويوجد لإسرائيل سفارة في باكو منذ عام 1992، لكن الأخيرة لم تفتتح السفارة بعد في تل أبيب.

وتعهد الرئيس الأذربيجاني وقتها حيدر علييف بفتح سفارة في إسرائيل وأرسل مستشاره للسياسة الخارجية فافا جولزاد لزيارة تل أبيب، لكن لأسباب سياسية، لم تقدم باكو على تلك الخطوة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التعاون الإستراتيجي بين أذربيجان وإسرائيل نما خطوة بخطوة.

وفي عام 2021، لم يؤد إنشاء بعثة تجارية وسياحية أذربيجانية في إسرائيل إلى توسيع الشراكة بين الجانبين فحسب، بل أشار أيضا إلى نية باكو إقامة وجودها في إسرائيل بشكل نهائي، وفق ما يقول مركز "Topchubashov" للتحليل السياسي (مقره باكو).

ونهاية يوليو/تموز 2021، افتتحت تل أبيب وباكو الممثلية الأذربيجانية المذكورة في إسرائيل، وعدت وقتها خطوة أولى على طريق افتتاح السفارة الأذرية.

وفي وقت سابق من عام 2022، كتب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ رسالة تكريم لثلاثين عاما من العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان، دعا فيها الرئيس إلهام علييف لزيارة تل أبيب وفتح سفارة.

تركيا منخرطة

وبعيدا عن إسرائيل، يتشابك ما يجرى بين أذربيجان وإيران مع علاقات الطرفين بتركيا التي ساندت باكو في حربها بإقليم قره باغ عام 2020 بتزويدها بطائرات مسيرة.

ويعود تاريخ العلاقات بين أنقرة وباكو إلى فترة الدولة العثمانية. وأذربيجان دولة علمانية يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة معظمهم من الشيعة والعرق التركي.

ومن الممكن اعتبار قيام الدولة الأذربيجانية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حقبة جديدة في العلاقات التركية الأذربيجانية. 

لكن بدورها، أدت حرب قره باغ الثانية إلى وصول العلاقات التركية الأذربيجانية إلى ذروتها. 

فلم تكن الحرب التي استمرت 44 يوما وانتهت بوقف إطلاق النار في 10 نوفمبر 2020، سببا في تغيير حدود أرمينيا وأذربيجان فقط، بل إنها كانت سببا في تغيير المعادلة برمتها في منطقة القوقاز.

وعلى الرغم من توجيه إيران بعض التصريحات السلبية حول التدخل التركي في أذربيجان بعد وقف إطلاق النار، فإن موقف وزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف، كان أكثر وضوحا وصراحة في هذا الإطار.

وكان رد ظريف، على إلقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قصيدة "لا مشاركة في الوطن" للشاعر بهتيار فهابزاد خلال خطابه، في حفل موكب النصر الذي أقيم في باكو، سببا في حدوث أزمة دبلوماسية بين البلدين.

فقد صرح ظريف عبر حسابه على تويتر: "ألم يُخبَر أردوغان أن القصيدة التي تلاها بشكل غير صحيح في باكو تتعلق بالفصل القسري لمناطق أرس الشمالية عن موطنها الأصلي إيران. ألم يدرك أنه كان يتحدث ضد سيادة جمهورية أذربيجان؟".

وإثر ذلك، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير التركي لدى طهران، دريا أورس، وأعربت عن مدى انزعاجها من تلك القصيدة.

وقد انتهت "أزمة القصيدة" تلك، والتي اشتدت حدتها لفترة ما، بمكالمات هاتفية متبادلة بين وزيري خارجية البلدين.

ومع ذلك، فإن التصريحات التي أطلقتها إيران بعد حرب قره باغ، والتقييمات التي تبنتها إدارة طهران خلال "أزمة القصيدة"، تشير إلى أنها غير راضية عن التغييرات التي طرأت في جنوب القوقاز. 

المناورات العسكرية

وفي وقت تصاعدت فيه الأزمة بين البلدين، أجرت إيران تدريبات عسكرية واسعة النطاق على الحدود الإيرانية الأذربيجانية، في أكتوبر 2022.

كما أضافت إيران قسما من "الجسور المتحركة" إلى التدريبات العسكرية، التي تشمل عبور نهر أراس الذي يتدفق عبر حدود البلدين، إلى الأراضي الأذربيجانية.

وبينما فسرت الحكومة الأذربيجانية هذه التدريبات العسكرية على أنها "تهديد بالاحتلال"، وجه رئيس المؤتمر الأذربيجاني العالمي، آصف قربان، رسالة قاسية.

وأكد آصف قربان في هذه الرسالة أن "إيران دعمت أرمينيا خلال الحرب، وأنها لم تجرِ مناورات عسكرية على الحدود الأذربيجانية من قبل، كما وضح أن ما يقرب من 50 مليون أذربيجاني تركي حول العالم انزعجوا من هذه التدريبات".

وانتقد رئيس أذربيجان إلهام علييف بعدها بأيام إجراء إيران مناورات قرب حدود بلاده، معتبرا أنها "حدث مفاجئ جدا". وأضاف "هذا حقهم السيادي. ولكن لماذا الآن، ولماذا عند حدودنا؟".

وفي التدريبات الأخيرة  هددت كل من وسائل الإعلام الحكومية والمعارضة في إيران، الجارة أذربيجان وإسرائيل علانية. 

وفي هذا الإطار، ردت أذربيجان على طهران من خلال التدريبات والمناورات التي أجرتها على الحدود الإيرانية، في بداية نوفمبر 2022. 

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أي بعد حوالي شهر من بدء تدريبات الجيش الأذربيجاني، أجرى هو والجيش التركي تدريبات عسكرية مشتركة على الحدود الأذربيجانية الإيرانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي أردوغان تفاعل مع هذه المناورات المشتركة، التي أطلق عليها اسم "قبضة الأخ". وصرح عبر مداخلة هاتفية بأن هذه التدريبات "تظهر أننا مثل اللحم والعظم لبعضنا بعضا".

كما توجه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إلى باكو لمتابعة التدريبات العسكرية بشكل شخصي.

وفي التدريبات العسكرية المشتركة للجيشين التركي الأذربيجاني، نُفذت تمرينات مشابهة لتدريب "الجسور المتحركة"، الذي استخدمته إيران في مناوراتها، وذلك من خلال عبور نهر أراس والهبوط في منطقة تمثيلية للعدو. وهو ما بدا كأنه رد واضح على المناورات الإيرانية.

وقد أثار ذلك ردود فعل واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية، بعد نشر وزارة الدفاع الأذربيجانية مقطع فيديو لتلك التدريبات.

ردود فعل

وكان رد الفعل الأبرز، خلال فترة المناورات، من نصيب نائب قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني، علي أكبر بورجامشيديان.

وقال الأخير في بيان له: "تتضمن التدريبات، التي تجري في منطقة القوقاز الحساسة وعلى ضفاف نهر أراس، رسائل مختلفة. وبعد التدريبات، كان هناك تحرك للانضمام إلى إيران في منطقة ناخيتشيفان (نخجوان) ذاتية الحكم، حيث أراد سكانها الانضمام إليها".

وبهذا التصريح، هدد برجامشيديان بشكل علني بضم جمهورية ناخيتشيفان ذاتية الحكم، والتي هي جزء من أذربيجان، إلى إيران.

وقالت القناة 12 العبرية في أكتوبر 2021: حذر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي الرئيس علييف من أن “كل من يستأجر حفرة سينتهي به الأمر إلى الوقوع فيها”.

وفسرت القناة هذا التصريح بأنه “تحذير عسكري”. وبينت أن وجود إسرائيل هناك يقلق إيران خاصة بعد انتصار باكو في الحرب مع أرمينيا وتقلص نفوذ طهران في جنوب القوقاز.

وقد تضمنت المناورات الأذرية التركية المشتركة التي أعقبت بيان القائد العسكري الإيراني رسائل واضحة لطهران. 

وبالتزامن مع هذه التصريحات شديدة اللهجة والتدريبات العسكرية، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية تعيين قائد مجموعة البعثة الأذربيجانية التابعة للقوات المسلحة التركية اللواء بهتيار إرساي، مستشارا لوزير الدفاع الأذربيجاني ذاكر حسانوف. 

ويعد اللواء إرساي من أكثر قادة الجيش التركي خبرة في محاربة التنظيمات الإرهابية. وكان على رأس من أجلوا المواطنين الأتراك من تونس وليبيا خلال فترة الربيع العربي.

كما قاد أيضا الجنود الأتراك في أفغانستان، وكان أحد القادة المقاتلين ضد منظمة حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) المصنفة إرهابية، في منطقة جنوب شرق تركيا.

وفي الآونة الأخيرة، شغل منصب قائد بعثة القوات المسلحة التركية في أذربيجان. وبعد تعيينه مستشارا لوزير الدفاع الأذربيجاني، كان ظهور إرساي بزي الجيش الأذربيجاني بمثابة رسالة قوية تجاه إيران.

فقبل وقت قصير من تعيينه مستشارا لوزير دفاع أذربيجان، أعلنت السلطات الأذربيجانية أن خمسة جواسيس يعملون لصالح إيران، حاولوا جمع معلومات عن المسيرات التركية، وقد جرى اعتقالهم خلال التدريبات العسكرية المشتركة.

خطوات للوراء

من ناحية أخرى، فإن الاحتجاجات الممتدة التي تعيشها إيران منذ مقتل الشابة مهسا أميني، بالإضافة إلى جمود المفاوضات النووية في فيينا، والضغط على الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات الدولية، دفعت الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ خطوة للوراء فيما يخص فتح جبهة جديدة في جنوب القوقاز.

وخففت الحكومة من حدة تصريحاتها تجاه أذربيجان، ثم دعتها إلى الجلوس على طاولة المباحثات الدبلوماسية.

وإثر ذلك، وبوساطة من رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، اجتمع نظيراه الإيراني والأذربيجاني في ولاية أنطاليا التركية، واتخذوا قرارا بمواصلة المحادثات الثلاثية.

واستكمالا لهذه المحادثات، التقى السفير الإيراني في أذربيجان، عباس موسوي، في 24 يناير/كانون الثاني 2022، بمساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف.

كما التقى وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، بنظيره الأذربيجاني جيحون بيراموف، في عاصمة أوزبكستان طشقند.

وعلى الرغم من هذه التطورات التي تبدو إيجابية، تعرضت السفارة الأذربيجانية في طهران في 27 يناير 2023، لهجوم مسلح أدى إلى مقتل مسؤول أمن السفارة وإصابة اثنين من الموظفين.

وقالت الخارجية الأذربيجانية في بيان إن "المهاجم دمّر نقطة الحراسة بسلاح آلي من طراز كلاشنيكوف مما تسبب في مقتل رئيس جهاز الأمن وإصابة اثنين من حراس الأمن خلال محاولتهم التصدي له".

وقالت وزارة الخارجية الأذربيجانية إن كل بلد مُلزَمٌ بضمان أمن السفارات على أراضيه، لافتة إلى أن حكومة بلادها تخطّط لإجلاء موظفي سفارتها بطهران خلال وقت قصير.

وأفاد متحدث الوزارة أيهان حاجي زاده في تصريح للصحفيين، بأن التحقيقات في الهجوم مستمرة.

وأعرب حاجي زاده عن إدانته الشديدة لـ"الهجوم الخائن"، داعياً الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد منفّذ الهجوم والمحرض عليه.

من جهته، أدان وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الهجوم، وقال عبر حسابه في تويتر: "نُدين الهجوم الغادر على سفارة أذربيجان في طهران".

ورأى كثيرون أن هذه الحادثة قد تدفع لعودة التوتر من جديد بين البلدين في نسف لكل محاولات التهدئة، ووسط غياب كبير للثقة بينهما.