لم تعد مدينة الأحلام.. محاولات شيوخ دبي لمنع معاقبتها دوليا على قدم وساق

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بينما كانت أنظار العالم معلقة بالدوحة في نهائيات مونديال قطر 2022، لم يستطع ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، الشهير باسم "فزاع"، لفت التغطيات الصحفية، بقوله: "لا مكان مثل دبي، لا مكان مثل الإمارات".

"فزاع" كان صريحا في محاولته مزاحمة المونديال خلال تصريحه في 4 ديسمبر/كانون الأول 2022، إذ قال: "أهلا بكل النجوم والأندية والمنتخبات الرياضية التي تختار بلادنا وجهة دائمة لها".

لكنه وهو يعلن ألا مكان مثل دبي، أغفل التقارير السلبية الأخيرة عن المدينة، وعن الأزمات التي تواجهها، وعن السمعة السيئة التي تحيط بها. 

إذ تواجه دبي عقبات متصاعدة خلال الأعوام الأخيرة، تحديدا منذ أضيفت دولة الإمارات إلى ما تسمى بـ"القائمة الرمادية"، التابعة لـ"فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية" التي تتخذ من باريس مقرا لها، في 5 مارس/ آذار 2022.

وهو ما يشير إلى أوجه قصور لدى الدولة الخليجية في معالجة الأموال غير المشروعة، ولا سيما أن تلك القائمة تعني وجود خلل إستراتيجي في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتشار أسلحة محرمة دوليا. 

تلك الأمور وضعت تحديات صعبة أمام كل من "فزاع"، الذي يشغل أيضا منصب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، وشقيقه الشيخ مكتوم، نائب حاكم الإمارة، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير المالية، ورئيس مركز دبي المالي العالمي.

تحديات صعبة

وجرى تحميل "الشيخين" مسؤولية وصول المدينة إلى الحال القائم من سوء السمعة، وكونها ملاذا للنخب المشبوهة والأعمال المالية غير المشروعة.

وبالتالي أصبحت مهمة حماية مكانة دبي كمركز تجاري بارز في الشرق الأوسط وسط منافسة من المنافسين الإقليميين والتدقيق الدولي، هدفا في حد ذاته، لدى الشقيقين، وظهر أن عليهما العمل على غسيل سمعتهما أولا، ثم انتشال المدينة من اللحظة الآنية. 

فالشيخ حمدان ولي العهد صاحب شخصية جذابة، وهو رئيس تسويق دبي المبنية على فكرة التألق وقدرتها على جذب رؤوس الأموال وملايين السياح. 

بينما الشيخ مكتوم هو مفتاح دبي كسوق مالية، وكان المتصدر للمؤسسات الكبرى في الإمارة التي تديرها الدولة.

فهو الذي يدير بنفسه حملة بيع الحصص للمستثمرين وربما استدعى رؤساء الشركات للتحدث معهم ومحاسبتهم عن أدائهم.

ونادرا ما يتحدث الرجلان إلى وسائل الإعلام، حتى المقابلة التي حاولت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عقدها مع أحدهما في مطلع سبتمبر/ أيلول 2022، واجهت عقبات متعددة.

حتى إن مكتب دبي الإعلامي، أبلغها أنه لم يكن من الممكن ترتيب مقابلات في الإطار الزمني المحدد وامتنع عن التعليق.

ومع ذلك، في 18 سبتمبر 2022، نشرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تقريرا تحت عنوان "مستقبل دبي بين يدي أمراء مختلفين للغاية".

قالت الوكالة فيه: "إن هدف الشيخ مكتوم هو ضمان عدم تكرار انهيار دبي في عام 2009، عندما تطلبت خطة إنقاذ بقيمة 20 مليار دولار من أبوظبي".

ووقتها كان الشيخ مكتوم في أوائل العشرينيات من عمره وكانت دبي تتأرجح على شفا التخلف عن سداد ديونها، تقول الوكالة. 

وذكرت بلومبيرغ: "يحتاج الشقيقان أيضا إلى الحفاظ على توازن القوى داخل الإمارات، وذلك بعد أن أقنعت قيادة دبي أبوظبي بإعادة التركيز على الأعمال والاقتصاد وبدرجة أقل على السياسة الخارجية، خاصة تلك التي أدت إلى اشتباكات عسكرية في صراعات تمتد من اليمن إلى ليبيا وتركيا". 

وأوردت الوكالة الأميركية أن "تخوفات دبي وحكامها نابعة من طبيعة الوقت والمرحلة التي تمر بها المنطقة".

وتحديدا لأن المملكة العربية السعودية تطرح تحديا آخر برغبتها في محاكاة دبي بصفتها نقطة جذب للمواهب الأجنبية والاستثمار. 

ملاذ المجرمين 

لكن ليست المواهب والاستثمار فقط ما يميز دبي، فهناك جانب آخر مظلم للمدينة تحت حكم الشقيقين (حمدان ومكتوم)؛ إذ أصبحت ملاذا للأوليغارشيين الروس.

ويقصد بالأوليغارشيين الروس مجموعة رجال الأعمال والبرلمانيين والضباط الأثرياء الذين برزوا سريعا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، وعاد هذا المسمى إلى الظهور بشدة عقب استهدافهم من قبل أميركا وأوروبا بعقوبات قاسية بعد غزو أوكرانيا.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد كشفت في 17 مارس/آذار 2022، احتضان دبي أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل في قطاعات البنية التحتية والعقارات والصناعة والغذاء والموانئ والطيران والبتروكيماويات.

وكثير من هذه الشركات تتبع الأوليغارشيين الروس الذين ذهبوا إلى الدولة الخليجية، حتى من قبل أن تندلع الحرب الأوكرانية. 

وذكرت الصحيفة الأميركية، أن الإمارات تستحوذ على 55 بالمئة من تجارة روسيا الخارجية، وتعد الوجهة الأولى عربيا للاستثمارات الروسية، فهي تضم نحو 90 بالمئة من استثمارات روسيا بالدول العربية.

وأتبعت أن الحكومة الروسية أكدت للأوليغارشيين أن أموالهم ستكون آمنة في الإمارات. 

ومن أشهر الأوليغارشيين الذين لجؤوا إلى دبي "رسلان بيساروف" وهو رجل أعمال روسي ذو صلة وثيقة مع "رمضان قديروف"، رئيس الشيشان الحليف المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكذلك "ألكسندر بوروداي"، الذي أصبح "رئيس وزراء" لمنطقة دونيتسك الأوكرانية التي أعلنت الانفصال من جانب واحد عام 2014 حين غزت روسيا أوكرانيا للمرة الأولى.

وذكر موقع "الحرة" الأميركي في 27 مارس، أن هناك أنباء تواردت على نطاق واسع بين سماسرة العقارات في دبي، بأن الملياردير المالك السابق لنادي "تشيلسي" الإنجليزي لكرة القدم، رومان أبراموفيتش، يبحث في السوق عن عقار فاخر مطل على الخليج.

وفي حديثه عن الأوليغارشيين الروس، قال روبرت بارينغتون الأستاذ في مركز دراسات الفساد، في جامعة ساسكس البريطانية: "هم صف خلفي يضم ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص".

وأضاف في 14 مارس: "هم أيضا أثرياء جدا، وجميعهم مرتبطون ومدعومون من نظام بوتين"، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية.

وبالتالي فإن وجود تلك النخبة المشبوهة لم يمر مرور الكرام، وعرض المدينة لانتقادات لاذعة، وأكثر من ذلك أن جعلها ضمن المناطق المطلوب فرض عقوبات عليها. 

عقوبات منتظرة 

ما أغفله حمدان ومكتوم ابنا حاكم دبي محمد بن راشد، أن الإمارة على شفا جرف هار، وتواجه إمكانية فرض عقوبات دولية. 

وأعلنت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية، عن رسالة أرسلها المفوض الأوروبي للاستقرار المالي "مايريد ماكجينيس"، إلى مدير منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية في الاتحاد الأوروبي.

وقالت في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إن بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) ستقترح قريبا على البرلمان والمجلس الأوروبيين إضافة الإمارات، وتحديدا مدينة دبي، إلى قائمة الدول الثالثة بدرجة عالية من المخاطر".

ولفتت الصحيفة الإسبانية إلى أن "التحرك الأوروبي المرتقب يندرج ضمن التحفظ على الإمارات، كونها من أكبر دول العالم استقبالا للأثرياء الروس (الأوليغارش) وأموالهم بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا".

حتى إن دبي أصبحت تهدد الإمارات ككل، حيث ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 11 يونيو/حزيران 2022، أنه "يجب فرض عقوبات على الإمارات، ما لم تقدم المساعدة للدول التي تسعى وراء أصول الأوليغارشية".

وتحدثت الصحيفة عن إقدام أعضاء في البرلمان الأوروبي على تقديم كتاب إلى مفوض الخدمات المالية "ميريد ماكجينيس"، يطالبون فيه بضرورة إدراج الإمارات في قائمة الدول الثالثة التي تشكل تهديدا بالغا للنظام المالي.

وفي 29 أكتوبر 2019، بثت القناة الثانية الفرنسية تحقيقا استقصائيا تحت عنوان "كاش أنفيستغاسيون" عن غسل أموال المخدرات.

وكشف التحقيق عمليات غسيل بملايين اليوروهات من تجارة الحشيش في فرنسا، بتقديرات وصلت إلى نحو مليار يورو (1.1 مليار دولار) سنويا.

وأوضح التحقيق الفرنسي أن "أموال المخدرات تنقل نقدا من فرنسا إلى المغرب وبلجيكا وتنتهي في دبي، حيث توضع في مصارف إماراتية متعددة، ليجرى إدخالها إلى النظام المصرفي الدولي على شكل استثمارات أو تحويلات عادية".

وأثبت تحقيق القناة الفرنسية أن "شبكة من الشركات الناشطة في دبي الإمارات تتواطأ في غسل الأموال القذرة من تهريب المخدرات، وتتعامل دون حرج مع أباطرة تجارة الموت في العالم.

وبين أن السلطات الإماراتية، التي تملك قانونا لمكافحة تهريب الأموال وغسلها، تغض الطرف عن أنشطة هذه الشركات المشبوهة.