محمد منصور.. رجل أعمال جمع الثروة والسلطة في مصر يكرر تجربته بإنجلترا

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في إعلان أثار ضجة محلية ودولية، كشف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022، عن تعيين وزير النقل المصري السابق الحامل للجنسية البريطانية محمد منصور، أمينا لصندوق حزب المحافظين البريطاني.

وفي اليوم نفسه كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن تعيين الملياردير المصري جاء بعد تبرع شركة مملوكة له بأكثر من 600 ألف جنيه إسترليني لصالح حزب المحافظين، وذلك بعدما رفض الأخير بشكل متكرر تأكيد دور منصور كأمين للصندوق.

وهذه الوظيفة تمنح منصور المسؤولية عن عملية جمع الأموال والتبرعات في الفترة الحساسة التي تسبق الانتخابات البريطانية المقبلة بعد عامين، وفق الغارديان.

وكان لافتا إصرار منصور على الجمع بين ثنائية الثروة والسلطة أينما حل وارتحل، فالوزير السابق المتهم بالفساد في مصر يريد الجمع مجددا بين النهجين، لكن هذه المرة في بريطانيا، مع اختلاف الأساليب وطرق الوصول. 

صعود منصور

ولد محمد لطفي منصور، في 23 يناير/ كانون الثاني 1948 بمحافظة الشرقية في منطقة الدلتا المصرية. 

وكانت عائلته من الأسر الثرية في البلاد، مما يطلق عليهم "الإقطاعيون" الذين يمتلكون أراضي واسعة وشركات متعددة، ونشطت العائلة بين محافظتي الشرقية والإسكندرية. 

ولكنها لم تستمر طويلا على حالها مع المتغيرات التي حدثت عقب ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 ودخول مصر إلى الحقبة الناصرية الاشتراكية.

فتعرضت شركات وأراضي عائلة منصور للتأميم ومصادرة معظم أصولها عام 1965، ما جعلها تدخل إلى طور الانزواء لسنوات عديدة. 

دفعت تلك الحالة الشاب محمد منصور للسفر إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته، وبالفعل حصل على شهادة الهندسة من جامعة ولاية نورث كارولينا في عام 1968.

كما حصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة أوبرن الأميركية عام 1971، ودرس هناك حتى عام 1973.

بعدها عاد إلى مصر مرة أخرى، مع استعداد النظام بقيادة رئيس الجمهورية (آنذاك) محمد أنور السادات، لحقبة الانفتاح، وفتح المجال للشركات الاقتصادية والأعمال التجارية.

وعادت مجموعة شركات "منصور" للعمل من جديد، وقاد محمد منصور المجموعة في عام 1976 بعد وفاة والده رجل الأعمال لطفي منصور.

وأشرف الابن على تطوير وتنمية الشركة الكبرى، كما أنشأ شركة الاستثمار الخاصة مان كابيتال في لندن، وتركزت الأنشطة الاقتصادية لمنصور منذ ذلك الحين بين القاهرة والعاصمة البريطانية.

وعلى مدار عقود استفحلت عائلة منصور وتغلغلت في الاقتصاد المصري، وامتلكت علامات تجارية بالغة الأهمية على رأسها، "شيفروليه" و"مارلبورو" و"جنرال موتورز"، وكذلك "كاتربيلر". 

ويعمل في التكتل العائلي لعائلات منصور أكثر من 60 ألف شخص، بينما تتجاوز ثروة العائلة 3 مليارات دولار.

وفي 13 ديسمبر 2022، أصدرت مجلة "فوربس" الأميركية، تقريرها السنوي عن أغنى رجال العالم، وفي مصر حل محمد منصور، في المرتبة الثالثة، بعد ناصف ونجيب ساويرس، بثروة تقدر بـ2.5 مليار دولار.

لكن هناك مرحلة مهمة في حياة منصور وإن كانت قصيرة، عندما أصبح وزيرا للنقل في 30 ديسمبر 2005، خلال حكومة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف. 

وكان نفوذ منصور وعائلته أكبر بكثير من الوزارة، بصفته من المقربين لجمال نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي رتب أوراقه في تلك الفترة استعدادا لمرحلة التوريث على أمل أن يصبح الرئيس القادم. 

سلاح ذو حدين

منصور وغيره من كبار رجال الأعمال الواعدين آنذاك انضموا لموكب ابن الرئيس، وبرزوا في سماء الحياة السياسية المصرية، وللمرة الأولى جمع محمد منصور بين ثنائية الثروة والسلطة. 

لكنه أغفل أن الجمع بين الأمرين، سلاح ذو حدين، ففي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، تمت الإطاحة به من الوزارة، بعد تحميله مسؤولية حادث قطار مدينة "العياط"، الذي راح ضحيته ما لا يقل عن 50 مواطنا. 

ويذكر أنه في اليوم الذي سبق الإطاحة به تم استجوابه برلمانيا وسط حملة غضب شعبي عارمة نتيجة الحادث، ورفض منصور التقدم باستقالته بعد مطالبة نواب البرلمان، معلنا أن الحادث ليس خطأه الشخصي. 

وفي اليوم التالي أجبره رئيس الوزراء نظيف على الاستقالة، خاصة أن زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وعضو مجلس الشعب، تدخل وهاجم منصور بشكل غير مسبوق. 

الثورة والفساد 

تفرغ منصور بعد الوزارة لممارسة مهمته الأساسية في إدارة مجموعة شركات العائلة، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان عندما تفجرت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. 

وأصبح نظام حسني مبارك بالكامل في مهب الريح، وسقطت حكومة نظيف، ووضع الرئيس وأولاده ومعظم أركان نظامه في السجن على وقع تهم بالفساد واستباحة المال العام وسوء استغلال السلطة، إضافة إلى جرائم القتل والانتهاكات الحقوقية. 

لم يكن منصور بعيدا عن تهم الفساد خاصة أن صلاته الاقتصادية والاجتماعية، ظلت وثيقة الصلة بأركان حكم مبارك، وظل هو نفسه قريبا منهم. 

لذلك آثر منصور الذهاب بعيدا إلى لندن والاستقرار فيها، وهو الملاذ الذي ظل فيه إلى يومنا هذا. 

لكن ترك وراءه في مصر قضية فساد كبرى، فتحت أوراقها عقب ثورة يناير مباشرة، حيث اتهم "منصور" بالشراكة مع ابن عمه "أحمد المغربي"، الذي شغل منصب وزير الإسكان في عهد "مبارك"، بشراء آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي لبناء مجمع سكني بجزء بسيط من سعر السوق.

وتعود القضية إلى عام 2007، عندما بيعت قطعة أرض على جزيرة في النيل بأسوان لشركة مملوكة لـمنصور والمغربي نظير مبلغ أقل بكثير من عرض منافس قدمه مستثمر ليبي.

واستغل "المغربي" نفوذه للحصول على الأرض، لكن سرعان ما تم الكشف عن القضية إعلاميا. 

مرحلة جديدة

بعد استقراره في بريطانيا استغل منصور خبرته الشخصية كرجل أعمال، للوصول إلى أرفع دوائر السياسة.

واتصل منصور بشبكة كبيرة من رجال الأعمال البريطانيين، التي ضمنت له النجاح والنفوذ، والصعود السريع. 

لكنه أيضا وكما يقول العرب في أمثالهم "عرف من أين تؤكل الكتف"، حيث تبرع في منتصف عام 2022، بـ 600 ألف جنيه إسترليني لحزب المحافظين من خلال شركته الخاصة "أونتراك".

وهو ما دفع رئيس الوزراء البريطاني، وزعيم حزب المحافظين "ريشي سوناك" لتعيين رجل الأعمال المصري، أمينا لصندوق الحزب.

وهو الإعلان الذي تم في حفل خاص بلندن، من قبل "ريشي سوناك"، بعدها قامت مصادر الحزب ببساطة بإطلاع الصحافة البريطانية. 

ليعرب "منصور" في اليوم التالي عن سعادته بالمنصب الجديد، وأشار إلى أنه بصفته "مواطنا بريطانيا فخورا" فإنه يتطلع إلى دعم الحزب والوطن (قاصدا بريطانيا). 

وفي 16 ديسمبر 2022، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا عن قصة صعود محمد منصور داخل الدوائر السياسية والحزبية البريطانية. 

وقال: "لطالما أثار أمناء الخزانة في حزب المحافظين كثيرا من الجدل في السنوات الأخيرة، نظرا لأنهم يعملون في وسط المال والسياسة، وفي قلب المؤسسة البريطانية، فهم ليسوا بعيدين جدا عن الأسئلة حول المال والنفوذ". 

وأضاف: "وهو ما يبرع فيه منصور، الذي يمتلك ثروة تزيد عن 2.5 مليار دولار، وبشخصية لها سجل حافل من النجاحات والإخفاقات سواء في مصر أو بريطانيا". 

وأشار الموقع أيضا إلى حادث القطار الدموي الذي تم في عهده كوزير للنقل في مصر، ولقضية الفساد التي تلبس بها مع ابن عمه "أحمد المغربي" خلال عهد حسني مبارك.