ولد الغزواني يرفع الرواتب.. لتحسين أوضاع الموريتانيين أم دعاية انتخابية؟

12

طباعة

مشاركة

جدل واسع أثاره إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، زيادة الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور خلال خطاب إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ62 لعيد الاستقلال الوطني.

وتحتفل موريتانيا، بذكرى الاستقلال، كل سنة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما تحررت من الاستعمار الفرنسي في اليوم ذاته من عام 1960.

وفي 27 نوفمبر 2022، أكد الرئيس الموريتاني في خطابه أن بداية سنة 2023، ستشهد زيادة الرواتب بمبلغ قدره 20 ألف أوقية قديمة (ما يزيد عن 50 دولارا)، لصالح جميع الموظفين المدنيين والعسكريين، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.

وأضافت الوكالة، أن الزيادة نسبتها 20 بالمئة وتشمل 40 بالمئة من الموظفين، فيما شكك كثيرون في جدوى الخطوة مع ارتفاع كبير في الأسعار.

وأعلن ولد الغزواني، في الخطاب نفسه، "مكافأة تشجيعية إضافية للمعلمين والأساتذة وطواقم التأطير العاملين في المدارس الأساسية والمؤسسات الثانوية طيلة السنة الدراسية قدرها عشرة آلاف أوقية قديمة (حوالي 28 دولارا)".

بالإضافة إلى "رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 بالمئة، وزيادة الإعانات العائلية المدفوعة من قبل نظام الضمان الاجتماعي بنسبة 66 بالمئة".

وأكد الرئيس الموريتاني، أن تحسين ظروف الموظفين الموريتانيين ودعم قدرتهم على الصمود وتمكينهم من العيش الكريم، "يشكل الهدف المحوري لكل جهودنا وكافة سياساتنا العمومية".

وأقر أنه يدرك حجم تأثر الشعب الموريتاني بالانعكاسات السلبية لمختلف الأزمات التي تجتاح العالم، قائلا: "لن ندخر جهدا في سبيل تخفيف وطأتها عليكم، باتخاذ كل الإجراءات الممكنة والتي من شأنها الإسهام في ذلك".

واستعرض في خطابه المطول حصيلة ثلاث سنوات من حكمه، لافتا إلى أنه رغم الأزمات الاقتصادية العالمية، حقق الاقتصاد الموريتاني نموا في حدود 5.3 بالمئة سنة 2022.

إجراء غير كاف

قرار الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، لقي ترحيبا من قبل البعض على شبكات التواصل الاجتماعي، في حين رأى آخرون أن الزيادة غير كافية.

وتشهد البلاد ارتفاعا قياسيا في أسعار المواد الغذائية الأساسية ما يثقل كاهل العديد من الأسر.

الموظف بوزارة الإسكان والإعمار والاستصلاح الترابي، المهندس لبات محمد الحسين، كتب عبر فيسبوك، "ثلاث سنوات من البناء والتشييد المعتبر انقضت من مأموريتكم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني".

وأردف "لينضاف إليه هذا القرار والإنجاز التاريخي الذي أعلنتم عنه بمناسبة الذكرى 62 لعيد الاستقلال الوطني المجيد والذي سيكون ساري المفعول بدءا من أول يناير 2023".

بدوره، قال المدون سعدن الخضير بنعفان، "لا أعتقد أن هنالك إنجازات تذكر... بل العكس تماما فمنذ قدوم سيادته والوضع يزداد صعوبة على جميع الأصعدة".

وأكد بنعفان، عبر فيسبوك، أنه "لا شك أن زيادة الرواتب مهمة وإن كانت دون المطلوب مقارنة مع الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية والمحروقات".

وتابع "أما عن الإنجازات فتبقى معدومة، فخلال الثلاث سنوات التي انتقضت تم صرف مليارات من ميزانية الدولة دون أن يترك لها أثر على أرض الواقع".

وفي تعليقه على القرار الرئاسي بزيادة الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور، قال المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، إنه "إجراء متوقع نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار بالبلد وضآلة الرواتب".

ورأى ولد محمد فال، في حديث لـ"الاستقلال"، أن زيادة 20 ألف أوقية قديمة (ما يزيد عن 50 دولارا)، هي شيء قد يفيد، مستدركا "لكنه قطعا غير كافٍ نتيجة تدني الرواتب والارتفاع الجنوني للأسعار وغلاء المعيشة". 

ويعيش نحو 31 بالمئة من سكان موريتانيا البالغ عددهم 4 ملايين نسمة تحت خط الفقر، وفق بيانات رسمية. كما ازدادت قسوة الأوضاع المعيشية بسبب آثار جائحة كورونا وتداعيات أزمة الغذاء والطاقة.

وأفاد الإعلامي الموريتاني، أن ما أعلنه القرار الرئاسي بخصوص مضاعفة رواتب الأطباء 100 بالمئة ابتداء من السنة المقبلة، هو إجراء اتفق عليه قبل ثلاث سنوات.

وأضاف ولد محمد فال، أن هذا الإجراء جرى تطبيقه عبر سنوات من خلال اتفاق مسبق بين النقابات الصحية والجهات الرسمية. 

وأوضح أنه ابتداء من سنة 2021 حصلت زيادة 30 بالمئة وفي عام 2022 جرت زيادة 30 بالمئة.

وهذا يعني أن المجموع 60 بالمئة وابتداء من السنة المقبلة سيكتمل إجراء مضاعفة رواتب الأطباء بإضافة زيادة 40 بالمئة.

وأعلن الرئيس الموريتاني، في خطابه أنه "خلال السنوات الأخيرة زاد عدد الأطباء والأخصائيين العاملين بالقطاع العمومي بنسبة 50 بالمئة وستكتمل خلال العام المالي 2023 زيادات علاوات قطاع الصحة لتبلغ 100 بالمئة".

من جهته، قال عضو النقابة الوطنية للتعليم بموريتانيا الشيخ ولد حميادة، "هذه الزيادة كانت من بين مطالبنا كنقابيين". 

وفي 30 نوفمبر 2022، أعرب ولد حميادة، عن أمله في أن تكون الزيادات المقبلة في مستوى الارتفاع الجنوني للأسعار، وفق قناة "العربي". 

فوائد سياسية

ويرى متابعون للشأن الموريتاني، أن إعلان ولد الغزواني عن زيادة للرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور لا يخلو من حسابات انتخابية.

إذ يراهن على نجاح حزبه (الإنصاف) في الانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية المقرر إجراؤها في النصف الأول من سنة 2023 لتعبيد الطريق أمام حصوله على ولاية رئاسية جديدة.

وفي هذا الإطار، يؤكد المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، أنه "لا شك أن أي نظام لا يقوم بأي إجراء إلا إذا كان ينتظر منه فوائد أو مردودا سياسيا"، مشيرا إلى أن موريتانيا مقبلة على انتخابات بلدية وجهوية وتشريعية. 

واتفقت الحكومة والأحزاب في موريتانيا على إجراء الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية في النصف الأول من العام المقبل، إضافة إلى تشكيل لجنة وطنية مستقلة للانتخابات.

وتقرر في ختام المشاورات التي أشرفت عليها وزارة الداخلية الموريتانية إجراء الانتخابات خلال الفترة ما بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2023.

وتعهد ولد الشيخ الغزواني قبل عامين بتنظيم حوار سياسي لا يستثني أحدا ولا يُحظر فيه أي موضوع، لكن حوار سبتمبر/أيلول 2022 اقتصر على الانتخابات.

وفي 26 سبتمبر، وقعت وزارة الداخلية وممثلون عن 25 حزبا سياسيا وثيقة تتضمن التحضير للانتخابات القادمة في الربع الأول من 2023.

ووفق الوثيقة، اتفقت الأطراف الموقعة على التزام الحكومة بتمكين لجنة الانتخابات من ممارسة صلاحياتها كاملة ومدها بالوسائل كافة لضمان شفافية العملية الانتخابية.

كما جرى الاتفاق على إشراك الأحزاب السياسية في جميع مراحل التحضير لاقتراح المكاتب الانتخابية وعدد المصوتين في كل مكتب، ومعايير اختيار أعضاء المكاتب.

وكانت مخرجات الاتفاق بين الحكومة الموريتانية والأحزاب السياسية أوصت بتدارس سبل التصويت ببطاقة واحدة (صوت واحد) على المرشحين في الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية.

وينص المقترح على أن يجمع كل حزب مرشحيه كافة في بطاقة انتخابية واحدة، بحيث لا يسمح للناخب أن يختار نائبا برلمانيا من حزب ويصوت لمرشحين للمجالس البلدية والجهوية من حزب آخر.

وسيلغي اعتماد هذا الخيار في التصويت الطريقة الحالية في الانتخاب، والتي تعتمد على نظام القائمة متعددة الخيارات.

وفسر مراقبون هذا الاجتماع بأنه محاولة من الحزب الحاكم لإقناع أحزاب الأغلبية بخيار "الصوت الواحد"، لأنه يخدم الأحزاب الكبيرة، وخصوصا حزب الإنصاف الحاكم الذي يغطي وحده كل الدوائر الانتخابية.

وبعد أشهر من انتخابه عام 2019 لفترة رئاسية تستمر 5 سنوات، استقبل ولد الشيخ الغزواني قادة أحزاب المعارضة وأعقب ذلك هدوء سياسي استمر طيلة الفترة الماضية من ولايته.

لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي وأمام ضعف وتشتت المعارضة يحذر مراقبون وناشطون من دخول موريتانيا في حالة من الانفجار بسبب أداء حكومة الرئيس محمد ولد الغزواني الذي يقود البلاد منذ عام 2019 وانتشار الفساد بها، ناهيك عن أنشطة الجماعات المسلحة على الحدود.

ونبه ولد محمد فال، إلى أن البلد يعيش ركودا اقتصاديا كبيرا رغم أنه يمكن من السنة المقبلة أن يدخل نادي مصدري الغاز، مستدركا: "لكن ما لم تكن هناك مداخيل جديدة مُعتبرة لا أعتقد أن الواقع سيتغير". 

وسجل أن تفاصيل زيادة الرواتب "غير واضحة لحد الآن لأن هناك تعقيدات مالية في كيفية تطبيق هذه الزيادات".

وأشار إلى أن "هذا لن يظهر إلا خلال نهاية الشهر المقبل (يناير/كانون الثاني 2022) حيث إن كشوف الرواتب هي التي ستوضح طبيعة هذه الزيادات".  

فهل تُعزز الحزمة الجديدة من الزيادات في الرواتب والإعانات المقدمة لذوي الدخل المحدود، حظوظ الغزواني وحزبه للظفر بولاية رئاسية جديدة، أم أن هذه الإجراءات تبقى غير كافية ولا تشمل جميع الموريتانيين خاصة الفئات الهشة منهم؟