ساحل العاج.. إمبراطورية "المخدرات اللاتينية" المتجهة إلى أوروبا
تحدثت صحيفة لوبوان الفرنسية عن تحول دول غرب إفريقيا إلى معبر لتجار ومهربي المخدرات القادمين من بلدان أميركا اللاتينية في اتجاه القارة الأوروبية.
وتعبر المخدرات القادمة من دول أميركا اللاتينية خليج غينيا قبل أن تتجه مجددا إلى القارة الأوروبية، وذلك وفق تقرير حديث في دولة كوت ديفوار (ساحل العاج)، يكشف أسرار هذا المجال الجديد لمهربي المخدرات.
أمضى الكابتن "لويك مينار" لتوه خمسة أيام في البحر في خليج غينيا وبدا مرتاحا في القيادة وسط عواصف الرياح الموسمية في غرب إفريقيا أكثر من اهتمامه بالترحيب بالضيوف الذين سيكونون في انتظاره.
في ميناء أبيدجان وهي أكبر مدينة في ساحل العاج، رست سفينته، وهي إمدادية تابعة للبحرية الفرنسية تسمى "لا سوم"، للتوقف لبضعة أيام، قبل الإبحار مجددا. وبمجرد فتح البوابة، صعد المسؤولون على سطح السفينة.
ومن بينهم السفير الفرنسي في ساحل العاج، وضباط من القوات المسلحة الفرنسية هناك، بالإضافة إلى كبار الضباط الإيفواريين، بمن فيهم الأدميرال "أمارا كوني"، نائب رئيس أركان البحرية الإيفوارية.
يقدم لهم الكابتن مينار أهداف بِعثة "كوريمب"، في خليج غينيا، التي تشارك فيها "لاسوم"، والتي تهدف إلى مكافحة القرصنة والصيد غير القانوني وأيضا تهريب المخدرات.
ومباشرة، توجه مسار الحديث بين الطرفين نحو الجانب الأخير من مهام البعثة خاصة حول ازدهار تهريب الكوكايين في المنطقة.
أصبحت منطقة غرب إفريقيا مركزا لتهريب المخدرات، وبات خليج غينيا، في منتصف الطريق بين أماكن الإنتاج في أميركا الجنوبية وأماكن الاستهلاك في أوروبا، فيما يمكن وصفه بأنه نقطة عبور مثالية لتجار المخدرات.
يُذكِّر الكابتن مينار الحضور بأرقام داعمة لحديثه عن ازدهار تهريب المخدرات. ويقول إن آخر مضبوطات البحرية الفرنسية كانت في مارس/آذار 2021، عندما حجزت 6 أطنان من الكوكايين على متن سفينة شحن مسافرة من ريو دي جانيرو نحو أبيدجان، واصفا تلك العملية بأنها "أكبر عملية مصادرة من هذا النوع"، وفق لوبوان.
وفي مايو/أيار 2022، حجزت ذات السلطات 1.7 طن من الكوكايين على متن قارب صيد قبالة الساحل الغيني.
وتقول لوبوان إن تقريرا صادرا عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) قد أكد أن غرب إفريقيا هي الآن إحدى نقاط العبور المفضلة لتجار الكوكايين.
وذكر التقرير أنه "بين عامي 2019 و2022، جرى ضبط 57 طنا على الأقل من الكوكايين في عرض البحر أو في مسار بحري إلى غرب إفريقيا".
والحديث هنا تحديدا عن عمليات مصادرة بلغت في الرأس الأخضر (16.6 طن) والسنغال (4.7 طن) وبنين (3، 9 طن)، وكوت ديفوار (3.5 طن)، وغامبيا (3 أطنان) وأيضا غينيا بيساو (2.7 طن)".
"بيفرلي هيلز"
يكتسح الكوكايين القادم من أميركا الجنوبية، غرب إفريقيا وتنظم شبكات "مهربي المخدرات"، التي أصبحت متجذرة الآن في المنطقة، عمليات عبور المحيط الأطلسي على طول خط العرض الشمالي الموازي العاشر، الذي أعيدت تسميته من قبل المافيا بـ "الطريق السريع آي 10".
وهناك في غرب إفريقيا، يقع إعادة تغليف هذه المادة، ثم إعادتها بالقارب أو برا- عبر المغرب- إلى أوروبا.
ونظرا لموقعها الجغرافي وحجم موانئها وشبكة طرقها الجيدة، تعد كوت ديفوار مركزا لهذه العمليات.
خلال الاجتماع بين المسؤولين المذكورين أعلاه مع الكابتن مينار، قارن أحد الضيوف شبكات الكوكايين في أبيدجان بـ "عش النمل الحقيقي".
تقول الصحيفة الفرنسية إن الوكالة الأميركية لمكافحة تهريب المخدرات، قد عززت وجودها في كوت ديفوار، ونجحت بالفعل في اختراق بعض شبكات المافيا في أبيدجان، وفقا لعدة مصادر تعمل في مجتمع المخابرات.
في الأشهر الأخيرة وحدها، جرى ضبط أكثر من طُنين من الكوكايين في البلاد، وأيضا اعتقال العديد من رجال الأعمال: الإيفواريون وأفراد الجالية اللبنانية، وكذلك الكولومبيون والإسبان والفرنسيون.
أصبحت كوت ديفوار الآن على خريطة كبار تجار ومهربي المخدرات حول العالم، حيث أرسلت أكبر مجموعات المافيا، بما في ذلك الإيطاليان سيئا السمعة، ندرانجيتا وكامورا، رجالا إلى هناك بالفعل.
في السياق، يُقارن رجل أعمال فرنسي إيفواري، على دراية بالقضايا المتعلقة بالمخدرات في البلاد بين ما يحدث اليوم وما حدث سابقا في الولايات المتحدة الأميركية.
ويقول: إن "أبيدجان اليوم هي ميامي (فلوريدا) في الثمانينيات والتسعينيات، عندما شهدت المدينة نزول أكبر تجار المخدرات من أميركا الوسطى".
ووفقا لما ذكر فإن " المخدرات الأميركية الجنوبية تتدفق في جميع أنحاء ساحل غرب إفريقيا، لكنها في الغالب تستقر في العاصمة الاقتصادية الإيفوارية، أبيدجان".
يفسر السبب وراء ذلك ويقول إن "المدن الكبرى الأخرى في المنطقة خطيرة للغاية ولا تقدم الرفاهية التي تتماشى مع أسلوب حياة البارونات الجدد".
ويتابع أنه "في أبيدجان، توجد مدارس ثانوية للأطفال، ومطاعم جيدة للتنزه، وصالونات لتصفيف الشعر للسيدات، ومهندسون معماريون لتجديد الفيلات الخاصة بمهربي وتجار المخدرات في منطقة ريفييرا، والتي أعيد تسميتها بـ"بيفرلي هيلز".
وأردف: "صحيح أنه لا يوجد إلى الآن وكيل لشركة بورش للسيارات الفاخرة، لكنه سيتوفر قريبا".
وأخذ المهربون الدوليون راحة البال في المدن الكبرى الصاخبة، مع نشاطها الاقتصادي والسياسي المكثف في ساحل العاج، وفق لوبوان.
يقع إلى الجنوب مباشرة من ناطحات السحاب في منطقة بلاتو، الميناء التجاري، والذي مثل باقي المدينة، يشهد عملية تطوير شاملة.
لقد كان لا بد من توسيع قناة فريدي، التي تربطه بالبحر، في عام 2019. ويجرى توسيع الأرصفة المخصصة للخامات، وإنشاء محطة ومنطقة جديدة مخصصة للحاويات تسمى "تي سي 2 ".
وأردفت الصحيفة أن إطار الرافعات العملاقة التي سيجرى استخدامها لتفريغ القوارب قائم بالفعل.
يقول أحد المتحدثين باسم إدارة الميناء في تصريح: "لدينا نفس الرافعات والماسحات الضوئية الموجودة في ميناء لوهافر، إنها حديثة للغاية".
وفي المقابل يقول مسؤول فرنسي متخصص في موانئ غرب إفريقيا في حالة من الغضب: "صحيح أن التكنولوجيا موجودة، ولكن هناك أيضا وقبل كل شيء، ثقافة الرشوة".
ويضيف أنه "قبل كل شيء، يعد التدفق مهما للغاية لدرجة أنه من المستحيل مراقبة جميع البضائع الواردة والمغادرة".
كما يوضح، مشيرا إلى طابور طويل من سفن الشحن المنتظرة بعيدا عن الشاطئ في انتظار أن يصبح جزء من الرصيف مجانيا "إنه شارع للمخدرات". وقال ساخرا، قبل أن يعود إلى رُشده: "لا تذكر اسمي، لا أريد أن أموت".
"دولة المخدرات"
يبدو أن السلطات الإيفوارية مُصممة على مهاجمة العمود الفقري لتجارة الكوكايين في البلاد. إذ فككت شبكة تهريب في أبريل/نيسان 2022 واعتقلت تجارا عدة مرات في أبيدجان في ميناء سان بيدرو في غرب البلاد. لكنهم أيضاً متهمون بأنهم ظلوا في حالة إنكار منذ فترة طويلة.
تقول الصحيفة إنه في الدوائر المطلعة، يظهر اسم واحد باستمرار عند مناقشة موضوع الكوكايين، وهو رئيس الوزراء السابق حامد باكايوكو.
شخصية غريبة الأطوار، صاحب ملهى ليلي سابق، كان صديقا للعديد من رجال الأعمال المتخصصين في الحفلات الاستعراضية في غرب إفريقيا قبل أن يصبح أحد السياسيين الأكثر نفوذا في المنطقة.
يلخص بمودة أحد المُقربين السابقين من باكايوكو شخصيته ويقول إنه "نوع من برنارد تابي محلي". والأخير هو رجل أعمال وسياسي فرنسي مثير للجدل، اشتهر بالفساد وبقضايا تضارب المصالح.
شغل منصب وزير في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، وكان فنانا ومقاولا ورياضيا ورجل سياسة، لذلك كانت حياته غير طبيعية تخللتها بعض المشاكل القضائية.
وتوفي حامد باكايوكو في مارس/آذار 2021 بسبب سرطان البنكرياس في عيادة ألمانية. ومنذ وفاته خفتت الأصوات المتحدثة عن تجارة المخدرات في البلاد.
إذ كان يُقدم باكايوكو، وهو المرشح السابق لخلافة الرئيس حسن واتارا، على أنه "رجل المخدرات"، الشخص الذي ترك أيديهم حرة، ولا سيما بفضل تأثيره في شبكات الماسونيين.
وقد شعرت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية بالقلق من الموقف وحذرت السلطات الإيفوارية: إذا لم تفعلوا أي شيء لمواجهة التأثير المتزايد لتجار المخدرات، فقد تصبح كوت ديفوار غينيا بيساو الجديدة.
غينيا بيساو هذه الدولة الصغيرة الواقعة بين غينيا كوناكري وغامبيا، أصبحت منذ استقلالها عام 1974، القاعدة اللوجستية لكارتلات المخدرات في أميركا الجنوبية في منطقة غرب إفريقيا.
حتى إن السلطة السياسية في هذه البلاد، متهمة بأنها مُخترقة إلى حد كبير من قبل عصابات المخدرات.
يطلق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) على غينيا بيساو صراحةً اسم "دولة المخدرات".
إلى ذلك، فقد وعدت وزارة الخارجية الأميركية بتقديم 5 ملايين دولار مكافأة لمن يُسلم أو يقدم معلومات عن أنطونيو إندجاي، القائد السابق للجيش الغيني.
وهذا الرجل متهم- من بين أمور أخرى- بتهريب المخدرات والأسلحة لصالح القوات المسلحة الثورية في كولومبيا.
ومن المحتمل مرة أخرى أن تكون محاولة الانقلاب الأخيرة في البلاد (فبراير/شباط 2022) مرتبطة بتهريب الكوكايين.
قال دبلوماسي غربي كبير في أبيدجان "من حسن الحظ أن كوت ديفوار ليست في نفس المرحلة التي بلغتها غينيا بيساو".
وبينما يرى هذا الدبلوماسي، أن المؤسسات الإيفوارية أكثر صلابة، والقطاعات الاقتصادية والصناعية أكثر تقدما، فإن في المقابل، يرى أن الوضع يتدهور شيئا فشيئا.
وبين أن "الكوكايين وباء، فسرعان ما أصبحت أماكن العبور أماكن للاستهلاك، في المطاعم والنوادي العصرية، التي تفتح واحدة تلو الأخرى في أبيدجان، يجرى الآن استنشاق الكوكا، حتى لو كانت بشكل عام أقل جودة من تلك التي ترسل إلى أوروبا".
وطبقا لما ذكره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن غرب إفريقيا، التي تعد منذ فترة طويلة مجرد منطقة عبور، أصبحت بالفعل ذات استهلاك مرتفع للمخدرات.
والأسوأ من ذلك أن الكوكايين لا يُتداول بمفرده، بل يجلب نصيبه من العنف والفساد. يقول الدبلوماسي: "تدر تجارة المخدرات الكثير من المال لدرجة أن الجميع يريدون نصيبهم". وتابع أن "الجماعات الإرهابية نفسها انخرطت في هذه التجارة، وتمول نفسها عبرها".
يشعر هذا الدبلوماسي بالقلق ويروي حادثة وقعت أخيرا في شمال البلاد، على الحدود مع مالي وبوركينا فاسو، والتي أصبحت منطقة حمراء في خرائط وزارة الخارجية الفرنسية.
وتابع: "لقد ألقت السلطات الإيفوارية القبض على شباب غانيين، أعضاء في خلية إرهابية". ويضيف أنهم "لم يعرفوا حتى كيف ينطقون الشهادة، الشباب هناك يصبحون مقاتلين ليس عن قناعة، بل من باب المنفعة".
ويتابع أنه في تلك المنطقة، "يمكنك تجنيد شاب وتحويله إلى إرهابي مقابل 100 ألف فرنك إفريقي (حوالي 150 يورو)".
مكافحة المهربين
الهولندي شورد توب، المقيم في لشبونة- البرتغال، يقدم لمحة عامة عن تجارة الكوكايين بين أميركا الجنوبية وأوروبا.
وتوب هو رئيس "Maoc-N" المنظمة الدولية المسؤولة عن الاستخبارات البحرية للمخدرات، التي تشرف على منطقة المحيط الأطلسي بأكمله بالتعاون مع نظريتها الأميركية ومقرها في كي ويست، فلوريدا.
كان توب شاهدا على تحول دول خليج غينيا إلى نقاط عبور ذات أهمية كبرى بين حقول الإنتاج في أميركا الجنوبية ومناطق الاستهلاك في أوروبا، القارة التي يستمر فيها الاستهلاك في الزيادة على الرغم من ملاحقات السلطات.
يقول توب "هناك ثلاث دول رئيسة فقط تنتج الكوكايين الموجود في باريس أو لندن أو بروكسل أو أمستردام، وهي كولومبيا وبوليفيا وبيرو".
ويتابع أن "هناك شبكات تنقلها مباشرة إلى أوروبا، لكن تجار المخدرات، فهموا أنه من الأكثر أمنا، إرسالها عبر موانئ غرب إفريقيا، حيث لا توجد سيطرة تذكر للسلطات هناك".
وأضاف "القارب القادم من أبيدجان أو داكار أقل ريبة مما لو كان قد غادر من موانئ برازيلية معروفة ببيع المخدرات في أميركا الجنوبية".
يحاول توب، خلال رئاسته للمنظمة، وقف هذا التدفق وتقديم المعلومات إلى سلطات البلدان المعنية حتى تتدخل وتصادر المخدرات.
وقد كان لهذه المنظمة دور في إيصال "المعطيات" التي مكنت البحرية الفرنسية من تنفيذ عمليات "ناركوبس"، ومصادرة المخدرات في أعالي البحار التي تنفذها بعثة "كوريمب" عبر سفينة "لاسوم" بقيادة الكابتن لويك مينار.
لكن الكابتن لويك مينار، الذي يُشرف على تدريب ضباط من دول غرب إفريقيا يأسف على الوضع الراهن لتجارة المخدرات في خليج غينيا ويقول "لسنا سوى نقطة، في هذه المنطقة الشاسعة (خليج غينيا)".
ويهنئ نفسه في المقابل بعدد المتدربين الذين يأخذهم معه على متن السفينة "لاسوم". وتقول الصحيفة إنه في كل رحلة بحرية يأخذ مينار العديد على متنها في كل مرحلة.
يقول "لدي ثلاثة في داكار، أربعة في كوناكري، إجمالا سيكون لدي سبعة عشر على متنها!".
يرتدي هؤلاء المتدربون من مختلف بلدان خليج غينيا، مثل بقية أفراد الطاقم الفرنسي، بدلة البحرية الفرنسية على متن السفينة.
وقد تدربوا بالفعل على عمليات مهام "مكافحة مهربي المخدرات" أو "الناركوبس"، بهدف قيادة مثل تلك المهام بأنفسهم في وقت لاحق.
لكن الوسائل غير متوفرة، فمعظم القوات البحرية في غرب إفريقيا ضعيفة على المستوى اللوجيستي. وفقط عدد قليل من البلدان مثل السنغال أو كوت ديفوار بدأت في تجهيز نفسها.
وترسو ثلاثة زوارق دورية بشكل متواصل في ميناء أبيدجان، واشترت البحرية الإيفوارية أخيرا سفينة فرنسية قديمة الطراز تحمل اسم "لا تاباجيوز"، الذي يعيد الذكريات إلى الكابتن لويك مينار.
فقبل أن يصبح "كابتن" لا سوم، كان يعمل في قيادة زورق دورية من هذا النوع.
واشتغل مينار بالفعل في مهام "ناركوبس"، ولكن على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، في جزر الهند الغربية، طريق الكوكايين الآخر من أميركا الجنوبية إلى أوروبا.