بتمويل إماراتي.. الأردن يسقي شعبه "ماء إسرائيل" مقابل إنارة المستوطنات

12

طباعة

مشاركة

يعاني الأردن منذ الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه قبل أكثر من 70 سنة سرقة موارده المائية، ما سبب له مشكلة مستمرة ونقصا في نصيبه من المياه.

ويتحكم الاحتلال في كميات المياه التي تصل إلى المملكة، بل يبيع الأردنيين المياه المسروقة حين يزداد عطشهم، ما فاقم المشكلة التي وقفت عمان عاجزة أمامها.

بدلا من حل المشكلة، تدخلت الإمارات لإقناع الأردن بتوقيع اتفاق مع الاحتلال برعاية أميركية ضمن اتفاقات التطبيع الجديدة (أبراهام)، زاد من رهن عمان مائيا للاحتلال، ويجبرها على زيادة التطبيع المرفوض شعبيا.

تفاصيل الاتفاق

الاتفاق وقع في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 على هامش قمة المناخ في مصر، بين إسرائيل والأردن والإمارات، برعاية أميركية باسم "الازدهار"، ويشمل مشاريع مائية وكهربائية مشتركة بين الدول الثلاث، بحسب الخارجية الإسرائيلية.

"المبادرة الإسرائيلية" الممولة إماراتيا، تتضمن بناء محطة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية في صحراء الأردن، ومحطة لتحلية المياه على البحر المتوسط، شمال إسرائيل.

إذ يبيع الأردن الكهرباء التي ينتجها لإسرائيل، مقابل شراء المياه المحلاة منها، وفق سفارة تل أبيب في مصر.

ونقلت صحيفة "معاريف" العبرية في 8 نوفمبر عن مصدر حكومي أردني تفسيره الاتفاق بأن "إسرائيل ستعمل بموجب هذه المذكرة على تحلية مياه البحر الأبيض المتوسط لصالح الأردن في مقابل تزويد عمان لها بالطاقة الشمسية".

بموجب الاتفاق، سينتج الأردن 600 ميغا وات من محطة الطاقة الشمسية التي ستمولها الإمارات، ويجري تصديرها إلى إسرائيل.

في المقابل، ستزود إسرائيل الأردن، الذي يعاني من ندرة المياه، بـ 200 مليون متر مكعب من مياه البحر المحلاة.

وكالة الأنباء الرسمية "بترا" أكدت توقيع الاتفاق، مشيرة إلى أن "المشروعين متقابلان ومترابطان ومعتمدان على بعضهما البعض".

مهد لهذا الاتفاق لقاء بين الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ وملك الأردن عبد الله الثاني في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ.

ناقشا التعاون الثلاثي بينهما إلى جانب الإمارات في مجال الطاقة والمياه، وتأهيل نهر الأردن، وفق قناة "كان" العبرية 8 نوفمبر 2022.

وجاء توقيع المذكرة بناء على "إعلان النوايا" الذي وقعته الأطراف الثلاثة على هامش معرض إكسبو دبي 22 نوفمبر 2021 بحضور المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ جون كيري في دبي.

نص "الإعلان" على دراسة إمكانية إنشاء مشروعين؛ لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة في الأردن بقدرة (600) كيلو واط بتمويل إماراتي، وتحلية المياه على البحر الأبيض المتوسط، ليجري تزويد الأردن بمئتي مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويا. 

وهذا ثاني اتفاق بينهما، ففي أغسطس/آب 2022 جرى تدشين مشروع "بوابة الأردن" مع إسرائيل بتمويل إماراتي أيضا، وهي منطقة صناعية على مساحة 700 كم بلا رسوم جمركية.

كشف موقع غلوبس الاقتصادي الإسرائيلي في 7 نوفمبر أن الاتفاق جزء من محاولات توسيع اتفاقات أبراهام، ويعبر عن جوهرها التطبيعي، مشيرا إلى أن مصر ستنضم له لاحقا في مجال تحلية المياه.

وبين أن مشاركة وتمويل أبو ظبي للمشروع "نوع من إعلان النوايا الطيبة من قبل الإمارات والأردن" للحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة في إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، وتأكيد على استمرار التعاون رغم فوز الفاشيين الدينيين.

وذلك برغم أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بلغ سفراء دول غربية مخاوف بلاده أن يؤدي تعيين عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، وزيرا في الحكومة المقبلة، لتغيير الوضع القائم في القدس وتأجيج صراع ديني واندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة مسلحة، بحسب صحيفة "الرأي" الأردنية 8 نوفمبر 2022.

وكان موقع "والا" العبري ذكر أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2022 نقلا عن خمسة مسؤولين إسرائيليين أن الاتفاق يستند على الرؤيا التي عرضتها قبل عامين منظمة EcoPeace Middle East، والتي تضم ناشطين إسرائيليين وأردنيين وفلسطينيين يشجعون التطبيع والتعاون للحفاظ على البيئة.

وأوضحت منظمة EcoPeace Middle East أن المشروع مرتبط بتوقيع "الاتفاقيات الإبراهيمية" مع الإمارات لتعزيز التعاون الإقليمي بمجال الطاقة والمياه.

وتحدثت عن "علاقة إقليمية في ملفي المياه والطاقة بين الأردن وإسرائيل وفلسطين".

وأكدت أن ذلك سيتجاوز الأردن وإسرائيل، ليشمل مصر ولبنان والسعودية، وأجزاء من سوريا والعراق. 

خطورة الاتفاق 

يحذر الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي من خطورة اتفاقية "الطاقة مقابل الماء" على الأمن الأردني، مؤكدا أنها مضرة اقتصاديا للأردن.

أوضح، عبر تويتر، أن الاحتلال سيجني 370 مليون دولار قيمة كهرباء ينتجها له الأردن، مقابل 200 مليون متر مكعب مياه توفرها إسرائيل له.

 أي أن الأردن سيشتري متر المياه المكعب بدولار و85 سنتا، أي 1.3 دينار أردني، مطالبا بكشف فحوى الاتفاق وبنوده وشروطه قبل توريط الأردن.

ونبه المحلل الفلسطيني صالح النعامي أنه حسب المخطط ستغذي الكهرباء التي سيزود بها الأردن إسرائيل المستوطنات الصهيونية في النقب والضفة وغور الأردن.

أوضح أن هذا يعني أن النظام في الأردن سيدعم المشروع الاستيطاني بدلا من أن يواجه السياسات الصهيونية.

وقد حذر معارضون وناشطون من أن المشروع يجعل الأردن يرهن أمنه المائي للاحتلال، ويجعله تحت رحمة "كبسة زر" إسرائيلية لغلق محبس المياه وتعطيشه.

وتظاهر واعتصم ناشطون ومعارضون للتطبيع أمام وزارة المياه الأردنية احتجاجا على الاتفاقية، وهتفوا ضد التطبيع، وعدّوا أنها ستعود بالخراب على كل بيت أردني، بحسب موقع "رؤيا".

ووقفت الفنانة جوليت عواد تبكي بحرقة أمام وزارة المياه بعد توقيع اتفاقية الماء والكهرباء مع الاحتلال، محذرة من خطرها على مستقبل الأردن والأجيال القادمة، وبيع مقدرات البلاد بثمن بخس للعدو.

وكان مشروع مقايضة "الطاقة بالمياه" قد قوبل، حين بدأ الحديث مبكرا عنه، برفض في الأردن في ديسمبر/كانون الأول 2021، وخرجت احتجاجات ضد "إعلان النوايا" الذي وقعته المملكة مع إسرائيل والإمارات بشأن هذا المشروع.

حينها ندد المشاركون في الاحتجاجات باتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وسط هتافات تدعو إلى إسقاطها، منها: "رهنونا للكيان .. بكرة يحتلوا عمان"، و"كلمة حق وصريحة .. وادي عربة (اتفاقية السلام مع إسرائيل) فضيحة".

سلاح البيع

الأردن من أكثر الدول التي تعاني نقصا في المياه إذ يواجه موجات جفاف شديد، وتستغل إسرائيل ذلك منذ ما قبل معاهدة السلام التي وقعاها في العام 1994.

ومع حلول فصل الصيف كل عام تتصدر أزمة المياه واجهات الصحف ووسائل الإعلام الأردنية، لكنها ازدادت قسوة في العامين الأخيرين.

وفي يوليو/تموز 2021 أعلن الأردن وإسرائيل عن توصلهما إلى اتفاق تبيع الأخيرة بموجبه 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا لعمان، بعد لقاء جمع وزيري الخارجية أيمن الصفدي، ونظيره الإسرائيلي حينها يائير لابيد.

وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أكدت وكالة الأنباء الفرنسية أن إسرائيل ستضاعف كمية إمدادات المياه السنوية للأردن.

وبينت أنها وقعت اتفاقية لتزويد المملكة بـ 50 مليون متر مكعب إضافي من المياه سنويا، من مياه بحيرة طبريا التي سرقتها إسرائيل.

وأعلنت وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار اتفاق الجانبين على أن تبيع إسرائيل للأردن 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا، بالإضافة إلى 55 مليون متر مكعب توفر مجانا.

وقال المتحدث باسم سلطة المياه والصرف الصحي الإسرائيلية إيتاي دودي إنه بموجب هذا الاتفاق وافقت إسرائيل على بيع الأردن 45 مليون متر مكعب من المياه سنويا بسعر مخفض، مع خيار شراء المزيد من المياه اعتمادا على وضع نهر اليرموك.

وتسمح الصفقة للأردن بشراء مياه إضافية بسعر 65 سنتا للمتر المكعب لمدة عام واحد، مع خيار شراء نفس الكمية لمدة عامين آخرين، ولكن بسعر أعلى قليلا، وفق الوكالة الفرنسية.

وهذه الكميات المتفق عليها تعادل ما نصت عليه اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين عام 1994.

وبموجب اتفاقية السلام، تزود إسرائيل الأردن بما يصل إلى 55 مليون متر مكعب سنويا من مياه بحيرة طبريا، يجري نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى عمان، مقابل سنت واحد (الدولار = 100 سنت) لكل متر مكعب.

وسبق لصحيفة "عمون" الأردنية أن كشفت عام 2010 أن إسرائيل تزود الأردن بمياه ملوثة وتسرق 700 مليون متر مكعب سنويا.

وأكد تقرير حكومي أن الأردن لم يحصل بموجب اتفاق وادي عربة (اتفاقية السلام 1994) على كل حقوقه المائية بالكامل من الاحتلال الإسرائيلي.

وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، يعد الأردن ثاني أكثر بلد يعاني من ندرة المياه في العالم.

ويقول مركز أبحاث "سينتشري" الأميركي في تقرير نشرت تفاصيله وكالة الأنباء الفرنسية 12 أكتوبر 2021، إن "الأردن هو الآن ثاني أكثر بلد يعاني من انعدام الأمن المائي في العالم".

وأوضح المركز أن الإحصائيات تشير إلى أنه من المتوقع أن تتجاوز الاحتياجات المائية الموارد المتوفرة بأكثر من 26 بالمئة بحلول عام 2025.

وتشير بيانات وزارة المياه والري الأردنية إلى أن نصيب كل شخص في المملكة حوالي 61 لترا من المياه يوميا، مقارنة بحوالي 350 لترا يستخدمها المواطن الأميركي.

وبحسب ما نشر موقع مياه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (water.fanack) في الثاني من يونيو/حزيران 2022، يتقاسم الأردن معظم موارد المياه الرئيسة مع دول الجوار، مما يفاقم التحديات في ظل زيادة ندرة المياه.

وفي عام 2017، قدرت وزارة المياه والري توافر المياه السنوي بنحو 1054 مليون متر مكعب، منها 288 مليون متر مكعب من الموارد السطحية، و619 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، و147 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة.

وتساهم المياه السطحية في الأردن بحوالي 28 بالمئة من إجمالي إمدادات المياه، وتعد الأنهار الثلاثة الرئيسة في البلاد، نهر الأردن واليرموك والزرقاء، جزءا رئيسا من نظام المياه السطحية في البلاد، لكن من الصعب الاعتماد عليها.

وأكد خالد الشوابكة، نقيب الجيولوجيين الأردنيين، في 22 يونيو 2022 أن أسباب فقر الأردن الشديد بالمياه يرجع إلى عدة أسباب.

هي "التغير المناخي، واختلاف المواسم المطرية عن معدلاتها الطبيعية، حتى أن المياه الواردة للسدود لا تمثل أكثر من 30 بالمئة من سعتها التخزينية"، وفق ما قال لوكالة "الأناضول".

ولفت الشوابكة إلى أن السبب الرئيس لذلك، والذي لم تنتبه له الدولة إلا مؤخرا، هو أن الدول التي نتشارك معها بهذه الأحواض (سوريا والسعودية)، لا تلتزم بكميات ضخ معينة من هذين الحوضين، ولم تلتزما بالاتفاقيات المبرمة.

وبين أنه لهذا اتجهت المملكة إلى تحلية مياه البحر للاستقلال بمصادر المياه، وعدم رهن خياراته، لا سيما أن أسعار تحلية مياه البحار لم تعد مكلفة كما كانت في السابق.