علاء عبدالفتاح.. ناشط مصري كتم النظام صوته فتردد صداه في قمة المناخ

12

طباعة

مشاركة

من داخل سجنه، دون الناشط المصري علاء عبد الفتاح، كتاب "أنت لم تهزم بعد" الصادر عام 2021، ليتحول في أقل من سنتين إلى أبرز مادة فاضحة لإجرام نظام عبد الفتاح السيسي، وكذلك أداة ضغط هائلة عليه للإفراج عن المعتقلين. 

لدرجة أن قضية علاء عبد الفتاح أصبحت على رأس أولويات مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي بمدينة شرم الشيخ وضيوفه الدوليين الذي يشاركون بفعالياته بين 6-18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وبسبب علاء عبد الفتاح ضاعت جهود النظام الذي حاول غسل صورته عبر هذا الحدث العالمي، وبات يواجه قضية رأي عام عالمي غير مسبوقة تطالبه بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بسجونه الذين وصل عددهم إلى 60 ألفا.

مدون بارز

ولد علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد، وشهرته "علاء عبد الفتاح"، في 18 نوفمبر 1981.

وعرفت عائلة عبد الفتاح بسجل تاريخي متميز في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. 

فوالده أحمد سيف الإسلام، كان من أبرز المحامين الحقوقيين، وقضى وقتا طويلا في السجون بسبب أنشطته الحقوقية والسياسية.

ووالدته ليلى سويف، الحقوقية البارزة، أستاذة الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة.

وشقيقتاه منى وسناء سيف معارضتان حقوقيتان، وقادتا مسيرة الشموع في مظاهرات ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. 

أما جدته هي الكاتبة فاطمة موسى التي ترأست مكتب منظمة "بن" الدولية في مصر، وعمته أهداف سويف هي كاتبة وناشطة معروفة.

علاء الذي كان مبرمجا للكمبيوتر، بحكم دراسته هندسة الحاسوب، بدأ نشاطه السياسي كمدون منذ عام 2004.

حينها أسس مدونة "دول معلومات منال وعلاء" بالاشتراك مع زوجته المدونة منال حسن. 

في نفس الوقت لم يتخل عن عمله الأساسي كمبرمج، وشرع في تطوير نسخ عربية من البرامج الحاسوبية الهامة.

وكانت فكرة عبد الفتاح آنذاك العمل على توفير أكبر قدر من وسائل التقنيات الرقمية التي تمكن الجميع من الحديث بحرية وتوفر لهم الخصوصية.

لذلك أسهم في تطوير منصات رقمية توفر سعة تخزين مجانية، فضلا عن تقديم المشورة لأصحاب المدونات السياسية والحقوقية والمعلوماتية. 

طريق وعر

عرف علاء الطريق إلى السجن للمرة الأولى عام 2006، عندما اعتقل مع عدد من المتظاهرين كانوا مشاركين في احتجاجات تطالب باستقلال القضاء، ثم أطلق سراحه بعد 45 يوما.

أصبح علاء أحد أشهر وجوه الحركة الديمقراطية المصرية خلال ثورة 25 يناير 2011، التي مثلت انطلاقته كرمز شبابي، وانطلاقة جيل كامل من الشباب سيكونون رجال المرحلة الانتقالية بلا منازع.

استخدم علاء إمكانياته وطور منصات على الإنترنت مكنت المواطنين المصريين من المشاركة في صياغة الدستور، ووضع اقتراحات لشكل نظام الحكم في البلاد.

كما فتحت تغريداته على موقع تويتر الباب أمام العديد من النقاشات حول قضايا الإصلاح السياسي، ولم تخل من انتقادات من نظرائه السياسيين.

وكان علاء عبد الفتاح دائما في طليعة تنظيم المظاهرات المعارضة ضد حكم المجلس العسكري الذي تسلم الحكم بعد تنحي الرئيس السابق حسن مبارك.

وجرى سجنه في أعقاب أحداث ماسبيرو في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2011، بسبب تغطيته للاشتباكات بين المتظاهريين المسيحيين وقوات الأمن، حيث اتهمته النيابة العسكرية بالتحريض ضد الجيش وتكدير الأمن والسلم العامين.

وطالبت حينها المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالإفراج عنه، وأطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول من ذات العام.

بعد الانقلاب 

مثلما كانت ثورة 25 يناير 2011 مؤذنة بميلاد جيل جديد من نخبة الشباب السياسيين، كان انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 بمثابة انتكاسة كبرى لذلك الجيل، وللحياة السياسية في البلاد.

ورغم أن علاء كان من المؤيدين لإسقاط حكم الرئيس المنتخب الراحل الدكتور محمد مرسي، لكنه رفض الانتهاكات الحقوقية والمذابح التي طالت المدنيين المعارضين للانقلاب.

وفي نوفمبر 2013 ألقي القبض على عبد الفتاح لدى مشاركته في مظاهرة أمام البرلمان ضد قانون التظاهر ومسودة الدستور الذي استفتي عليه في مطلع عام 2014. 

ووجهت لعلاء حينها تهمة "التظاهر بدون تصريح" من السلطات الأمنية.

ثم حكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات من قبل محكمة الجنايات في هذه القضية التي عرفت آنذاك بـ"أحداث مجلس الشورى"، وأيدت محكمة النقض المصرية الحكم عام 2017 .

كانت فترة السجن هذه الأطول في تاريخه، وتوفي خلالها والده الحقوقي (أحمد سيف الإسلام) وسمحت له السلطات بالخروج استثنائيا لتشييعه في مشهد مؤثر للجميع.

وأفرج عنه في مارس/ آذار 2019 بعد انقضاء مدة عقوبته، ولكنه اعتقل مجددا في سبتمبر/ أيلول من نفسه العام.

وظل رهين السجن إلى أن تجاوز الحد القانوني الأقصى للحبس الاحتياطي.

ثم أصدرت محكمة الجنايات المصرية في ديسمبر/ كانون الأول 2021 حكما بسجنه 5 أعوام بعد إدانته بتهمة "نشر أخبار كاذبة".

معركة صعبة 

في سبيل تحريره خاضت أسرة علاء ومجموعات حقوقية معركة طويلة مع نظام عبد الفتاح السيسي.

وسلطوا الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها داخل السجن، فضلا عن الإهمال الجسيم الذي يؤثر سلبا على صحته الجسدية والنفسية.

وفي 13 سبتمبر 2021 التقى المحامي والحقوقي خالد علي بموكله علاء عبد الفتاح في جلسة تجديد حبسه، ونقل عنه شكواه من سوء الأوضاع داخل السجن وحرمانه من كل حقوقه، مهددا بالانتحار حال عدم الاستجابة لمطالبه.

وقال علي نقلا عن علاء: "أنا في وضع زفت (سيء جدا)، ومش (لن) هقدر أكمل كدا مشوني (أخرجوني) من السجن دا، أنا هنتحر، وبلغوا ليلى سويف تأخذ عزايا".

بعدها سعت والدته (ليلى سويف) بالمطالبة بالجنسية البريطانية لها ولأولادها كونها ولدت في مدينة لندن.

ليحصلوا عليها فعلا ويسعوا لزيارة القنصل البريطاني لعلاء بالسجن مقابل مماطلة نظام السيسي.

وفي أبريل/ نيسان 2022 حصل علاء على جواز السفر البريطاني، وهو في محبسه في إضراب مفتوح عن الطعام. 

وبموجب هذه الخطوة انتقلت المعركة من تجاذبات داخلية إلى ضغوطات دولية مع واحدة من أكبر حكومات العالم. 

ضغوط عالمية

الفصل الأشد في نزاع علاء والسلطة، ما حدث في قمة مؤتمر المناخ "كوب 27" بشرم الشيخ.

فبسبب علاء وجد النظام المصري نفسه في معرض انتقادات وضغوطات عالمية غير مسبوقة، حتى أطلق على القمة من قبل نشطاء ومعارضين (قمة علاء). 

وفي 8 نوفمبر 2022 طالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، بالإفراج عن علاء عبد الفتاح، من سجن وادي النطرون، حيث يضرب عن الماء والطعام.

وقال تورك في بيان: "أحث الحكومة المصرية على الإفراج الفوري عن عبد الفتاح من السجن وتزويده بالعلاج الطبي اللازم".

وأضاف: "عبد الفتاح في خطر كبير، إن إضرابه عن الطعام الجاف يعرض حياته لخطر شديد". 

وهو البيان الذي أغضب مصر  لترد عبر بعثتها لدى الأمم المتحدة في جنيف، حيث أصدرت بيانا مضادا قالت فيه إن "مضمون بيان المفوضية يقوض عن عمد استقلال القضاء وسيادة القانون كحجر زاوية لا غنى عنه لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها".

وشددت: "وصف قرار قضائي بأنه غير عادل، يعد إهانة غير مقبولة". 

وكان يوم 9 نوفمبر هو الأكثر ضغطا على النظام المصري بشأن ملف علاء عبد الفتاح، وفيه أعلنت منظمة العفو الدولية أنه "لا يمكن تحقيق عدالة مناخية دون حقوق الإنسان".

وطالبت بالإفراج عن كل معتقلي الرأي في مصر، ومنهم علاء عبد الفتاح.

فيما أعلنت الخارجية الأميركية أن الرئيس جو بايدن يعتزم إثارة مسألة حقوق الإنسان في لقائه مع السيسي، على هامش مؤتمر المناخ.

وفي ذات الوقت أعرب البيت الأبيض عن قلقه حيال قضية عبد الفتاح وظروف سجنه. 

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد أن السيسي تعهد بمراعاة صحة علاء.

فيما وجه المستشار الألماني أولاف شولتز نداء للإفراج عن عبد الفتاح من معقل النظام في شرم الشيخ.

وأشار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال اجتماع مع السيسي  إلى "قلقه العميق" بشأن علاء عبد الفتاح، مؤكدا أن حكومته ملتزمة تماما بحل القضية.

وصرح السفير البريطاني السابق في مصر جون كاسون، قائلا: "الإفراج عن عبد الفتاح عامل رئيس في العلاقات بين البلدين".