عودة نتنياهو للحكم.. هكذا تؤثر على مستقبل التطبيع مع الدول العربية
تنذر عودة زعيم حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو المتوقعة إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية بدخول دول جديدة ضمن محور التطبيع الذي شهد طفرة كبيرة عام 2020.
ومساء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أعلن فوز معسكر نتنياهو بـ64 من مقاعد الكنيست (البرلمان) الـ120 في انتخابات هي الخامسة في غضون أقل من 4 سنوات وسط ترقب تشكيلة حكومته المقبلة التي يسود الظن أنها ستكون يمينية.
وبوساطة أميركية، قاد نتنياهو عملية التطبيع التي سميت "اتفاقيات أبراهام" عام 2020 مع أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وسبقتها مصر (1979) والأردن (1994).
عودة للتطبيع
ويتوقع أن يواصل نتنياهو بقوة العملية التي يعدها من أهم إنجازاته بعد عودته إلى سدة الحكم، رغم توقعات أفول حقبة كان فيها الأطول بين المسؤولين الإسرائيليين في رئاسة الحكومة.
وانتخب نتنياهو رئيسا للوزراء في مايو/ أيار 1996. وفي 31 مارس/ آذار 2009 تولى للمرة الثانية رئاسة الحكومة حتى 2021، ليصبح الأطول بقاء في السلطة في تاريخ إسرائيل.
وفي الفترة القصيرة التي حكم فيها خلفه نفتالي بينيت ثم يائير لابيد، لم يحدث أي تقدم في عملية التطبيع وبقيت مجمدة، وسط تصاعد التوتر في ملفات أخرى، أبرزها الملف النووي الإيراني، والتصعيد في القدس والضفة الغربية وغزة.
وصرح نتنياهو أن "هدفه الدبلوماسي الرئيس" سيكون تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية.
وأكد في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، أي قبل انتخابه، أن الرياض تتجه ببطء نحو التطبيع على أي حال، "سيكون هذا هدفي الرئيس الدبلوماسي وآمل أن يتحقق في غضون أسابيع قليلة".
وأشار أيضا إلى أنه "لا توجد طريقة" يمكن لدول الخليج أن تطبع فيها العلاقات مع إسرائيل بدون "موافقة السعودية".
وادعى نتنياهو أن المصلحة العليا للسعوديين هي الدفاع ضد إيران، وأنهم لن يسمحوا باستخدام حق النقض الفلسطيني على أفعالهم، وفق وصفه.
وقال إن "السعودية بدأت بالفعل في عملية تطبيع تدريجية، لأنه في 2018، قبل اتفاقيات أبراهام عام 2020، فتح السعوديون المجال الجوي لمئات الآلاف من الإسرائيليين الذين تمكنوا من التحليق إلى دول الخليج، والآن إلى ما بعدها. لقد كان هذا قرارا مدروسا".
وأعلنت السعودية غير مرة استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط تنفيذ تل أبيب مبادرة السلام العربية المطروحة عام 2002 وحل القضية الفلسطينية.
وتدعو المبادرة لإنهاء احتلال كل الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة "عاصمتها القدس الشرقية، ومنح الفلسطينيين حق تقرير المصير".
أهم ملف
ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات، إن التطبيع بالنسبة لنتنياهو من أهم الملفات، وهو سياسته الدائمة فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، لأنه يؤمن بمبدأ السلام مقابل السلام.
فهو لم يعد يحتاج للتحدث مع الفلسطينيين، "والتطبيع مع الدول العربية من وجهة نظره ينهي القضية الفلسطينية"، وفق ما تحدث بشارات لـ "الاستقلال".
وبين أن "السعودية تعد مطبعة بشكل كامل مع الاحتلال في مجال الاستثمارات والسياسة والأمن والجيش والسايبر والقبة الحديدية، وهناك لقاءات بين الطرفين، لكن لا يوجد إعلان رسمي حتى الآن".
وتوقع المحلل الفلسطيني أن يزداد التطبيع في عهد نتنياهو "خاصة أن هناك دولا كثيرة مطبعة بالسر وتريد الإعلان عن تطبيعها مثل تونس وغيرها"، بحسب تقديره.
وفي يونيو/ حزيران 2022، تحدثت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية عن رغبة الرئيس التونسي قيس سعيد في الدخول بعلاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال.
وقالت الصحيفة إن سعيد أوعز بتسهيل زيارات الإسرائيليين إلى بلاده، لكن المعارضة في الداخل حالت دون رغبته في المضي بمساعي التطبيع.
ونقل موقع "i24" العبري عن رئيسة الاتحاد العالمي ليهود تونس في إسرائيل، ميريام غاز أفيغال، قولها إنه بالرغم من التجميد الجزئي للعلاقات بين الطرفين، ما زال بوسع الإسرائيليين دخول تونس بجواز سفر إسرائيلي، وإن كان ذلك بشكل محدود.
وقبلها بشهر، زار جزيرة جربة حوالي 500 إسرائيلي؛ للمشاركة في الطقوس الدينية التي تقام في كنيس الغريبة، فيما يحظر على الإسرائيليين دخول تونس بقية أيام السنة.
وفي أكتوبر 2021، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس إن بلاده لا تعد إسرائيل عدوا لها. وهي مؤشرات كثيرة دفعت المحللين لتوقع حدوث تقدم في العلاقات.
وأكد بشارات أن "الدول المطبعة ستزداد وستخرج إلى العلن، ونتنياهو يهتم بالدول القريبة ولا يغفل أيضا البلدان الإفريقية، خاصة وقت التصويت بالجمعيات الدولية".
وفي أكتوبر 2020، توقعت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تطبيع عدة دول العلاقات مع إسرائيل، وذكرت من بينها السعودية وسلطنة عمان والنيجر.
رأي مخالف
تختلف بعض التحليلات مع الآراء والتقديرات السابقة، وترى أن تشكيل حكومة يمينية متطرفة سيزيد التوتر بين إسرائيل والدول المطبعة.
وبحسب النتائج شبه النهائية التي نشرتها لجنة الانتخابات المركزية في 3 نوفمبر، حصلت كتلة نتنياهو على 64 مقعدا، موزعة على حزب الليكود بواقع 32 مقعدا.
فيما حصل تحالف الصهيونية الدينية والقوة اليهودية بزعامة المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش على 14 مقعدا، ونال "شاس" 11 مقعدا، و"يهودوت هتوراة" 7 مقاعد.
واستنادا لهذه النتائج، سيتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة مستقرة، وفق قناة "كان" الرسمية، وستكون التشكيلة الجديدة من نصيب الأحزاب اليمينية المتطرفة، ما قد ينذر بتوترات مع دول حليفة.
وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستتضح توجهات نتنياهو فيما يتعلق بشكل الحكومة التي يسعى لتشكيلها.
وقال مكتب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إنه سيجري مشاورات مع قادة الأحزاب الفائزة بالانتخابات، وفي غضون أسبوع يكلف أحد أعضاء الكنيست بتشكيل الحكومة.
واستنادا إلى القانون، فإن على المكلف بتشكيل الحكومة استكمال مهمته في غضون 28 يوما، يمكن تمديدها لفترة 14 يوما، ولكن فقط بموافقة الرئيس.
وحزب "الليكود"، الذي يقوده نتنياهو، هو الأكبر في الكنيست، وفضلا عن أنه يحظى بأعلى نسبة تأييد لتشكيل الحكومة، فإن من شبه المؤكد أن يجري تكليفه بتشكيل الحكومة.
وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" في الثاني من نوفمبر: "نتنياهو لن يكون قادرا على تشكيل حكومة بدون الصهيونية الدينية وبدون إيتمار بن غفير".
و"بن غفير" سيكون هو مركز الحكم، وحجر الزاوية في أي ائتلاف، أو "صانع الملوك"، ورمانة الميزان عبر حلفه (الصهيونية الدينية).
وهو ما سيجعله يتحكم بنتنياهو لأنه أكبر حزب في كتلته، وقد يحصل على أبرز الوزارات مثل الداخلية (لقمع الفلسطينيين) والقضاء بحسب ما قال موقع "فوكس" الأميركي في الثاني من نوفمبر 2022.
ثمن باهظ
والأخطر، كما يقول الكاتب الإسرائيلي ميرون رايبوبورت في مقال نشره بموقع "مكوميت" في 25 أكتوبر 2022 أن "أفكار ومنطلقات بن غفير والحركة الصهيونية الدينية تتبناها أوساط مهمة في الجيش والمؤسسة الأمنية".
وسيحصل نتنياهو، بالمقابل، على الثمن، وهو إلغاء كل ملفاته القانونية المتهم فيها بالفساد، حسب تصريحات بن غفير، عبر "قانون سموتريتش" الذي ينوي تشريعه.
وأصدرت حركة الصهيونية الدينية مقترح إصلاح قضائي، يسمى "خطة القانون والعدالة"، يمكن أن يلغي محاكمة نتنياهو الجارية بشأن الفساد، بحسب ما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في الثاني من نوفمبر.
بدوره، قال المجلس الأطلنطي للدراسات في نوفمبر: "عزز انتصار اليمين الإسرائيلي عودة بنيامين نتنياهو، لكنها قد تكون باهظة الثمن لإسرائيل".
وبين أن صعود الكتلة الصهيونية الدينية كان متوقعا منذ فترة طويلة في هذه الانتخابات. لكن احتمال قبول أعضائها، بمن فيهم إيتمار بن غفير، في حكومة نتنياهو سيعقد السياسة الخارجية والداخلية لإسرائيل.
وأردف أن وجود شخص مثل بن غفير الذي يحمل وجهات نظر عنصرية سيشكل تحديا للعلاقات مع الحلفاء القدامى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وفي أسوأ الأحوال، يمكن لشخص مثل بن غفير أن يهدد بشكل أساسي بتقويض علاقات إسرائيل التي لا تزال مزدهرة مع الدول العربية، بحسب تقدير المجلس الأطلنطي.
وبين المجلس أن صورة تل أبيب قد تتضرر لدى "كل أولئك الذين لديهم علاقات طبيعية تماما مع إسرائيل، مثل الأردن ومصر، وأولئك الذين طبعوا مؤخرا من خلال اتفاقيات أبراهام، والدول التي لا تزال علاقاتها تحت الطاولة في مجال الأعمال والمسائل الأمنية مثل السعودية".
وتابع أن السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق هو تأثير مثل هذا التحالف على جهود التطبيع مع إسرائيل.
وكررت دول، يحتمل تطبيعها، مرارا مثل المملكة العربية السعودية أن التطبيع يتوقف على حل الدولتين، وهو واقع بعيد المنال بشكل متزايد في ظل حكومة الليكود.
بدورها، قالت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في الثاني من نوفمبر إن "الإمارات والسعودية تستخدمان قوتهما الناعمة لغرس فكرة أن التطبيع هو المكان الذي يكمن فيه مستقبل أفضل للمنطقة".
وتابعت أن "التطبيع بدأ في الواقع في عهد نتنياهو الذي تفاوض على ما يسمى باتفاقات أبراهام، التي فتحت الطريق أمام فرص التجارة والأعمال، ولكن اليوم ستكون هناك تعقيدات".
المصادر
- News Analysis: A Netanyahu government would probably clash with the Biden administration
- Experts react: Bibi is back—back again for now
- يديعوت: خمس دول عربية في طريقها للتطبيع بينها السعودية
- السعودية: مستعدون للتطبيع شرط تنفيذ إسرائيل المبادرة العربية
- "إسرائيل ليست عدوا".. جدل تونسي جديد في عهد قيس سعيد
- خارجية تونس تنفي تقارير عن اتصالات للتطبيع مع الاحتلال