"سنحرر إيران".. هل أخطأ بايدن التعبير أم يخفي خططا لإسقاط خامنئي؟

12

طباعة

مشاركة

بعد استعانة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، رسميا، بخدمات الأقمار الصناعية والإنترنت الفضائي لرجل الأعمال، إيلون ماسك، لدعم مظاهرات الإيرانيين ضد النظام، أطلق بايدن تعهدا غريبا بـ"تحرير إيران".

وخلال تجمع لمرشحي حزبه في الانتخابات النصفية للكونغرس لولاية كاليفورنيا، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال بايدن: "لا تقلقوا سنُحرر إيران"، وسط تصفيق من الحضور، لكنه استدرك: "مواطنو إيران سيحررون أنفسهم قريبا جدا".

توقف بايدن عند هذا الحد ولم يشر بعد ذلك في حديثه إلى الإجراءات الإضافية التي يمكن للبيت الأبيض اتخاذها لدعم المحتجين بحسب قوله "سنحرر إيران".

خطط جديدة

فاجأت تصريحات بايدن الكثيرين وتسببت في غضب كبار قادة طهران، لكنها طرحت تساؤلات حول الطريقة التي ستتعامل بها واشنطن مع النظام والإيرانيين مستقبلا، خاصة في ظل تصاعد حدة الاحتجاجات المستمرة منذ نحو شهرين. 

الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في كلمته بمناسبة الاحتفال بمرور 43 سنة على احتلال السفارة الأميركية في طهران عام 1979، رد على تصريحات بايدن في 4 نوفمبر 2022 بقوله ساخرا منه أن بلاده "تحررت" من الولايات المتحدة قبل 43 عاما.

وقال رئيسي: "إيران لن تكون أسيرتكم والشعب الإيراني العظيم لن يركع أمامكم"، مرجعا تصريحات بايدن إلى "شرود الذهن الذي يعاني منه".

خبراء ومراقبون فسروا تصريحات بايدن بأنها إما "زلة لسان"، حيث اعتاد بسبب كبر سنه على إطلاق تصريحات غير دقيقة يتراجع عنها البيت الأبيض.

أو أنه كشف ضمنا، وربما بدون قصد، عن خطط أميركية جديدة قادمة ضد نظام طهران، خصوصا أن محادثات الاتفاق النووي توقفت، وتوترت العلاقات بسبب ما أشيع عن دور إيراني في تسليح روسيا بعد غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وطلب إيران بالمقابل من روسيا، دعمها في تصنيع اليورانيوم المستخدم في مفاعلاتها النووية، حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 5 نوفمبر 2022.

وفي هذا السياق، سافر الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في توقيت مفاجئ إلى واشنطن، عقب تقارير أميركية عن دعم طهران لموسكو، ليقدم إلى بايدن في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022 ما ادعى أنه "أدلة" على دعم إيران لروسيا عسكريا في أوكرانيا.

وكان ملفتا بعد النفي الإيراني، اعتراف وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، للمرة الأولى بأن بلاده زودت روسيا بطائرات مسيّرة، لكن قبل حرب موسكو على أوكرانيا وقصف كييف بطائرات مسيرة إيرانية الصنع، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" في 5 نوفمبر 2022.

إرضاء الحضور

وقالت مديرة "مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي"، باربرا سلافين، لقناة "الحرة" الأميركية في 4 نوفمبر 2022، إن "بايدن ربما يكون قد أخطأ التعبير واختيار الكلمات، وأنه أراد إرضاء الإيرانيين الأميركيين الذين كانوا موجودين ضمن الحاضرين".

وأكد هذا المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، في 4 نوفمبر 2022 بقوله إن "الرئيس بايدن كان يعبر عن تضامنه مع المحتجين في إيران من خلال القول أمام حشد من أنصاره، سنحرر إيران".

لكن تعليق كيربي لم يوضح ماذا قصد بايدن بـ"تحرير إيران"؟ ولم يقل إنها زلة لسان أو يوضح هل هناك خطط أميركية سياسية أو عسكرية أو فضائية لإسقاط الحكم في إيران، وإن أوضح أنها "لا تشير إلى نهج جديد".

وتابع كيربي: "كان الرئيس واضحا جدا بشأن هذا الأمر.. سنواصل البحث عن طرق لمساءلة النظام (الإيراني) عن الطريقة التي يعاملون بها شعبهم".

ورغم تصريح بايدن، قال كيربي إن الولايات المتحدة ليس لديها مؤشرات على أن النظام الإيراني على وشك التغيير، بحسب "سي إن إن" في 4 نوفمبر 2022.

فيما تعتقد سلافين أن "سياسة إدارة بايدن تجاه إيران لم تتغير وتتمثل في أنها تعتقد أن الشعب الإيراني هو من يقرر مصير بلده في نهاية المطاف".

ومع ذلك تبين الخبيرة الأميركية في الشؤون الإيرانية، أن "إدارة بايدن قدمت وستقدم المزيد لتشجيع المحتجين الإيرانيين، بما في ذلك معاقبة منتهكي حقوق الإنسان ومحاولة طرد طهران من لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة".

وأيضا تخفيف القيود المفروضة على توفير التكنولوجيا المتطورة من أجل تقليل تأثير السلطات في التحكم بالوصول للإنترنت، تقول سلافين.

وسبق أن أعطت الحكومة الأميركية الضوء الأخضر لمالك الإنترنت الفضائي، ماسك، من أجل تفعيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" لدعم الحراك الشعبي في إيران ضد نظام الحكم.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اتخاذ إجراءات لتعزيز حرية الإنترنت والتدفق الحر للمعلومات للشعب الإيراني، قائلا "أصدرنا رخصة عامة لتزويدهم بوصول أكبر إلى الاتصالات الرقمية لمواجهة رقابة حكومة طهران".

ورد عليه ماسك عملاق الاتصالات معلنا في 23 سبتمبر/أيلول 2022 تفعيل تغطية إيران بخدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" لتحدي قطع طهران الإنترنت.

خطط ضد إيران

تزامن حديث بايدن عن "تحرير إيران" مع تأكيد مجلة "تايم" الأميركية أن "إيران تسعى فعليا للحصول على سلاح نووي، وأن هناك حاجة لإستراتيجية أو خطة عمل شاملة جديدة ضد طهران". 

وأوضحت في 4 نوفمبر 2020، أن "صانعي السياسة الإيرانيين يزدادون شفافية أكثر فأكثر ويقولون إن طهران لا تناور بالتهديدات بتطوير سلاح نووي، وإنها تريد سلاحا نوويا فعليا وعاملا لتقوية قواها الرادعة".

وأكدت المجلة أن "إيران ترأى أن أولويتها الأولى، أكثر من تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط أو تطوير اقتصادها، هي الحفاظ على النظام نفسه، ولأنها تكافح تمردا داخليا كبيرا، ترى أن السلاح النووي يوفر أفضل رادع لضمان بقائه ضد التهديدات الخارجية".

وأكد كاتب تقرير "تايم"، جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة لمجلس الأتلانتيك، ونائب المخابرات الأميركية السابق للشرق الأدنى، أن هناك "حاجة إلى إستراتيجية أميركية جديدة تجاه إيران".

وأوضح أنه "منذ ما يقرب من عقد من الزمان، كانت الإستراتيجية في عهد الرؤساء باراك أوباما ودونالد ترامب والآن بايدن تدور حول خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، سواء كانت لصالحها أم ضدها".

ولكن مع تزايد احتمالية انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، هناك حاجة ماسة إلى إستراتيجية شاملة جديدة تجاه إيران تضع في حسبانها أن طهران "تريد حقا سلاحا نوويا".

وكذا معالجة التهديد الذي يشكله وكلاؤها وأسلحتها التقليدية على الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، وصياغة رد فعل أميركي ذي مغزى على الاحتجاجات ضد النظام الإيراني.

ودعا بانيكوف أن تبدأ الولايات المتحدة مناورات عسكرية سنوية مشتركة مع إسرائيل؛ لمحاكاة ضربة على إيران لا تقتصر فيها على تزويد طائرات إسرائيل بالوقود بل تنشر طائرات مقاتلة أميركية وتحديث دفاعات الحلفاء الإقليميين.

وتزامن تقرير "تايم" مع تأكيد مسؤولين في المخابرات الأميركية أن طهران تقدمت للحصول على مساعدة من روسيا لتعزيز برنامجها النووي، ما سيعزز جهود طهران الرامية لإنتاج سلاح نووي، خصوصا بعد توقف محادثات إحياء الاتفاق مع الغرب.

مساعدة سرية

ونقلت "سي إن إن" الأميركية في 4 نوفمبر 2022، عن مصادر مطلعة، قولها إن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن طهران طلبت مساعدة موسكو للحصول على مواد نووية إضافية وتصنيع وقود نووي.

وقال مسؤولون أميركيون للشبكة، إن "الاقتراح الإيراني جاء في ظل شراكة موسعة بين إيران وروسيا، تضمنت في الأشهر الأخيرة إرسال طهران طائرات من دون طيار ومعدات أخرى إلى موسكو، لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا".

لكن "سي إن إن" ذكرت أنه "ليس من الواضح إذا ما كانت روسيا قد وافقت على تقديم المساعدة أم لا، رغم أن موسكو كانت قد عارضت منذ فترة طويلة حصول إيران على سلاح نووي".

وبحسب الشبكة، فإن البيت الأبيض يراقب بقلق أي مجالات جديدة للتعاون بين إيران وروسيا، مشيرة إلى أن أي مساعدة روسية "سرية" لإيران يمكن أن تعزز جهود طهران الرامية لإنتاج سلاح نووي، وتشكل أيضا تحولا كبيرا في السياسة الروسية. 

ونقلت عن المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون، قولها إن الولايات المتحدة ستكون "حازمة في مواجهة أي تعاون يتعارض مع أهدافنا المتعلقة بعدم انتشار النووي". 

وهناك جمود حاليا في المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بشأن إحياء الاتفاق، وقال مسؤولون إن نقطة شائكة مهمة تعرقل تلك المساعي، وهي مطلب إيراني بإنهاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقا في آثار يورانيوم عثر عليها في مواقع غير معلنة.

وأتاح "اتفاق 2015" رفع عقوبات عن إيران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه عام 2018 في عهد رئيسها السابق ترامب، معيدة فرض عقوبات على طهران، التي ردت بالتراجع تدريجيا عن معظم التزاماتها.

وبدأت إيران وأطراف الاتفاق، بتنسيق من الاتحاد الأوروبي ومشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحيائه في أبريل/نيسان 2021، وتعثر التفاوض في سبتمبر 2022، مع تأكيد الأطراف الغربيين أن رد إيران على مسودة تفاهم كان "غير بنّاء".

وخلال الأسابيع الماضية، تراجع التركيز على الملف النووي في العلن، بينما تشهد إيران منذ 16 سبتمبر 2022، احتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل "شرطة الأخلاق"، على خلفية عدم التزامها القواعد الصارمة للباس في الجمهورية.

وأعلنت الخارجية الأميركية في 12 أكتوبر 2022 أنها لم تعد تهتم بالاتفاق النووي مع إيران، وأنه لم يعد "محور تركيزها الحالي"، مشيرة على لسان المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس، إلى أنها بدلا من ذلك تهتم "بدعم المحتجين في إيران".

ورحبت وزارة الخزانة الأميركية، في 20 سبتمبر 2022 بطلب من مؤسس شركة "سبيس إكس"، ماسك، للحصول على استثناء من العقوبات المفروضة على إيران للسماح بنشر الإنترنت حول العالم ضمن مشروع "ستارلينك".

وقال متحدث باسم الوزارة لصحيفة "واشنطن بوست" في 20 سبتمبر 2022 إن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة يرحب بطلبات التراخيص التي من شأنها السماح بأنشطة تعزز حرية الإنترنت في إيران".