ترحيب وتهنئة.. لماذا يدعم الغرب حكومة "الإطار الشيعي" في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم ترشيحه من قوى الإطار التنسيقي الشيعي القريب لإيران في العراق، رحبت الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الغربية، بتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة، وذلك بعد عام كامل على انتهاء الانتخابات البرلمانية.

وكلف الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022 السوداني، وأمامه 30 يوما – حسب الدستور- لتقديم حكومته إلى البرلمان للتصويت عليها بمنح الثقة من عدمه، في ظل دعم غربي "هائل" لإنجاح تشكيل الحكومة الجديدة.

وحظي تكليف السوداني بترحيب غربي واسع، ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية التي أبدت استعدادها للتعاون بين الحكومتين.

فيما رحبت كذلك كل من فرنسا وبريطانيا بتكليف السوداني لرئاسة الحكومة، إضافة إلى استقباله سفراء كندا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، حيث أكدوا دعمهم لتشكيل حكومته.

وفي السياق ذاته، هنأت الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، محمد شياع السوداني، لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.

وقالت خلال برقية تهنئة، في 13 أكتوبر 2022 "باسم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، أود أن أتوجه اليكم بخالص التهنئة بمناسبة تكليفكم رئيسا للوزراء". 

تغير مفاجئ

الدول هذه قبل ترحيبها بحكومة السوداني، كانت داعمة لتشكيل التيار الصدري وحلفائه حكومة أغلبية سياسية، بعيدة عن سيطرة إيران وحلفائها في العراق المتمثل بقوى "الإطار التنسيقي"، لكن التيار لم يفلح في تشكيل حكومته وأعلن استقالة نوابه من البرلمان في يونيو 2022.

وعن تغيّر الموقف الأميركي والدولي من حكومة يشكلها حلفاء إيران في العراق، قال المحلل السياسي العراقي ليث شبر، إن "التغير المفاجئ في الموقف، جاء بعد القرار السعودي بتخفيض إنتاج النفط، وهو ما عدته الولايات المتحدة معاديا لخططها وإستراتيجيتها وحتى لأمنها القومي".

وأوضح شبّر، خلال مقابلة تلفزيونية في 18 أكتوبر، أن "تغير موقف الإدارة الأميركية حيال تشكيل الإطار التنسيقي الحكومة، جاء مباشرة بعد قرار السعودية، الذي أثر سلبا على الحالة العراقية وذهب بالأميركيين وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لدعم حكومة السوداني بقوة، والآن يدفعون بتسريع تشكيلها".

وفي 5 أكتوبر 2022 وافقت دول تحالف "أوبك بلس" الذي يضم دول منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجين من خارجها بينهم روسيا، خلال اجتماعها في فيينا، على قرار بخفض كبير في الإنتاج بمقدار مليوني برميل في اليوم بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني.

وردا على هذه الخطوة، أوضح البيت الأبيض خلال بيان أصدره في اليوم ذاته أن "أوبك بلس تقف إلى جانب روسيا"، وقال إن الرئيس جو بايدن "يشعر بخيبة أمل من القرار "القصير النظر".

ولفت إلى أن "الإيرانيين أيضا لاعبون أساسيون بالملف العراقي، ولاعبون دوليون، وأعطوا تطمينات للأميركيين بموضوع النفط".

لذلك أطلق السوداني قبل أيام من تكليفه تصريحا خارج موضوع تشكيل الحكومة، بأن العراق سيذهب إلى تصدير النفط خارج حصص أوبك، رغم أنه أمر غير ممكن في حقيقته، وفق قوله.

وأكد شبّر أن "واشنطن داعمة لتشكيل حكومة إطارية (يشكلها الإطار التنسيقي حليف إيران)، على العكس تماما لما كانوا يقولون"؛ إن أميركا ضدهم، بل اليوم هم أصدقاء للأميركيين، وهناك تنسيق مهم بينهما".

وهذا ما تفسره زيارات سفيرة واشنطن آلينا رومانوسكي وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، فاليوم هناك دعم دولي هائل لتشكيل هذه الحكومة، حسب تعبيره.

وقبل ثلاثة أيام من تكليفه بتشكيل الحكومة، صرح السوداني في 10 أكتوبر 2022 لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بأن "العراق لا يمكن تحمّل خفض إنتاجه النفطي كجزء من تحرك (أوبك بلس)، مشيرا إلى أن "البلاد بحاجة إلى الأموال لتعزيز اقتصادها المتعثر".

وأضاف السوداني، خلال تصريح جاء بعد اجتماع "أوبك بلس" عُقد بفيينا في 5 أكتوبر، بأن "تخفيضات الإنتاج التي فرضها التحالف النفطي، لن تنجح في العراق"، لافتا إلى أن بلاده "بحاجة إلى بيع مزيد من النفط الخام للمساعدة في تمويل إعادة البناء الاقتصادي للعراق، في ظل النمو الكبير في عدد سكانه".

السوداني أكد حينها أن العراق "يحتاج نصيبا أكبر من حصص الإنتاج"، مؤكدا: "سنطلب من أوبك إعادة النظر في ذلك" في الناتج الإجمالي للتحالف، إذا استطاعت كتلته السياسية تشكيل الحكومة.

ضرب للسعودية

وعلى صعيد قرار السعودية خفض تصدير النفط ومدى ارتباطه سياسيا بالعراق، تحدث الصحفي العراقي المقيم في لندن رافد جبوري عبر سلسلة تغريدات نشرها على "تويتر" في 18 أكتوبر عن محاولة قوى الإطار التنسيقي الشيعي اللعب مع الولايات المتحدة الأميركية بورقة النفط لكسب دعم تشكيل الحكومة. 

وقال جبوري إن "تركيز الولايات المتحدة الأكبر، في مجال الأمن القومي في هذه المرحلة، هو على روسيا وحرب أوكرانيا". وجاء قرار "أوبك بلس" الأخير بخفض إنتاج البترول وكأنه ضربة للولايات المتحدة واصطفافا مع روسيا.

وأوضح في تحليله: "في تلك الظروف المزعجة بالنسبة لصانع القرار الأميركي تقدم محمد شياع السوداني للحديث للصحيفة الأميركية الكبرى (وول ستريت جورنال) قائلا إن العراق لن يتمكن من الالتزام بقرار أوبك بخفض الإنتاج وسيستمر برفع إنتاج النفط".

وتابع: "بما أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك بعد السعودية، يأتي تصريح السوداني غريبا إذ إن البلد كان حاضرا في اجتماع أوبك ووافق على القرار الذي يفرض عليه خفض 220 ألف برميل يوميا مما يصدر من إنتاجه".

واستدرك: "لكن من الواضح أن ذلك التصريح لعب دورا في إزالة أي عقبة أمام موافقة إدارة بايدن على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة برئاسة السوداني بالرغم من قرب قوى الإطار التنسيقي من طهران. فالولايات المتحدة تركز الآن على قضية الحرب الأوكرانية كأولوية كبرى".

وبحسب تغريدات جبوري، فإنه "من الواضح أن تصريح السوداني-بخصوص النفط- لعب دورا في إزالة أي عقبة أمام موافقة أميركا على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة برئاسته. فواشنطن تركز الآن على هذه القضية".

وزاد جبوري قائلا: "أعرف أن شياع السوداني إداري دؤوب يعمل كثيرا. لكن لم يعرف عنه البراعة الإستراتيجية والسياسية. لذلك فإن المشورة في تصريحه ربما جاءته من أطراف أكثر خبرة. بل ربما تكون جاءته من أطراف أميركية تريد تمشية الأمور باتجاهه عقابا للسعودية".

وتابع: "لكن ماذا عن حقيقة أن السوداني هو في الأساس من حزب الدعوة وهو مرشح المالكي (رئيس الوزراء العراقي من 2006 إلى 2014) وهو مرشح القوى السياسية العراقية الأكثر قربا لإيران (لأن كل القوى الحاكمة في العراق قريبة من طهران)".

وخلص إلى أن "دعم حلفاء إيران في العراق يبدو بوضوح ردا على خفض السعودية للإنتاج. خصوصا أن الأطراف المعارضة للسوداني وأهمها التيار الصدري والتجمعات الشبابية الاحتجاجية (التشرينية) ليست صديقة لأميركا".

وقد عملت واشنطن على أي حال منذ احتلال العراق، وقبل ذلك، بتنسيق وتفاهم مع الأطراف العراقية المدعومة من طهران، وفق قوله.

بديل محتمل

وعن مدى اعتماد الولايات المتحدة على نفط العراق بدلا من السعودية، رأى مراقبون أن ذلك ممكن في ظل التوتر الحاصل بين الرياض وواشنطن.

هذا إضافة إلى تجاوز صادرات العراق النفطية من يوليو 2022 عما تصدره المملكة إلى أميركا، ليصبح ثالث أكبر مصدر لها.

وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2022 أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن "متوسط الاستيرادات الأميركية من النفط الخام خلال (الأسبوع الذي سبق التاريخ المذكور) من تسع دول بلغت 5.121 ملايين برميل يوميا، منخفضة بمقدار 234 ألف برميل باليوم عن الأسبوع الذي سبقه والذي بلغ 5.356 ملايين برميل يوميا".

وأضافت أن "صادرات العراق النفطية لأميركا بلغت معدل 401 ألف برميل يوميا، مرتفعة عن الأسبوع الذي سبقه وبلغت فيه الصادرات النفطية لأميركا معدل 225 ألف برميل يوميا، ليتجاوز بذلك السعودية وليصبح ثالث أكبر مصدر خلال ذلك الأسبوع".

وأشارت إلى أن "أكثر الإيرادات النفطية لأميركا خلال ذلك الأسبوع جاءت من كندا بمعدل بلغ 3.093 ملايين برميل يوميا، تلتها المكسيك بمعدل 440 ألف برميل يوميا، وبلغت الإيرادات النفطية من السعودية بمعدل 330 ألف برميل يوميا، ومن ثم كولومبيا بمعدل 289 ألف برميل يوميا".

ووفقا للإدارة، فإن "كمية الاستيرادات الأميركية من النفط الخام من نيجيريا بلغت بمعدل 137 ألف برميل يوميا، ومن البرازيل بمعدل 134 ألف برميل يوميا، ومن ترينيداد توباغو بمعدل 67 ألف برميل يوميا، فيما لم يجر استيراد أي كمية من روسيا".

ورغم تقدم مرتبة العراق في قائمة أكثر مصدري النفط للولايات المتحدة، فإن مراقبين أكدوا أن بغداد لا يمكن أن تتخذ قرارا منفردا في خفض أسعار النفط بعيدا عن "أوبك بلس" وتطبيق ما تحديث به السوداني، لأن البلد اقتصاده ريعي، ويعتمد 90 بالمئة في وارداته على تصدير النفط.

وأشاروا إلى أن صعود أسعار النفط عالميا يعد بمثابة فرصة ذهبية للعراق حتى يجني مليارات الدولارات، إذ ارتفع- جراء صعود الأسعار- الاحتياطي النقدي في البنك المركزي العراقي من العملة الصعبة إلى 85 مليار دولار حتى سبتمبر 2022.