"إحياء اقتصاد لبنان".. لماذا يشكك خبراء بقدرة الحكومة على تنفيذ المشروع؟
وسط الانهيار الاقتصادي الكبير الذي يعيش لبنان تحت وطأته تسعى حكومة نجيب ميقاتي إلى تفعيل بعض القطاعات الحيوية بالتعاون مع جهات دولية، لكنها تصطدم بغياب آلية واضحة لتحقيق ذلك.
وأطلقت وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، مشروعا لوضع خطة تشغيلية لـ"إعادة إحياء الاقتصاد".
وأكدت "إسكوا"، في بيان، أن هذا المشروع يأتي في وقت يواجه فيه لبنان أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية والمالية في التاريخ المعاصر، ما تسبب بزيادة انتشار الفقر وتفاقم هجرة الأدمغة والشباب.
ويسعى المشروع إلى تحديد إجراءات قصيرة الأمد في قطاعات أساسية لبدء الانتعاش الاقتصادي، من خلال إيجاد فرص عمل ومصادر دخل إضافية بوتيرة سريعة.
وأشار "إسكو" إلى أن الوزارة اللبنانية أعطت الأولوية لثلاثة قطاعات رئيسة، هي الأعمال الزراعية، والسياحة، والاقتصاد الرقمي، بوصفها تحظى بإمكانات للنمو على الرغم من الظروف الراهنة.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب تقلص الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنسبة 25 بالمئة في عام 2020، وبنسبة 16.2 بالمئة في عام 2021، في حين يتوقع أن يسجل نموا إيجابيا لعام 2022.
وهو الأمر الذي سيعتمد عليه المشروع الجديد لتعزيز الإنتاجية والتنافسية، وتحسين بيئة الأعمال؛ لاستقطاب رؤوس الأموال الجديدة؛ وإيجاد المزيد من فرص العمل للشباب، وفق اللجنة الأممية.
ويهدف المشروع في نهاية المطاف إلى إعادة بناء اقتصاد منتِج ومبتكر وتنافسي وتمكيني يدعم التعافي من الأزمة الحالية بحلول عام 2025 من خلال الإصلاحات المقترحة في القطاعات الثلاث المستهدفة.
مستلزمات الزراعة
وكان لافتا أن الوزارة اللبنانية واللجنة الأممية لم تكشفا عن آلية واضحة تعكس طبيعة الخطوات التي سينتهجها المشروع المزمع تطبيقه في القطاعات الثلاث المستهدفة.
فيما اكتفى وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام بالقول في تصريحات صحيفة، إن الخطة المقدمة اليوم يمكن تطويرها وتحسينها والتعديل عليها.
وتعليقا على ذلك، قال رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني لـ"الاستقلال"، إن هناك مشكلة كبيرة في واقعية تطبيق أهداف المشروع للقطاعات الثلاث.
وأشار إلى أن قطاع الزراعة على سبيل المثال بحاجة إلى الري بماء نظيفة في حين أن لبنان تشهد أزمة جدية في تلوث الماء.
وأضاف: الري بحاجة أيضا إلى الكهرباء التي تعاني البلاد مشكلة كبيرة في توفيرها محليا فضلا عن أن احتياج قطاع الزراعة أيضا لها في عمليات التبريد، وبالتالي "كيف يتم الحديث عن تطوير الزراعة في ظل غياب المستلزمات الأساسية؟"
ويعد قطاع الزراعة أكبر مستهلك للمياه في لبنان بنحو 60 بالمئة من إجمالي المياه، فضلا عن أنه يعاني مشكلات في تأمين الأسمدة والبذور الزراعية، وارتفاع تكاليف الإنتاج لشراء مستلزمات الزراعة وفي مقدمتها المازوت الذي ترتفع أسعاره يوما بعد يوم.
وتسهم التكاليف العالية لإنتاج الزراعي في زيادة أعباء المزارعين، وهو ما دفع رئيس تجمع المزارعين والفلاحين بلبنان، إبراهيم الترشيشي، مطلع عام 2022، إلى الحديث عن أن ارتفاع التكلفة "أدى الى إحجام المزارعين عن زراعة أراضيهم".
معضلة السياحة
ولفت مارديني إلى أن قطاع السياحة أيضا يعاني على الرغم من الحديث عن أن العام الحالي كان حافلا، إلا أن أغلب الزائرين إلى لبنان هم المغتربون اللبنانيون القادمون لرؤية أهاليهم لا السياح الأجانب.
وأضاف أن أحد أهم أسباب تراجع السياح الأجانب هو أن ثمن تذاكر الطيران من وإلى لبنان غالي جدا نتيجة احتكار الدولة لقطاع الطيران عن طريق شركة طيران الشرق الأوسط.
وتابع: لذا نجد تكلفة تذكرة الطيران للبنان يكلف أضعاف تذاكر الطيران إلى وجهات منافسة مثل تركيا واليونان وقبرص، متسائلا "كيف سيتم تطوير هذا القطاع أو خلق فرص له في ظل هذا الوضع؟"
وشهد قطاع السياحة في العامين الماضيين 2020 و2021 تراجعا ملحوظا، إلى أنه شهد في 2022 تحسنا ملحوظا بشكل نسبي، إذ أشار وزير السياحة وليد نصار إلى أن ما بين 10 و12 ألف شخص يدخلون البلد يوميا منذ بداية يونيو/حزيران 2022.
أي حوالي مليون ونصف المليون سائح بالإجمال، وتوقع الوزير أن يكون حوالي 70 بالمئة منهم من اللبنانيين المغتربين و30 بالمئة من الأجانب.
إلا أن مشكلة قطاع السياحة في لبنان لا تقتصر على تكلفة الطيران فقط بل أيضا تلعب الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية تحديدا دورا كبيرا في تجنب السائحين الأجانب لبنان كوجهة لهم خوفا من المخاطر الأمنية.
ضعف الإنترنت
وفيما يتعلق بتطوير قطاع الاقتصاد الرقمي، رأى مارديني أن هذا القطاع بحاجة إلى وجود خدمات إنترنت جيدة بينما خدمة الإنترنت في لبنان رديئة وكلفتها مرتفعة جدا.
وأرجع ذلك إلى أن الدولة اللبنانية أيضا تحتكر تلك الخدمة من خلال شركة "أوجيرو"، وبالتالي "كيف سيتم تشغيل الاقتصاد الرقمي بهذا الإنترنت الذي يعد هو عصبه؟"
ويشير مصطلح الاقتصاد الرقمي إلى اقتصاد تكون فيه وسائل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الأساسية رقمية، ويدور في فلك الشركات والصناعات والمؤسسات والمستهلكين، الذين يعملون بشكل واضح في إنشاء المنتجات الرقمية وبيعها واستهلاكها.
من جهته، رأى كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك "بيبلوس" اللبناني، نسيب غبريل، أن ما يلزمه هذا المشروع لإعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني من خلال القطاعات الثلاث المطروحة هو معالجة انخفاض الإنتاجية والتنافسية بقطاع الزراعة.
إضافة إلى الاستثمارات المتواضعة بالبنية التحتية بقطاع السياحة، وكذلك تطوير البنية التحتية اللازمة للاقتصاد الرقمي.
وأوضح غبريل، لـ"الاستقلال"، أن تطبيق مثل هذا المشروع يتطلب أن يتم تناوله بعيد عن التجاذبات السياسة لضمان العمل به ونجاحه.
وأشار إلى أن "العبرة بالتنفيذ، فالمشاريع والخطط ما أكثرها في لبنان، ولكن لم ينفذ منها شيء".
معوقات كبيرة
وتبقى تلك المحاولات الاقتصادية أسيرة الإرادة الحقيقية من قبل السياسيين الفاعلين بلبنان، بجانب ضرورة التوجه إلى التخلص من المعوقات المحيطة بالقطاعات الحيوية لإنفاذ تلك المحاولات وجني ثمارها في وقت تئن فيه البلاد من أزمات اجتماعية حادة بسبب الانكماش الاقتصادي.
إذ تشير بيانات البنك الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي هبط بنسبة 10.5 بالمئة في 2021 في أعقاب انكماش نسبته 21.4 بالمئة في 2020.
كما انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان من حوالي 52 مليار دولار في 2019 إلى 21.8 مليار دولار في 2021، وبذلك سجل انكماشا نسبته 58.1 بالمئة، وهو أشد انكماش على مستوى العالم.
لتنعكس تلك المؤشرات في نهاية المطاف على المواطنين حيث يعاني نحو 82 بالمئة من إجمالي السكان من الفقر متعدد الأبعاد.
بينما بلغت نسبة من يعانون من الفقر المدقع متعدد الأبعاد نحو 40 بالمئة، وفق دراسة نشرتها "إسكوا" في 3 سبتمبر/ أيلول 2021.
لذا رأى مارديني، أنه من الضروري معالجة المعوقات في القطاعات الثلاث المستهدفة والذي يأتي في مقدمتها الاحتكار.
وطالب بضرورة تفكيك هذا الاحتكار سواء على مستوى خدمات الإنترنت والطيران فيما يتعلق بقطاعي السياحة والاقتصاد الرقمي، أو بتفكيك الاحتكار على الكهرباء لمساعدة القطاع الزراعي والصناعي، مشيرا إلى أن إطلاق المنافسة بتلك المجالات يقلل تكلفتها ويرفع من جودتها.
بدوره، قال غبريل، إن المشكلات التي يعيشها الاقتصاد اللبناني هي مزمنة وليست جديدة، وإن التحديات التي تواجهها القطاعات الثلاث المستهدفة في المشروع ليست قاصرة على تلك القطاعات فقط بل تسير على أغلب القطاعات الأخرى.
وتابع: "تأتي تلك المعوقات نتيجة سوء استخدام السلطة وإدارة القطاع العام بشكل خاطئ وعدم احترام المواد الدستورية والقوانين، فضلا عن عدم فصل السلطات وعدم معالجة موضوع التهريب عبر الحدود في الاتجاهين والتهرب الضريبي والجمركي وعدم تفعيل الجباية".
وطالب غبريل، بمعالجة الاختلالات الجوهرية من فساد وسوء إدارة وتفعيل القانون واستقلالية القضاء وتوحيد أسعار الصرف، قبل التوجه إلى حل المشكلات التقنية.
وختم بالتأكيد على ضرورة أن يكون العنوان العريض لأي مشروع إنقاذي هو استعادة الثقة التي لا تأتي بالحلول التقنية فقط بل تأتي من خلال الحوكمة والإدارة الرشيدة في القطاع العام.