لتجاوز الجمود.. مركز إيطالي يدعو لإشراك إسلاميي السودان في الحكم
تطرق مركز دراسات إيطالي إلى أهمية إعلان رئيس المجلس السيادي السوداني، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في 4 يوليو/تموز 2022 انسحاب الجيش من المفاوضات مع القوى المدنية والسماح لها بتشكيل حكومة سياسية وإعلان حل مجلس السيادة لاحقا.
وذكر موقع "مركز الدراسات الجيوسياسية" أن الكثير من المراقبين عدوا إعلان البرهان "تكتيكا لإسكات الانتفاضات الشعبية، وتحميل المسؤولية عن حالة الجمود السياسي للمدنيين لافتقارهم إلى رؤية لحل مشاكل البلاد، وكذلك بغاية استعادة المساعدات من الدول المانحة".
وأشار إلى أن "عملية التحول الديمقراطي في السودان، التي بدأت في عام 2019 بسقوط الرئيس عمر البشير، توقفت بشكل مفاجئ بسبب انقلاب الجيش على الحكومة المدنية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وإقالة الوزير الأول ومعظم الوزراء المدنيين".
وضع كارثي
وأكد المركز أن "الانقلاب تسبب في إغلاق المسار فعليا نحو إجراء انتخابات عام 2023 وفاقم من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ عدة سنوات".
وجاء إعلان الرابع من يوليو 2022، وسط موجة جديدة من الاحتجاجات اندلعت في 30 يونيو/حزيران، بنزول عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع العاصمة للتنديد بالانتهاكات التي يرتكبها الجيش، وكذلك للتعبير عن غضبهم من استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.
وردت القوات الأمنية بإطلاق النار على الحشود المحتجة، مما أسفر عن مقتل 10 متظاهرين وإصابة بضع مئات.
ردا على ذلك، نظمت الأحزاب السياسية سلسلة من الاعتصامات في العاصمة والمناطق المحيطة بها كجزء من حملة عصيان مدني.
في هذا السياق، اضطر الجنرالات السودانيون إلى اقتراح حكومة مدنية قادرة على استعادة ثقة المانحين الدوليين، واستعادة المساعدات المالية ومفاوضات الديون.
كما يفسر الكثير من المراقبين الاقتراح بمحاولة وضع المسؤوليات السياسية للوضع الكارثي في البلاد على عاتق حكومة جديدة.
لكن لا يبدو الجيش مستعدا حقا للتخلي عن السيطرة على الأنشطة الحكومية المدرة للأرباح والخضوع للمحاسبة القضائية عن الجرائم التي ارتكبت في عهد البشير، وفق الموقع الإيطالي.
3 عوامل
وبحسب الموقع، يُعزى الجمود السياسي الحالي بشكل أساسي إلى ثلاثة عوامل، أولا، المعارضة الشديدة بين الجهاز الحكومي الذي يمثله البرهان ولجان المقاومة بقيادة الشباب الذين أشعلوا احتجاجات الشوارع في السنوات الأخيرة.
ويشعر هؤلاء الشباب بعدم ثقة تامة في الجيش لتدخلاته منذ عقود في السياسة وقطاعات كبيرة من اقتصاد البلاد.
لذلك اتخذت اللجان موقف انغلاق مطلق تجاه الجيش واستبعدته من أي مفاوضات وقاومت بقوة السياسيين المعارضين الذين يميلون إلى التسوية.
لكن رغم ذلك، يلفت الموقع الإيطالي إلى أن "هيكلهم التنظيمي والاختلافات القوية داخلهم تجعل وجودهم في حكومة مدنية مستقبلية شبه مستحيل".
ثانيا، الانقسام الكبير في المجال العسكري خصوصا وأنه مع الإطاحة بالبشير عام 2019، ورث البرهان جهازا أمنيا عسكريا معقدا.
ويضم الجهاز الجيش الرسمي، ومختلف وحدات أمن الدولة والاستخبارات، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" والجماعات المتمردة الناشطة في الولايات المختلفة (دارفور، النيل الأزرق..).
وبحسب مركز الدراسات الإيطالي، يعتمد التفوق الحالي للجيش على قدرات البرهان على تجميع هذه المجموعة الواسعة من الجهات الفاعلة معا تحت راية واحدة.
واستدرك بأن هذه القدرة "باتت موضع تساؤل" من قبل المكونات الحالية والتي ترى في (أي) تنازلات للمتظاهرين أحد أسباب انهيار "الاتحاد العسكري '.
أما العامل الثالث فيعود، بحسب الموقع، إلى الانقسام الشديد للمعارضة الأهلية نتيجة الاختلافات في المصالح بين المعارضة المدنية (الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات المهنية ولجان الأحياء) مما يحد بشدة من فعاليتها لذلك تفشل في ترجمة طلباتها إلى مقترحات سياسية ذات مصداقية.
ويرى أن القاسم المشترك الوحيد الذي يربط المعارضة هو الرغبة في إقصاء الجيش من السلطة السياسية وإنهاء سيطرته على قطاعات كبيرة من الاقتصاد.
وأضاف أن قيادة "قوى الحرية والتغيير"، التجمع السياسي الرئيس للقوى المدنية، الحريصة على العودة إلى الحكومة، تبدو حذرة للغاية في البحث عن تسويات مع الجيش حتى لا تثير غضب الشارع.
ويشدد مركز الدراسات على أن فرضية التسوية بين المعارضة المدنية والجيش "تبدو ضرورية"، مؤكدا أن تشكيل حكومة مدنية جديدة يجب أن يأخذ في الحسبان مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة خاصة تلك التي شكلت تحالفات تكتيكية مع رئيس مجلس السيادة.
على وجه الخصوص، سيتعين على جماعات المعارضة المدنية الرئيسة أن تتصالح مع العديد من قادة المتمردين الذين حصلوا على مناصب في السلطة بعد توقيع اتفاقية جوبا للسلام لعام 2020 ودعموا لاحقا الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.
كما ظل هؤلاء في مناصب قيادية بعد الانقلاب من خلال تشكيل تحالفات تكتيكية مع النظام العسكري.
ضغط متزايد
علاوة على ذلك، هناك عنصر أساسي آخر لتجاوز الجمود السياسي فضلا عن كونه مصدر انقسامات قوية في القيادة المدنية، يتعلق بإشراك الإسلاميين المتجذرين في المجتمع السوداني في الحكومة المستقبلية.
وألمح الموقع إلى أن بعضهم لا يزال يتمتع بنفوذ كبير ويمتلك موارد مالية ضخمة للتأثير على الديناميكيات السياسية في البلاد.
لهذا السبب، بدأ البرهان في إعادة تأهيل بعض الشخصيات المنتمية إلى هذا المعسكر التابع لنظام البشير السابق على ضوء ضرورة تشكيل تحالفات تكتيكية مع الفصائل الإسلامية.
وشرح الموقع أن التحديين الرئيسيين اللذين يجب مجابهتهما في الأشهر المقبلة هما، من ناحية فرصة تشكيل حكومة مدنية جديدة تجمع أطيافا مختلفة ومتناقضة.
ومن ناحية أخرى، الاختيار بين العودة إلى الوضع الراهن قبل الانقلاب أكتوبر 2021 الذي تمت صياغته رسميا في الإعلان الدستوري، أو رسم خارطة طريق جديدة تؤدي إلى الانتخابات.
وبيّن بأنه رغم انقسام القوات الثورية إلا أنها أظهرت قدرة استثنائية على توجيه الجهود لمنع المجلس العسكري من تحقيق جميع الأهداف التي حددها لنفسه.
ورغم تخوف الغالبية العظمى من السودانيين من العسكر، عد الموقع انفتاح البرهان على حكومة مدنية "علامة على الضغط المتزايد من الشعب على القوات الأمنية إلى حد تقديم تنازلات في المجال السياسي".
وتابع القول إنه بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لانفتاح البرهان، يمكن أن يكون تشكيل الحكومة خطوة أولى للخروج من المأزق الذي وصلت إليه البلاد، كما أنه يمثل فرصة للمدنيين لفرض مطالبهم.
ولفت إلى أن تشكيل حكومة بقيادة مدنية يتطلب في ظل الظروف الحالية مشاركة جميع الأطراف، الأحزاب الرئيسة والنقابات العمالية، والحركات الاحتجاجية، إلى جانب الإسلاميين والمجتمع المدني.
وأتم الموقع مقاله بالقول: "كما ستكون الحكومة مطالبة بإدارة العلاقات مع العنصر العسكري لتعافي ميزانية الدولة واستعادة الثقة الدولية في أسرع وقت ممكن نظرا لخطورة الموقف".