الحملات المغربية لمقاطعة المنتجات التونسية.. تحقق للرباط النفع أم الضرر؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أزمة مغاربية جديدة خلقها الرئيس التونسي قيس سعيد بالاستقبال الذي خصه لإبراهيم غالي، الأمين العام لجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعروفة اختصارا بـ"البوليساريو".

مناسبة الحدث، هي احتضان تونس لأعمال القمة الثامنة لمنتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد)، في 27 و28 أغسطس/آب 2022.

ومنذ عقود، يتنافس المغرب والبوليساريو بشأن السيادة على إقليم الصحراء الغربية، وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو الجبهة إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

استقبال رئاسي

وحظي "غالي" باستقبال يشابه ما خصصته تونس لرؤساء الدول، رغم أن اليابان، وهي شريك في المنتدى، لا تعترف بأن البوليساريو دولة مستقلة.

وتفاعلا مع الاستقبال، استدعت الرباط سفيرها في تونس وبشكل فوري للتشاور، وقالت وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي المغربية إن "تونس ضاعفت مؤخرا من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا".

وبينت عبر بيان في 26 أغسطس 2022 أن "موقفها في إطار منتدى التعاون الياباني الإفريقي (تيكاد) جاء ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي".

وأوضح البيان أن استدعاء تونس لإبراهيم غالي، جاء "ضدا على رأي اليابان، وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي".

وشددت الوزارة أن "الاستقبال الذي خصصه رئيس الدولة التونسية لزعيم المليشيا الانفصالية يعد عملا خطيرا وغير مسبوق، يسيء بشكل عميق إلى مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية".

ردّ وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج على بيان المغرب لم يتأخر كثيرا، إذ أعربت "عن استغرابها الشديد ممّا ورد فيه من تحامل غير مقبول على الجمهورية التونسية ومغالطات"، معلنة استدعاء سفيرها بالرباط.

وبعد أن أكدت الوزارة خلال بيان في 27 أغسطس 2022 أن تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء، التزاما بالشرعية الدولية، شددت أن موقفها ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاّ سلميا يرتضيه الجميع.

وأرجع بيان الوزارة مشاركة وفد البوليساريو إلى أنه تلقى دعوة أولى من الاتحاد الإفريقي، ودعوة فردية أخرى من رئيس المفوضية الإفريقية.

وأشار إلى أن "الجمهورية الصحراوية" سبق أن شاركت في الدورة السادسة للتيكاد المنعقدة بنيروبي/كينيا سنة 2016، والدورة السابعة المنعقدة بيوكوهاما /اليابان سنة 2019.

دعوات للمقاطعة

بعد موقف الخارجية المغربية، توالت بيانات الأحزاب السياسية في الرباط وعدد من المنظمات الشبابية والمدنية والحقوقية، الرافضة لخطوة سعيد.

كما انتشرت دعوات في المغرب لمقاطعة المنتجات التونسية، تزعمتها جمعيات استهلاكية وحرفية وناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما عارضها آخرون، دعما للتفاهم والحوار بين البلدين.

وفي هذا الإطار، أعلنت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، عن تجميد أنشطتها مع مؤسسات حماية المستهلك التونسية، داعية إلى مقاطعة المنتجات التونسية.

ووصفت الجامعة خلال بيان في 29 أغسطس 2022، خطوة سعيد بـ"التصرف الأرعن"، منددة بموقفه "المعادي والمقصود لضرب مصالح الشعوب المغاربية والعلاقات الأخوية التي تربط بين الشعوب".

هذه الدعوة ردت عليها المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، وعبرت عن استغرابها واستنكارها لما صدر عن الجامعة المغربية لحماية المستهلك بالمغرب.

وقالت المنظمة التونسية خلال بيان في 30 أغسطس 2022، إن موقف نظيرتها المغربية "غريب ومفاجئ وينم عن مبادرة مجانية ودون سبب للعداء تتجاوز النواميس الدبلوماسية إلى الشعوب".

وشددت على أنها "حادت عن نواميس عمل الجمعيات وعن المقاصد النبيلة لحماية المستهلك مهما كانت جنسيته أو دينه".

كما أعلنت "المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك تعليق تعاملها مع الجامعة المغربية لحماية المستهلك إلى أن تثوب إلى رشدها"، وفق تعبيرها.

من جانبه، دعا موقع "الدار"، 29 أغسطس 2022، إلى مقاطعة المنتجات التونسية، قائلا إن سبب هذه الخطوة، هو التأكيد أن كل من يعادي المغرب كدولة، فهو يعادي الشعب كله، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه.

وقال الموقع في مقطع فيديو، إن علاقات البلدين والشعبين، المغربي والتونسي، كانت عظيمة وقوية قبل وصول سعيّد إلى السلطة.

وتابع المصدر ذاته، أن ما فعله سعيد يستوجب ردا قاسيا، عبر مقاطعة المنتجات التونسية، مشيرا إلى أن هذه الحملة بدأت تعطي ثمارها.

بدوره، دعا الخبير في الشؤون الإستراتيجية والأمنية عبد الحق الصنايبي إلى مقاطعة المنتجات التونسية، ردا على سلوك سعيّد.

وفي تغريده له عبر تويتر في 28 أغسطس 2022، نشر الصنايبي الرمز الشريطي للسلع التونسية، معلقا عليه بقوله: "هذه المنتجات لا مكان لها في السوق المغربية".

تابع الإعلام المغربي الحملة بشكل كبير، ومن ذلك ما نشرته جريدة المساء الورقية، في عدد 29 أغسطس 2022، والتي قالت "إن أزمة المغرب وتونس أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي ووحدت المغاربة".

وأوضحت الجريدة أن رواد مختلف مواقع التواصل شنوا حملة واسعة لمقاطعة المنتوجات التونسية، عبر نشر صور الواردات التي تدخل المغرب والأرقام التي تحملها.

ووفق المنبر ذاته، فإن المغاربة تناقلوا معطيات حول المنتوجات التونسية لمقاطعتها، إذ يمكن تمييز المنتوج التونسي بـ"الكود بار" رقم 619.

بدوره، نقل الموقع الإخباري "هسبريس"، تصريحا لرئيس نادي المستثمرين المغاربة بالخارج بوشعيب الرامي، دعا فيه إلى ضرورة مواصلة حملة مقاطعة المنتجات التونسية، قائلا: "نحن مع قطع جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية".

وأضاف الرامي: "الشعب التونسي يحبنا ويساندنا على الصعيد الدولي، والمشكل الحالي افتعله فقط قيس سعيد الذي أتنبأ بأن تتجدد ثورة في تونس ضده وأن يكون له مصير زين العابدين بن علي نفسه".

استنكار واسع

دعوات المقاطعة استنكرها رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، لاسيما البيان الصادر عن الجامعة المغربية لحماية المستهلك.

وبين الرياحي خلال تصريح له في 31 أغسطس 2022، أن المنظمة ضد أي مساس بالمنتوج والاقتصاد التونسي، موضحا أن مؤسسات المجتمع المدني تعمل خارج الصراعات السياسية ولا دخل لها في الأعمال والمواقف الحزبية أو السياسية.

وشدد على أن ''تونس والجزائر والمغرب في انسجام كلي من حيث العادات والتقاليد ولا يمكن لهذه الدعوة أن تنجح"، وفق تقديره.

بعض المنابر الإعلامية المغربية استخدمت عبارات تقايض الوطنية بالانخراط في حملة مقاطعة المنتجات التونسية.

ومن ذلك ما نشرته صفحة "صحافة بلادي" بفيسبوك، 28 أغسطس 2022، بعنوان: "المغاربة كَيْغِيروا (يغيرون) على وطنهم ويطلقون حملة لمقاطعة المنتوجات التونسية ردا على سلوك قيس سعيد".

هذا الربط بين الأمرين استفز الباحثة الأكاديمية والنائبة البرلمانية السابقة، أمينة ماء العينين، والتي عبرت عن رفضها له في تدوينة نشرتها بحسابها على فيسبوك 29 أغسطس 2022.

وشددت على أن الوطنية ليست "صكوك غفران" جديدة نوزعها على الناس بالوساطة، كما أنها لا تحتاج إلى اعتراف من أحد ليعيشها أصحابها ويمارسوها كما هم مؤمنون بها، وكما هم متمثلون لمعانيها، متشبعون بقيمها.

وتابعت ماء العينين أن الوطنية لا يمكن أن تتلبس قسرا لبوس الفحش والبذاءة والسفاهة حتى تسمى كذلك، وإن كان هناك من يعتقد أنه يدافع عن الوطن بالسباب واللعان كما يحلو له، فعلى الأقل أن يحترم حق غيره في ممارسة وطنيته برقي ونصيحة وسعي لنزع فتيل الفتنة بين الناس وقد أشعلها من أشعلها لغرض في نفسه.

واسترسلت: حينما يدعو العقلاء إلى تغليب الحكمة وفضيلة التواضع والنقد الذاتي ومد اليد بالخير وإمساك اللسان عن الفحش وفجور المخاصمة، فإنما يفعلون ذلك بحس وطني يستوعب راهنية النزاعات وآنيتها، في مقابل إستراتيجية الحلول التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالاتحاد والتعاون ونفَس الاستيعاب المتعالي على الخلافات.

وأكدت الباحثة الأكاديمية أن المغرب يواجه "تحديات خارجية وداخلية كثيرة، ولن يكون حلا الانشغال بصراع إثبات الوطنية بين اختيار الحكمة والتهدئة من جهة، واختيار القصف والتهجم اللفظي من جهة أخرى".

واستطردت: "المغرب في حاجة إلى عقلائه في كل المجالات أكثر من أي وقت مضى، كما هو في أمس الحاجة للقطع مع المقاربة الفاشلة التي أدت إلى تواري هؤلاء العقلاء ليحل محلهم المعربدون".

مطالبات بالتهدئة

وفي هذا الصدد، قال إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض في مراكش، إن تنامي الخطابات التصعيدية بين المغرب وتونس، تفرض على الأصوات العاقلة والنخب المسؤولة أن توقف النزيف وتجهر برفض هذا الواقع المزري.

واعتبر لكريني في مقال رأي بعنوان "أما آن لليل أن ينجلي؟"، نشره موقع "الخليج"، مطلع سبتمبر/أيلول 2022، أن هذا الوضع المرّ أصبح يسائل الجميع، ويفرض وقفة رجل مغاربي واحد.

وشدد لكريني، وهو أيضا رئيس منظمة العمل المغاربي OAM (هيئة مدنية)، أن الأزمة الحالية في العلاقات المغربية التونسية، تفرض بذل كل الجهود لاحتوائها، بما يضمن المصالح الإستراتيجية للبلدين.

وتابع: "بل أيضا تحويل الأزمة إلى فرصة لتمتين وتعزيز هذه العلاقات، وتوفير شروط بناءة قد تفضي إلى لملمة الجراح المغاربية، عبر استثمار كل الإمكانات والطاقات المتوفرة لانتشال المنطقة من حالة الهدر والصراع التي تعمقت بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة".

ووفق ما ذكر موقع "اقتصادكم"، 28 أغسطس 2022، فإن مكتب الصرف المغربي (رسمي)، قال في تقرير حول التجارة الخارجية برسم سنة 2021، إن واردات المغرب من تونس بلغت قيمتها 228 مليون دولار، مقابل صادرات لم تتجاوز قيمتها 129 مليون دولار.

وبحسب المصدر ذاته، تشمل أبرز واردات المغرب من تونس، التمور، ففي سنة 2019 صدرت الأخيرة إلى المملكة 33 ألف طن، كأول مستورد للتمور التونسية التي يبلغ مجموعها حوالي 120 ألف طن. وتستورد تونس الفوسفات المغربي.

كما تشمل المبادلات التجارية بين البلدين العديد من المنتجات كالخضر والفواكه ومنتجات الصناعة الغذائية والنسيج والألبسة والفوسفاط والفحم والفضة والرصاص والحبوب وزيت الزيتون ومواد البناء وغيرها.

وفي هذا السياق، قال الباحث في الشأن الاقتصادي عادل خالص، إن مقاطعة المنتجات لن تؤثر بشكل عملي على الاقتصاد التونسي، بالنظر إلى أن المبادلات بين البلدين، ورغم التطور الذي شهدته، ما تزال ضعيفة وغير مؤثرة في الميزان التجاري.

وأوضح خالص لـ"الاستقلال"، أن الورقة الاقتصادية لن تكون مؤثرة في الصراع أو الأزمة القائمة بين المغرب وتونس، حيث رأى أن دعوات المقاطعة ستكون بحمولة رمزية أكثر منها عملية ضغط أو ورقة تأثير.

ولم يخف الباحث الاقتصادي تحذيره من أن تكون بعض اللوبيات الاقتصادية بالمغرب خلف هذه الدعوات، أو على الأقل تشجعها لأجل ملء المساحات التي ستتركها المنتجات التونسية في السوق المغربية.

وأشار إلى أن هذا الأمر وقع سابقا حين تحالف هذا اللوبي لمحاربة المنتجات التركية في المغرب، تحت مسمى حماية المنتج الوطني.

وأضاف أن انخراط المجتمع المدني في الأزمة بين البلدين يجب أن يكون إيجابيا، من باب البحث عن حل للأزمة لا أن يصب الزيت على النار.

وتابع: "على المجتمع المدني عامة، المغربي والتونسي، بما فيه جمعيات حماية المستهلك والجمعيات المهنية، أن تدفع باتجاه التقارب والاتفاق والتهدئة، لأن  ساكني المغرب العربي، وإن اختلفت دولهم سياسيا، إلا أنهم في بلد واحد، يشتركون الثقافة والعادات كما تشترك الجغرافيا والمصير المشترك".