قانون الاستثمار بالأردن.. خطوة لإنعاش الاقتصاد أم سيطرة الشركات الأجنبية؟
يجتهد الأردن في محاولات إنعاش اقتصاده عبر توفير بيئة استثمارية ميسرة وجاذبة لرجال الأعمال والشركات الأجنبية، إلا أن اقتصاديين محليين ونوابا في البرلمان يتمسكون، بتغليب المصلحة الوطنية، على مصالح المستثمرين والدول التي تقف خلفهم.
ويعترض هؤلاء على مسألة لي عنق التعديلات القانونية للمشاريع الاستثمارية؛ خدمة لدول معينة، وعدم معالجة مشكلات الاستثمار السابقة وتنظيمها.
ومن هنا أثار مشروع قانون البيئة الاستثمارية لسنة 2022 في الأردن، جدلا واسعا داخل قبة مجلس النواب، وأطلق بعضهم شكوكا في وجود أياد استثمارية خارجية صاغت المشروع ومررته خدمة لشركات أجنبية.
قانون الاستثمار
ووافق مجلس النواب الأردني في 17 أغسطس/آب على المادة 3 في مشروع قانون البيئة الاستثمارية لسنة 2022.
ونصت المادة، على أنه تقوم السياسة العامة للاستثمار في المملكة على تحقيق رؤى اقتصادية وتنموية؛ تهدف إلى توفير فرص العمل وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين التنافسية وبيئة الأعمال.
وترتكز السياسة العامة للاستثمار على عدد من المبادئ، أثار بعضها الجدل والانتقادات، وهي المساواة بين المستثمر الأردني وغير الأردني في الحقوق والامتيازات والواجبات، ومعاملة جميع المستثمرين معاملة عادلة ومنصفة وشفافة.
وكذلك حماية الاستثمارات وعدم التدخل في الأنشطة والحقوق والمصالح المعترف بها قانونا للمستثمر أو الشركة التي جرى الاستثمار بها.
وكان وزير الاستثمار الأردني خيري عمرو، قال في 15 أغسطس 2022، إن الحكومة تدرك ضرورة إنشاء بيئة استثمارية مرنة ومتطورة لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تساعد في تطوير الموارد الوطنية وتزيد الإمكانات الاقتصادية للأردن.
وأشار إلى أنه عمل على إيجاد مجموعة من الإصلاحات وأزال الحواجز المحتملة لممارسة الأعمال.
وتشمل الفرص الاستثمارية في الأردن العديد من القطاعات الاقتصادية ولا سيما تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات اللوجستية والسياحة والصناعة والزراعة والصحة.
لكن في ظل سعي الأردن إلى أن يكون مركزا إقليميا للتجارة والاستثمار، فإن أول ما يعرقل الاستثمارات فيه وتوسيعها، أو جذب استثمارات جديدة، هي البيئة التشريعية، كما يؤكد اقتصاديون محليون.
ولهذا يحاول الاقتصاد الأردني الخروج من عنق الزجاجة التي تواجهه بفعل عوامل خارجية وداخلية، رغم محاولاته لبناء مشروعات كبرى وتطوير التعاون مع دول الجوار العربية وفق تصور إستراتيجي يمتد لسنوات.
التحديث الاقتصادي
وفي يونيو/حزيران 2022 أطلق الأردن خطة جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه اقتصاده، تحت اسم "رؤية ومدتها 10 سنوات، وتهدف إلى توفير مليون فرصة عمل جديدة.
وتقوم الرؤية التي أطلقها الملك عبد الله الثاني في منطقة البحر الميت، على ركيزتين إستراتيجيتين: النمو المتسارع من خلال إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية، والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين، بينما تشكل الاستدامة ركنا أساسيا في الرؤية الاقتصادية المستقبلية.
وتهدف الرؤية لاجتذاب 41 مليار دولار في شكل تمويلات ستساعد في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 58.1 مليار دينار (82 مليار دولار) بحلول العام 2033 من 30.2 مليار دينار حاليا.
وستعمل الحكومة على تنفيذ المرحلة الأولى "رؤية التحديث الاقتصادي" من 2022 إلى عام 2025، ثم تأتي بعدها المرحلة الثانية من 2025 إلى 2029، وصولا إلى المرحلة الثالثة حتى عام 2033.
وتهدف الرؤية كذلك، لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي للأمن الغذائي، عبر تنمية قطاعي الصناعات الغذائية والكيميائية.
وتوسيع الاستفادة أيضا من منتجات مشتقات الفوسفات والبوتاس في الزراعة والصناعة، وكذلك الاستفادة من مركزية الموقع الجغرافي للمملكة لتسهيل حركة البضائع.
وكانت بيانات رسمية، نشرت في 3 يوليو/تموز 2022، أظهرت تباطؤ نمو الاقتصاد الأردني إلى 2.5 بالمئة على أساس سنوي، خلال الربع الأول من نفس العام، مقارنة مع 2.6 بالمئة في الربع الأخير من 2021.
وحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي 7.1 مليارات دينار (10 مليارات دولار).
ومنذ أبريل/نيسان 2022 ارتفعت أسعار المواد التموينية، إضافة إلى المشتقات النفطية، التي شهدت زيادة تراكمية نسبتها 14 بالمئة.
تعديلات جديدة
يشير الواقع الاقتصادي الأردني إلى الحاجة الملحة لجلب مزيد من الاستثمارات والحفاظ على القائمة منها، كسلاح وحيد لتجاوز حالة الانكماش.
ولا سيما وسط ارتفاع مديونية الأردن، وفي ظل وجود بطالة تتجاوز 23 بالمئة إضافة إلى نسبة فقر تقدر بـ 30 بالمئة.
ويبلغ عدد سكان الأردن حاليا 10.961 ملايين نسمة، بينهم 2.9 مليون من غير المواطنين، بما في ذلك اللاجئون.
ووفقا لأحدث بيانات للبنك المركزي الأردني فقد ارتفع رصيد الدين العام للأردن بشقيه الداخلي والخارجي في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بمقدار 2.32 مليار دينار ليصل الى 35.35 مليار دينار مشكلا ما نسبته 110.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
مقابل 33.03 مليار دينار في نهاية عام 2020، وما نسبته 106.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الفترة.
وأمام ذلك، وفق خبراء اقتصاديين محليين، فإن إنعاش الاقتصاد يتأتى عبر توفير بيئة استثمارية، تراعي وجود كلف إنتاج منافسة، وكلف تشغيلية منخفضة سواء من الطاقة والكهرباء والمحروقات والغاز واليد العاملة، وحتى استقرار القوانين المتعلقة بالضرائب.
وفي هذا الإطار، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي لـ "الاستقلال"، إنه "عندما صدر قانون تشجيع الاستثمار عام 1995 كان فيه نقاط أساسية للاستثمار وتشجيعه محليا وعربيا وأجنبيا".
وأضاف مرجي أنه، "جرى وقتها تحديد مناطق صناعية ضمن فئات ضريبية تبدأ بـ 25 بالمئة في المناطق الرئيسة مثل عمان وأخرى تصل إلى 75 بالمئة نسبة الإعفاءات من أجل تشجيع المستثمرين على عدم التمركز في العاصمة".
وأوضح مرجي، أن "المادة 3 في مشروع قانون البيئة الاستثمارية لسنة 2022 التي جرى تعديلها إضافة لمواد أخرى زادت مدة الإعفاء ليجري الإعفاء من ضريبة الدخل لمدة ثلاثة سنوات من لحظة التشغيل الفعلي مثلا للمصنع أو المستشفى".
ولفت الأكاديمي، إلى أن "القانون الجديد لم يحصر الاستثمارات الأجنبية أو غيرها في المناطق الصناعية المهيئة في إربد وعمّان والكرك ومعان والعقبة، بل أنشئت مدن صناعية جديدة، بمعنى أنه أعطى الحرية للمستثمر ليستطيع هو أن يبني بنية تحتية إذا أراد".
ورأى مرجي، "أن كل مبادئ التشجيع على الاستثمار في العالم والتي ولدت في البنك وصندوق النقد الدوليين هي لتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو غير المباشرة من خلال البورصات والأسهم".
واستدرك قائلا: "بناء على ذلك فإن الهدف ليس مشبوها في الاستثمار، لكن عندما تصبح العملية تسهيلا وتسمح بدخول شركات من دول محددة، ويكون التدخل أقل من قبل الحكومة الأردنية، يصبح هناك نوع من التمادي على السيادة الوطنية".
وأردف قائلا: "بمعنى تصبح الحكومة بلا دور في حماية أي نظام موارد طبيعية من خلال القوانين والتدخل والإشراف المباشر على عملية الاستثمار".
نقطة خطيرة
ويعاب على الأردن، أنه سن مجموعة من القوانين منذ عام 1995 ليصبح جاذبا للاستثمار، من ناحية البيئة التشريعية والتسهيلات والحوافز، إلا أنها بقيت محكومة بعدة معوقات.
وهذا ما بينه مرجي، بقوله: "الحكومة تعتقد من خلال التعديلات الجديدة على قانون الاستثمار، أنها ستقلل من دورها وستتجاوز العقبات التي كانت سابقا والمتمثلة بالبيروقراطية والمعاملات وفشلت مسألة إيجاد خدمة المكان الواحد، وكان هناك تداخل بين الأجهزة والمؤسسات المختلفة بين الجمارك والصناعة والضرائب".
ورأى مرجي، أن "العقبات التي تواجه الأردن، لن تحل بسبب عدم تغير التعامل من الرسميين مع قوانين الاستثمار، ووجود نواح تتعلق بالفساد والاحتكار، فضلا عن وجود نوع من الاستثمارات الإسرائيلية والأميركية".
وخلال جلسة لمجلس النواب الأردني في 17 أغسطس 2022، بين النائب صالح العرموطي، أن من خطط لمشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية لسنة 2022 هي إحدى الشركات الأجنبية".
وقال العرموطي: "إذا أردنا تحقيق العدالة والسعي لقانون استثمار راشد يخدم حماية الإنتاج الوطني علينا أن نرد القانون للحكومة لإجراء التعديلات".
وحول هذه الجزئية قدم الأكاديمي مازن مرجي، ملمحا شارحا بقوله: "حاليا دخلت على الخط الإمارات والسعودية وإسرائيل أكثر فأكثر وبالتالي هناك مشاريع يريدون أن يكونوا فيها أصحاب القرار بكل نواحيه دون تدخل من الحكومة".
واستدرك قائلا: "هذه نقطة خطيرة إذا كان المقصود هو رفع يد الحكومات تحت تبرير تسهيل المعاملات لكن الحقيقة أن التسهيل قد يمس السيادة والاقتصاد الوطني خاصة أننا شهدنا حالات بيع ميناء العقبة وممتلكات كثيرة وخصخصة".
وبين مرجي أن "الأردن كدولة محدودة الإمكانيات، إلا أنه كان يمثل قبل الحرب العراقية مع إيران من 1980 - 1988، وكذلك قبل الحرب السورية عام 2011، بوابة الدخول إلى الشرق الأوسط كونه متقدما على الدول التي بمحيطه في الإجراءات منذ عام 1995".
وزاد بالقول: "لكن ذلك فشل ليس بسبب الحرب، بل لأن الأردن سوق صغير وبالتالي المستثمر يبحث عن سوق قبل البحث عن مكان الإنتاج واليد العاملة وتوفر المواد الأساسية، مما دعا إلى إحجام المستثمرين والإقبال إلى البلد عقب عام 1995".
وألمح مرجي إلى أن "عدم نجاح القوانين والتشريعات الاستثمارية في الأردن، هو نتيجة صياغة قوانين تسهم فقط في حل أغراض وأهداف شركات معينة وتابعة لدول معينة".
"عقلية فساد"
ويمثل الفساد العقبة التي تحول دون تطور الاقتصاد الأردني، والذي يؤدي لمزيد من التردي المعيشي للمواطن داخل المملكة.
ومن هنا يؤكد مرجي، أن "العقلية التي تقود الاقتصاد الأردني تميل أكثر إلى موازين الفساد وتحقيق المصلحة لشركات معينة، وليس بهدف خلق بيئة استثمارية وتشغيل أكبر عدد من الأهالي.
وراح الأكاديمي يقول: "إن التغييرات الحاصلة على قانون الاستثمار شكلية ولن تؤدي إلا إلى المزيد من السيطرة من قبل جهات عربية وإسرائيلية على مقدرات الأردن تماما فيما تجلس الدولة تتفرج والمواطن ليس له أي دور".
وكان مجلس النواب الأردني استثنى أي مستثمر يحمل جواز السفر الإسرائيلي من الحصول على التسهيلات الاستثمارية.
كما وافق المجلس في 17 أغسطس 2022 على تعديل المادة (1) من مشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية بتسميته بـ"قانون البيئة الاستثمارية لسنة 2022"، وشطب كلمة "تنظيم" منه.
وتحاول إسرائيل إثبات وجودها على أراضٍ عربية من بوابة السلام الاقتصادي، ضمن مخططات جعل وجودها طبيعيا في المنطقة، وذلك عبر مشاريع حيوية يصنف بعضها أمنا قوميا لتلك الدول.
علما أن العلاقة بين الأردن وإسرائيل، تحكمها اتفاقية سلام تدعى "اتفاقية وادي عربة" أُبرمت في 1994، وانتهت بموجبها جميع أشكال العداء الرسمي، دون أن تتمكن من إنهائه شعبيا.
وشكلت تلك الاتفاقية فاتحة لمشاريع قليلة، في المياه والطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر.
وكان مجلس النواب الأردني أقر قانونا في مايو/أيار 2016 يسمح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار في الصندوق السيادي.
وختم مرجي بالقول: "نحن مع التعديلات التي تنطلق من المصلحة الوطنية ومشاكل الاقتصاد الوطني وتجذب الاستثمارات التي تستطيع أن تساعد في تغيير الواقع الاقتصادي الأردني بعيدا عن المصالح الضيقة".