ضياء رشوان.. نقيب صحفيي مصر المتقافز بين خندقي المعارضة والسلطة

12

طباعة

مشاركة

"للسلطة وجهان، وجه القسوة والقبضة الأمنية، ووجه ناعم يظهر وقت الحاجة".. ينطبق هذا الطرح على مستجدات الأوضاع الراهنة بمصر، التي بدأت تستعد لإطلاق حوار مزعوم لتوسيع خناق الأزمة الاقتصادية المتفاقمة عن رقبة النظام.

السيسي الذي لطالما تبنى نهج القمع والتنكيل ضد معارضيه، بدأ يظهر أخيرا وجها ناعما تحت اسم "الحوار الوطني"، ليخرج من جعبته عدة أسماء لتتسيد المشهد الجديد، في مقدمتهم نقيب الصحفيين ضياء رشوان.

ولعب رشوان الذي يرأس أيضا الهيئة العامة للاستعلامات المسؤولة عن الإعلام الأجنبي بمصر، أدوارا متعددة في سلك الصحافة والسياسة المصرية، لينتقل من رجل ولد في رحم السلطة، إلى معارض مخملي على شاشات الفضائيات، ومن ثم العودة إلى سيرته الأولى. 

الرجل الذي خاض معارضة شرسة ضد حكم الراحل محمد مرسي أول رئيس منتخب بالبلاد، أصبح نقيبا للصحفيين قبيل انقلاب عبد الفتاح السيسي، واليوم اختير لقيادة طاولة الحوار مع قوى المعارضة اليسارية، في ظل ضغوط غربية على النظام فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات.

مسيرة مضطربة 

ولد ضياء يوسف رشوان في 1 يناير/ كانون الثاني 1960، بقرية المحاميد في مركز أرمنت محافظة قنا، لعائلة انتهجت العمل السياسي، وهناك تلقى تعليمه الكامل. 

والده هو يوسف رشوان، كان نائبا برلمانيا، وعضوا بمجلس الشورى بالتعيين عن الحزب الوطني الحاكم آنذاك. 

وأيضا كان أمينا عاما للحزب عن محافظة قنا لعدة دورات، حيث كان من وجهاء نظام حسني مبارك في المحافظة بصعيد مصر. 

حصل ضياء على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1981، ثم ماجستير في التاريخ السياسي من جامعة السوربون في باريس عام 1985. 

بعدها أصبح خبيرا بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (حكومي)، وتدرج في المناصب داخل المركز المعروف بتوجهاته الداعمة لسياسات النظام، حتى أصبح مديرا له في سبتمبر/ آب 2011، عقب الثورة المصرية. 

وتبنى ضياء منذ بدايته ملف جماعات الإسلام السياسي، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، وكان مقربا من بعض رموزها بحكم عمله. 

ورغم  أن رشوان من عائلة تنتمي إلى الحزب الوطني، وعمل في مراكز تابعة للسلطة، لكنه تبنى الفكر اليساري، وانضم إلى حزب التجمع  الوطني المعارض (يساري). 

وخاض الصحفي المصري انتخابات مجلس الشعب عام 2010، التي شابتها عمليات تزوير واسعة، وكانت سببا مباشرا في سقوط نظام مبارك، تحت مظلة حزب التجمع عن دائرة أرمنت بمحافظة الأقصر. 

وخسر ضياء آنذاك خسارة فادحة، وخرج أمام الإعلام مهاجما للحزب الوطني وسياسته، ومتهما إياه بالتزوير. 

ويبدو أن ضياء في ذلك الوقت كان يريد لنفسه موقعا مميزا فترشح لمقعد نقيب الصحفيين، لكنه خسر أمام المخضرم مكرم محمد أحمد، أحد أعمدة نظام مبارك، ومن كتابه المقربين. 

 

بعد الثورة 

لم يكن ضياء وقت اندلاع الثورة من أنصارها أو ممهدا لها، لكنه انحاز مع موجة العمل السياسي التي رسمت ملامح ما بعد الثورة. 

إذ رأى أن المناخ في ذلك الوقت ليس مناسبا له لخوض الانتخابات التشريعية أو النقابية، وفضل الانزواء مؤقتا. 

وكان معارضا على طول الخط لصعود جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما بعد نجاح الرئيس محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية عام 2012، ليصبح أول رئيس مدني منتخب للبلاد. 

بعدها نزل رشوان إلى الساحة وانضم إلى التيار الشعبي وجبهة الإنقاذ التي حملت بدعم من الجيش، راية المعارضة الشديدة للرئيس مرسي، وأصبح من قادتها. 

وفي مارس/ آذار 2013، ترشح لأول مرة بعد الثورة لمنصب نقيب الصحفيين، تحت راية جبهة الإنقاذ المعارضة، ليخوض معركة مع منافسه عبدالناصر سلامة، وفاز عليه بنسبة 55 بالمئة من الأصوات المشاركة، ليصبح نقيبا للصحفيين لأول مرة. 

وسمح له منصبه بتطوير معارضته ضد الرئيس مرسي، وبدأ يتحرك ضمن مسيرات ومظاهرات مناهضة له، حتى أنه قاد مظاهرة بنفسه مطالبا بإقالة وزير الإعلام (آنذاك) صلاح عبدالمقصود. 

 

الانقلاب والفض 

وبينما كانت الأجواء مهيأة تماما للانقلاب العسكري، بدأ يدعو رشوان إلى إسقاط حكم الرئيس محمد مرسي. 

وأيد رشوان تظاهرات 30 يونيو 2013، ومن ثم بيان وزير الدفاع (آنذاك) عبدالفتاح السيسي، الذي عزل الرئيس وانقلب عليه. 

ولم يقف المسار المتصاعد عند هذا الحد؛ إذ بدأ  الحشد لفض الاعتصامات الميدانية الرافضة للانقلاب والمؤيدة للرئيس المعزول والمختطف. 

وقتها خرج رشوان وهاجم تلك الاعتصامات ووصفها بالمسلحة، وقال إنها "مصدر الاعتداءات على الصحفيين، حكم مرسي كان أسود على حرية الصحافة والتعبير" على حد وصفه. 

بعدها وقع الفض الدموي للاعتصامات في 14 أغسطس/ آب 2013، وراح ضحيته مئات المدنيين العزل، وأثار الرأي العام العالمي. 

ووجهت منظمات حقوق الإنسان العالمية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، لنظام السيسي تهمة القتل الجماعي والإبادة لمدنيين. 

لكن رشوان كان مؤيدا لمنهجية السلطة في القتل، ووافق وأيد عملية فض الاعتصام.

ظلال السيسي 

بعدها أصبح رشوان من أقرب المقربين إعلاميا إلى السلطة وتحديدا رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الذي وضع ثقته فيه منذ البداية وكلفه بمهام متعددة. 

حيث اختير عضوا بلجنة الخمسين التي وضعت الدستور عام 2014، بعد إسقاط تعديلات الدستور التي تمت باستفتاء عام بعد ثورة 25 يناير. 

وكذلك شغل عضوية المجلس الأعلى للصحافة بين عامي 2013 و2015 ممثلا لنقابة الصحفيين.

وتم اختياره في أبريل/ نيسان 2017 عضوا بالهيئة الوطنية للصحافة التي تدير وتشرف على الصحف القومية بمصر، وهي هيئة استخباراتية بامتياز، تهدف إلى التحكم في المحتوى الإعلامي. 

كما عين أيضا رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية في يونيو/ حزيران  2017.

وفي يوليو/ تموز من نفس العام، أصبح عضوا من الشخصيات العامة بالمجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي ضم 30 عضوا من المسؤولين والشخصيات العامة ويرأسه السيسي.

ولا يمكن إغفال أنه في عهد رشوان، وقعت واحدة من أشد الحوادث مأساوية في تاريخ النقابة منذ تأسيسها. 

ففي 1 مايو/ أيار 2016، تعرضت نقابة الصحفيين لأول مرة، لاقتحام قوات الشرطة لمقر النقابة وإلقاء القبض على صحفيين هما "عمرو بدر" و"محمود السقا" من داخل المقر لاتهامهما بالتحريض على التظاهر.

حدثت تلك الواقعة قبل ساعات من اليوم العالمي للصحفيين، وخلال احتفالات النقابة بعيدها الماسي. 

وفي عهد رشوان أيضا بلغ عدد الصحفيين المعتقلين رقما قياسيا بحبس نحو 70 صحفيا بحسب تقرير المرصد العربي لحرية الإعلام في لندن، بتاريخ 18 أبريل/ نيسان 2022. 

وذلك دون دفاع أو تدخل من ضياء رشوان لإنقاذ الصحفيين كونه نقيبهم، لكن اعتباريته الأخرى غلبت عليه أنه جزء أصيل من النظام الحالي. 

منسق المصالحة

وظهر دور جديد ليلعبه ضياء رشوان مع إطلاق السيسي، في 26 أبريل 2022، آلية الحوار الوطني ليشمل جميع التيارات السياسية، واختير رشوان ليكون منسقا للحوار. 

ذلك الاختيار مع دعوة رئيس النظام أثار تساؤلات متعلقة بشأن مدى جدية الخطوة. 

ورأى البعض أن وجود رشوان على طاولة الحوار في حد ذاته دليل على عدم جدوى الحوار، وتوقع البعض أن يتحول إلى مجرد جلسات نقاشية جدلية.

وغرد الناشط السياسي أحمد لطفي عبر تويتر: "اختيار ضياء رشوان منسقا عاما للحوار الوطني.. مكلمة لن تختلف كثيرا عن منتديات شباب شرم الشيخ". 

وكذلك دون الدكتور حاتم حاتمني، معقبا على وجود ضياء رشوان كمنسق للحوار، قائلا: "عبد الفتاح السيسي يحاور عبد الفتاح السيسي".  

وكتب حساب باسم خالد أن "ضياء رشوان هو اللى (الذي) قاد الحوار الوطني برضه (كذلك) في 2011 بقيادة عمر سليمان.. نسأل الله التساهيل" في إشارة منه إلى أن رشوان كان ضمن محور الثورة المضادة لثورة 25 يناير.