محمود شعبان.. عالم أزهري رفض "إراقة الدماء وفوائد البنوك" فسجنه السيسي

12

طباعة

مشاركة

استمرارا لمسلسل التنكيل بالمعارضين، قضت محكمة جنايات القاهرة، في 9 يونيو/ حزيران 2022، بالسجن المشدد 15 سنة على الأستاذ بجامعة الأزهر محمود شعبان، إثر اتهامه جزافا بـ"التحريض على العنف ومناهضة الدولة والانضمام لجماعة إرهابية"، وهي تهمة دارجة يلصقها النظام عادة بكل معارض. 

لكن الجديد في قضية شعبان، أن النظام وجه إليه تهمة إضافية وهي "الانضمام إلى الجيش السوري الحر" المعارض، بوصفه "تنظيما إرهابيا ينتهج العنف لتحقيق أهدافه" ضد رئيس النظام بشار الأسد، المتهم بمجازر مروعة غير مسبوقة بحق شعبه. 

بينما الدكتور شعبان كان قد سافر إلى سوريا في مارس/ آذار 2013، ضمن قافلة إغاثية، بهدف العمل الخيري التطوعي، وأكد أن رحلته لم تستغرق سوى 4 أيام فقط بهدف مساعدة الشعب السوري الشقيق.

ويتميز العالم الأزهري بمسيرة دعوية طويلة وبمواقف ثابتة ضد الانقلاب العسكري ورئيس النظام عبدالفتاح السيسي. 

مسيرته العلمية 

ولد محمود شعبان إبراهيم مصطفى، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1972، بحي عين شمس في العاصمة المصرية القاهرة. 

ومنذ مهده التحق بالأزهر الشريف، في جميع المراحل التعليمية حتى تخرج في الثانوية، ثم بدأ دراسته في معهد الدراسات الإسلامية، وحقق تفوقا بين أقرانه حتى أصبح في سبتمبر/ أيلول 1997 معيدا بالمعهد.

بعدها حصل على درجة الماجستير في العلوم الشرعية، ليعين مدرسا مساعدا في المعهد بتاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول 2005.

 استكمل مسيرته العلمية إلى أن أصبح مدرسا في جامعة الأزهر بعد حصوله على درجة الدكتوراه، وأصبح أيضا أستاذا مساعدا بقسم الدراسات الإسلامية.

وعمل الدكتور شعبان أيضا كأستاذ بقسم البلاغة والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر فرع دسوق بكفر الشيخ.

 إضافة إلى ذلك أنه خطيب سابق بعدة مساجد بالقاهرة، واشتهر بخطبه الرنانة وأسلوبه الحماسي الذي جذب إليه الجماهير.

شعبان والثورة 

بدأ يصعد نجم الدكتور محمود شعبان إبان الثورة المصرية في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ كان أحد أنصارها، وظهر في عدة برامج دينية على القنوات الفضائية مثل قناة الحافظ والناس، واستضافته أيضا القنوات الأخرى مثل فضائية دريم. 

واشتهر شعبان بدفاعه عن الرئيس الراحل محمد مرسي، وكان معارضا لجبهة الإنقاذ المعارضة ولمحاولات النيل من الرئيس والتمهيد للانقلاب عليه. 

وعقب الانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2013 الذي أطاح بحكم الرئيس محمد مرسي، شارك شعبان في اعتصام رابعة العدوية، وألقى كلمة من على منصة الاعتصام يدعو فيها لعودة مرسي للحكم.

كما دعا خلال كلمة ألقاها من على منصة ميدان النهضة بمحافظة الجيزة، أنصار الرئيس للتضرع إلى الله، وإسقاط الانقلاب العسكري.

وقال شعبان إن "ما يحدث ليس انقلابا على الشرعية، ولكن هي حرب على الدين الإسلامي". 

وفي 4 أغسطس/ آب 2013، تعرض الشيخ لعملية اختطاف من أنصار جبهة الإنقاذ، واحتجز لأكثر من 4 ساعات بميدان التحرير، قبل أن يتم إطلاق سراحه. 

إيقاف واعتقال 

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، بدأت عملية الانتقام من الدكتور شعبان بسبب مواقفه. 

وقدم عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فرع دسوق بكفر الشيخ، الدكتور محمد الطيب شكوى ضد الدكتور شعبان إلى رئيس الجامعة، متهما إياه بـ "الإساءة للأمة المصرية قيادة وشعبا"، مطالبا بإحالته لمجلس التأديب.

وبناء على تلك الشكوى، قرر رئيس جامعة الأزهر، عبد الحي عزب، إيقاف الدكتور محمود شعبان عن العمل وتحويله للتحقيق بمعرفة مجلس التأديب. 

لكن لحظة التنكيل جاءت في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وقتها ماجت الساحة السياسية المصرية بالغضب، إثر حلقة "الكمين"، التي قدمها الإعلامي الراحل وائل الإبراشي على قناة "دريم"، في برنامجه "العاشرة مساء".

واستضاف خلالها الدكتور شعبان، للرد على حملة الانتقادات التي تعرض لها الأخير، بسبب مقاطع فيديو لخطبة جمعة ألقاها وقال فيها، إن فوائد قناة السويس الجديدة التي أعلنت عن توزيعها الحكومة المصرية أخيرا ربا". 

الشيخ حرم حينها وهاجم إراقة دماء المصريين بالميادين والسجون، من قبل عناصر الجيش والشرطة، الأمر الذي لم يرق لرجال السلطة الحاكمة وأذرعها الإعلامية والسياسية.

خلال الحلقة الأكثر جدلا، هاجم الإبراشي ضيفه بشدة وبصورة هيستيرية، وخرج عن آداب المهنة، بألفاظه المسيئة واتهاماته الجزافية للشيخ محمود شعبان، الأمر الذي دعا الأخير للقول: "أنا خصيمك أمام الله يوم القيامة". 

النقطة الأخطر أن الإبراشي طلب من شعبان، مد الحلقة بعد موعدها لمدة ثلث ساعة إضافية، وجاء ذلك لتمكين رجال الأمن من الوصول إلى الأستوديو داخل مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، لاعتقاله، الأمر الذي تم بالفعل وسمعت أصوات اعتقاله على الهواء.

وجرى التأكيد بأن قوات تابعة لمديرية أمن الجيزة وصلت قبل انسحاب محمود شعبان على الهواء من أستوديو برنامج "العاشرة مساء" بـ15 دقيقة.

وأشارت تقارير محلية إلى أنه فور خروجه من الباب، ألقت قوات الأمن القبض عليه، ليتصدر بعدها هاشتاغ "المخبر وائل الإبراشي" مواقع التواصل الاجتماعي، في قضية وأزمة غريبة.

إذ كانت قوات الأمن قادرة على اعتقال الرجل من بيته، لكنها تواطأت مع الإبراشي لعمل كمين على الهواء، أوقع فيه الشيخ الذي يقضي حاليا عقوبة السجن.

وقائع التنكيل

وفي 10 يناير/ كانون الثاني 2022، كشفت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، وقائع صادمة، عندما نجحت في الحصول على رسالة مسربة من داخل المعتقل تخص الداعية محمود شعبان، الذي كان يخوض إضرابا مفتوحا عن الطعام داخل السجن في مصر للمطالبة بإطلاق سراحه.

وذكرت المنظمة أن شعبان يتعرض للعديد من الانتهاكات منذ اعتقاله عام 2019، تضمنت "الإيذاء الجسدي والنفسي عبر الضرب وإلقاء البراز على وجهه والسباب بأفظع الألفاظ". 

وكشفت المنظمة عن ممارسة ضابط يدعى "عصام الألفي" العديد من الانتهاكات بحق الشيخ، منها قوله "لما تبقى مع ربنا بتاعك ابقى خليه يرن علي” وفق البيان الصادر عنها.

وبعدما حكم على الدكتور شعبان بالسجن 15 عاما، كتبت ابنته سمية عبر موقع التواصل الاجتماعي منشورا قالت فيه: "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.. تم الحكم على الوالد بخمسة عشر عاما سجنا مشددا.. وبهذا سيُفصل من جامعته". 

وأضافت: "أبي الذي قضى خمسة وعشرين عاما، عاملا بجماعة الأزهر، مدرسا ثم أستاذا ثم أستاذ دكتور، وصل لآخر درجة بترقيات الجامعة، والله ما عهدته إلا يخشى الله في كل من تحت يده".

وتابعت: أقول يا أبي، حرمت حقَ الكتاب على نفسك، وضيقت علينا عيشنا، فيقول يا بنية، لكم الله من بعدي، أما عني فإني قد عاهدت ربي أن لا أدخل عليكم مليما من حرام".

وذكرت ابنته: "الكبير والصغير في شارعنا يعرفه، الكل يذكره وهو ذاهب إلى صلاة الفجر أو غيرها، هلموا شبابنا إلى الصلاة، بلغته البسيطة الفكاهية". 

واختتمت: "لله درك يا أبي، عشت عزيزا وبإذنه ستموت عزيزا ، ثبتك الله، آواك الله، نصرك الله، حفظك الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبي ولنا لقاء".