أحمد القطان.. داعية كويتي عاش مناصرا للأقصى ورحل ثابتا ضد المطبعين

أحمد يحيى | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

فجع العالم الإسلامي برحيل الداعية الكويتي الشيخ أحمد القطان إلى الرفيق الأعلى، في 23 مايو/ أيار 2022 عن عمر ناهز 76 عاما، مترجلا عن مسيرة كبيرة استطاع خلالها أن ينصر منبر الرسول ويدافع عن أمجاد الإسلام ضد المشككين طوال عقود من العمل والعطاء. 

وشكلت أحاديث وخطب القطان وعي أجيال متعاقبة من المسلمين، وخاصة خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وكان مبلغها تأكيد وحدة الأمة وتماسكها، لا سيما في القضايا الكبرى، وعلى رأسها القدس والمسجد الأقصى الأسير في يد الاحتلال الإسرائيلي. 

كما عُرف القطان بدعمه ثورات الربيع العربي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها ودفع المظالم عنها، في ظل تبنيه عقيدة إيمانية راسخة،  تسببت له في كثير من المتاعب، لكنها وضعته في مصاف كبار علماء الأمة المدافعين عن قيم الحق والعدل. 

بدايات متقلبة 

في 6 ديسمبر/ كانون الأول 1946، ولد أحمد بن عبد العزيز بن أحمد بن إبراهيم بن صقر بن فواز القطان التميمي، بمنطقة المرقاب في العاصمة الكويت.

وبدأ القطان تعليمه الأولي داخل مدينة الكويت، حيث درس التربية الإسلامية لمدة 18 عاما، حتى تخرج في معهد المعلمين سنة 1969. 

ومر بمرحلة تقلبات كبيرة في شبابه، إذ انتهج الفكر الشيوعي واختلط بالشيوعيين، وأصبح كادرا سياسيا متميزا بين صفوفهم التنظيمية لفترة من الزمن. 

وعن هذه المرحلة يقول في مذكراته: " تخرجت بلا دين، وأخذت ألتفت يمينا وشمالا، متسائلا أين الطريق؟ هل خلقت هكذا في الحياة عبثا؟". 

ويضيف: "أحسست فراغا في نفسي وظلاما وكآبة، أفر إلى البر وحدي في الظلام لعلي أجد هناك العزاء، ولكن أعود حزينا كئيبا". 

ويتابع: "قام الحزب الشيوعي باحتوائي ونشر قصائدي في مجلاتهم وجرائدهم، وأخذوا يفسرون العبارات والكلمات بزخرف من القول يوحي به بعضهم إلى بعض حتى نفخوا في نفخة ظننت أنني أنا الإمام المنتظر؟". 

ومضى يقول: "ما قلت كلمة إلا وطبلوا وزمروا حولها، وهي حيلة من حيلهم، إذا أرادوا أن يقتنصوا ويفترسوا فردا ينظرون إلى هويته وهوايته ماذا يرغب؟".

ويردف: "رأوني أميل إلى الشعر والأدب فتعهدوا بطبع ديواني ونشر قصائدي وعقدوا لي الجلسات واللقاءات الأدبية الساهرة، ثم أخذوا يدسون السم في العسل".

نبذه الشيوعية 

وعن تركه للشيوعية فكرا وتنظيما، روى الشيخ أحمد القطان، أنه "أذن المؤذن لصلاة الفجر فلما قال (الله أكبر) أخذوا ينكتون (يسخرون) على الله ثم لما قال المؤذن (أشهد أن محمدا رسول الله) أخذوا ينكتون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم". 

وأضاف: "هنا بدأ الانفعال الداخلي والبركان الإيماني الفطرى يغلي، وإذا أراد الله خيرا بعد أن أراه الظلمات يسر له أسباب ذلك". 

وأكمل: "من هذه الحادثة بدأ التحول الكبير في حياتي، إذ خرجت أبحث عن رفقاء غير أولئك الرفقاء". 

بعدها تعرف القطان على الحركة الإسلامية، وفي سنوات معدودة صار من أبرز خطباء "الصحوة الإسلامية" في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين في الكويت والخليج ومختلف أقطار العالم العربي. 

واشتهر بدفاعه الصلب من على المنابر عن قضية القدس والمسجد الأقصى وفلسطين، وعن سائر قضايا الأمة المستجدة في الشيشان وأفغانستان والبوسنة والهرسك.

وفي عام 1979 أسس منبر الدفاع عن الأقصى، وتنقل بين مساجد الكويت محاضرا وخطيبا كمسجد العلبان، ثم مسجد المزيني، ثم مسجد الكليب، ثم مسجد ضاحية جابر العلي، ثم مسجد جابر العلي، وغيرها من المساجد، محفزا المواطنين على نصرة هذه القضية. 

حقيبته الدعوية 

وبدأ الشيخ أحمد القطان مسيرته الدعوية في مسجد الصبيح عام 1970، ثم مع شباب جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى عام 1976، ثم بدأ الخطابة في مسجد البسّام في منطقة الجهراء عام 1976.

ولم يترك القطان بابا للدعوة أو الخير إلا وطرقه، حيث ساهم في رعاية الطلبة المبتعثين كمستشار ديني منذ عام 1984.

وذلك عبر متابعتهم والمشاركة في مؤتمراتهم وملتقياتهم السنوية سواء في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت أو رابطة الشباب العربي المسلم.

وعمل القطان أيضا مستشارا في كثير من لجان العمل الخيري في مختلف القارات مثل دول إفريقيا وأوروبا، فضلا عن الفلبين وباكستان.

وخلال تلك المهمة أشرف على إقامة المشاريع التنموية كالمدارس ودور الأيتام وغيرها، وكذلك العمل في لجنة التعريف بالإسلام الداعية إلى نشر وتعريف الدين الإسلامي لغير المسلمين. 

وفي عام 2009 تم اختياره كأفضل أستاذ للجيل المسلم في جائزة أستاذ الجيل، المقدمة من ملك البحرين حمد بن عيسى. 

وعرف عن القطان انتهاجه طوال مسيرته لمنهج الوسطية والاعتدال في دعوته دون إفراط أو تفريط وتبنيه للقضايا الإسلامية وتربيته للأجيال المسلمة الناشئة. 

مواقف ثابتة 

ومن أشهر مواقف الشيخ القطان، قوله كلمة حق في وجه علاقات ولي عهد أبوظبي (حينئذ) محمد بن زايد، التطبيعية مع الكيان الصهيوني. 

وفي 12 يوليو/ تموز 2017، ظهر القطان بفيديو نشره موقع "المجلس الكويتي"، ألقى خلاله أبيات من قصيدته قائلا: "لا صلح لا تفويض لا تفريط في أرض الجدود، لا للدويلة رشوة ثمنا لآهات الشهيد.. كل السيوف تكسرت، لم يبق إلا ابن الوليد، طوبى لمن طلب الشهادة في مقارعة اليهود".

وقارن حينها الشيخ بين موقف ابن زايد، وموقف السلطان عبدالحميد الثاني قديما، عندما طلبوا منه التنازل عن فلسطين مقابل بقائه في الحكم، فقال لهم: "لا أوقع ولو قيد شبر، لأن أرض فلسطين، وقف إلى يوم القيامة، فقالوا إذا نزيل ملكك، قال افعلوا ما شئتم".

وعلى الصعيد العلمي، خلف الداعية الراحل العديد من الكتب من بينها "للعبرة والتاريخ"، و"مقالات دينية واجتماعية وسياسية"، و"ذاتية المؤمن"، و"طريق النماء"، و"شيخ الإسلام أحمد تقي الدين ابن تيمية"، و"سلسلة الشعب الفلسطيني". 

أما على مستوى العائلة فتزوج الشيخ أحمد القطان مرتين، ولديه من الأبناء 4 ومن البنات 10.

قالوا عنه 

وعقب وفاته، دون الصحفي الفلسطيني فراس أبو هلال على صفحته بموقع "فيسبوك" قائلا: "رحم الله الشيخ أحمد القطان، علم من أعلام الكويت، ‏كان جزءا من ذاكرتنا في خطبه وإلقاء الشعر عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى ومنحها بعدا إسلاميا".

من جانبه، كتب السياسي المصري الدكتور خالد عبدالقادر: "رحم الله فضيلة الشيخ أحمد القطان، أحد فرسان منبر الرسول الذين صانوه عن مداهنة السلطان، ونيل المغانم به، فلم يقتاتوا الفتات فوق ذلك المنبر ولا تحته، وقد كان حقيقا بها لو اتخذه منبرا لمدحهم والثناء عليهم والتلبيس على المسلمين كما فعل ويفعل غيره من طلاب الدنيا". 

وغرد المؤرخ محمد إلهامي، قائلا "الشيخ أحمد القطان صاحب أول شريط سمعته في حياتي، وأول صوت سمعت منه أسماء أعلام المسلمين الذين قاتلوا الاتحاد السوفيتي، كان يصدح ويهدر، صوت قوي فخم يبعث في النفس حماسة وعزة".

وذكر الصحفي وليد العطار، ان "الشيخ القطان، أحد أبرز الدعاة الذين شكلوا وعي جيلنا في عقد الثمانينيات.. تعلمنا منه الكثير، أحببنا في شرائطه فلسطين وأمجاد الأمة، واهتزت مشاعرنا على وقع آلام المسلمين التي كان يرويها قبل أن توجد الفضائيات".

فيما قال الكاتب السوري الدكتور أحمد موفق زيدان: "رحم الله الشيخ الفاضل أحمد القطان، الذي شكل جزءا من وعينا، وعيت على هذه الدنيا، وأنت مناصر لقضايا أمتك، أتذكر خطبك نصرة لضحايا مجزرة حماة.. فضحت القرامطة ومعهم الصهاينة".