رأس جبل الجليد.. لهذا هدم الحوثيون "النصب التركي" في العاصمة اليمنية
في 12 مارس/ آذار 2022، شرع الحوثيون في هدم النصب التذكاري التركي بالعاصمة اليمنية صنعاء، الذي يعد معلما بارزا في محيط مجمع وزارة الدفاع ذات الطراز العثماني.
وذكرت مصادر محلية وشهود عيان أن معدات وجرافات بدأت بهدم النصب الذي تم افتتاحه في عام 2011 تخليداً للجنود الأتراك، الذين فقدوا حياتهم في اليمن أثناء الوجود العثماني قبل أكثر من قرن.
وأُفتتح النصب التذكاري في الحادي عشر من يناير/ كانون الثاني 2011، على هامش زيارة أجراها حينها الرئيس التركي السابق عبد الله غول إلى اليمن.
وأقر الحوثيون بهدم النصب جزئيا، وزعم نائب وزير الخارجية في حكومتهم (غير معترف بها دوليا) حسين العزي، وجود "اختلالات فنية" لم يتنبه لها المهندسون لحظة البناء.
قبل أن يعود القيادي العزي إلى تبني الواقعة من دون مبررات، ليشير إلى أنه "لا ينبغي لأحد أن يستاء من هدم هذا النصب، لأنه في الواقع غير ضروري ويذكّر بالجانب السلبي من تاريخ الشعبين الشقيقين وهو جانب الدم والحروب والأوجاع الكبيرة"، على حد تعبيره.
والحقيقة لاينبغي لأحد أن يستاء من هدم هذا النصب لأنه في الواقع غير ضروري ويذكر بالجانب السلبي من تاريخ الشعبين الشقيقين وهو جانب الدم والحروب والأوجاع الكبيرة من جهة أخرى هو أيضا يستفز مشاعر الأسر اليمنيةالكريمة التي ضحت من اجل بلدها في تلك الحقبة من التاريخ لذلك اقترح بدائل أجمل
— حسين العزي (@hussinalezzi5) March 12, 2022
ولإخفاء عداوتها التاريخية للدولة العثمانية، لجأت مليشيا الحوثي من خلال نشطائها، لتبرير هدم النصب التذكاري التركي، بما اعتبرته "تنامي تطبيع تركيا مع إسرائيل، واستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الإسرائيلي تسحاق هرتسوغ، في أنقرة قبل أيام".
شاهد | جماعة الحوثي تشرع في هدم النُصُب التذكاري التركي وسط العاصمة اليمنية صنعاء pic.twitter.com/82oxsQ3Z7o
— theyemen.net - اليمن نت (@ElYemenNews) March 12, 2022
عداء تاريخي
وتعيد الحادثة للأذهان تاريخ النظام الإمامي الرجعي الذي ينحدر منه الحوثيون، حيث قام ما عرفوا بـ "الأئمة" إبان الوجود العثماني في اليمن، الذي امتد لنحو 4 قرون، بتحريض القبائل اليمنية ضد الأتراك بزعامة الإمام الزيدي المنصور محمد بن يحيى.
واستمر العداء الإمامي للدولة العثمانية، بعد وفاة الإمام المنصور في عام 1904، من خلال خلفه ابنه الإمام يحيى بن حميد الدين الذي لقب بـ"المتوكل"، الذي ورث من أبيه نزعة التمرد ضد العثمانيين.
وكانت سياسة النظام الإمامي تقوم على معاداة العثمانيين، لإجبارهم بالوضع الخاص للأئمة في اليمن القائم على الديكتاتورية والعنصرية، كما هو واقع الحوثيين اليوم.
وفي هذا الصدد، قال الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري، إن "إقدام جماعة الحوثي على هدم النصب التذكاري التركي بصنعاء التي تقبع تحت سيطرتها منذ انقلابها في 2014 هو تحصيل حاصل فيما يتعلق بالتاريخ الطويل من العداء والصراع للزيدية مع الدولة العثمانية".
وأضاف البكيري لـ"الاستقلال"، أن هذه الخطوة تؤشر إلى أن "الجماعة لا تزال تكن نفس العداء القديم لتركيا مستجررة تاريخ الصراع القديم لها مع الدولة العثمانية".
خطوات ممنهجة
ويشن الحوثيون حملات تشويه مُوجّهة ضد التاريخ العثماني، مستغلين المناهج الدراسية والنعرات القومية وسيطرتهم على مؤسسات الدولة.
وجاءت الخطوة الحوثية الأخيرة، بعد سلسلة خطوات قاموا بها ضد تركيا منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وإسقاط الدولة، من بينها إغلاق قسم اللغة التركية.
وذلك بسبب الموقف التركي من سيطرة المليشيات على العاصمة، وكذلك موقفها من الثورة السورية، وانتقادها لموقف إيران الداعم لها.
وقام الحوثيون في 11 فبراير/ شباط 2015، بإغلاق قسم اللغة التركية بكلية اللغات في جامعة صنعاء، وتسببت بحرمان أكثر من 150 طالبا وطالبة في مختلف المستويات من مواصلة تعليمهم.
وافتتح قسم اللغة التركية في 2007، بدعم تركي في إطار خطط التطوير والتوسيع للتخصصات العلمية في جامعة صنعاء، ويعد من أفضل الأقسام داخل الجامعة من حيث التجهيزات.
وفي 19 فبراير 2009، أبدى وزير الخارجية التركي حينئذ "علي باباجان"، استعداد بلاده لدعم قسم اللغة التركية بجامعة صنعاء، خلال تفقده القسم على هامش زيارته إلى اليمن.
وفي عام 2016، أنزل القيادي الحوثي نزيه العماد، العلم التركي من النصب التذكاري التركي، بعد سحب أنقرة سفيرها من العاصمة صنعاء التي أسقطها الحوثيون بقوة السلاح.
ويرى الباحث نبيل البكيري، أن "هذه الخطوة مؤشر على التوجه الكامل لهذه الجماعة لإعادة تشكيل المشهد والمجتمع اليمني ككل بتحويله إلى مجتمع مغلق ذي توجه أحادي يدين بالولاء المطلق لهذا المليشيات التابعة لإيران".
تنديد تركي
وسارعت وزارة الخارجية التركية، إلى إدانة الاعتداء الحوثي على النصب التذكاري لمقبرة الشهداء الأتراك في صنعاء.
وقالت الوزارة في بيان، "ندين بشدة الاعتداء الغادر الذي نفذه عناصر الحوثي على النصب التذكاري لمقبرة الشهداء الأتراك صباح 12 مارس، الذي تسبب بأضرار في المقبرة".
وأكد البيان أن "الإرث التركي في اليمن يعد رمزا للتاريخ المشترك والعلاقات المتجذرة معه، وعدم احترامه أمر غير مقبول".
#تركيا .. الخارجية التركية: ندين الاعتداء الغادر الذي نفذه الحوثيون على النصب التذكاري لمقبرة الشهداء الأتراك في #صنعاء#اليمن pic.twitter.com/EuNCRMKs2Y
— ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) March 12, 2022
بدوره، أدان الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، حادثة الاعتداء على النصب التذكاري لشهداء بلاده في العاصمة اليمنية صنعاء.
وقال غول، "أحزنني بشدة مشهد تخريب النصب التذكاري للشهداء الأتراك في صنعاء على يد المتمردين، والذي حضرت افتتاحه عام 2011 أثناء زيارتي لليمن لتخليد ذكرى الآلاف من شهدائنا الذين تركناهم في صحاري اليمن".
وأضاف في تغريدة عبر تويتر، " "أنا واثق من أن الشعب اليمني سيُصلح هذه الإساءة".
Yemen çöllerinde bıraktığımız binlerce şehidimizin hatırasını unutturmamak için Yemen’in başkenti Sana’da 2011 yılında açılışını yaptığım Türk Şehitliği’nin isyancılar tarafından yıkılmasından büyük üzüntü duydum. Yemen halkının bu saygısızlığı düzelteceğine inanıyorum. pic.twitter.com/X7XnHryVnO
— Abdullah Gül (@cbabdullahgul) March 12, 2022
ويشكل النصب التركي رمزية كبيرة لدى الأتراك ويحظى باهتمام كبير خلال زيارات الوفود التركية إلى اليمن.
وفي 13 مايو/ أيار 2013، زار وزير الجمارك والتجارة التركي حياتي يازجي والوفد المرافق له النصب التذكاري التركي ومجمع الدفاع "العرضي" في العاصمة صنعاء.
كما قام بزيارة إلى عدد من المعالم العثمانية والأثرية بصنعاء القديمة والجامع الكبير الذي بُني في السنة السادسة للهجرة، والجامع السلطاني العثماني المعروف بجامع "قبة البكيرية".
تداعيات مستقبلية
وسبق لمليشيا الحوثي، هدم واحد من أقدم المساجد الأثرية والتاريخية في مدينة صنعاء القديمة المدرجة عام 1986، ضمن قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو".
حيث قامت المليشيا في فبراير 2021، بهدم مسجد النهرين الذي يعد من الجوامع الأثرية، وبُني في القرن الأول الهجري من قبل أحد الصحابة.
ويرى مراقبون، أن هذه الخطوة الحوثية في تدمير وتخريب المعالم اليمنية وطمس تاريخ البلاد والإضرار بعلاقاتها مع الدول الأخرى، سلوك ملازم لها ولداعميها من النظام الإيراني.
ويعلق الباحث نبيل البكيري، بالقول إن "هذه الخطوة تجاه النصب التركي مؤشر أنها أيضا تتحرك وفقا لأجندات واضحة من قبل إيران".
ويضيف البكيري أن "إيران ترى أن تركيا لا تزال هي القوة الإقليمية الوحيدة التي لا يمكن لإيران أن تنافسها فيما يتعلق بحضورها كداعم لأمن واستقرار الدول التي تسعى إيران لزعزعتها من خلال دعمها لمثل هذه المليشيات الطائفية كما هو الحال بالعراق، ولبنان، واليمن، وسوريا".
من جانبه، علق الكاتب الصحفي، ياسين التميمي على هذا التطور بالقول، "ليس هذا النصب وحده من يشير إلى حجم الحضور العثماني التركي في تاريخنا، فهناك جوامع عامرة بذكر الله، وأبنية شامخة وسبل وجسور وأطعمة ومفردات وعادات وتقاليد".
وأكد في تغريدة عبر تويتر، أن "هدم النصب التذكاري التركي جزء من أجندة ترمي إلى القطع مع إرث الأمة والارتهان لأجندة طائفية إقليمية".
وأضاف أن "هذا يشبه قتل اليمنيين بصفتهم صهاينة وأمريكيين، والذي تمارسه هذه الجماعة منذ أن قرر بعض اللاعبين الإقليميين استخدامها لهزيمة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي الذي انطلق في 11 فبراير 2011".
هدم النصب التذكاري التركي جزء من أجندة ترمي الى القطع مع إرث الأمة والارتهان لأجندة طائفية إقليمية،وهو يشبه قتل اليمنيين بصفتهم صهاينة وأمريكيون،والذي تمارسه هذه الجماعة منذ أن قرر بعض اللاعبين الإقليميين استخدامها لهزيمة مشروع التغيير الوطني الديمقراطي في 11فبراير/شباط 2011.
— ياسين التميمي YASEEN AL-TAMIMI (@yaseentamimi68) March 12, 2022
من ناحية أخرى، يرى متابعون أن استهداف الحوثي للنصب التذكاري التركي، سيؤدي إلى تقارب تركي مع دول التحالف بقيادة السعودية، التي تتدخل عسكريا لمحاربة الحوثيين منذ عام 2015.
خصوصا مع السعودية والإمارات اللتين تشكلان القوة الفاعلة داخل التحالف والمؤثرة في الأزمة اليمنية.
كما أنه سيؤدي إلى زيادة العزلة للحوثيين، وتشديد الخناق عليهم خصوصا بعد تبني مجلس الأمن قرارات تصفهم بالجماعة الإرهابية.