رسالة ملك الأردن بمشاركته في تدريبات ضد مهربي المخدرات.. لمن يوجهها؟
تحت اسم "ضربة الصقور"، شارك ملك الأردن عبد الله الثاني، قوات جيشه الخاصة في تمارين عسكرية تحاكي سيناريو القضاء على "عناصر إرهابية ومهربي مخدرات" عند الحدود الأردنية السورية.
وجاءت خطوة الملك الأردني على وقع تنامي عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود من الأراضي السورية؛ والتي تقف خلفها مليشيات تابعة للنظام السوري وإيران.
وتعد هذه العمليات بمثابة "حرب غير معلنة"، إذ لم يتخيل الأردن أن يصبح بوابة عريضة لتهريب المخدرات مقابل "ابتزاز سياسي"، يريد منه النظام السوري مزيدا من المحاولات لإعادته للحاضنة العربية بعد إعلان تطبيع العلاقات بينهما.
"ضربة الصقور"
وبدا الملك الأردني بكامل لباسه وسلاحه العسكري، خلال تمارين جرت بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2022، بهدف "تعزيز مفهوم إسناد وحدات حرس الحدود من قبل القوات الخاصة".
وتضمنت التدريبات مشاركة قوة اقتحام أرضية، ورمايات من أسلحة خفيفة ومتوسطة وأسلحة، وقوة جوية من الطائرات العمودية "بلاك هوك" و"ليتل بيرد"، لتنفيذ عمليات الاعتراض الجوي على أهداف تتمثل في آليات حادت عن منطقة الهدف.
وتشهد الحدود الأردنية السورية نشاطا كبيرا لعمليات تهريب مخدرات، حيث أعلن الجيش الأردني أنه تم إحباط منذ بداية عام 2022 فقط دخول أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون، أي ما يساوي الكمية التي جرى ضبطها طيلة عام 2021.
وهذا ما دفع الملك عبد الله، لاتخاذ إجراء متقدم، بعدما أجرى زيارة في 14 فبراير 2022 إلى حدود بلاده مع سوريا، بالتزامن مع ارتفاع حدة تهديدات مهربي المخدرات والقائمين عليها، وحينها أكد على أهمية التصدي لعمليات تهريب المخدرات التي غزت العالم.
وعقب الزيارة عقد الملك عبد الله الثاني لقاء مع عدد من الكتاب والصحفيين بتاريخ 23 فبراير 2022، أكد فيه موقفه بالقول "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي تنظيم أو جهة تهدد أمننا وحدودنا".
وهذا ما يدل على إدراك الأردن للخطر الكبير من محاولات تحويلها إلى منصة عبور للمخدرات تغزو العالم العربي والخليجي بالأخص، بعدما حول نظام الأسد سوريا إلى إمبراطورية مخدرات ذاع صيتها عالميا خلال سنوات قليلة.
لا سيما بعدما اندهش العالم من أن سوريا التي باتت تسمى "دولة المخدرات"، بفضل أساليب الوكلاء المحليين التابعين للنظام السوري، باتت قادرة على ابتكار طرق احترافية لتهريب المخدرات إلى دول عربية وغربية عديدة.
كما لم يعد يخفى على العالم أن الأرباح التي يجنيها النظام السوري من تجارة المخدرات، تمثل مصدرا ضخما لتمويل حرب بشار الأسد ضد شعبه، إضافة لدعم خزائن شركائه المحليين والإقليميين.
لكن النظام السوري بتسهيله تجارة المخدرات، بدا جليا أنه بات يستعملها كأداة ضغط خفية على الدول المجاورة وعلى رأسها الأردن لموقعها الإستراتيجي.
وهذا ما أغضب عمان التي طبعت علاقاتها بشكل كامل مع النظام السوري عام 2021 بعد 10 سنوات من الجفاء السياسي والاقتصادي بينهما على خلفية اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وربما هذا ما دفع ملك الأردن لبعث رسائل هامة ليس فقط للنظام السوري بل لحلفائه لكبح محاولات "الابتزاز السياسي" عليه، على الرغم من تلقيه اتصالا هاتفيا من رئيس النظام بشار الأسد، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، معلنا صفحة جديدة من "العلاقات المشتركة".
وأمام هذه الحالة التي باتت تقلق الأردن، يبدو أن النظام السوري لم يكن هدفه التقارب مع عمان "سياسيا" فقط، رغم أنها علقت آمال على هذا التقارب في تحقيق انفراجة اقتصادية على الجارة سوريا التي تربطها معها حدود تصل إلى 375 كيلومترا.
ضغط بالمخدرات
ويرى مراقبون أردنيون أن "تهوين" مشكلة انتشار المخدرات لم يعد مقبولا عبر استخدام عبارة "دولة عبور" للمخدرات لكون ظاهرة التعاطي بدأت تلقى انتشارا في المجتمع الأردني.
إذ أسفرت مواجهات الأردن مع مهربي المخدرات عبر سوريا عن مقتل 30 مهربا ومقتل ضابط أردني وإصابة آخرين، فيما تمكنت القوات المسلحة الأردنية من ضبط أكثر من 17 ألف كف حشيش، وأكثر من 16 مليون حبة مخدرة.
وتقدر وسائل إعلام الأردنية، وجود نحو 160 شبكة تعمل داخل العمق السوري، وتتمتع بقدرات احترافية، وتجهيز مركبات بمعدات عالية الخطورة، واستخدام الطائرات المسيرة وأسلحة رشاشة وثقيلة في عمليات التهريب إلى الداخل الأردني.
وفتحت الأحداث التي شهدتها الحدود الشمالية للأردن أخيرا، الأعين على واحدة من أخطر الملفات التي باتت تؤرق الأردنيين على المستوى الرسمي والشعبي، والمتمثلة بتزايد محاولات تهريب المخدرات إلى المملكة.
وهذا ما استدعى تدخلا من القوات المسلحة الأردنية لحماية حدود المملكة، ومنع عمليات التهريب إلى الداخل الأردني وتسويقها محليا، أو تهريبها إلى دول أخرى.
ووفقا للإحصائيات فقد ٍزاد عدد جرائم المخدرات منذ عام 1999 وحتى 2020 أكثر من 22 ضعفا، حيث قفز عدد الجرائم الإجمالي من 905 حين كان عدد سكان المملكة بحدود 5 ملايين نسمة ليتجاوز حاجز الـ20 ألف قضية في 2020، مع وصول عدد السكان إلى نحو 10 ملايين.
ويعزو خبراء زيادة هذه الأرقام إلى زيادة عدد السكان وارتفاع نسب الفقر والبطالة، بالإضافة إلى تطور آليات الضبط والمتابعة من الأجهزة المعنية وارتفاع مستوى التنسيق الدولي والإقليمي في مواجهة شبكات التهريب حول العالم.
وفي هذا السياق، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي، في 11 فبراير 2022 استخدام جميع الإمكانات المتوفرة لدى الأردن، لمنع عمليات التسلل والتهريب القادمة من سوريا.
ونوه الحنيطي إلى أنه سيجرى منع عمليات التهريب من خلال تطبيق منظومة قواعد الاشتباك الجديدة.
كما دفعت التطورات الجديدة القيادة العامة للجيش الأردني لدعم قوات حرس الحدود باللوجستيات المطلوبة، وإسنادها بقوات منتخبة من القوات الخاصة وقوات رد الفعل السريع مسندة بطائرات من سلاح الجو الملكي.
وفي 11 فبراير 2022، ضبط الأردن كمية من المخدرات على واجهة حدود المنطقة العسكرية الشرقية، وبلغت الكمية (9343000) حبة كبتاغون و(38900) حبة ترامادول (7096) كف حشيش و(199) ذخيرة بي كي سي، و(63) ذخيرة كلاشنكوف وآليات عدد (2).
رسائل الملك
ويرى المحلل السياسي الأردني، أحمد فهيم أن رسالة الملك عبد الله من التدريبات "موجهة إلى النظام السوري وحلفائه أيضا ومفادها أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاولات المتكررة للعبث بالأمن الوطني والإقليمي من أجل تحقيق مكاسب سياسية لقوى عظمى عبر وكلاء حرب".
ويضيف فهيم لـ"الاستقلال"، أن "التدريبات جادة ونابعة من قلق أردني حقيقي لجهة احتمالات اختراق الشريط الحدودي بين سوريا والأردن ليس من قبل تجار ومهربي المخدرات بل من قبل مليشيات طائفية تتبع لقوى إقليمية وعالمية مثل إيران وروسيا، بالتزامن مع التوتر الحاصل على الساحة الدولية في أوكرانيا".
ومضى يقول: "كل ما حصل جزء من الصراع العالمي على النفوذ، وبالتالي عندما يحتدم صراع عالمي تمثل مصالح الخصوم هدفا لبعضها البعض فوق كل أرض وتحت أي سماء".
و"المعسكر الروسي الإيراني ربما يرى في الأردن جزءا من المشروع الأميركي في المنطقة كما يرى الخليج كذلك، لذلك هو يصعد من هجماته على الشريط الحدودي لبعث رسائل رعب إلى عمّان"، وفق المحلل السياسي الأردني.
ويتابع: "كذلك يبعث برسائل أيضا ترتبط بأمن إسرائيل المحاذي لأمن الأردن وخاصة مع خشية الدول من تجارة المخدرات والسلاح".
ويوضح فهيم أن ما كان لافتا في التدريبات الأردنية "هو الحديث الجديد من قبل النظام الأردني من أن الجيش سيريهم العين الحمراء، وخاصة أن قواعد الاشتباك تغيرت أخيرا وتم رفع درجة التأهب".
"بمعنى أن أي جسم متحرك على الشريط الحدودي يمثل هدفا مشروعا للجيش الأردني، الذي بات يستخدم النيران الثقيلة، وهذا ناجم عن القلق على الأمن الإقليمي وقبله الأمن الوطني والرغبة في ردع هؤلاء المهربين والحيلولة دون التمدد أكثر، واختراق الحدود والدخول كجماعات ومليشيات"، يضيف فهيم.
وألمح المحلل الأردني إلى أن "الأمر إذا زاد عن حده أظن أن يلجأ الأردن إلى المعسكر الغربي الذي هو جزء منه ولا سيما مع وجود قوات وقواعد أميركية موجودة على الأراضي الأردنية ولن تقف مكتوفة الأيدي".
قطع العلاقات
ورغم أن العلاقات بين النظام السوري والأردن شهدت تحولات جذرية، منذ منتصف عام 2018 عقب سيطرة النظام على الجنوب السوري بدعم روسي، وما تبع ذلك من إخضاع أحياء "درعا البلد" المجاورة للأردن لنفوذ النظام أواخر أغسطس/آب 2021، إلا أن "حرب المخدرات" قد ينقض غزل العلاقات بين الأردن والنظام السوري.
وتزامن ذلك مع اجتهاد عمان في محاولات تعويم النظام السوري، إذ قاد الملك الأردني شخصيا جهودا لإنقاذ الأسد، وذهب للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو/ تموز 2021 وحمل في جعبته خارطة طريق للحل بسوريا، يكون بشار الأسد طرفا فيها، وليس خارجها كما تريد المعارضة السورية.
لكن كل هذا "الود السياسي" من ملك الأردن تجاه الأسد، قوبل بتصعيد منذ مطلع عام 2022، مما ينذر بتحول جديد وانتكاسة في العلاقات بينهما.
وهذا ما رأه القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون، بقوله لـ "الاستقلال"، إن "تصريحات الملك الأردني بمثابة رسالة أخيرة لرأس نظام بشار الأسد مفادها ضبط الحدود ومنع تصدير المخدرات أو قطع العلاقات من جديد".
ولفت العميد إلى وجود "معاناة كبيرة يعيشها الأردن بسبب تصاعد محاولات تهريب المخدرات من سوريا خلال عام 2021، التي لم تتوقف بعد، بما في ذلك كميات كبيرة عثر عليها مخبأة في شاحنات سورية تمر من خلال معبرها الحدودي الرئيس (نصيب) إلى منطقة الخليج".
ونوه حسون إلى أنه "منذ عام 2011، أصبحت سوريا في ظل نظام الأسد سوقا رئيسا أو بلد عبور ومشتبها به للأنشطة المتعلقة بتجارة المخدرات حول العالم، من خلال الطرق البرية أو البحرية أو حتى الجوية".
وختم العميد بالقول: "تعتبر سوريا دولة مخدرات، لاحتوائها على نوعين أساسيين من المخدرات، هما الحشيش والكبتاغون، وتلك الأنشطة تشمل الإنتاج والتوزيع والتصدير، وبذلك صارت سوريا أمام مشكلة فعلية وتعتبر مصدر تهديد محلي وإقليمي ودولي".