خلاف الشركاء.. كيف يهدد منصب الرئاسة في العراق بتفكك إقليم كردستان؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

يشهد البيت السياسي الكردي في العراق أزمة حقيقية قد تعصف بتحالف إستراتيجي يجمع بين أكبر حزبين سياسيين، وذلك بسبب الخلاف على استحقاق منصب رئيس الجمهورية، الذي يذهب إلى المكون الكردي بحكم العرف السياسي السائد في البلد.

الخلاف نشب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل الطالباني، اللذين يحكمان إقليم كردستان منذ 2003، بعد سنوات من الاقتتال الدامي بينهما وانقسام الإقليم إلى إدارتين في أربيل والسليمانية.

الخلافات الحاصلة بين أكبر حزبين كرديين، أثارت تساؤلات عن تداعيات الأزمة الحالية، على التحالف الإستراتيجي بينهما، حيث يرأس الحكومة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونائب رئيسها من الاتحاد الوطني.

تهديد بالانشطار

بحكم ذهاب منصب رئيس الجمهورية في العراق إلى المكون الكردي، فإن العادة درجت أن يحصل عليه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني منذ عام 2006، وحتى اليوم، فالرئيس الحالي برهم صالح أحد قيادات الحزب الذي يوصف بأنه الأقرب إلى إيران.

لكن بسبب رفض البارزاني التجديد لبرهم صالح، وفي المقابل إصرار الاتحاد الوطني على ترشيحه، دفع الحزب الديمقراطي إلى ترشيح القيادي فيه هوشيار زيباري للمنصب، والذي يضمن الأغلبية البرلمانية، وذلك بالتحالف مع التيار الصدري، وتحالف السيادة (سني).

ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، شوان محمد طه، إن "المشكلة داخل البيت الكردي تتعلق بالدرجة الأساس بالمناصب وبالذات منصب رئيس الجمهورية، حيث تعمق الخلاف بعد 2018 نظرا لعدم الوصول إلى توافق، فالاتحاد الوطني لديه إصرار على أن المنصب له، وأن المرشح الوحيد هو برهم صالح".

ونقل تقرير صحفي عن طه في الثاني من فبراير/ شباط 2022 قوله: إن "الإخوة في الاتحاد الوطني جاءوا معنا للتفاوض كوفد واحد في بغداد مع القوى السياسية، لكن حين وصلت الأمور إلى المناصب انسحبوا، بينما كان الأجدر هو الوصول إلى توافق بين الحزبين".

وتابع: "مقاعدنا البرلمانية أكثر، وهو ما يعني أن لديهم قرارا مسبقا وغير قابل للمناقشة، كما أنهم لم يقدموا لنا ما يمكن عده حسن نية، فلم ينتخبوا مرشحنا لمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان، وهو ما يعني أنهم اصطفوا ضدنا".

في المقابل، وصف غياث سورجي، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، "فيتو" الديمقراطي على برهم صالح بـ"فرض إرادة على الاتحاد"، فيما بين أن ذلك زاد من إصرار حزبه في التمسك به مرشحا لرئاسة الجمهورية.

وأكد سورجي خلال مقابلة تلفزيونية في 23 يناير/كانون الثاني 2022 أن حزبه قريب من الإطار التنسيقي، ولديه نقاط مشتركة مع الأخير.

وقال: "كلانا يؤمن بالحكومة التوافقية، ونرى أن نتائج الانتخابات كان فيها غبن، وأنا متأكد أن الإخوة في الإطار سيصوتون لمرشحنا برهم صالح". وحذر سورجي من انقسام البيت الكردي والإقليم، أو حدوث شرخ داخله.

وأردف: "إذا لم نتوصل إلى حل وكل منا ذهب إلى مرشحه، سيؤثر ذلك على كردستان مباشرة، وقد يؤدي هذا إلى انسحاب الاتحاد الوطني من حكومة الإقليم".

لكن النائبة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ميادة النجار، استبعدت خلال تصريحات صحفية في 24 يناير 2022 حصول انشطار في إقليم كردستان وانقسامه إلى إقليمين جراء الخلافات السياسية الحاصلة بين حزبها والاتحاد الوطني بشأن منصب رئيس الجمهورية.

وقالت النجار: "هذه تهديدات، وإقليم كردستان لم ينشطر إلى قسمين، والحكومات الاتحادية لا تتعامل مع الإقليم الحالي بكامل الصلاحيات الدستورية فكيف التعامل مع إقليمين إذن؟"

وبينت أنه "بين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين روابط مشتركة وشراكة حقيقية وهم شركاؤنا في الإقليم، ونستبعد انقطاعهما عن بعضهما".

سيناريو 2018

وتعليقا على الأزمة، قال الكاتب والباحث من إقليم كردستان، كفاح محمود، إن "الاتصالات بين القوى السياسية الكردستانية متواصلة حول هذا الموضوع وخاصة الحزبين الرئيسين".

ونقل تقرير في 20 يناير 2022 عن محمود قوله: "أعتقد أن المشاورات الدائرة بين الحزبين الكبيرين في الإقليم ستخلص في النهاية إلى توافق بشأن المرشح لمنصب الرئيس العراقي".

ولا يعتقد أن هذا الأمر سيتجاوز المدة القانونية التي حددها الدستور العراقي بـ 30 يوما من تاريخ عقد أول جلسة للبرلمان، ما يعني أن اختيار الرئيس الجديد يجب أن يجرى قبل العاشر من فبراير 2022".

وعما إذا كانت الأنظار تتجه نحو الإبقاء على الرئيس الحالي "برهم صالح" يقول محمود: "لا أظن ذلك ممكنا، وعلى كل حال علينا الانتظار حتى نرى ما في جعبة كل طرف من الأطراف".

في هذا الصدد، يقول الباحث والكاتب الكردي، طارق جوهر خلال مقابلة تلفزيونية في 13 يناير 2022: "مع الأسف يبدو أن سيناريو 2018 يتكرر بحذافيره".

وأردف: "هذا مؤشر بالغ السلبية ويضعف من فاعلية الدور الكردي في المعادلة العراقية، ويحول البت في استحقاق الأكراد في رئاسة الجمهورية، إلى يد الكتل البرلمانية الأخرى".

وبين أنه "مفترض أن من يقرر مصير من سيتولى هذا المنصب السيادي، هم أكراد العراق بالدرجة الأولى".

ورأى جوهر أن "مضي الديمقراطي الكردستاني في محاولة الحصول على رئاسة الجمهورية، بعد أن حاز على حصة المكون الكردي في هيئة رئاسة مجلس النواب العراقي، عبر انتخاب شاخوان عبد الله، نائبا لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يمثل إخلالا بالتوازنات الكردية ليس فقط في بغداد، وإنما في الإقليم أيضا".

وتوقع أن يكون لذلك الأمر "تداعيات سلبية للغاية على الاستقرار السياسي في الإقليم وحتى في العراق ككل".

تداعيات خطيرة

وعلى الصعيد ذاته، يرى المختص بالشأن الكردي سامان نوح أن "استمرار الصراع بين الحزبين اللذين لم يحصلا مجتمعين سوى على 22 بالمئة فقط من أصوات الشارع الكردي في الانتخابات الأخيرة، سيولد تداعيات خطيرة".

وهذه التداعيات تضاف إلى الأزمات التي تضرب الإقليم، وقد تزيد من عوامل الانقسام الإداري القائم بين أربيل والسليمانية، وفق نوح.

وأوضح خلال تصريحات صحفية في 26 يناير 2022 أن "الأزمة تضع الكرد أمام سؤالين مهمين هما:

كيف سيكون رد الديمقراطي إذا خسر مجددا منصب الرئيس على الرغم من أنه يستحوذ على نحو نصف مقاعد الكرد في بغداد؟

وكيف سيكون رد الاتحاد إذا ما خسر هذا المنصب السياسي المؤثر، وهو لا يملك أي منصب يوازيه في الإقليم؟

وبين أن الاتحاد "قد يلجأ إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا، ومنها الانسحاب من حكومة الإقليم إذا ما شعر بأنه سيفقد ثقله سواء في الإقليم أو بغداد، لكن الوقت ما زال مبكرا لاتخاذ مثل هذه الخطوة".

وحذر الخبير من أن "إقليم كردستان يعاني غيابا للرؤية داخليا وعلى صعيد بغداد، في ظل ملفات شائكة يعانيها، وأبرزها عدم حل أزمة كتابة دستور للإقليم، وقانون الانتخابات ومصير الانتخابات الكردية المقبلة، في ظل برلمان غير مؤثر، إضافة إلى مشكلة الفساد والعجز في دفع رواتب موظفي الإقليم وزيادة في الضرائب.

ناهيك عن "الأزمات البنيوية الخطيرة على مستوى تردي الخدمات فيما يتعلق بالكهرباء والماء والوقود وغيرها".

من جانبه، يرجع أستاذ العلوم السياسة بجامعة الموصل محمود عزو، أسباب احتدام الصراع بين الحزبين الكرديين إلى طبيعة التنافس بين الأحزاب السياسية التي لا ترضى أن تكون في المعارضة، وبالتالي تطمح أن تكون لها حصة في النفوذ السياسي ضمن التشكيلة الحكومية.

وأضاف عزو خلال تصريحات صحفية في 24 يناير 2022 أن لمنصب رئاسة الجمهورية أهمية كبيرة في العراق؛ لما له من صلاحيات في تكليف رئيس الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة، فضلا عن صلاحياته في اقتراح القوانين على البرلمان وتمثيل البلاد في المحافل الدولية.