تقرير يؤكد عدوانية الإعلام البريطاني.. هل ينهي "شيطنة" المسلمين في الأخبار؟

رامي صباحي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار تقرير حديث صادر عن المجلس الإسلامي في بريطانيا حول النهج المعادي للمسلمين المسيطر على الإعلام المحلي ردود فعل مختلفة داخل البلاد وحديثا عن آثار قد تكون إيجابية.

وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، نشر المجلس تقريرا بعنوان "البث الإعلامي البريطاني عن المسلمين والإسلام (2018-2020)"، حول سياسة العداء المسيطرة على تغطية الأخبار المتعلقة بالمسلمين في بريطانيا، ما أثار جدلا متواصلا في البلاد.

وأسس المجلس الإسلامي البريطاني عام 1997، وهو أكبر منظمة للمسلمين في البلاد، ويحتضن ما يزيد عن 500 مسجد ومدرسة وجمعية خيرية وشبكات مهنية.

ويصف المجلس نفسه على موقعه الإلكتروني بأنه "مستقل يحصل على التمويل من رسوم العضوية"، في حين ذكرت مواقع، مثل "فويا سنتر" للأبحاث والاستشارات (مقره لندن)، أن الحكومة دعمت بعض برامج المجلس الخيرية في 2005 بـ150 ألف جنيه إسترليني.‎

الإسلام في بريطانيا

وفق آخر إحصاء بريطاني يشمل إنكلترا وويلز وإسكتلندا وأيرلندا الشمالية نشرته صحيفة ديلي ميل في نهاية 2016، وصل عدد المسلمين في البلاد إلى نحو  3.1ملايين شخص من إجمالي السكان البالغ 66.44 مليون نسمة.

ونقلت ديلي ميل عن المكتب الوطني للإحصاءات أن الإسلام هو أسرع الأديان انتشارا في البلاد، مقابل تراجع طفيف في أعداد المسيحيين. 

فيما تشير إحصاءات لموقع "إستاتيستا" العالمي منشورة في أغسطس/آب 2018 إلى توقعات بزيادة نسبة المسلمين في بريطانيا من 6.3 بالمئة في عام 2016 إلى 17.2 بالمئة بحلول 2050.

ولم يصدر عن الجهتين إحصاءات أحدث حول عدد المسلمين في بريطانيا.

ويشارك المسلمون في بريطانيا بالحياة السياسية بنشاط، ولهم حضور ملموس على مختلف المستويات، وحققوا في الانتخابات الأخيرة عام 2019 إنجازا عبر رفع مقاعدهم بالبرلمان إلى 18، بزيادة ثلاثة مقاعد عن انتخابات 2017.

ولا ينحدر أي من النواب الـ18 من أصول عربية، وغالبيتهم من أصول باكستانية وبنغالية، وكان أحدهم من أصل إيراني.

كما فاز مرشح حزب العمال صادق خان بانتخابات عمدة لندن في مايو/ أيار 2021 لدورة ثانية بعد أولى بدأها في 2016، كان حينها أول مسلم يصبح عمدة لمدينة في الاتحاد الأوروبي.

ويوجد 1200 مسجد في شتى أنحاء بريطانيا، وأقدمها يعود لعام 1860 في كارديف، عاصمة إقليم ويلز، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية في منتصف 2017.

بوادر إيجابية

وحلل التقرير الذي أعده مركز المراقبة الإعلامية بالمجلس الإسلامي أكثر من 48 ألف مقال و5500 تقرير إخباري تلفزيوني في الفترة بين أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وسبتمبر/ أيلول 2019.

وأظهر أن محتوى نحو 60 بالمئة من المقالات و47 بالمئة من الأخبار بشأن الإسلام والمسلمين في الإعلام البريطاني ذو مضمون سلبي.

وأوضح أن مقالة واحدة على الأقل من بين كل 5 مقالات حول الإسلام، تركز على الإرهاب أو التطرف، وتنم عن حكم مسبق كبير تجاه الإسلام والمسلمين.

وأكد التقرير على أنه يجري تعريف المسلمين بشكل خاطئ، ويتعرضون لتشويه سمعة وافتراءات.

وأورد 10 حالات اعتذار للرأي العام وتقديم تعويضات لمسلمين، على خلفية الأسباب المذكورة.

واستعرض التقرير أسماء أبرز الصحف التي تستهدف المسلمين، وفي مقدمتها "ذي سبكتاتور"، و"ميل أون صنداي"، و"كريستيان توداي"، و"جويش كرونيكال".

وأكد أن تلك الصحف تتناول مواضيع الإسلام والمسلمين بشكل عدائي على وجه الخصوص، وبشكل عام كانت وسائل الإعلام اليمينية أكثر انتقادا للإسلام من اليسارية.

وأثار تقرير المجلس الإسلامي البريطاني ردود فعل كثيرة في بريطانيا، تراوحت بين الهجوم والإقرار بصدق ما شمله من حوادث.

فتزامنا مع إعلان التقرير في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، نقلت صحيفة الغارديان عن "إيما تاكر" رئيسة تحرير صحيفة "صنداي تايمز" ترحيبها به وإقرارها أن الصحف البريطانية ارتكبت أخطاء في تغطيتها للمسلمين.

وقالت تاكر التي تولت رئاسة تحرير الصحيفة قبل عام إن "بعض الانتقادات الواردة بالتقرير صحيحة، وأختلف مع بعض ما ورد بها بكل احترام. لكن في النهاية كل شيء مفيد للمضي قدما".

غير أنها تجنبت انتقاد سلفها، مارتن إيفينز ، الذي قاد الصحيفة خلال الفترة التي غطاها التقرير، وقالت: "هو يركز على الماضي. أما وظيفتي هي التركيز على المستقبل. أريد تغطيتنا الإخبارية أن تكون عادلة ولكن خالية من الخوف".

ومع ذلك لفتت إلى أن المتابعين يعلمون جيدا حاليا أن الأيام التي كان يسيطر فيها على الصحيفة رجال من فئة البريطانيين البيض قد ولت.

وأضافت: "نعم لا يزال لدينا طريق نقطعه، لكن الأشخاص الذين يتخذون القرارات في غرفة الأخبار  حاليا هم انعكاس أدق للجمهور الذي يخدمونه".

أليسون فيليبس، رئيسة تحرير صحيفة "ذي مرور" كانت من بين المرحبين أيضا بالتقرير، وقالت تعليقا عليه إنه "يظهر كم يجب علينا كصحفيين أن نراجع أنفسنا والعمل الذي ننتجه فيما يتعلق بتغطية المسلمين والإسلام".

وأضافت وفق موقع المجلس الإسلامي: "من الممكن صياغة حجة ما، دون اللجوء إلى تحريف أو صور نمطية كسولة أو استغلال مخاوف غير مبررة بشأن مجتمع معين".

وأكدت أن الحساسية تجاه الآخرين لا تقلل من المهارات الصحفية ولا تقوض الموضوعية، بل من شأنها تحسين جودة العمل. وعلى كل من يعمل في الإعلام التأكد من أن المحتوى الذي يصنعه عادل ومسؤول.

هجوم أعمى

من جانبها، لفتت صحيفة الغارديان إلى أن مركز المراقبة الإعلامية بالمجلس الإسلامي البريطاني أسس من قبل مقداد فيرسي، وهو ناشط قضى سنوات في مطالبة وسائل الإعلام البريطانية بتغيير اللغة التي تستخدمها لوصف المسلمين.

وتعليقا على ذلك أشارت الغارديان في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بالتزامن مع إعلان التقرير إلى مقال نشره الصحفي تشارلس موور في موقع "ذي سبكتاتور" انتقد فيه "تاكر" على وقوفها إلى جانب "فيرسي" في الترويج للتقرير.

وزعم موور أن فيرسي "يمارس ضغطا من أجل معاملة خاصة للمسلمين، محاولا أن يجعل الصحافة الحرة مستحيلة، عبر التحكم فيما يمكن كتابته عن الإسلام".

بينما يؤكد معدو التقرير، وفق الغارديان، أنهم لا يرغبون في تغطية غير انتقادية للمسلمين، لكنهم يسعون إلى تحسين جودة التقارير الإعلامية.

"فحتى القصص التي تتحدث عن مسلم قد حقق شيئا جديرا بالملاحظة يتم تأطيرها وفق القيم الليبرالية الغربية دون مراعاة العقيدة والتقاليد الإسلامية"، تضيف الغارديان.

فيما نقل موقع المجلس الإسلامي عن معدي التقرير أنه لا يسعى إلى إلقاء اللوم على أي وسيلة إعلام أو صحفي، ويجب على الإعلاميين الترحيب بهذا التدقيق، والاهتمام بهذه التوصيات لتحسين المعايير الصحفية.

وأضاف الموقع في تعريفه بالتقرير: "لا ينبغي أن يكون المسلمون ولا الإسلام في مأمن من النقد أو الاستفسار، إذا كان ذلك مبررا، وننتظر أن يتم ذلك بشكل عادل وبعناية كافية، دون اللجوء إلى الاستعارات والتعميمات البالية".

وأكد أن التقرير يعد دراسة ذات قيمة للمجتمع الأكاديمي ولغرف الأخبار والصحفيين، وسيعمل على تحسين التغطية الإخبارية حول المسلمين ومعتقداتهم في السنوات القادمة.

تأطير النجاح

وتعد مقابلة رئيسة المركز الإسلامي البريطاني زارا محمد (29 عاما) مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في فبراير/ شباط 2021، من أبرز الحوادث التي تظهر كيفية تحريف الإعلام البريطاني للوقائع المتعلقة بالمسلمين، سيما النجاحات، ومحاولة التقليل منها وتأطيرها وفق القيم الغربية.

فبعد 3 أيام من انتخابها مطلع فبراير/شباط 2021، لتكون أول امرأة ترأس المجلس الإسلامي منذ تأسيسه، أجرى برنامج "ساعة مع المرأة" في محطة "بي بي سي 4" مقابلة مع محمد، كانت عدائية بشكل لافت.

وهو الأمر الذي دفع أكثر من 100 سياسي وكاتب وشخصيات بارزة بريطانية أخرى للتوقيع في الأيام التالية على رسالة تشكو من "سوء معاملة" زارا في البرنامج.

وأكدت الرسالة التي نشرها موقع "بي بي سي" في 18 فبراير/شباط أن مذيعة البرنامج إيما بارنيت بدت "عازمة على إعادة تعزيز الصور والمفاهيم المتحيزة والمضرة عن الإسلام".

وعارضت الرسالة، على وجه الخصوص، "إصرار" المذيعة بارنيت على سؤال رئيسة المجلس الإسلامي عن عدد الأئمة الإناث في بريطانيا.

وجاء في الرسالة "رغم قول محمد المتكرر إن الجانب القضائي الديني ليس ضمن معايير دورها في قيادة منظمة مجتمع مدني، طرحت بارنيت السؤال عن الأئمة أربع مرات، وفي كل مرة كانت تقاطع زارا خلال إجاباتها".

وشددت على أن "المساواة الخاطئة بين وضع الأئمة، والحاخامات، والكهنة، بالنسبة إلى دين ليس فيه كهنوت أو رجال دين، يعكس نقصا أساسيا، وأمية دينية يجب محوها في التعامل مع الجاليات البريطانية المسلمة".

وانتقدت الرسالة "نقص التمثيل" داخل بي بي سي، وطالبت بتوظيف مسلمين في مناصب قيادية بالمؤسسة، لافتة إلى أن الشبكة البريطانية "بحاجة إلى النظر في طريقة تعاملها مع المسلمات وتمثيلهن".

وعلى عكس المطلوب، أجرت "بي بي سي" في 10 فبراير/شباط 2021 تغييرات على هيكل مجلس إدارتها، تضمنت الاستغناء عن مدير التحرير صاحب الأصول السودانية كمال أحمد، في خطوة اعتبرتها صحف بريطانية تنتهك قواعد تمثيل الأقليات العرقية في المؤسسة

فيما علقت "بي بي سي" على الرسالة بأنها سترد على ذلك في الوقت المناسب.

وبعد المقابلة، أعادت المذيعة بارنيت نشر مقطع للبرنامج من هذا الجزء من المقابلة عبر تويتر، قائلة: "ما زال لدي سؤال، وأود أن أعرف بصدق عدد الأئمة من الإناث".

لكن "بي بي سي" حذفت في وقت لاحق ذاك المقطع من تويتر، معتبرة أنه "كان يجب أن يتضمن المزيد من المقابلة الإذاعية لتوفير السياق الكامل للمناقشة".

آثار التقرير

وحول الآثار المتوقعة للتقرير، قال المحلل في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، إنه يمثل تطورا مهما في سياق تعبير مسلمي بريطانيا عن أنفسهم إزاء المشهد الإعلامي المتحامل عليهم، خاصة مع وزن المؤسسة التي أصدرته، والمهنية التي يتمتع بها.

وأضاف شاكر لـ"الاستقلال" أنه يتوقع أن يكون للتقرير تأثيرات على المدى البعيد تعزز الاتجاه المهني المسؤول في تناول المسلمين بالإعلام البريطاني، لأنه سيشعر القائمين على الإعلام أن ما يقدمونه له أهمية خاصة ومرصود بشكل مهني.

وتابع: كما يتميز التقرير باشتماله على تصورات يمكن أن يؤسس عليها تدريجيا في تمكين الإدارات الإعلامية في تحسين الأداء المهني المتعلق بالإسلام، ووجود هكذا جهة من جانب المسلمين تقدم مقترحات تصحيحية، سيضيق الخناق على خطاب التحامل والتحيز.

ومن أهمية هذا التقرير أيضا، وفق شاكر، أنه سيجذب انتباه باحثين آخرين ومؤسسات مجتمع مدني لرصد هذا التحيز ومحاولة معالجته واقتراح حلول له، ليس فقط في بريطانيا، بل مرجح انتقال التأثير إلى بقية الدول الأوروبية أيضا.

ومع ذلك رأى شاكر أن هذا لا يعني حدوث تحسن سريع وجوهري في المضامين الإعلامية حول المسلمين، لأن الأمر يتعلق بنهج متكرس لم يخضع للتصحيح، ومؤسسات وسياسيين وأفراد يقتاتون من صناعة الإسلاموفوبيا.

 ويحتاج الأمر إلى تطوير ثقافة في التناول الإعلامي مختلفة عما هو معتاد، وفق شاكر.

كما لفت إلى انعكاس هذه المضامين المنحازة على شبكات التواصل الاجتماعي نظرا لأنها مسرح للاستقطابات، لكن الأخيرة أكثر حدة وتطرفا، وهذا إشكال كبير.

ويدعم كلام شاكر إعلان صحيفة "الإندبندنت" في تقرير لها 4 ديسمبر/ كانون الثاني 2021، أن المسلمين في المملكة المتحدة تعرضوا إلى 2703 جرائم كراهية دينية في 2021 فقط.

 وهذا الرقم يشكل 45 بالمئة فقط من جميع جرائم الكراهية الدينية المسجلة، وفق إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية.