استثنت 21 زعيما عربيا من "قمة الديمقراطية".. هل غيرت واشنطن إستراتيجيتها؟

12

طباعة

مشاركة

بعد قرابة عام على تسلمه الحكم، قوبل الرئيس الأميركي جو بايدن بهجوم حاد في وسائل الإعلام المحلية التي اتهمته بالتراجع عن وعوده بشأن عقاب ونبذ الحكام الديكتاتوريين في العالم العربي خصوصا.

وفيما سبق، كان بايدن قد وصف رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي بأنه "ديكتاتور" لكنه تواصل معه هاتفيا مرتين، وسمح باستمرار المعونة العسكرية لنظامه.

كما أكد أنه سيعمل على "نبذ" ولي العهد السعودي محمد بن سلمان و"منع" صفقات السلاح للسعودية، بسبب القمع واغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ثم أقر صفقة لبيع 280 صاروخا جو-جو للمملكة في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وعلى ما يبدو، فعقب الانتقادات الموجهة لبايدن، قررت الإدارة الأميركية أخيرا التحرك، إذ علقت واشنطن جزءا يسيرا من المساعدات العسكرية لمصر للضغط عليها، واستضافت معارضين لمحمد بن سلمان كان آخرهم المسؤول الاستخباراتي السعودي السابق سعد الجبري.

ووصف الجبري ابن سلمان بأنه "سفاح" و"مختل عقليا" في لقاء على برنامج "60 دقيقة" بقناة "سي بي إس" الإخبارية الأميركية في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وتجنب بايدن ورفض لقاء السيسي وابن سلمان في عدة مناسبات أبرزها قمة المناخ في إسكتلندا واجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة.

وجاء تقرير الخارجية الأميركية 2021 حول الحريات وحقوق الإنسان، متضمنا انتقادات عنيفة للقمع في هذه الدول العربية.

التطور الأهم الذي ربما يشير إلى عودة بايدن للوفاء بوعوده، تمثل في عقد "قمة الديمقراطية" في 9 و10 ديسمبر/كانون الثاني 2021 في واشنطن بحضور 100 دولة، واستبعاد كل الأنظمة الديكتاتورية العربية منها.

بحسب تسريب أسماء الدول الحاضرة الذي نشره موقع "بوليتيكو" الأميركي 4 نوفمبر/ تشرين ثان 2021، تمت دعوة دولة عربية واحدة هي العراق، في حين تجاهل بايدن أبرز حلفاء أميركا الرئيسيين في مصر ودول الخليج.

تونس التي كانت تعتبرها واشنطن "ديمقراطية واعدة" جرى استبعادها أيضا، بعد انقلاب الرئيس قيس سعيد على الحكومة والبرلمان. 

لا انسحاب

هذا التطور المتمثل في إعادة التشدد الأميركي مع الأنظمة القمعية العربية، وخصوصا قادتها، قد يكون عدولا من جانب واشنطن عن خطتها للانسحاب كليا من الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

إدارة بايدن أعلنت بوضوح في الخطة الاستراتيجية لسياستها الخارجية أوائل العام الجاري 2021، سعيها للتركيز على الصراع مع الصين وروسيا.

لكن تحركاتها الأخيرة ربما تشير لعدولها عن الانسحاب من المنطقة، وتشكيل إستراتيجية بديلة ضد الأنظمة القمعية العربية التي تنعكس ممارساتها السلطوية على أمن ومصالح واشنطن في المنطقة.

ربما لهذا توقع المعارض المصري أيمن نور، أن تشهد الأيام المقبلة "إعادة ترتيب تحالفات إقليمية ودولية تضع أنظمة استبدادية عربية أمام خيار من خيارين: إما أن تُغير، أو تَتغير".

وحين أعلنت الإدارة الأميركية عن "قمة للديمقراطية" ديسمبر/كانون أول 2021، ذكرت أن هدفها "وضع أجندة للتجديد الديمقراطي والتصدي لأكبر التهديدات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم".

بدلا من دعوة قادة هذه الأنظمة القمعية، تم الكشف عن دعوة منظمات المجتمع المدني التي تطاردها هذه الأنظمة.

خلال اجتماع في 4 نوفمبر/تشرين ثان 2021 مع "دعاة المجتمع المدني"، قرأ مسؤولو الإدارة قائمة الحكومات التي ستتم دعوتها وقالوا إنه سيكون هناك ما لا يقل عن 17 حدثا جانبيا رسميا معتمدا خلال القمة، وفقا لموقع "بوليتيكو".

رغم هذا أعربت منظمات المجتمع المدني عن إحباطها المتزايد مما تعتبره دورا هامشيا لها في التجمع العالمي.

وشارك العديد من قادة المنظمات غير الحكومية والناشطون الآخرون رسائل للضغط على البيت الأبيض لإشراك المزيد منهم.

وضمن المبادرات التي تحدثت عنها تسريبات موقع بوليتيكو لأجندة القمة، مناقشة فريق بايدن خلال القمة إنشاء تحالف دولي لتعزيز حرية الإنترنت يسمى "التحالف من أجل مستقبل الإنترنت".

أحد أسباب إطلاق مثل هذا التحالف بقيادة ديمقراطية هو مواجهة صعود "رؤية بديلة للإنترنت كأداة لسيطرة الدولة التي تروج لها القوى الاستبدادية مثل الصين وروسيا"، وتنفذها غالبية الأنظمة القمعية العربية.

تستهدف واشنطن من القمة بناء تحالف دولي ديمقراطي يواجه نجاح الدول غير الديمقراطية، خاصة الصين وروسيا، في مجالات اقتصادية وتنموية وعسكرية وتكنولوجية، ويستقطبون بموجبها أنظمة عربية قمعية. 

حرمان واستبدال

كان إعادة إحياء إدارة بايدن للحوار الإستراتيجي الأميركي المصري الموقوف منذ عام 2015، علامة استفهام حول كيف يتم حرمان مصر من حضور قمة الديمقراطية، ورفض الرئيس الأميركي لقاء السيسي عدة مرات، ثم التنسيق معها إستراتيجيا؟

 استضافة الخارجية الأميركية وفدا مصريا برئاسة وزير الخارجية سامح شكري، بالتزامن مع استبعاد مصر من قمة الديمقراطية، طرح تساؤلات حول وجود "فصام" في الموقف الأميركي.

حرصت السفارة الأميركية بالقاهرة على التأكيد، في بيان عودة الحوار الإستراتيجي أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سيبحث مع نظيره شكري يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني، مسألة حقوق الإنسان.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، حرص بلينكن مع شكري على تأكيد أن "واشنطن ستعمل على تعزيز حرية التعبير والصحافة في مصر".

كما أكد المتحدث باسم الخارجية نيد برايس في الإيجاز الصحفي بحث ما يجب على مصر فعله في مجال حقوق الإنسان كي تنال المبلغ المجمد من المعونة العسكرية (130 مليون دولار).

لكن هناك فارقا بين دعوة واشنطن لاستئناف الحوار الإستراتيجي مع "الدولة المصرية"، لتحقيق مصالح مشتركة لأميركا، وبين رفضها التعامل مع "قادة عرب"، من بينهم السيسي وابن سلمان.

بعبارة أخرى ترسل واشنطن عبر هذه المواقف المختلفة رسائل محددة لمصر تشير لأن الولايات المتحدة لا ترفض التعامل معها كـ "دولة" لها مصالح معها، وإنما ترفض التعامل مع قادتها المنبوذين لإضرارهم بالعلاقات بين البلدين.

الأمر نفسه حدث مع تونس، حيث جرى عقاب قيس سعيد بعدم دعوته، بعد انقلابه، لكن تواصلت برامج التعاون بين "الدولة" التونسية والولايات لمتحدة.

واشنطن قررت عدم دعوة النظام التونسي، لكن الاتصالات والزيارات لم تنقطع بين الدولتين، مثل زيارة وفد أميركي برئاسة نائب مستشار الأمن القومي جون فاينر تونس 13 أغسطس/آب 2021.

السفير الأميركي الأسبق بتونس غوردون غراي أكد في 5 نوفمبر/ تشرين ثان 2021 أن تونس ليست مدعوة لقمة الديمقراطية، والسفارة الأميركية أكدت هذا ملمحة لمسؤولية "سعيد"، ما أغضب التونسيين من قائد الانقلاب بقصر قرطاج.

يشكل هذا ضغطا متزايدا على "النظام" بعد انتكاسات متتالية سجلها خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2021 بدأت برفض عقد قمة الدول الفرنكفونية في تونس.

ثم تحذير أميركي من "وضع الديمقراطية" في تونس، ومناقشة الكونغرس للانقلاب، ثم استبعادها من القمة المذكورة.

أثر استبعاد السلطويين

سيكون لتعمد إدارة بايدن استبعاد "قادة" دول ديكتاتورية عن قمة الديمقراطية، دون وقف التعاون مع "الدولة"، أثار مختلفة تُضعف هؤلاء الحكام وقد تزيد الضغوط عليهم داخليا وخارجيا.

السيسي استشعر هذا مبكرا منذ رفض بايدن لقاءه في دورة الأمم المتحدة سبتمبر/أيلول 2021 والتي غاب عنها لهذا السبب.

ثم رفض بايدن لقاءه مجددا في قمة المناخ، لذا بادر بإجراءات تبدو كأنها استجابة لمطالب واشنطن الحقوقية.

بعد تجميدها 10 سنوات، سرعت القاهرة وتيرة التحقيق مع المتهمين في قضية "التمويل الأجنبي" للمنظمات الحقوقية المصرية المعلقة.

 فخلال ثلاثة شهور تم تبرئة 75 منظمة تضم 120 شخصا، بعد مطالبة واشنطن بذلك.

ثم إطلاق إستراتيجية لحقوق الإنسان، والحديث عن سجون على الطراز "الأميركي" لمغازلة واشنطن، وإطلاق سراح قرابة 10 معتقلين من المشاهير على فترات.

مع هذا وصلت الرسالة للسيسي بأن هذا غير كاف، في قرار استبعاده من قمة الديمقراطية، وكرسالة بأن ما فعله مجرد إجراءات "دعائية"، وضرورة بدء خطوات حقيقية للتنفيس السياسي وإطلاق معتقلين.

ولي العهد السعودي ابن سلمان بدأ بالتزامن مع استبعاده من قمة الديمقراطية إطلاق بعض العلماء المعتقلين، وزيادة وتيرة وجرعة الترفيه (بكيني وشذوذ وتسريبات عن السماح بالخمور في نيوم)، وهو أثر مباشر يبين استجابته لضغوط استبعاده.

وخلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ترددت أنباء عن إطلاق عدد غير معروف من العلماء الذين اعتقلهم ابن سلمان في وقت سابق.

قيل إن من بينهم إمام وخطيب الحرم المكي صالح آل طالب الذي سبق أن خطب عن الظلم والظالمين، فتم سجنه.

وبعد عام تقريبا من قمة ديسمبر/كانون أول 2021، "الافتراضية"، سيستضيف الرئيس بايدن قمة ثانية 2022 "وجها لوجه" بحضور شخصيات تُدعى إلى واشنطن لتقييم التقدم المحرز (في القمة الأولى) وصياغة مسار مشترك في المستقبل.

قد يغري ذلك الأنظمة المستبعدة ويدفعها للتركيز على إرضاء إدارة بايدن لحجز مقاعد لها في القمة الحقيقية وجها لوجه، وتحقيق أملهم في مصافحته.

مؤشر الديمقراطية 

اختيار واشنطن العراق لحضور القمة دون بقية الدول العربية، ربما له علاقة بـ "مؤشر الديمقراطية".

فالعراق جاء في مؤشر عام 2020 الذي نُشر في الثاني من فبراير/شباط 2021 في مركز متقدم على مصر ودول الخليج.

"مؤشر الديمقراطية"، التابع لمجموعة إيكونوميست البريطانية، تحدث عن "عام سيئ جديد للديمقراطية في العالم العربي"، وتراجعها.

من بين 18 دولة عربية (بجانب إسرائيل وإيران) صنف المؤشر 17 دولة على أنها Authoritarianism (حكم سلطوي) بالشرق الأوسط، باستثناء تونس التي صنفها Flawed Democracy أو (ديمقراطية معيبة).

والمفارقة أن العراق الذي دُعي للقمة، صنف ضمن أنظمة الحكم السلطوي، لكنه جاء في المركز الثامن شرق أوسطيا، وبالمركز السابع على 18 دولة عربية.

كانت مفارقة أخرى أن يسبق العراق في ترتيب عام 2020 ست دول عربية، ومع هذا لم تتم دعوة تلك الدول لقمة بايدن.

بحسب التقرير جاءت مصر في المركز الـ 12 من أصل 20 دولة وهو نفس ترتيبها تقريبا عامي 2018 و2019. 

تحدث المؤشر عموما عن حالة "تخلف ديمقراطي" في الدول العربية منذ إجهاض الربيع العربي.

ويقيس "المؤشر"، الديمقراطية بناء على مدى التزام الدول بمعايير معينة كالعملية الانتخابية والتعددية، أداء الحكومة، المشاركة والثقافة السياسية، الحريات المدنية. وبناء على هذه المعايير يتم تقييم الدول من 0 إلى 10.

حصلت تونس على 6.59 درجة من 10 في مؤشر 2020، يليها المغرب ثم لبنان وفلسطين والجزائر والكويت، بينما مصر 2.93 فقط من 10، وتليها الإمارات ثم السودان فالبحرين والسعودية في المرتبة 16 من 18 دولة عربية.

قد يكون اختيار واشنطن لدعوة العراق فقط من الدول العربية له علاقة بالانتخابات العراقية الأخيرة التي أشادت بحريتها الإدارة الأميركية رغم احتجاجات أطياف سياسية مختلفة عليها ووصول الأمر لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

العراق، كما وصفه الكاتب الأميركي فريد زكريا "نموذج ديمقراطي ناجح"، عكس أفغانستان.

كلاهما خرج من تحت الاحتلال الأميركي لكن العراق شق طريقه بينما عادت أفغانستان إلى يد طالبان مرة أخرى، بحسب التصنيف الأميركي.

زكريا قال بوضوح في مقال بجريدة واشنطن بوست 14 أكتوبر/تشرين أول 2021 بعنوان "النجاح الذي لا ينال حقه من التقدير: الديمقراطية العراقية"، أن سقوط أفغانستان المأساوي، أظهر فشل أميركا لكن تجربة العراق بيضت وجهها.  

وقال: "حدث شيء مهم في العراق، الذي حاولت فيه واشنطن تجربة إعادة بناء الدولة على مدى العقدين الماضيين" وكانت الانتخابات نزيهة وحرة ما يعني أن العراق على موعد مع سادس انتقال سلمي للسلطة منذ عام 2004.

تحدث عن "زلزال سياسي"، واعتبر الانتخابات "هزيمة للمليشيات وانتصارا للدولة العراقية"، بسبب "الصعود الواضح للمشاركة السنية في العملية السياسية"، قبل أن تجرى محاولة اغتيال رئيس الوزراء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.