رغم سيطرة نظام السيسي عليها.. كيف تمنع نقابات مصر تمرير التطبيع إلى الشعب؟
رغم أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كان أول من سقط في بئر التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، فإن الشعب المصري رغم مرور 43 عاما يرفض السقوط في هذا الوحل، رغم الانضمام الحديث لـ5 دول عربية أخرى فيه.
هذه الحقيقة أكدها تقرير أمني إسرائيلي، اتهم النقابات المهنية المصرية بعرقلة مسارات التطبيع الشعبي مع إسرائيل منذ توقيع السادات اتفاقية "كامب ديفيد" 1978.
وأرجع التقرير الصادر عن "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" سبب استمرار هذا الوضع حتى الآن إلى سيطرة سابقة لجماعة الإخوان المسلمين وتيار اليسار المصري على النقابات المهنية لسنوات، وإن غابوا عنها منذ الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي عام 2013.
تجريم التطبيع
التقرير المنشور في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أكد أن معظم المعارضة المصرية للتطبيع تأتي من النقابات المهنية، "التي تمثل ملايين العمال على مر السنين".
وبين أن النقابات المهنية "منعت أعضاءها من التورط في التطبيع وفرضت عقوبات على الجناة".
وأوصى السلطات الإسرائيلية بالبحث عن طرق لتحقيق "تطبيع شعبي" مع المصريين على مستوى القطاعات المختلفة.
ولفت إلى أهمية التطبيع عبر شركات مصرية، ورجال أعمال مصريين، ومحاولة التطبيع مع الاتحادات المهنية المصرية، والجماعات المختلفة تحت دعوى "تحقيق المصالح المتبادلة".
وأضاف: "أدت هذه الممارسة إلى ردع الأفراد والشركات عن تطوير العلاقات الاقتصادية وغيرها مع إسرائيل، خشية أن يضر ذلك بوضعهم المهني وأعمالهم في مصر والعالم العربي، في وضع تجذر مع الموافقة الصامتة للسلطات، كجزء من سياسة السلام الباردة".
وأكد أن "جوهر معارضة التطبيع مع إسرائيل كان جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب المنظمات العربية واليسارية".
وفي رصده أوضح التقرير أن "الإخوان المسلمين بدأوا المشاركة في الانتخابات النقابية عام 1984، وفازوا بالعديد من المقاعد، وتقلدوا مناصب رئيسة".
وبين أن الإخوان "حددت النغمة تدريجيا في نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين والعلماء والمهندسين الزراعيين والصحفيين والتجار".
ولفتوا أيضا إلى أنه جرى "تفسير معارضتهم للتطبيع على أنها تضامن مع الفلسطينيين، وكذلك خوفا من هجوم اقتصادي وثقافي إسرائيلي".
وتحدثوا عن دور الإخوان عبر النقابات في التحذير "من تدفق النفوذ الإسرائيلي الأجنبي السام إلى مصر قلب العالم العربي والإسلامي، مما سيفسد قيمها ويستعبد مواردها".
كما أشار التقرير إلى أنه مع عدم تقدم التطبيع الشعبي فإنه على الجانب الآخر هناك تقدم على مستوى التبادل التجاري واتفاقيات الغاز والسياحة وغيرها مع مصر.
ولفت إلى أن التجارة بين البلدين في الأشهر التسعة الأولى من 2021 بلغت 162 مليون دولار، بدون ملف الغاز، إذ تتركز معظم التجارة بقطاعات المنسوجات، والأغذية، والجلود والكيماويات، مع سعى مصري لتنشيط صادرات مواد البناء لإسرائيل.
وذلك وفقا لاتفاقية "الكويز" التي وقعتها القاهرة وتل أبيب وواشنطن عام 2004، بهدف فتح الأسواق الأميركية أمام الصادرات المصرية خاصة المنسوجات، شريطة احتوائها على مكون إسرائيلي بنسبة لا تقل عن 10.5 بالمئة.
ولكن مع قيام ثورة يناير/كانون الثاني 2011، تراجعت بشكل لافت العلاقات التجارية بين مصر وإسرائيل، إلا أنه جرى تنشيطها في عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي.
ففي أبريل/نيسان 2016، استقبلت القاهرة وفدا تجاريا إسرائيليا لإعادة العلاقات التجارية.
أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق، أحمد رامي الحوفي، يقول: "التقرير أشعرني بنتيجة جهود نقابيين شرفاء وقفوا للتطبيع بالمرصاد ووضعوا أسسا لمنعه ومواجهته وتجريم فعله، وأسعدني أننا كنقابيين مازال لنا أثر كبير يؤرق الصهاينة، رغم سيطرة النظام على النقابات".
ويؤكد الحوفي، لـ"الاستقلال"، أن "التقرير دقيق في مضمونه رغم الجهة الصادرة منه، إذ إن كل النقابات المهنية بلا استثناء لديها قرارات أصدرتها جمعياتها العمومية كأعلى سلطة نقابية تجرم التطبيع وتوقع عقوبة الشطب على مرتكبها".
"وغني عن البيان أن كل هذه القرارات كانت في فترة بالفعل كما يقول التقرير الإسلاميين والإخوان في النقابات المهنية بلا استثناء، بينما كانت نقابة الصحفيين فقط فيها تيارات مختلفة بينها تيار اليسار وبعض الإسلاميين"، يوضح الحوفي.
ويلفت إلى أن "كل هذا التواجد ترجم موقف الشعب المصري حينها عبر جمعيات عمومية جميعها اتخذت قرارات ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني".
وأشار إلى أن "نقابات الأطباء تحديدا لديها ذات القرارات ككل النقابات بأن من يرتكب جريمة التطبيع يعاقب بالشطب من مزاولة المهنة".
في هذا الإطار يقول عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين الأسبق، قطب العربي، إن "النقابات المهنية وجمعياتها العمومية كانت سباقة لمواجهة التطبيع في مصر، ويبرز هنا دور نقابات الصحفيين والمحامين والأطباء والمهندسين واتحاد النقابات الفنية الأربعة".
هل يفعلها النظام؟
الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في مصر سابقا، يوضح لـ"الاستقلال"، أن "النقابات المصرية أخذت قرارات من جمعياتها العمومية برفض التطبيع، ومساءلة ومعاقبة أي عضو يخالف تلك القرارات، في موقف ظل صامدا حتى اللحظة وحتى بعد انقلاب 2013".
ويؤكد أنه "جرى تجديد هذا الموقف في جمعية عمومية لنقابة الصحفيين بعد الانقلاب العسكري، رغم أن النقيب والمجلس داعمين لسلطة الانقلاب؛ ولكن هذه المسألة حساسة في أوساط الصحفيين".
التقرير الأمني الإسرائيلي الذي يلوم النقابات المهنية المصرية وجماعة الإخوان المسلمين وتيار اليسار لإعاقتهم التطبيع الشعبي المصري، يأتي بعد نحو عام من موجة التطبيع العربي مع الكيان المحتل.
تلك الموجة التي بدأتها الإمارات 13 أغسطس/آب ثم البحرين 11 سبتمبر/أيلول والسودان 23 أكتوبر/تشرين الأول والمغرب ديسمبر/كانون الأول وجميعها عام 2020، تخللها عمليات تطبيع شعبي إماراتية وبحرينية وخليجية فجة، أغضبت الفلسطينيين ورافضي التطبيع من العرب.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، وقع أكثر من 500 صحفي مصري على قرار بحظر التطبيع مع إسرائيل وطالبوا مجلس نقابتهم بتأكيد قرارات الجمعية العمومية للنقابة لرفضه بكل صوره وأشكاله.
وهنا يلفت الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الأميركية محمد المنشاوي، إلى خطورة الواقع الحالي على العقل الجمعي العربي في ظل موجات التطبيع العربي.
المنشاوي، كتب بصحيفة "الشروق" المحلية: "يحاول المطبعون الجدد إقناع شعوبهم العربية بأن هناك أخطارا تهددهم وتهدد إسرائيل معهم مثل الخطر الشيعي، وخطر تنظيم الدولة والإرهاب... من هنا وجب علينا (نحن وإسرائيل) مواجهة هذه الأخطار معا".
وأضاف: "من هنا نحن نشهد اليوم أخطر مراحل الدفع المتعدد المنصات تجاه تبني خطوات وسياسات تطبيعية تتجاوز كل ما سبق".
ولفت إلى أنه "من واشنطن يزداد الحديث عن (التحالف العربي الإسرائيلي) كواقع جديد، وهو ما يمثل وسيلة ضغط مباشرة وفعالة على العقل الجمعي العربي للتأقلم على وضع مخالف لما آمنت به شعوب العرب لعقود".
وبشأن خطورة توغل التطبيع واحتمالات فرض النظام له على النقابات المهنية، يعتقد رامي الحوفي، أن "قرارات النقابات سارية، وإلغاؤها يقتضي عقد جمعيات عمومية تأخذ قرارات معاكسة؛ ومن الصعب دعوة مجالس النقابات لجمعيات يكون على جدول أعمالها استصدار قرار يشجع التطبيع".
في تقديره لمدى قدرة النقابات المهنية على الصمود أمام موجات التطبيع التي ترغب بها إسرائيل وخاصة في ظل واقع آني من سيطرة النظام على جميع النقابات بطرق مختلفة، يلمح النقابي المصري، إلى أن "النظام غير قادر على تغيير قرارات الجمعيات العمومية للنقابات حول هذا الأمر".
أيضا، يعتقد قطب العربي، أنه "من الصعب على النظام أن يُجبر النقابات على التخلي عن هذا القرار".
ويلفت إلى أن "موقف النقابات المهنية القوي الرافض للتطبيع يمكن لبعض أطراف داخل النظام الاستفادة منه في علاقاتها مع إسرائيل؛ وبالتالي أظن أنه ليس من مصلحة القاهرة الضغط على النقابات المهنية لتغيير هذا الموقف".
ويستدرك: "لكن هذا الأمر ربما يتغير الأمر إذا كانت هناك ضغوط إسرائيلية قوية أو عروض وإغراءات، أو حاجة النظام لبعض المساعدات والدعم من إسرائيل؛ عندها ربما يضغط على بعض النقابات لتغيير مواقفها لتكون بداية تتبعها لاحقا نقابات أخرى".
مع ما يؤكده التقرير عن أدوار النقابات المهنية وجماعة الإخوان المسلمين وتيار اليسار المصري في مقاومة التطبيع إلا أن هناك وقائع مخجلة أثارت غضب المصريين، منها للممثل محمد رمضان، ولمهرجان الجونة السينمائي، وغيرها من المواقف المثيرة للجدل.
شذوذ عن الطريق
ففي ظل موجة الغضب الفلسطيني العربي من التطبيع، أثار مهرجان "الجونة السينمائي" بدورته الرابعة في مصر (23- 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2020) غضب المصريين لتكريمه الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو، المؤيد لإسرائيل.
ومثل ديبارديو وأنتج فيلما دعائيا يدعو يهود العالم "لإعادة اكتشاف جذورهم التاريخية في أرض الميعاد (فلسطين المحتلة)".
وفي نوفمبر/تشرين الأول 2020، صدم الممثل المصري محمد رمضان الجميع بصور يعانق فيها المطرب الإسرائيلي عومير آدام، ويحمل رائد الأعمال الإسرائيلي إيلاد تسلا في دبي.
وبرغم قرار اتحاد النقابات الفنية في مصر وقف رمضان عن العمل لحين التحقيق إلا أنه لم تصدر أي عقوبة ضده، وقدم مسلسله الرمضاني في أبريل/نيسان 2020، وعاد لإقامة حفلاته الغنائية بشكل طبيعي.
ولكن عندها أظهر الشعب المصري موقفه الثابت والقوي من رفض التطبيع ولفظ كل من يتقرب من إسرائيل، بل واتهمه بالخيانة لقضية العرب والعمالة للكيان المحتل.
مشهد التطبيع الثقافي والفني كان قد ظهر أيضا، بمهرجان "كارفان" للفنون بالقاهرة 15 مارس/آذار 2016، بمشاركة فنانين تشكيليين إسرائيليين بالمهرجان الذي جرى تحت شعار: التقريب بين الأديان عن طريق الفن.
وارتبطت أسماء بعض الممثلين المصريين الآخرين بالتطبيع مع شخصيات فنية في أعمال بالسينما العالمية، بينهم الممثلة بسمة، إثر اشتراكها بالموسم الثالث من المسلسل الأميركي "TYRANT"، عام 2016، بمشاركة الممثلة الإسرائيلية موران أتياس.
وكذلك الممثل خالد أبوالنجا، الذي اتهم أيضا بالتطبيع عام 2013 لمشاركته بفيلم "عيون الحرامية"، معلنا حينها أن "موضوع التطبيع فكر متخلف وأفكار بالية".
أيضا المغني عمرو دياب، واجه تهمة التطبيع عام 2012، إثر اتهام المؤلف أيمن بهجت قمر له ببيع أغانيه لإحدى شركات روبرت مردوخ الإسرائيلي، وكان قد واجه نفس الاتهام عام 2009، إثر مشاركته بمهرجان مغربي بحضور مطربة إسرائيلية.
كما طالت الممثل خالد النبوي اتهامات التطبيع بمشاركته بالفيلم الأميركي "اللعبة العادلة"، مع الممثلة الإسرائيلية ليزار شاهي، عام 2010.
عمرو واكد، كذلك طالته تلك الانتقادات باشتراكه في الفيلم البريطاني "بين النهرين" عام 2007، الذي يناقش حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والذي جسد دور ممثل إسرائيلي، ما دفع لجنة التحقيقات بنقابة المهن السينمائية لشطبه.
ومن أشهر المروجين للتطبيع الرياضي المتحدث باسم اتحاد كرة القدم المصري الراحل عزمي مجاهد، والذي أبدى في 16 فبراير/شباط 2016، قبولا لمشاركة مصر في البطولات في تل أبيب.
وفي المجال الأكاديمي، زار المؤرخ المصري وعضو حزب "الوفد" ماجد فرج، تل أبيب مايو/أيار 2015، وعقد سلسلة لقاءات مع مثقفين وأكاديميين إسرائيليين.
ومن الصحفيين رئيس تحرير مجلة أكتوبر حسين سراج، الذي زار تل أبيب 25 مرة، والتقى المسؤولين الإسرائيليين، وشارك بحفلات السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وترجم عددا من الكتب الإسرائيلية ونشرها بمجلته.
نقابة الصحفيين من جانبها أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2010، قرارا بمنعه من الكتابة ثلاثة أشهر لمخالفته قرار الجمعية العمومية للصحفيين بمنع التطبيع مع إسرائيل أو السفر إليها.
وفي 23 فبراير/شباط 2016، نشر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، صورة له مع الصحفي المصري رامي عزيز خلال زيارته إسرائيل ضمن وفد من الصحفيين العرب.
ومن الإعلاميين المطبعين أيضا توفيق عكاشة، النائب البرلماني السابق الذي استضاف السفير الإسرائيلي حاييم كورين، في منزله، فبراير/شباط 2016، وهو ما قوبل باستياء وغضب مصري عارم، أدى لإسقاط عضويته بالبرلمان.
ومن أوائل الذين أعلنوا التطبيع الكاتب المسرحي علي سالم، الذي أيد زيارة السادات إلى القدس 1977، فيما زار هو تل أبيب عام 1994، وأصدر كتابه "رحلة إلى إسرائيل"، ما أدى لعزله عن أوساط الكتاب والمثقفين والنقابيين.
وهنا يرى النقابي المصري رامي الحوفي، أن النقابيين المصريين التزم أغلبهم التزاما كاملا بتجريم التطبيع ولم يشذ عن هذا الخط إلا قليلون".
وذكر بتطبيع "رئيس تحرير إحدى دوريات الأهرام الصحفية نادية مصطفى، التي أحالتها نقابة الصحفيين للتأديب، وكذلك الكاتب المسرحي علي سالم الذي لاقى تطبيعه جدلا كبيرا".