عبدالله بن بيه.. داعية موريتاني وسفير "غير رسمي" لدى ولي عهد أبوظبي

12

طباعة

مشاركة

في أبوظبي، يعلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، أنه يستطيع الاعتماد على سفير غير رسمي يحظى بالاحترام بقدر ما هو مؤثر.

هذا الشخص هو رجل الدين الموريتاني عبد الله بن بيه، وهو سفير غير رسمي لموريتانيا في الخليج منذ عدة سنوات.

يعتبر الشيخ الموريتاني في أبوظبي والدول الحليفة لها كما موريتانيا، مرجعية دينية محترمة تشتهر بخطابها "للسلام والتسامح". 

تربط ابن بيه بالغزواني روابط شخصية، إذ تتلمذ الأول على يد والد الرئيس الراحل الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، الذي كان على رأس الجماعة الصوفية الكبرى التي جاء منها الشيخ، كما تعود أصول الرجلين إلى ولاية العصابة شرق البلاد. 

سفير غير رسمي

يزور عبد الله بن بيه نواكشوط مرتين إلى ثلاثة في السنة التي أنشأ فيها مؤسسات خيرية، وفي يناير/كانون الثاني 2020، أقام مؤتمرا حول دور الإسلام في إفريقيا.

لكنه قرر الاستقرار في تلك الدولة الخليجية، حيث يشغل منصب رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي وانضم إلى لجنة التوجيه بجامعة محمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي)، ويساعد في تقوية "أواصر الصداقة" التي يحافظ عليها الأخير وولد الغزواني.

قال عنه نجله، وزير العدل الموريتاني الحالي، محمد محمود ولد الشيخ عبد الله ولد بيه (الذي كان أيضا سفيرا في المملكة العربية السعودية من 2005 إلى 2010): "في مواجهة أقصى درجات التطرف، اختار تبني خطاب معقول".

وأضاف في تصريح لمجلة "جون أفريك" الفرنسية، "كان يعتقد دائما أن الحرب تدور في أذهان الناس أولا، وأنه يلعب دور رجل الإطفاء، وهذا هو جوهر عمله وأساس فكره: استعادة السلام والتسامح والأخوة بين البشر". 

متبنيا منهج ابن زايد، من خلال "منتدى تعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية"، الذي انعقد عام 2014 في أبوظبي، دعا بن بيه إلى "الحوار بين الأديان"، الذي روجت له واشنطن.

في 19 أبريل/نيسان 2021 نشر محمد بن زايد فيديو ترويجيا قصيرا عن اتفاقية أبراهام (التطبيعية مع إسرائيل) ودور الإمارات في تعزيز السلم.

وكتب بالإنجليزية قائلا: إن "قيمنا الأساسية المتمثلة في التسامح والتعايش السلمي مكنتنا من بناء قوتنا ووحدتنا على مدار 50 سنة الماضية. سنستمر في إنارة الطريق نحو السلام والتنمية لدولة الإمارات والعالم على مدى 50 سنة القادمة". 

ظهر في الفيديو الشيخ عبد الله بن بيه قائلا: إن "فعل الخير والمعروف والتضامن هو السبيل لإنقاذ البشرية"؛ لكنه لم يعلن تضامنه مع أهل فلسطين في العدوان الأخير على غزة (10-21 مايو/أيار).

في منتدى تعزيز السلم ظهر الحاخام الإسرائيلي ديفيد روزن في صورة جمعته بالشيخ ابن بيه.

 وينشط روزن من خلال "اللجنة اليهودية الأميركية"، ويشغل منصب رئيس الحاخامات في اللجنة الإسرائيلية للعلاقات بين الأديان. وتؤيد هذه اللجنة اليهودية الأميركية إسرائيل وحربها على غزة.

بوق إماراتي

اعتمدت الإمارات على هذه الشخصية في صراعها ضد الشيخ يوسف القرضاوي "المنافس القطري" القريب من جماعة الإخوان المسلمين.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، صنف مجلس الفتوى الإماراتي، الذي يرأسه ولد بيه، الجماعة "من بين التنظيمات الإرهابية". 

موقف نفذ به المجلس بشكل مباشر رغبة الحكومتين الإماراتية والسعودية اللتين اتهمتا الإخوان منذ فترة طويلة بـ"دعم المتطرفين العنيفين والسعي لزعزعة استقرار العالم العربي".

قال ابن بيه: إنه استقال من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين -حيث كان الرجل الثاني- عام 2014 بعد خلافات أيديولوجية عميقة مع رئيسه السابق يوسف القرضاوي، عندما تحدث الداعية المصري خلال الربيع العربي عن الإطاحة بالأنظمة في تونس ومصر وسوريا، بدعوى أنه مرتبط بـ"استقرار الشعوب والدول".

يرى ابن بيه، أنه "حتى مع الأنظمة التي لا ترقى إلى مستوى التوقعات، يمكن تصحيح إخفاقات رئيس مدان بالاختلاس دون التسبب في تفكك شعب".

احتاجت الإمارات في تلك المرحلة إلى زعيم يمكنه الدفاع عن هذه الأيديولوجيا، وإظهار أن الشرعية الدينية ليست في صف الثوار. 

في عام 2017، وصلت العلاقات بين أبوظبي والرياض من جهة وبين الدوحة من جهة أخرى إلى  القطيعة.

 وفرضت الإمارات حصارا على قطر لإجبارها على مواءمة سياستها الإقليمية، فيما أيدت نواكشوط قرار الحليفين في الخليج وقطعت أيضا علاقاتها مع الدوحة. 

نقلت "جون أفريك" عن الرئيس السابق لحزب التجمع الوطنى للإصلاح والتنمية الإسلامي المعارض، محمد جميل ولد منصور، قوله في حق ولد بيه: نحترم كثيرا العالم العظيم، لكن شيئين يفرقان بيننا؛ "أولهما أنه لا يدعم السياسيين الذين يؤدون دورهم، بما في ذلك المعارضة، ثم إقامته تحالفا مع الإمارات". 

منذ عام 2011، أصبحت أبوظبي العدو الأول للمحتجين في العالم العربي، بسبب وقوفها بشكل ممنهج مع الأنظمة المستبدة ودعمها.

الموريتاني الأشهر

ولد ابن بيه عام 1935 في قبيلة تمبدغة شرق موريتانيا، ونشأ وتربى في بيت علم وورع حيث نهل من معين علم والده القاضي الشيخ المحفوظ وأخذ علوم العربية عن محمد سالم ابن الشين، وعلوم القرآن عن الشيخ بيه ابن السالك المسومي، ودرس جميع العلوم الشرعية الإسلامية في هذه المحظرة.

سافر الشيخ إلى تونس لتكوين القضاة وحصل على المركز الأول بين القضاة المبتعثين، وبعد عودته إلى موريتانيا تنقل في عدة مناصب كان عبد الله بن بيه قاضيا في البداية، ثم دخل السياسة.

 وشغل بين عامي 1971 - 1975، منصب قاض في المحكمة العليا، ثم وزيرا للشؤون الإسلامية ثم العدل في حكومة الرئيس مختار ولد داداه.

عين مفوضا ساميا للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية حيث اقترح إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية فكان أول وزير لهذه الوزارة، ثم وزيرا للتعليم الأساسي والشؤون الدينية، ثم وزيرا للعدل والتشريع وحافظا للخواتم.

شغل أيضا منصب وزير للمصادر البشرية – برتبة نائب رئيس الوزراء - ثم وزيرا للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية والتي كانت تضم وزارات الإعلام والثقافة والشباب والرياضة والبريد والبرق والشؤون الإسلامية، وأمينا دائما لحزب الشعب الموريتاني الحزب الوحيد الحاكم الذي كان عضوا في مكتبه السياسي ولجنته الدائمة من سنة 1970 إلى 1978.

يشغل ابن بيه منصب رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ومؤسسة الموطأ في أبوظبي، والنائب السابق لرئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين.

جرى اختياره من قبل جامعة "جورج تاون" كواحد من أكثر 50 شخصية إسلامية تأثيرا في العالم للأعوام 2009 و2016.

وقد فاز بلقب "أستاذ الجيل" في جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي في دورتها السابعة في البحرين في 7 يوليو/تموز 2021. 

بصفته المبعوث الخاص للمختار ولد داداه إلى الخليج، ساعد الشيخ في تعزيز علاقات بلاده مع السعودية، وهو أحد الذين سهلوا الزيارة الرسمية للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود إلى نواكشوط في نوفمبر/تشرين الثاني 1972.

وفي عام 1981، سافر إلى المملكة العربية السعودية، وظل هناك لأكثر من ثلاثين عاما، يدرس بشكل خاص في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة قبل سفره إلى الإمارات.

في عام 2014، اكتسب شهرة دولية عندما ذكر الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما اسمه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين أسماء الزعماء الدينيين المؤثرين الذين يحاربون التطرف.

في العام نفسه أصدر فتوى بعنوان "هذه ليست الجنة" تبطل خطاب تنظيم الدولة، وعلى مر السنين، استقبله البابا فرنسيس في الفاتيكان وعدد من رؤساء الدول والقادة، حتى أصبح عبد الله بن بيه من أكثر الموريتانيين نفوذا في العالم.