نور الدين بوكروح.. وزير بوتفليقة الذي انتقد الإسلاميين واتهم تبون بالجنون
يجيد نور الدين بوكروح وزير التجارة الأسبق في عهد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، صنع الجدل بتصريحاته التي يوجه من خلالها سهامه في كل حدب وصوب.
وينتقد بوكروح إسلاميي الجزائر تارة، ويهاجم تارة أخرى الرئيس عبد المجيد تبون، الذي ذهب إلى حد وصفه بالـ "مجنون".
في الخارج حيث استقر هربا من التهديدات بالسجن التي طالت رموز النظام السابق بالجزائر، يتحدث الرجل بانتظام عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي عن أخبار في بلاده.
يعتبر البعض كلامه لاذعا وأنه "يضع إصبعه على الجرح"، كما وصفته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، وذلك منذ أن تخلى عن زيه كزعيم سياسي ليرتدي زي المراقب والمعلق.
أصبحت صفحته على موقع "فيسبوك"، التي يتابعها أكثر من 69 ألف مشترك، مصدر أخبار عن الجزائر يعلق عليها بوكروح ويقيم فيها أداء مسؤولي بلده.
صناعة الجدل
في 14 يونيو/حزيران 2021 حمل نص نشره بوكروح عنوان "تبون.. هذا الرجل المجنون"، وعلق فيه على الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 من الشهر نفسه والتي خرج فيها حزب "جبهة التحرير الوطني" بأغلبية نسبية.
وقال بوكروح عن تبون: إنه "هرب من السجن بفضل حماية أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع السابق ورئيس أركان الجيش الذي توفي في ديسمبر/كانون الأول 2019".
شكك بوكروح في "التماسك العقلي" لرئيس الدولة واصفا إياه بـ"المزعوم"، معتبرا أنه "يتعذر الوصول إلى حوار معه، لأنه لا يسمع إلا صوته، ويحوم في عدم التوازن".
وألمح إلى "ضرورة إقالة رئيس الدولة بسبب صحته النفسية"، وإلا فإنه سيشكل "تهديدا وطنيا ومصدرا للاضطراب الدولي".
ومنذ وصوله إلى السلطة، تعرض تبون لانتقادات منتظمة، لكن لا أحد وصل إلى حد طروحات بوكروح.
ولو أظهر مكتب المدعي العام في الجزائر نفس الحماس الذي أظهره خلال محاكمة معارضي الرئيس السابق بتهمة الإهانة، لكان بوكروح في السجن، لكن الوزير السابق الذي يعرف نفسه بأنه "ناشط حر" لم يعد يقيم في البلاد.
ونقلت "جون أفريك" عن مصادر خاصة، أن الرجل استقر لفترة في لبنان قبل أن يسافر إلى جنوب فرنسا، حيث يقيم حاليا.
قبل انتقاد كل من هم جزء من النظام، كان نور الدين بوكروح واحدا منهم في عقد بوتفليقة، إذ شغل خريج الاقتصاد مناصب تنفيذية في الإدارة والمؤسسات العامة ابتداء من 1980، قبل أن ينتقل إلى القطاع الخاص.
في ذلك الوقت، كان قد اشتهر بالفعل بكتاباته في الفكر الإسلامي، والتي نشرت في الصحافة الجزائرية.
وفي عالم الأعمال، يستثمر بوكروح في معمل للتصوير في مرتفعات الجزائر العاصمة وفي وحدة صغيرة لتصنيع اللقاحات التي لم تحقق نجاحا كبيرا بسبب العوائق الإدارية على وجه الخصوص، وفق تصريحاته.
بدأ يكتب حول الإسلام من الناحية الأيديولوجية والسياسية سنة 1970، وكان أكثر المقالات التي نالت صدى في أوساط الدولة في تلك الفترة هو المقال الذي انتقد فيه أيقونة الاستشراق الفرنسي، ماكسيم رودانسون، ونشر في أول ديسمبر/كانون الأول 1971.
واشتكاه مباشرة للرئيس الأسبق هواري بومدين والوزير طالب أحمد الإبراهيمي، وأجابه في كتابه "الماركسية والعالم الإسلامي" الذي نشر بعد بضعة أشهر بأن خصص له أول فقرة منه.
وبعد عودته من إيران حيث عايش الثورة الإيرانية من الداخل سنة 1979، كتب سلسلة مقالات طويلة أحدثت أيضا ضجة كبيرة، تلاها مقاله حول "عبقرية الشعوب" و"الخشونية" في نفس السنة وحتى "اشتراكية البقرة الحلوب" سنة 1985.
الفشل سبب نجاحه
أتاح الانفتاح الديمقراطي، الذي بدأ بعد أعمال الشغب الدموية في أكتوبر/تشرين الأول 1988، والتي كانت بمثابة نهاية للحزب الواحد، الفرصة لدخول الخبير السياسي من خلال إنشاء حزب التجديد الجزائري في عام 1989، وهو حزب ليبرالي بأفكار إسلامية طفيفة.
مثل الحزب منبرا جيدا لبوكروح الذي كان يتحدث اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة، عندما خاطب الجزائريين عام 1990 خلال مناظرة تلفزيونية.
إذا كان بوكروح ناشطا على الساحة الإعلامية، فإن بدايته كانت على المسارح الصغيرة، في الانتخابات التشريعية في ديسمبر/كانون الأول 1991، التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (جرى حلها عام 1992)،.
وحصل حزب "التجديد" على 0.98 بالمئة من المقاعد، لكن هذه الكارثة لم تعق الوزير السابق من القول إنها ساعدت في جعله أكثر شهرة.
خلال الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، في خضم الحرب الأهلية، شجعه رئيس المخابرات السرية آنذاك الجنرال توفيق (اسمه الكامل غير معروف)، على الترشح على غرار اللواء الأمين زروال وسعيد سعدي ومحفوظ نحناح، بعد الحصول على 75 ألف توقيع للتحقق من صحة الطلب.
جاء بوكروح في المركز الرابع بأغلبية 434 ألف و144 صوتا مقابل أكثر من 7 ملايين لزروال.
وبعد ترشحه لانتخابات 1999 لم يلق نفس الحظ، حيث رفض المجلس الدستوري ملفه لعدم وجود توقيعات كافية.
في وجه الجنرال
صنع نور الدين بوكروح الجدل مرة أخرى في صيف 1998 بسلسلة من النصوص التي حارب فيها السلطة، وعلى وجه الخصوص الجنرال محمد بتشين، مستشار الأمن المنبوذ في عهد الرئيس الأسبق، اليمين زروال والذي حكم الجزائر ما بين 1995 و1999، بحسب تقارير صحفية.
فقد "تطلب الأمر الجرأة لمواجهة بيتشين"، حيث كان آنذاك حتى نطق اسم ذلك الجنرال شبه محرم.
وصف بوكروح آنذاك النظام بأنه "بالوعة"، مستنكرا "أداءه الرديء"، ونعت بيتشين بأنه "سيد الاستيراد" في إشارة إلى إمبراطوريته المالية.
وبسبب اتهامات "الاختلاس المالي"، انسحب الجنرال القوي في خريف عام 1998، وأدى إلى الرحيل المبكر لحاميه زروال، الذي فتحت استقالته الطريق أمام بوتفليقة لخلافته.
حتى يومنا هذا، يتهم بوكروح بأنه استدرج من قبل تيار قوي ضد آخر، يدافع عن نفسه بثقة.
ويجزم معارفه أن بوكروح تصرف بمبادرة خاصة في عام 1998،"لا يستخدم ولا يقود"، كما يعرف، لكن لبوكروح جانب نرجسي، يعتقد أنه يتمتع بذكاء فائق ولا يعترف بالنقد.
نعم بوكروح بالسلطة مع وصول بوتفليقة الذي جعله وزيرا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ثم وزيرا للتجارة، قبل أن يترك الحكومة في عام 2005.
طالب بوكروح بتمديد ولاية بوتفليقة الثالثة، وظلت الانتقادات تلاحقه واصفة إياه بأحد أبناء النظام، فيما يقسم هو في كل خروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه تصرف كرجل حر وأنه عارض الرئيس المخلوع أكثر من مرة، واستدعى شهادات وزراء سابقين كدليل على استقلاليته وحريته داخل السلطة.
ابتعد نور الدين بوكروح عن المشهد السياسي وفقد السيطرة على حزبه وعاد إلى حياته الخاصة، قبل أن يتيح مرض بوتفليقة وتعرضه لجلطة دماغية في ربيع 2013، الفرصة لعودته إلى الواجهة.
لم يعارض وزير التجارة السابق احتفاظ رئيس الدولة بالسلطة رغم تدهور حالته الصحية، بل طالب بدلا من ذلك بتمديد الولاية الثالثة أو إنشاء منصب نائب الرئيس الذي سيقوم بحملة بدلا من بوتفليقة، ويضمن إدارة البلاد إذا لم تتحسن صحة الأخير.
سياسي متقلب
تبنى بوكروح رأيا متقلبا قبل عام 2015، عندما استأنف حريته في الكلام للتحدث بانتظام في الأخبار السياسية والاجتماعية ليصبح معارضا شرسا لبوتفليقة، بعد أن كتب خطاباته ذات مرة.
قال بوكروح في مقابلة مع صحيفة "الوطن" عام 2017: إنه "غير مقبول وغير عادل وغير أخلاقي"، وهو نفس الحكم الذي يصدره اليوم على عبد المجيد تبون.
جرى استدعاؤه من طرف المسؤول الأول للشرطة في العاصمة بعد نشر مقاله "الطيب والصحافة والقبيح"، بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 في جريدة "المجاهد" اليومية باللغة الفرنسية، في ظل نظام العقيد بومدين.
وأدت الهجمات التي شنت على بيتشين في عام 1998 إلى حصوله على مذكرة توقيف، رغم أنه من غير المعروف كيف تم سحبها.
كان أول مقال نشر له بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 في نفس الجريدة بعنوان "الإسلام والتقدمية"، ولم يخف الأب لخمسة أطفال يوما إعجابه بالمفكر الإسلامي الجزائري، مالك بن نبي.
كلفته دعواته بين عامي 2017 و2018 من أجل ثورة المواطنين تدمير جزء من منزله في الجزائر بأمر من والي الجزائر المسجون الآن (عبد القادر زوخ).
حتى أن رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي يقضي الآن عقوبة سجن مشددة، أرسل إليه تهديدات بالقتل، وفق تصريحات بوكروح.
يشرح نور الدين بوكروح في فبراير/شباط 2021: "اضطررت لمغادرة البلاد"، ومن المرجح أن قدمه لن تطأها مرة أخرى في عهد تبون بعد خرجته الأخيرة في حقه.