سامر الفوز.. أخطبوط اقتصادي لنظام الأسد أعفته واشنطن من عقوباتها

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

عاد إلى الواجهة مجددا، رجل الأعمال السوري سامر الفوز، المقيم في الإمارات، الذي يعتبر أبرز الأذرع الاقتصادية الداعمة لرئيس النظام بشار الأسد، وذلك بعد قرار رفع العقوبات الأميركية على شركتيه، "الدولية للتجارة العامة" و"سلفر بين".

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية عبر بيان، في 10 يونيو/حزيران 2021، إزالتها لشركتين من الشركات التابعة لـ"الفوز" من لائحة العقوبات، بعد مضي عامين ونصف من فرضها عليها، مشيرة إلى أن العقوبات المفروضة على الشركتين "باتت دون جدوى".

"الأوليغارش"

الخزانة الأميركية وصفت الفوز (48 عاما) في بيانها، بأنه رجل الأعمال "الأوليغارش" (حكم الأقلية) المهيمن على جميع المواد والقادر على فرض تأثيره على السياسة الوطنية.

وأشارت إلى أن "الفوز" وأقاربه وإمبراطوريته التجارية، استغلوا فظائع الصراع السوري، لتأسيس مشروع مدر للربح ويدعم بشكل مباشر نظام الأسد "القاتل"، ويبني مشاريع فاخرة على الأرض المسروقة من أولئك الفارين من وحشيته.

وأضاف: "استفاد الفوز بشكل كبير من جهود إعادة الإعمار في سوريا، من خلال التطورات الجارية، واستغلال الأراضي التي استولى عليها نظام الأسد من الشعب، حيث كان يحاول تجنيد المستثمرين الأجانب في مشاريع إعادة الإعمار".

وكانت الخزانة الأميركية، قد فرضت عام 2019 عقوبات شملت جميع الشركات والأصول التي يملكها "الفوز"، ومنها "أمان القابضة" بسبب "استغلال النظام المالي الدولي خارج سوريا" وضلوعه بدعم وتمويل النظام السوري.

لكن قرار الحكومة الأميركية برفع العقوبات عن رجل الأعمال السوري البارز، دفع 3 نواب من الحزب الجمهوري في الكونغرس، لمطالبة مساعد الرئيس الأميركي، تسليم الوثائق الداخلية المتعلقة بقراره رفع العقوبات عن الشركات المرتبطة بـ"الفوز".

بعد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا عام 2017، التقى نائب وزير الخارجية، أوريليان لو شوفالييه، الفوز، باعتباره مضطلعا بالعلاقات الفرنسية السورية.

وبحسب معلومات وصلت إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية في 19 مارس/آذار 2019، فقد نظمت مقابلة سرية بين الطرفين بالعاصمة باريس في منزل رجل أعمال لبناني، في الوقت الذي كانت فيه الرئاسة الفرنسية قد بدأت التدخل في الملف السوري، لكن لو شوفالييه أنكر تنظيم هذا اللقاء.

بات الفوز، الذي ولد في اللاذقية، وقضى حياته متنقلا بين بيروت ودمشق ودبي، يشعر بأنه شخص محصن، وفي سنة 2018، أدى عدة زيارات للقاء رجال أعمال مقيمين في القارة العجوز ليقنعهم بضرورة العودة إلى بلاده، كما شارك في عدة لقاءات جمعته بمتعاطفين مع المعارضة السورية ليجيب على الانتقادات التي وجهت له بشأن مشروعه "ماروتا سيتي".

وصرح دبلوماسي أوروبي للصحيفة الفرنسية أن "الفوز يعتقد أنه شخص فاعل ويمكن أن يحافظ على علاقات جيدة مع بروكسل، لكننا لسنا أغبياء".

ونهاية يناير/كانون الثاني 2019، جرى تسجيل اسم الفوز، بناء على مبادرة فرنسية وتحديدا من لوشوفالييه، على لائحة الاتحاد الأوروبي للسوريين الذين تمت إدانتهم، بالإضافة إلى 10 ممثلين آخرين للجيل الجديد من رجال الأعمال.

وتتهم بروكسل "الفوز" بتمويله للنظام السوري، علاوة على تمويله لمليشيا موالية للأسد في اللاذقية.

بديل مخلوف

ولد الفوز عام 1973 في منزل سني باللاذقية، وكان والده صيدلانيا، أما عمه فقد كان إطارا بسيطا في حزب "البعث"، وهو الحزب الوحيد ذو توجه عربي قومي فرضه رئيس الدولة الجديد.

درس الفوز في الجامعة الأميركية بباريس أوائل التسعينات، وحصل أيضا على دورات في جامعتي بوسطن وسان دييغو في الولايات المتحدة.

ورغم أنه اعتبر أن "أفضل سنوات حياته " قضاها في فرنسا، إلا أن أميركا هي التي حركت طموحاته، فقد قال للصحيفة: "في الولايات المتحدة، يمكنك أن تكون كبيرا جدا، لا يمكنك فعل ذلك في فرنسا، كل شيء صغير للغاية".

بعد عودته لسوريا، وسعت شركة الفوز أعمالها باستيراد الآلات الزراعية والإسمنت، لكنها لم تنم بقوة بسبب المنافسة، إلا أن ذلك تغير مع اندلاع الثورة عام 2011، فبعدها وجد الفوز الفرصة مستغلا خروج رجال الأعمال من سوريا: "لقد عملت لمدة 4 سنوات دون أي منافسة على الإطلاق".

حصل على الجنسية التركية من خلال إقامة مشاريع هناك، ونجح في الإفلات من قضية قتل غامضة لأوكراني من أصل مصري كان قد دخل في خلاف تجاري معه بملايين الدولارات.

ومع العقوبات التي فرضت على النظام السوري ومن بينهم رجل الأسد رامي مخلوف، لم يظهر اسم الفوز، لكن بعد فترة بدأت دول الاتحاد الأوروبي مناقشة فرض عقوبات عليه بسبب قربه من النظام.

وقال المحل السياسي السوري أيمن عبد النور خلال تصريحات صحفية في 16 مايو/ أيار 2020 إن "الفوز غير قادر على أن يحل محل مخلوف ولا يستطيع منافسته رغم هذا الصعود".

من بين الأسباب التي أوردها عبد النور، القوة الاقتصادية التي تتمتع بها عائلة مخلوف مقارنة بالفوز، فرامي وعائلته يجمعون الأموال من الصفقات منذ نحو 40 عاما، ولديهم نفوذ قوي، بينما لم يظهر الفوز على الساحة سوى منذ بضع سنوات.

وأشار عبد النور إلى أن القطاعات التي يعمل فيها مخلوف تدر أرباحا يومية، بينما القطاعات التي يعتمد عليها الفوز تحقق أرباحا كبيرة، لكنها ليست مستمرة وليست كبيرة الحجم مقارنة بشركات مخلوف.

رجل الظل

في 13 يونيو/حزيران 2019، نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية، تقريرا قالت فيه إن "رجل أعمال سوري بارز يخضع لعقوبات دولية بسبب دعمه لنظام الأسد يسيطر على محطة تلفزيونية عبر شركة في لندن".

وأوضح التقرير أن سامر الفوز يدير شركة بريطانية، تعمل كوكيل له، لكن التقارير تفيد بأنه يدير أيضا محطة تلفزيونية وموقعا إلكترونيا دعائيا عبر شركتين أخريين.

وأشارت "التايمز" إلى أن فوز حقق ثروة من خلال صفقات القمح بين نظام الأسد والأكراد، ومن خلال مشاريع عقارية على أراض أخذت من أسر فرت من الحرب.

ووصف تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، العقوبات المفروضة على الفوز بأنها "غير متماسكة"، إذ يستمر الفوز في إدارة أعماله رغم العقوبات الأوروبية وحظر السفر المفروض علية منذ يناير/كانون الثاني 2019، بحسب "التايمز".

ووفقا للتايمز، فإن الفوز كشف في مقابلة مع الصحيفة عام 2018 عن رغبته في الاستثمار في بريطانيا، مقدما نفسه في الغرفة التجارية البريطانية كمستثمر تركي يقيم في تركيا وشركته مسجلة بعنوان بريطاني تملكه مجموعة قانونية بريطانية تدعى "موركروفت".

وأشارت الصحيفة إلى أن رجل أعمال يدعى جعفر الشريف الفضل (73 عاما) يشاركه في إدارة الشركة، موضحة أنه مقيم في لبنان ويملك محطة "لانا" التلفزيونية، وقناة "المنبر"، وهي لا تخضع لأي عقوبات، بل تستخدم كموقع إلكتروني لتقديم أخبار اقتصادية تدعم نظام الأسد.

وتقول الحكومة الأميركية إن "عائلة الفوز تستفيد من نقل وبيع النفط الإيراني إلى سوريا عن طريق شركة لبنانية، وهو ما يعتبر خرقا للعقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران".

وأوضحت الولايات المتحدة أن الفوز يحمل جواز سفر جزيرة "سانت كيتس ونيفيس"، الذي يمكن الحصول عليه مقابل استثمارات بقيمة 150 ألف دولار، ولحامل هذا الجواز الحق في دخول دول أوروبية والولايات المتحدة دون الحاجة للحصول على تأشيرة، بحسب التقرير.

وفي يوليو/تموز 2018، سلطت صحيفة "الفايننشال تايمز" الأميركية الضوء على سامر الفوز وذلك بعدما اشترى حصة الأمير السعودي الوليد بن طلال في فندق "فور سيزون" بفرع العاصمة السورية دمشق، الفرع الأشهر والأكبر بين فروع الفندق الشهير على طول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وذكرت أن الفوز أحد عمالقة الأعمال، والذي طالما برع في العمل بالظل، قبل أن تتولى تقارير إعلامية مؤخرا الكشف عن كونه يقف على واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية في سوريا، إمبراطورية اعتبرت إحدى قنوات الإنعاش الرئيسة التي ساهمت في صمود النظام اقتصاديا، خاصة بعد العقوبات التي طالت عددا كبيرا من الشخصيات الداعمة له.

متهم بالقتل

لم يكن "الفوز" حوت الأعمال الصاعد وجها جديدا على المشهد السوري يوم أعلن شراءه إمبراطوريتي "غريواتي" و"حميشو" الاقتصاديتين، بداية عام 2017، لكنه وضع تحت مجهر الصحافة لأول مرة في وقت سابق من ذلك كله، وبحادثة بعيدة كليا عن مجاله الاقتصادي الأثير.

وقد حدث ذلك في مدينة إسطنبول منتصف يونيو/حزيران عام 2013، عندما ألقت السلطات التركية القبض عليه بعد اعترافه بقتل رجل الأعمال الأوكراني، ذي الأصول المصرية، "رمزي متى" في إسطنبول، بعد خلاف بينهما على استيراد صفقة حبوب من أوكرانيا بقيمة 14 مليون دولار، في الوقت الذي نشرت فيه الصحف التركية تقارير احتوت الحقيقة كاملة. 

فعبر الاستعانة برجل عصابات مقدوني يدعى "سلوفان يتكوف"، وآخر ألماني يدعى "كيانوش"، تمكن "الفوز" من استدراج "رمزي" لإسطنبول بحجة تقديم قرض بنكي له، قبل أن يقتادوه إلى منطقة "باشاك شهير" بالمدينة ويقتلوه هناك.

في اليوم التالي، عاد "الفوز" عبر طائرته الخاصة لدمشق، قبل أن تتمكن السلطات التركية بعد ذلك من القبض عليه بالتعاون مع السلطات الأوكرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2013.

ورغم الصخب الذي صاحب حادثة الاغتيال، غير أن الذي يستحق تسليط الضوء عليه بشكل مكثف أن "الفوز" خرج من السجن بعد 6 أشهر فقط، إثر دفع كفالة مالية بقيمة 3 ملايين ليرة تركية.

وعاد بعدها إلى مسقط رأسه اللاذقية، تاركا سحابة من التساؤلات تحوم في الأفق، قبل أن يواصل رحلته الاستثمارية مجددا من هناك، وتكون محطته الأولى هي طهران التي زارها بعد فترة، ممهدا الطريق لإقامة أحد أكبر خطوط الاستيراد التجاري بين طهران ودمشق بعد اندلاع الثورة السورية.

وخلال فترة وجوده في اللاذقية، تمكن الفوز من بناء صلات وثيقة مع ضباط المخابرات العسكرية معتمدا على إمبراطوريته الاقتصادية الصاعدة، وهي صلات مكنته في نهاية المطاف من الحصول على مليشيات مسلحة تحت تصرفه عرفت باسم "درع الأمن العسكري"، ومثلت نقطة تلاق بين الغطاء الأمني الذي يحتاجه لإكمال أركان إمبراطوريته الصاعدة.

ودفع ذلك كله، "الفوز" إلى التوسع باتجاه عاصمة الجليد "موسكو"، فيؤسس من هناك شركة خارج الحدود لاستيراد البضائع المختلفة، ثم لإيطاليا والإمارات ولبنان عبر مشاريع استثمارية واقتصادية مختلفة.

وفي غضون عام ونصف، أصبح "الفوز" أحد رجال الأعمال القلائل الذين تمكنوا من تخفيف قبضة الحصار الاقتصادي الدولي على النظام السوري، في وقت كانت فيه الأسواق تعاني من شح في البضائع وارتفاع في الأسعار.