وسط غياب للسلطات.. كيف ضاعفت ظاهرة "الثأر" مأساة اليمنيين؟

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد آخر، تتزايد آلام الشعب اليمني "الجريح"، فإلى جانب الحرب منذ سنوات والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمواطنين، تعاني القبائل من تزايد ظاهرة "الثأر".

وأمام هذه المعاناة المستمرة، يحاول الوجهاء من القبائل التدخل بـ"خيط أبيض" لإصلاح ذات البين، ولإنهاء هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة، وسط قصور من الجهات الأمنية للحد منها.

اشتباكات مستمرة

وفي 18 مايو/أيار 2021، اندلعت مواجهات مسلحة بين قبيليتي "آل الجازع" و"آل المرفد" المرازيق في منطقة الحنك بمديرية نصاب التابعة لمحافظة شبوة (جنوب شرق) أسفرت عن مقتل 4 أشخاص من الجانبين. 

حدثت الاشتباكات على خلفية ثأر قديم بين القبيلتين، وتطورات لمواجهات استخدمت فيها  الأسلحة المتوسطة والثقيلة بالإضافة إلى المدفعية.

وفي 11 أبريل/نيسان 2021، اندلعت مواجهات بين مسلحين من قبيلتى "آل حيدرة" و"آل يسلم"، في مركز مديرية أحور التابعة لمحافظة أبين، ما تسببت بمقتل شخصين على الأقل وإصابة ثالث، قبل أن تتدخل وساطات قبلية للتهدئة وإيقاف إطلاق النار.

وكان مسلحون من القبيلتين قد احتشدوا في أماكن متفرقة من ضواحي المديرية التي تشهد ثأرا قديما نتج عن نزاع على أراض زراعية ومجاري السيول قبل عدة عقود.

ومنتصف يناير/كانون الثاني 2021، تسببت ثأر قديم بين قبيلتي "الشرفان" و"عوض بن قمر" في منطقة الخبر لقموش التابعة لمديرية حبان بمحافظة شبوة، باندلاع مواجهات بين الجانبين استخدمت فيها المدفعية والأسلحة الثقيلة.

وفي منتصف فبراير/شباط 2018، اندلعت مواجهات بين مسلحين من قبيلة "المرازيق" وقبيلة "آل سليمان"، وكلتاهما من قبيلة العوالق التابعة لمحافظة شبوة، على خلفية ثأر قديم بينهما.

واندلعت المواجهات وسط مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، ما تسبب بمقتل شخصين وإصابة 3 آخرين، وعرض حياة المتسوقين للخطر، والمتاجر للإغلاق.

وكانت مواجهات قبلية قد اندلعت في 17 يوليو/تموز 2017، وأدت إلى مقتل الشيخ القبلي علي هادي، وإصابة أحد مرافقيه على خلفية ثأر بين قبائل لقموش التابعة لمنطقة عزان بمحافظة شبوة.

غياب السلطة  

وفي حديث لـ"الاستقلال"، قال الشيخ الرضي المنصوري، وهو أحد مشايخ قبيلة المنصوري التابعة لمحافظة البيضاء: "لدينا ثارات مع عدة قبائل، بينها ثأر مع قبيلة آل مقبل يعود لنحو 25 سنة، وقد قتل أكثر من 15 شخصا من الجانبين".

وأوضح أن "الخلاف بدأ في منتصف التسعينيات على ملكية أرض زراعية، لكنه تطور لاشتباك سقط فيه 3 قتلى، ثم أصبحت بعد ذلك قضية ثأر بين قبيلتنا وقبيلة آل مقبل، وفي كل فترة يقتل أشخاص منا، وبطبيعة الحال يقتل منهم أشخاص".

وعن استمرار الثأر بين القبيليتين، قال المنصوري: "السبب الرئيس هو غياب الأجهزة الأمنية وتقصيرها عن القيام بواجبها في القبض على الجناة في بداية الأمر، ولأن القاتل يفر وتقوم قبيلته بتهريبه وإخفائه، فإن العرف في الثأر قد جرى على أن (الطارف غريم) أي أن أحدا من هذه القبيلة هو هدف للقبيلة الأخرى".

وتابع: "كما أن المحاكم عادة تأخذ سنوات طويلة حتى تصدر حكمها على الجاني، وقد تصل الفترة إلى 15 سنة و20 سنة، وهي مدة تستنزف أصحاب الحق وترهقهم في النيابات والمحاكم وتكلفهم أموالا طائلة".

وعن الأمل في إنهاء هذه الظاهرة وحقن الدماء، قال المنصوري: "مستعدون لإنهاء الثأر فيما بيننا، على أن يسلم القتلة أنفسهم للعدالة، فهم الذي بدؤوا، وأن نسترجع كل خسائرنا من بداية القضية وحتى اليوم، ويعوضوا طلابنا الذين لم يذهبوا للمدارس".

وجدير بالاهتمام، أن قضايا الثأر يطال ضررها حتى طلاب المدارس، وذلك بتوقفهم عن الدراسة خشية تعرضهم للاستهداف من قبل القبائل المعادية، خصوصا تلك التي ترى أن الانتقام يجب أن يتم من أفضل رجال القبيلة المعادية، ما يزيد من رقعة الأمية بين أبناء القبائل.

وكانت "شركاء اليمن" وهي منظمة دولية خاصة، قد قالت إن آلاف الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى مدارسهم في 3 محافظات في اليمن، خشية استهدافهم بالقتل من أجل الثأر، وهي المحافظات التي يغلب عليها الطابع القبلي، مثل الجوف ومأرب وشبوة. 

وكان صراع قد اندلع في مأرب منذ السبعينيات بين قبيلتي "الشولان" و"آل حمدان" في محافظة الجوف، على خلفية أرض متنازع على ملكيتها، وتسببت بحصد عشرات الأرواح وغياب الطلاب عن المدارس وانتشار الأمية في صفوف أبناء القبيلتين، بحسب منظمة "شركاء اليمن".

جهود لإنهائه

رغم غياب الأجهزة الأمنية عن أداء واجبها ومماطلة السلطات القضائية في البت بقضايا القتل بشكل يضمن عدم تحوله لثأر بين القبائل، إلا أن هناك جهودا قبلية بعدة مناطق في اليمن تسعى لإنهاء قضايا ثأر بين قبائل استمرت لعدة عقود.

وفي 1 يونيو/حزيران 2021، نجحت جهود قبلية قادها عضو فريق المصالحة الوطنية، الشيخ محمد المقدشي، بإنهاء قضية ثأر دامت لنحو 25 عاما، بين أسرتي العزب والجرادي بمديرية ميفعة عنس التابعة لمحافظة ذمار.

وفي اللقاء القبلي الذي حضرته قيادة المجلس المحلي في المديرية وشخصيات اجتماعية، تم الإعلان عن تنازل الجانبين عن القضايا التي بينهما، في موقف أشاد به الحاضرون الذين قالوا إنه "يجسد قيم التسامح والعفو والإخاء"، داعين القبائل الأخرى للاقتداء بهاتين الأسرتين.

وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أسفرت جهود قبلية عن إنهاء الثأر بين آل الشيبة وآل الشاهري في مديرية ميفعة عنس التابعة لمحافظة ذمار، وذلك بعد تنازل الجانبين عن حقهما وتوقيعهما على اتفاق الصلح بحضور مشايخ من المنطقة ووجاهات اجتماعية.

وكان ثأر بين القبيلتين قد اندلع عقب مقتل سعد الشاهري وعبدالناصر الشيبة وإصابة 5 آخرين قبل نحو 10 سنوات، قبل أن تقود تلك الوساطات إلى تصفية القضية بينهما وتطبيع الحياة في المنطقة التي ينتمون إليها.

الثاني عالميا

فضلا عن قصور السلطات في القيام بواجبها، فإن حيازة اليمنيين للسلاح -وفق القانون- وعدم قدرة أفراد الأمن على تنظيم حمل السلاح في المدن ذات الطابع القبلي، مثل سببا رئيسا لنشوء ظاهرة الثأر .

ويعد اليمن من أشهر شعوب العالم في حيازة السلاح، ويمنح القانون المواطنين حق حيازة سلاح شخصي مع كمية من الذخائر.

وتقدر إحصائيات غير رسمية عام 2014، وجود ما لا يقل عن 60 مليون قطعة سلاح في اليمن، أي أن كل مواطن يمتلك قطعتي سلاح في البلد الذي يبلغه تعداد سكانه نحو 25 مليون نسمة.

أما مركز "استقصاء الأسلحة الصغيرة"، وهو مركز بحثي سويسري يعنى بإحصاء عدد الأسلحة الصغيرة وقضايا العنف المسلح في العالم، فقد قدر عدد الأسلحة في اليمن بنحو 80 قطعة سلاح لكل 100 مواطن.

وفي مؤتمر صحفي عقد بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، خلال يونيو/حزيران 2018، كشف مدير المركز، إيريك بيرمان، عن وجود مليار قطعة سلاح صغيرة في دول العالم، بينها 875 مليون قطعة بأيدي المدنيين.

وأضاف بيرمان أن أميركا تحتل المركز الأول عالميا بمعدل 120 قطعة لكل 100 نسمة، في حين تأتي اليمن في المركز الثاني عالميا والأولى عربيا بمعدل 82 قطعة سلاح لكل 100 مواطن.

وفي 2017، أجرى معهد "الدراسات العليا للدراسات الدولية والإنمائية" في جنيف مسحا قال فيه: إن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول عالميا، بمعدل 120 قطعة سلاح لكل 100 مواطن، في حين تأتي اليمن في المركز الثاني بمعدل 53 سلاحا لكل 100 مواطن.

ومع تضارب الإحصاءات في تقدير عدد السلاح، إلا أن اليمن ما تزال الأولى عربيا والثانية عالميا، وهي مكانة تحتلها لعدة سنوات، وانعكس هذا الأمر على ظاهرة حمل السلاح عموما، وعلى نشوء ظاهرة الثأر بين القبائل خصوصا.

الكلمات المفتاحية