كريمة بنيعيش.. سفيرة المغرب بإسبانيا وابنة "طبيب الملك" المسلحة بثقافتين
في الأزمة بين الرباط ومدريد على خلفية ملف إقليم الصحراء، برز اسم سفيرة المغرب في إسبانيا منذ عام 2017، كريمة بنيعيش، بعد أن سجلت حضورا إعلاميا بلغة جسد ثابتة سبقت إتقانها للغة الإسبانية.
وشارك ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات السفيرة على نطاق واسع، حتى حصلت على لقب "المرأة الحديدية" في الصحافة الإسبانية.
فيما وصفها أحد الدبلوماسيين بأن "لديها قبضة من حديد"، وفق مجلة "جون أفريك" الفرنسية التي أعدت عنها بروفايلا عنونته بـ"دبلوماسية في قلب المواجهة بين الرباط ومدريد".
وتابع المتحدث (لم تسمه) للمجلة: إن "شخصية السفيرة الجادة والحادة، تسير جنبا إلى جنب مع لباقتها ومبادرتها مع الجميع".
عالية الكاريزما
"لا يسعنا إلا أن نأسف على الاضطراب والعصبية التي صاحبت تصريحات وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونثاليث لايا"، بهذه الكلمات شجبت بنيعيش في تصريحات صحفية يوم 27 مايو/أيار 2021، تصريحات "غونثاليث لايا" ضد المغرب.
وتساءلت السفيرة إن كانت خرجات وزيرة الخارجية "خطأ أم أنها تعكس ميولا حقيقية لدوائر إسبانية معينة ضد وحدة أراضي المملكة، والقضية المقدسة للشعب المغربي"، في إشارة إلى قضية الصحراء.
وفي 18 مايو/أيار 2021، استدعت وزارة الخارجية الإسبانية، السفيرة بنيعيش وقالت الوزيرة إن بلادها "ترفض وتعارض الدخول الجماعي للمهاجرين من المغرب إلى جيب سبتة الواقع في شمال إفريقيا".
وأضافت غونثاليث لايا للصحفيين: "لقد استدعيت السفيرة المغربية هنا للتعبير عن استيائنا ورفضنا للتدفق الجماعي للمهاجرين المغاربة إلى سبتة، وذكرت بأن مراقبة الحدود يجب أن تكون مسؤولية مشتركة للمغرب وإسبانيا".
وكانت السلطات الإسبانية أعلنت في 17 مايو/أيار 2021، عن دخول نحو 6 آلاف من المغاربة، بمن فيهم عائلات مع أطفال، بصورة غير نظامية لمدينة سبتة الإسبانية المتاخمة للمغرب (يعتبرها محتلة).
واتهمت السلطات الإسبانية المغرب بالتقاعس عن حماية الحدود، وذلك على خلفية التوترات الدبلوماسية بين إسبانيا والمغرب في الفترة الأخيرة، بسبب استقبال إسبانيا لزعيم جبهة "البوليساريو" المناهضة للمغرب والداعية لاستقلال الصحراء، إبراهيم غالي.
وقالت السفيرة المغربية، قبيل تلبيتها لاستدعاء وزارة الخارجية الإسبانية، إنه “في العلاقات بين الدول هناك أفعال لها عواقب ويجب تحملها”، معتبرة أن هناك “مواقف لا يمكن قبولها”، في إشارة منها إلى استقبال مدريد لـ"غالي".
وعلق الدبلوماسي لمجلة "جون أفريك": "لدى بنيعيش قدرة هائلة على العمل تتطلب الاحترام، إنها تحرص على إتقان ملفاتها، وهي تعرف عن ظهر قلب جميع محاوريها".
تحت جناح الملك
التغطية الإعلامية والأضواء التي سلطت عليها جاءت في السياق الخاص بين الرباط ومدريد، إلا أن بنيعيش "شخصية متحفظة للغاية"، بحسب المقربين منها.
وقبل اندلاع الأزمة الدبلوماسية منتصف أبريل/نيسان 2021 بين المغرب وإسبانيا، والتي حدثت بعد استقبال مدريد لزعيم "البوليساريو" وإقامته في المستشفى بمدينة لوغرونيو، كانت بنيعيش "غير معروفة".
ولدت بنيعيش عام 1961 في مدينة تطوان، وهي ابنة الطبيب والجراح الشخصي للملك الراحل الحسن الثاني، فاضل بنيعيش، الذي قتل أثناء محاولة الانقلاب التي جرت بمدينة الصخيرات في يوليو/تموز 1971.
أخذ الملك الراحل بعد وفاة طبيبه، كريمته التي كانت أكبر شقيقتيها دنيا وعنان وشقيقهم فاضل، وأصبح ولي أمرهم.
تابع الحسن الثاني بنفسه تعليمهم في الكلية الملكية، حيث كانت السفيرة زميلة دراسة الأميرة مريم، أكبر أبناء الملك، فيما كان شقيقها زميل ولي العهد -آنذاك- والملك محمد السادس، وشقيقتيها مع الأميرة حسناء.
بحصولها على شهادة الثانوية العامة علوم اقتصادية بالرباط سنة 1981، سافرت بنيعيش إلى كندا، وحصلت أيضا على إجازة في القانون من جامعة مونريال سنة 1986.
عند عودتها إلى المغرب عام 1987، التحقت بنيعيش بوزارة الخارجية وشغلت مناصب مختلفة، منها مديرة التعاون الثقافي والعلمي، وكذلك المستشار الدبلوماسي لترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم.
في عام 2008، أصبحت سفيرة للمملكة بالبرتغال، ومكثت فيها لما يقرب من 10 سنوات، حتى تعيينها عام 2017 في مدريد، لتحل محل شقيقها فاضل، وهو أيضا خبير في الملف الإسباني.
مسلحة بثقافتين
بنيعيش هي رئيسة وعضو بالعديد من الجمعيات التي تعنى بالطفولة والمرأة والثقافة، وجرى توشيحها بعدة أوسمة، بينها قائد الاستحقاق المدني في إسبانيا سنة 2000، ووسام الاستحقاق الوطني في فرنسا عام 2007.
وأفاد دبلوماسي سابق لـ"جون أفريك"، أنه "قبل فترة طويلة من تعيينها في لشبونة، اندرج اسمها عدة مرات على قوائم السفراء المحتملين في وزارة الخارجية، لكن والدتها كانت كبيرة في السن ومريضة، لذلك أرادت البقاء بجانبها لأطول فترة ممكنة".
ولدت بنيعيش لأم إسبانية، كارمن ميلان، التي وصلت إلى مدينة تطوان شمال المغرب وقت زواجها من الدكتور بنيعيش، الذي التقت به في مدينة غرناطة أثناء دراسته للطب هناك.
وكانت كارمن ميلان فخورة بجذورها الأندلسية ولم تتردد في مشاركة ثقافتها من خلال الطبخ والموسيقى، لكنها جعلت من المغرب وطنها بالتبني.
عاشت ميلان حتى وافتها المنية في الرباط حيث دفنت، وأصرت على منح أطفالها تعليما مغربيا مع الحرص أيضا على تشبعهم بالتقاليد المغربية والدين الإسلامي.
موقع "العرب" (يصدر من بريطانيا) عنون مقالا عن بنيعيش في 16 مايو/أيار 2021، بـ”دبلوماسية اقتصادية مسلحة بثقافتين”، مفيدا أنه “تجري في عروقها دماء إسبانية وعروق متجذرة في تربة الحضارة والثقافة المغربية، ولهذا فهي متشبعة بثقافة مزدوجة ولغة إسبانية ممتازة".