عبدالوهاب الديلمي.. داعية يمني وقيادي في "الإصلاح" حاربه الجميع

سام أبو المجد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

غيب الموت الشيخ اليمني الدكتور عبدالوهاب بن لطف الديلمي، بعد معاناة مع المرض، عقب إصابته بفيروس كورونا في مدينة إسطنبول التركية.

ويعد الشيخ الذي توفي صبيحة 26 مايو/أيار 2021 من أبرز الشخصيات الدينية والأكاديمية في اليمن، وأبرز قيادات حزب الإصلاح، حيث شغل منصب رئيس دائرة التعليم في الحزب، ورئيس الدائرة القضائية أيضا.

جدل الفتوى

عقب وفاته، احتدم جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي بين أكثرية تتحدث عن محاسن الرجل، وأقلية من التيار اليساري، على وجه الخصوص، تحمله مسؤولية فتوى قديمة منسوبة إليه عندما كان وزيرا للعدل، إبان حرب الانفصال بين قوات الجيش اليمني والانفصاليين الجنوبيين في صيف عام 1994.

وكانت صحف يمنية نشرت في تلك الفترة فتوى قالت إنها للديلمي، ونقلت أنه كفر الحزب الاشتراكي (حزب حكام الجنوب الذين قرروا الانفصال) وأجاز قتل المدنيين الذين تتمترس بهم القوات الانفصالية، استنادا على فتوى شهيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية.

غير أن الشيخ الديلمي نفى هذه الفتوى مرارا وقال إنه تم تحريفها وإخراجها عن سياقها، مؤكدا إنه لم يجز قتل المدنيين، ولكن هناك من يعمل على تحريف هذه الفتوى واستثمارها سياسيا وحزبيا، وقد دعاهم في نهاية المطاف للمباهلة (الابتهال إلى الله بإنزال اللعنة على من يكذب). 

بحسب مراقبين، فإن المؤسسات الإعلامية التابعة للأحزاب اليسارية التي تعد عدوا تقليديا لحزب الإصلاح، عملت على تحريف هذه الفتوى ونشرها.

 كما عملت الدوائر الأمنية التابعة لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح على تحريف ونشر تلك الفتوى، بغية صرف الأنظار عن مسؤولية صالح الشخصية عن الحرب في الجنوب، والتأليب على الرجل وعلى حزب الإصلاح  المعارض لذلك النظام.

كما أن الإماميين (الذين يحصرون الإمامة فيهم) والذين وقف منهم الشيخ الديلمي موقفا حادا، نظرا للأفكار العنصرية التي تبنوها، كان لهم دور في محاولة تشويه سمعة الرجل والتأليب عليه على الدوام.

النشأة والتعليم

اسمه عبد الوهاب بن لطف زيد الديلمي، ولد بمحافظة ذمار، عام 1938 لأسرة معروفة بالعلم والفقه، حيث كان والده الشيخ لطف الديلمي من أبرز الشخصيات والمرجعيات الدينية للمذهب الزيدي ( نسبة لمؤسس المذهب زيد بن علي).

نشأ الشيخ الديلمي بمدينة ذمار يتيما، فقد توفيت أمه ولما يكمل العامين، ودرس في الكتاتيب عددا من العلوم الشرعية فحفظ القرآن صغيرا، ودرس علم الأصول والحديث والفقه والنحو والبلاغة وغيرها من العلوم. 

توجه عقب ذلك إلى صنعاء، والتحق بدار العلوم، وكانت الدار الوحيدة التي يدرس فيها أبناء النخبة، خصوصا من أبناء المذهب الزيدي الذي كان مذهب الإمام الحاكم حينها يحيى حميد الدين ومن بعده أحمد حميد الدين، ودرس في الدار حتى قيام الثورة اليمنية عام 1962.

بعد اندلاع الثورة وانفتاح اليمن على الدول الأخرى، سافر الشيخ الديلمي إلى مصر، ضمن بعثة دراسية لدراسة الثانوية في معهد البعوث الإسلامية على نفقة الأزهر، ثم التحق بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، غير أنه لم يكمل الدراسة فيها.

 فقد اتجه إلى السعودية وهناك درس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتخرج من كلية الشريعة عام 1973.

واصل دراسته العليا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وحصل منها على درجة الماجستير في الشريعة عام 1978، ثم على الدكتوراه في التفسير، من كلية أصول الدين في جامعة محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، عام 1984. 

حصل على الترقية إلى درجة "أستاذ مشارك" من جامعة صنعاء عام 1994، ثم إلى درجة "أستاذ" من جامعة الإيمان عام 2000، والترقية أيضا إلى درجة "أستاذ" من جامعة صنعاء عام 2010.

أدعياء الزيدية 

تعددت جبهات الرجل، فكان له جبهة مع النظام الحاكم وحزب علي عبدالله صالح، وجبهة أخرى مع التيارات اليسارية، وجبهة مع الإماميين.

فقد كان للرجل موقف صارم مع أبناء طبقته الهاشمية (الذين يدعون انتماءهم لسلاسلة النبي محمد عليه السلام)، وأبناء المذهب الزيدي، وقد دخل معهم في عراك بسبب انحيازاته العقائدية والمذهبية، وانتقد من قال إنهم أساؤوا إلى الزيدية.

كان أبرز من دخل معهم في عراك شقيقه أحمد، حيث انتقلت الأزمة إلى تأليف الكتب، فقد ألف أحمد الديلمي كتابا بعنوان "الزيدية بين محب غال ومبغض قال".

واتهم أخاه بأنه ينقل التسنن للمذهب الزيدي، أي يحول إلى سني، وقد رد عليه الشيخ عبدالوهاب بكتاب بعنوان "جناية أدعياء الزيدية على الزيدية".

موقف الديلمي الحاد من الإماميين في اليمن، تسبب له بمضايقات كبيرة.

زادت تلك المضايقات بعد مجيء الحوثي، فقد تم اعتقال عدد من أبنائه ومصادرة ممتلكاته وفصله من وظيفته الجامعية كعضو هيئة تدريس في جامعة صنعاء، ما أجبره أخيرا على النزوح إلى السعودية ثم إلى تركيا.

 كان يحارب التصنيفات الاجتماعية العنصرية التي تقسم الناس وتضعهم في مستويات دونية بحسب المهنة أو الحرفة، كالجزار والحلاق والحجام والحداد.

الوظائف والمسؤوليات

عمل الشيخ الديلمي في السعودية مدرسا في عدد من المدارس الأهلية في مكة، أثناء تحضيره للماجستير، وعند عودته إلى اليمن بعد حصوله على الدكتوراه، عمل في التدريس بجامعة صنعاء، ثم جامعة الإيمان، أستاذا ثم إداريا.

تبوأ منصب مدير جامعة الإيمان لمدة 14 عاما، وعمل أيضا أستاذا في الجامعة اليمنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا بصنعاء.

أما المناصب فقد تبوأ منصب عضو مجلس الشورى لنحو 7 أعوام من عام 1986 وحتى عام 1993، وتبوأ عضوية مجلس النواب في نفس الفترة، ثم وزيرا للعدل من عام 1994 وحتى 1997، ثم اتجه للتدريس.

أثناء توليه منصب وزير العدل، كان أول قرار اتخذه هو كسر احتكار معهد القضاء الأعلى لطبقة "الهاشميين"، حيث كان المعهد حكرا على الأسر الهاشمية منذ عام 1970، وعودة الهاشميين لمؤسسات الدولة عقب اتفاقية 1970 بين الجمهوريين والملكيين، وهو الإجراء الذي دفع ثمنه غاليا مع بني عمومته الهاشميين من المنتمين للمذهب الزيدي.

إلى جانب المناصب التي تبوأها، كان عضوا في عدة هيئات دولية منها عضوية المجمع الفقه الإسلامي بجدة، وعضو الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف، فضلا عن تبوئه منصب رئاسة الهيئة الشرعية في عدد من البنوك اليمنية، 

كان الديلمي خطيبا وكاتبا وناشطا وغزير المعرفة، وألف أكثر من 15 كتابا، كان بعضها كتبا نوعية، مثل كتابه "جناية الزيدية على الزيدية"، فضلا عن تحقيقه لعشرات المخطوطات وإشرافه على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه.

 له 13 ولدا، ذكورا وإناثا، وكان ابنه هاشم  قد قتل في أفغانستان، إبان الحرب الأفغانية الروسية، عقب تنظيم حملات "للجهاد في أفغانستان في نهاية الثمانينيات".

وكان خبر مقتل ابنه الذي كان مرافقا لعبدالله عزام أحد قادة المقاتلين في أفغانستان، مؤلما للشيخ الديلمي إلا أنه كان مثالا للرضا.

وتناقل الناس عبارته المعروفة عقب مقتل ابنه: "من جاءني مباركا فأهلا به، ومن جاءني معزيا فليعد من حيث أتى".