المقرئ الإدريسي.. برلماني ومفكر مغربي يزعج النظام بتصريحاته العاصفة
يثير المفكر المغربي أبو زيد المقرئ الإدريسي، بتصريحاته ومواقفه الجدل، وما أن تهدأ عاصفة حتى يشعل أخرى، لأن كلمة الحق حول قضايا الأمة على "طرف لسانه"، وفق متابعيه.
ومنذ سنوات لا يزال المقرئ أبو زيد ممنوعا من الظهور في الإعلام الرسمي، وهناك تعليمات صارمة للمسؤولين عن الإعلام والصحفيين في المملكة بعدم استدعائه أو حتى أخذ مجرد رأي له في قضايا عامة.
هذا الحظر لا يمنع الرجل من الظهور على الساحة بمواقفه من قضايا مختلفة ذات صلة بالهوية والقيم، خاصة دفاعه عن اللغة العربية ومواجهته المستمرة ضد التيار الفرانكفوني في المملكة المدافع عن استمرار هيمنة اللغة الفرنسية.
أسرة متدينة
بلغة عربية فصيحة ونبرة صوت مميزة، جال المقرئ الإدريسي ربوع المغرب كافة، وتنقل من قارة إلى أخرى يلقي المحاضرات ويقدم المواعظ، دون التفاف لضربات وانتقادات خصومه داخل المملكة وخارجها.
ولد المقرئ الإدريسي عام 1960 بمدينة مراكش من أسرة متدينة، وهو سياسي إسلامي وداعية ومفكر، وهو نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية، ومن منظري حركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوية للحزب).
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدينة الجديدة، ليلتحق بعدها بجامعة محمد الخامس في العاصمة الرباط، وحصل على الإجازة في الأدب العربي سنة 1982، وعلى دبلوم الدراسات الجامعية العليا تخصص لسانيات في 1984، ودبلوم الدراسات العليا تخصص لسانيات عام 1987.
شغل بين 1984-1997 أستاذا مساعدا، وبعدها أستاذا بجامعة الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء، ومنذ 1997 انتخب على فترات برلمانيا عن حزب "العدالة والتنمية" وبين 2002-2007 عمل رئيسا للجنة الصداقة المغربية - الإيرانية التابعة للبرلمان.
وأيضا كان عضو لجنة "القطاعات الإنتاجية" التابع للبرلمان، فلجنة القطاعات الاجتماعية، ثم لجنة العدل والتشريع.
شغل عضوا في عدة هيئات علمية ودعوية، منها: مجلس الشورى لحركة الإصلاح والتجديد، رابطة الأدب الإسلامي العالمية، المؤتمر القومي الإسلامي، الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
له عدة مؤلفات، منها "الغلو في الدين"، 2010، و"عموم الرحمة وعالمية الإسلام" و"القرآن والعقل".
صوت المغيبين
تصريحاته كانت دائما مستفزة لمخالفيه، وفي مداخلة قوية له في 28 أبريل/نيسان 2021، أغضبت وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، طالب المقرئ الإدريسي، بالكشف عن الدراسة التي تم إنجازها حول أهمية تقنين "القنب الهندي" (مخدر الحشيش) قبل الشروع في مناقشته.
وقال خلال المناقشة بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، بأنه يمثل صوتا "لجهات غيبت ولو استشيرت قبل صياغة هذا المشروع لربما تم تجاوز العديد من أعطابه ونقائصه"، على حد تعبيره.
وأشار إلى أن هناك تنسيقية من المجتمع المدني "تشتغل في الميدان وتكابد وتعاني، كونت ائتلافا لمناقشة هذا القانون وقدمت ورقة أهم ما جاء فيها هو مد المجتمع المدني وعموم المواطنين بدراسة الجدوى (الأهمية) التي قيل إنها أنجزت والبعض قال عنها إنها سرية!".
وأعرب الإدريسي عن تبنيه لهذا المطلب، متسائلا "كيف يمكن أن تكون هناك دراسة جدوى سرية؟!"، قائلا "إن لم تكن موجودة يجب إنجازها قبل الشروع في مناقشة هذا القانون".
كما طالب بتدخل وزارة الصحة لضمان السلامة الصحية والحفاظ على الصحة العامة، والانفتاح على التجارب الدولية والقيام بدراسات مقارنة مع مراعاة الخصوصية المغربية.
وأكد على ضرورة إشراك الفاعل الديني المتمثل في المجلس العلمي الأعلى باعتباره هيئة الإفتاء الرسمية المكلفة بالنظر في القضايا والأسئلة الشرعية.
وكان الإدريسي قد وجه مناشدة إلى البرلمان في مداخلته، للتريث في التصويت على مشروع تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، محذرا من “آثار كارثية” يمكن أن تترتب عن هذا التقنين، كما حذر من أن “لا يجد هذا القانون سكة يمكن أن يمشي عليها”، لأن الدول، التي تستعمل القنب الهندي تزرع ما يكفيها منه، حسب قوله.
وطالب المقرئ الإدريسي، وزارة الداخلية بالتصدي إلى من وصفهم بـ”الأباطرة” قبل الالتفات إلى نقاش تقنين القنب الهندي، وقال: “لما توقفوا الأباطرة أصحاب الضيعات، وسارقي الماء والكهرباء ذاك الساعة نشوفو الضعفاء لنضع قانونا في صالحهم”.
ودعا إلى ضرورة طلب آراء عدد من الهيئات الدستورية حول مشروع تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، من بينها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كما طالب بمراسلة المجلس العلمي الأعلى، ومعرفة رأيه.
ومنذ فترة، يشهد موضوع تقنين الاستعمالات المشروعة في الأغراض المشروعة الطبية والصناعية لـ"القنب الهندي" جدلا في المغرب بين مؤيد ورافض، ولا يزال يثير الجدل بمنصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد مصادقة الحكومة في 11 مارس/ آذار 2021، على "المشروع"، وعرضه على مجلس النواب.
كلمة الحق
المقرئ الإدريسي لا يدع مجالا يرى فيه "بابا للإصلاح" والصدح بكلمة الحق إلا وينبس بها أمام الملأ، ومن أهم المواضيع التي يثيرها في محاضراته وندواته، انتقاده المستمر لـ"الفرانكفونيين المغاربة" (الناطقين باللغة الفرنسية).
وفي إحدى أشهر كلماته، قال المفكر المغربي إن اللغة الفرنسية تحولت إلى أداة إقصاء ممنهج للشعب المغربي وتمكين وهيمنة للنخبة الفرانكفونية من خلال الإيهام بأن النجاح مرتبط بفرنسا (التي استعمرت المغرب بين 1912 و1956) والفشل مرتبط بـ"التعريب".
جاء ذلك خلال درس افتتاحي في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة (غير حكومي) بالعاصمة الرباط قبل 3 سنوات، في موضوع "التدريس بالفرنسية في المغرب.. الخلفيات والمآلات" حيث انتقد توجهات وزارة التعليم ورصد فيها 17 إجراء حاسما للتمكين للفرنسية، مقابل 4 إجراءات فقط لخدمة العربية.
ورأى المقرئ الإدريسي، أن ذلك بمثابة "إهانة للوطن وللعقل المغربي، وتعبير عن الهزيمة النفسية"، واعتبر أنه "رغم أن اللغة العربية اليوم في حالة من الضعف هي وأهلها، فإنها الأكثر انفتاحا في العالم، حيث العالم كله مقبل على تعلمها".
وأكد أن "الفرنسية ليست جسرا إلى العلوم الحديثة التي نحن متخلفون فيها، ولكنها علامة هيمنة وهزيمة نفسية"، مشددا في الوقت نفسه على أنه "لا مانع من تعلم جميع اللغات في العالم".
وانتقد المقرئ الإدريسي"المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية" (دستوري تأسس عام 2016 لإنهاء التجاذب بين المنافحين عن اللغات المتداولة بالمملكة) الذي يتم تداول مشروع قانونه التنظيمي في البرلمان، واعتبر أن هذا المجلس، حسب مشروع قانونه، ليس له سلطة، وصلاحيته لا تتجاوز الاقتراح أو تقديم المشورة أو الدراسة أو الرصد.
وختم بأن "مجلسا بهذا النوع لن يغير شيئا من وضع العربية وسيكلف الدولة ميزانية وموظفين فقط، لأنه لا أحد يستطيع زعزعة النفوذ الفرنسي في المغرب".
عاشق فلسطين
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، وعقب استئناف الرباط علاقاتها الرسمية مع تل أبيب، قرر الإدريسي، تجميد عضويته في حزب "العدالة والتنمية"؛ بسبب التطبيع.
ووجه المقرئ الإدريسي، انتقادات لاذعة لقيادة حزبه، وعدد القيادي الإسلامي، الأسباب التي كانت وراء قراره بتجميد عضويته في الحزب، وفي مقدمتها "المواقف النكوصية" من قضايا اللغة العربية، وقبولها بإعادة العلاقات مع إسرائيل، واستقلالية الحزب، ومصداقيته أمام ناخبيه، على حد تعبيره.
وقال إن "المصباح" (العدالة والتنمية) يعرف تحولات "فاجعة" طرأت على مواقف قيادة الحزب.
وأضاف الإدريسي الذي نشر رسالة تجميد عضويته من الحزب، على صفحته بفيسبوك: "لقد تدهورت مواقف الحزب، وبدأ يفقد بوصلته الهادية التي انطلقنا منها جميعا قبل ربع قرن، وفي ظلها حققنا هذا المدى من الشعبية والانتشار"
وتابع بالقول "الوضع العام مقلق جدا ومفتوح على المجهول فكريا وأخلاقيا وشعبيا"
وزاد "يؤسفني أن أخبركم عبر هذه المراسلة باضطراري لتجميد عضويتي في الحزب، إلى حين عقد اجتماع لمناقشة التحولات الأخيرة الفاجعة في مواقف الحزب، من أخطر القضايا التي تمثل صلب مرجعيته، وثوابته وبرامجه وخطابه للناس، وخاصة منها قضية فلسطين، واللغة العربية، وقضية استقلال الحزب ومصداقيته أمام الناخبين".
واعتبر المقرئ الإدريسي، أن حزب العدالة والتنمية، "هرول بطريقة غير مسبوقة نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل"، موجها حديثه بشكل خاص إلى عضو الأمانة العامة لحزب "المصباح" عزيز رباح، بعد تصريح هذا الأخير، استعداده لزيارة إسرائيل، إذا اقتضى الأمر ذلك باعتباره ممثلا المغرب.
وأكد على أن تصريحات رباح "رعناء ومجانية وتقدم للصهاينة ما لم يكونوا يحلمون به".
كما هاجم المقرئ الإدريسي، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، معتبرا أنه سكت على تصريحات وزير في حكومته وعضو الأمانة العامة لحزبه.
وطالب "الغاضبين من الوضع داخل الحزب" بالاستمرار في التعبير عن مواقفهم و"فضح المطبعين والساقطين" وعدم تقديم استقالتهم.
جدير بالذكر أن المقرئ الإدريسي المعروف بأنشطته الكثيرة الداعمة للقضية الفلسطينية، شارك ممثلا للشعب المغربي، في أسطول الحرية الثالث الذي اتجه إلى غزة عام 2015، لكسر الحصار ودعم القطاع الفلسطيني.