المشير أحمد بدوي.. بطل "أكتوبر" الذي مات بحادثة غامضة في عهد السادات
47 سنة مرت على حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، أو حرب "العاشر من رمضان" التي سجلت فيها العسكرية المصرية أروع انتصاراتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتظل سيرة قادة الحرب والشخصيات التي سجلت بطولات خالدة لا ينساها التاريخ حاضرة مع كل ذكرى.
لا ينسى المصريون ذكرى الانتصار، ووقوف القائد العسكري أحمد بدوي أمام الرئيس أنور السادات قائلا: "حافظت على الجنود والضباط وصمدنا ولم يستطع أن ينال منا العدو وكان في جميع اشتباكاته ومحاولاته هو الخاسر وكان يخسر أكثر مما خسرنا ونتيجة لهذا لم يجرؤ العدو على أن يقوم باقتحام مواقعنا بعد أن كبدناه خسائر جسيمة".
كما لم ينس المصريون أيضا رد الرئيس السادات عليه قائلا: "الجيش الثالث الذي صمد وضرب أروع أمثلة البطولة والفداء الصمود، ولقائده أحمد بدوي تقديري وتقديركم جميعا تعبيرا عن تقدير الوطن كله"، فما هو الدور الذي لعبه أحمد بدوي في الحرب؟ ولماذا مثلت نهايته لغزا محيرا إلى يومنا هذا؟.
بطل الثغرة
تجلت بطولة القائد العسكري المصري أحمد بدوي، خلال خوضه غمار حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 الخالدة، والتي حققت فيها العسكرية المصرية أول انتصار لها على دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تمثلت اللحظة الأصعب في تاريخ بدوي، فيما يعرف خلال الحرب بـ "ثغرة الدفرسوار"، إذ كان ضمن تشكيلات الجيش الثالث الميداني، وقائد اللواء 25 مدرعا، الذي يعد من أقوى ألوية الدبابات المصرية بما له من دبابات تي 62 ذات مدفع 115 ملم القوي والدقيق جدا في ذلك الوقت.
بدأت الثغرة يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، عندما قام الجيش الإسرائيلى بعمل معبر على قناة السويس بمنطقة الدفرسوار، وعبرت منها 3 فرق مدرعة بقيادة كل من (أرئيل شارون - أبراهام أدان - كلمان ماجن)، للجانب الغربى من القناة.
بعدها ازداد تدفق قوات العدو وتطور الموقف سريعا، إلى أن تم تطويق الجيش الثالث المصري بالكامل في السويس، والذي كان أحمد بدوي ضمن قادته، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق (السويس-القاهرة)، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة.
فشل الجنرال أرئيل شارون في الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلى في احتلال مدينة السويس، وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب، وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصري.
هنا برزت عبقرية أحمد بدوي أثناء الثغرة والحصار عندما اندفع بقواته إلى عمق سيناء، لخلخلة جيش العدو، واكتسب أرضا جديدة، من بينها مواقع قيادة إسرائيلية في منطقة "عيون موسى" جنوب سيناء.
في بداية حرب أكتوبر، استطاع بدوي وفرقته ببسالة عبور قناة السويس إلى أرض سيناء، وذلك من موقع جنوب السويس ضمن فرق الجيش الثالث الميداني متغلبا على الصعوبات الطبيعية التي واجهته خصوصا في اللحظات الأولى للعبور.
وتمركز بدوي بفرقته في موقعه شرق القناة بعد تطهير مواقع العدو، حيث تمكن من صد هجوم إسرائيلي، استهدف مدينة السويس وحطمه.
نجمة الشرف
ظهرت الشخصية العسكرية القيادية الحاسمة للقائد أحمد بدوي أيام حصار الثغرة، عندما استطاع الصمود مع رجاله شرق القناة، في مواجهات معارك السويس، وقام بتدبير وسائل الإعاشة لهم من الخزين القليل المتبقي، رغم المحاصرة القاسية للعدو، وانقطاع الإمدادات ووسائل الإعاشة عن قواته.
ذلك الصمود المبهر في القتال، دفع الرئيس السادات، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، لإصدار قرار فوري يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 1973، بترقية أحمد بدوي إلى رتبة لواء، وتعيينه قائدا للجيش الثالث الميداني.
وبعد عودة بدوي من ميدان القتال سالما بقواته، قام السادات في 20 فبراير/ شباط 1974، بتكريمه في مجلس الشعب (البرلمان) ومنحه نجمة الشرف العسكرية، بعد أن أجرى معه تحقيقا على مرأى ومسمع من الشعب، تمت إذاعته على شاشات التلفزيون الرسمي، في مشهد من أشهر مشاهد ما بعد الحرب.
حينها سأله السادات بشكل مباشر، قائلا: "تبلغت إليك الأوامر بالصمود وادعى العدو أن السويس احتلت.. هل احتلت السويس؟ ليرد بدوي "لم يتمكن العدو من احتلال السويس ودمرنا جميع دباباته التي حاولت دخول السويس، وتمسكنا بالسويس وظلت صامدة ولم ينل منها العدو أبدا".
ثم سأله السادات مرة أخرى: كانت قوات بدر تحت قيادتك حوالي 50 ألفا بأسلحتها ومعداتها، هل حافظت على المعدات والأسلحة؟ ليقول بدوي بحسم: "حافظت على جميع معداتي وأسلحتي وقاتلت العدو ورديت على جميع اشتباكاته بعنف وطورت الهجوم وعدلت مواقعي وكسبت أراضي جديدة".
السادات حينها قال: "الجيش الثالث اللي (الذي) قيل عنه أنه محاصر اللي قائده أحمد بدوي الذي رقيته وهو في الحصار قائدا للجيش الثالث الذي حمى السويس.. الجيش الثالث الذي صمد وضرب أروع أمثلة البطولة والفداء الصمود ولقائده أحمد بدوي تقديري وتقديركم جميعا تعبيرا عن تقدير الوطن كله".
بعد تلك الإشادات حصل اللواء بدوي على تحية مدوية من نواب البرلمان، ونال إعجاب كافة المصريين، الذين عرفوا عن قرب شخصية ذلك القائد العسكري الذي أصبح علامة من علامات حرب أكتوبر.
ملامح شخصيته
ولد أحمد بدوي يوم 3 أبريل/ نيسان 1927، بمدينة الإسكندرية وبعد أن حصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية التحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1948، ليشارك مباشرة في نفس العام في حرب فلسطين حيث قاتل ضمن صفوف القوات المصرية في المجدل ورفح وغزة والعسلوج.
دخوله إلى الحرب في سن مبكرة ومع بدايات حياته العسكرية المهنية أكسبته خبرة كبيرة في النواحي القتالية والإدارية، خاصة فى فن قيادة الفرق والألوية العسكرية.
بعد انتهاء حرب فلسطين تم تعيينه مدرسا فى الكلية الحربية عام 1955، ثم أصبح مساعدا لكبير معلمي الكلية الحربية حتى عام 1958 وخلال هذه الفترة أضاف كثيرا من العلوم العسكرية إلى المناهج التي كانت تدرس في ذلك الوقت داخل الكلية الحربية.
سافر في بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفيتى لمدة 3 سنوات حيث التحق بأكاديمية فرونز العسكرية العليا وتخرج منها حاملا درجة أركان حرب عام 1961.
بعد عودة أحمد بدوى من الاتحاد السوفيتي شارك في حرب اليمن عام 1965، والتي كانت آثارها كارثية على الجيش المصري، وحارب في العديد من المعارك هناك، ثم عاد ليتولى رئاسة الفرقة السادسة مشاة، وشهد نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، التي مني فيها الجيش المصري بهزيمة ثقيلة على يد العدو الإسرائيلي.
ورغم ذلك أدى بدوي واجبه في معركة الكونتلا وهي قرية تابعة لمركز نخل بمحافظة شمال سيناء على بعد نحو 30 كيلو متر شمال مدينة طابا ونحو 10 كيلو متر من الحدود المصرية مع دولة الاحتلال، خاصة وأن موقعها له أهمية إستراتيجية بالغة، ولكن النتائج النهائية لتلك الحرب حجبت الكثير من العمليات البطولية، وذهب ضحيتها كثير من العسكريين المصريين.
طريد وقائد
لم تخل حياة أحمد بدوي من المنغصات والصدمات، فبعد حرب 1967، صدر قرار بإحالته إلى المعاش، ثم اعتقل لمدة عام على خلفية معارضته لشمس بدران وزير الحربية أثناء نكسة 1967، والذي كان مواليا للمشير عبد الحكيم عامر في خلافه مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
تم الإفراج عن بدوي في يونيو/ حزيران 1968، واتجه إلى الحياة المدنية، إذ التحق خلال تلك الفترة بكلية التجارة، جامعة عين شمس، وحصل على درجة البكالوريوس، شعبة إدارة الأعمال عام 1974.
وفي خضم إعادة هيكلة القوات المسلحة، وإعادة الكفاءات إليها أصدر الرئيس محمد أنور السادات قرارا بعودته إلى صفوف الجيش في مايو/ آيار 1971، والتحق بأكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1972، حيث حصل على درجة الزمالة في نفس العام، وتولى منصب قيادة فرقة مشاة ميكانيكية.
وجاء الدور الحاسم الذي لعبه بدوي خلال حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لتضعه في مصاف كبار قادة القوات المسلحة، وتدرج تباعا في سلم القيادة إلى أعلى الرتب، ففي 25 يونيو/ حزيران 1978، عين بدوي رئيسا لهيئة تدريب القوات المسلحة.
ثم عُين رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 1978، وصار أمينا عاما مساعدا للشؤون العسكرية في جامعة الدول العربية.
ورقي لرتبة الفريق في 26 مايو/ آيار 1979، وأخيرا وصل إلى أعلى درجة في التسلسل العسكري للجيش، عندما عين وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة في 14 مايو/ آيار 1980.
رحيل غامض
في 2 مارس/ آذار 1981، استيقظ المصريون على خبر مفجع، مع إذاعة خبر مصرع وزير الدفاع الفريق أحمد بدوي، مع 13 من كبار قادة القوات المسلحة، عندما سقطت بهم طائرة عمودية، في منطقة سيوة، بالمنطقة العسكرية الغربية، بمطروح.
الحادثة كانت مليئة بالشكوك والألغاز، والتي تم تناولها على نطاق واسع في كثير من التحقيقات والمذكرات العسكرية، التي أشارت إلى أن الوفاة ليست طبيعية وأن الحادث ربما يكون مدبرا.
بعد الحادثة مباشرة أصدر الرئيس السادات قرارا بترقية الفريق أحمد بدوي إلى رتبة المشير وترقية رفاقه الذين قضوا معه إلى الرتب الأعلى.
وانطلقت من مقر وزارة الدفاع، جنازة عسكرية يتقدمها السادات وكبار رجال الدولة، كما أقيمت صلاة الغائب على أرواحهم في المحافظات وسار أبناؤها في جنازات رمزية.
كان المثير للتساؤل حول الواقعة، أن يكون من نجا من الحادث 5 أفراد فقط منهم 4 من طاقم الطائرة وسكرتير وزير الدفاع، وهو ما خلف الكثير من العلامات حول نجاة طاقم الطائرة، خاصة وأن طراز الطائرة (س 8 هيل) كان من النوع الذي يجب أن يفتح بابه من الخارج ولا توجد فتحة إلى قمرة القيادة أي أن من في الداخل محبوس وهو ما رجح أن تكون هناك أيدي خفية أو شبهة تواطؤ.
وكما كانت حياة المشير أحمد بدوي مليئة بالمعارك والبطولات دفاعا عن أرض مصر، وضد العدوان الخارجي، كان موته لغزا محيرا، ونهاية لم تغلق بعد رغم مرور سنوات طويلة.