عبدالرحيم الحويطي.. سعودي قاوم الخوف ودفع حياته ثمنا للدفاع عن أرضه

12

طباعة

مشاركة

"موقف يوم واحد قد يساوي 90 سنة"، بهذه الكلمات سطر أحد أبناء قبيلة الحويطات، عبدالرحيم بن أحمد، ملحمته ضد التهجير القسري الذي تمارسه السعودية ضد القبائل التي تسكن المنطقة قبل حتى أن يكون هناك دولة تسمى بهذا الاسم.

وأعلنت مصادر سعودية في 14 أبريل/نيسان 2020، عن مقتل عبد الرحيم لرفضه الرحيل عن منزله وتركه من أجل تأسيس مشروع نيوم الاستثماري العملاق على الساحل الشمالي الغربي من المملكة والذي يأتي في إطار إستراتيجية ولي العهد محمد بن سلمان، الطموحة لتنويع اقتصاد بلاده، بتكلفة تقدر بـ500 مليار دولار.

وبدأت مأساة الحويطي بإعلان محمد بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017، عن إنشاء مشروع"نيوم" والتي ستمثل ثورة على التقاليد والأعراف التي درجت عليها البلاد، التي لطالما افتخر ملوكها بسيرهم على الشريعة الإسلامية.

ومن المقرر تحويل تلك المناطق إلى مشروع عملاق تصل تكلفته إلى 500 مليار دولار أميركي، على مساحة 26 ألف كيلو متر مربع من الأرض الجرداء المطلة على ساحل البحر الأحمر، والتي لا يتوفر فيها من الموارد سوى أشعة الشمس والمياه المالحة.

ولكن وصفت صحف عالمية مؤخرا، المشروع بأنه نتيجة طبيعية للانسلاخ الذي أخذ خطواته مع إقرار "الترفيه" وتعطيل "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، واعتقال "رموز الإصلاح"، وتقطيع "المستأمن" (جمال خاشقجي) في قنصلية بلاده، وانتهاء بتصفية صاحب كلمة "لن أرحل من أرضي ووطني".

وبلغ امتعاض الحويطي أقصاه بعد ورود أنباء عن استعجال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إنهاء المرحلة الأولى من "نيوم" في 2022 والتي كان من المقرر إنهاؤها في 2025.

وتخطط السلطات السعودية لتهجير أكثر من 20 ألف مواطن من أبناء قبيلة "الحويطات" قسرا بعد أن طلب ابن سلمان التعجيل في إقامة المشروع المثير للجدل.

مقاومة الخوف

في 13 إبريل/ نيسان 2020، كسرت قوات الأمن السعودية حظر التجوال المفروض بشكل كامل على المدن والمحافظات الكبرى، واستغلت الأمر في إنهاء ما بدأت به، التهجير القسري لقبائل الحويطات التي تسكن الأراضي المزمع إقامة مدينة "نيوم" عليها.

وقع الاختيار على ما تبقى من منازل قرية "خريبة" التي يسكنها الحويطات بالإضافة إلى قرى أخرى، وكان في استقبالهم رجل أربعيني، لم يثنه اعتقال أبناء عمومته، وتهجير كثير من قبيلته، عن عزمه بالبقاء في منزله الذي يملكه بصك شرعي قبل ما يقرب من 20 سنة.

ويساور القلق قلوب وعقول أفراد قبيلة الحويطات التي تسكن شمال غرب السعودية، منذ الإعلان عن تأسيس "نيوم"، في مناطق سكن القبيلة العريقة.


كان "عبد الرحيم" يعلم في قرارة نفسه، أن ما ينوي ابن سلمان فعله في أرضه التي ولد ونشأ بها، إنما هو في صالح غير أهلها، معتبرا أن ما يقوم به ولي العهد إنما هو محض "تصرفات طفولية" تأثرت بمشاهدة أفلام الكرتون العنيفة، على حد تعبيره.

وأصر عبدالرحيم على كسر حاجز الخوف، مؤمنا بأن ذلك يمهد لنهاية سطوة أي نظام يقوم على الترهيب والقمع، مؤكدا في خطابه على نزع الشرعية والولاء من "آل سعود"، نظرا لما يفعلونه في حق مواطنيهم.

وأكد "عبدالرحيم" في فيديو نشره على قناته في "يوتيوب"، أن الهدف من إقامة "نيوم" هو استقطاب أصحاب الأموال وتوطينهم في تلك الأراضي، "ولن ينعم المواطنون الأصليون بأي من تلك المقومات التي حرموا منها على مدار سنين طويلة".

وتطرق "عبدالرحيم" إلى مسألة لطالما راودت عقول الشباب في المملكة، تتعلق بالدور الذي تمارسه هيئة كبار العلماء، لا سيما وأنها سايرت النهج الجديد الذي خطاه ابن سلمان وارتضاه للبلاد التي مثلت موئلا للمسلمين في كل أصقاع الأرض.

وصمهم "عبدالرحيم" بالخيانة والجبن، وحملهم المسؤولية تجاه ما يحدث في البلاد، متحدثا عن صورتهم التي اهتزت في نظر الشعب.

كما انتقد العلماء الذين سكتوا على سياسات ابن سلمان بل أسبغوا عليها صفات الشرعية، رغم الانتهاكات التي ارتكبها بحق آلاف المعتقلين، ووقوفه خلف اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، إضافة إلى مئات الجنايات على جميع المستويات الدينية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

كل ذلك أدى إلى انسداد كافة الطرق لتغيير الأوضاع السيئة، مما دفع بعبدالرحيم إلى سلوك مسار بديل يمكن من خلاله بعث الروح في أجساد ماتت بفعل القمع والبطش والرمي خلف غياهب السجون والمعتقلات.

خطاب عابر للحدود

ارتكز عبدالرحيم في مقطعه المصور قبل مقتله، على تضحيات الفلسطينيين أثناء تهجيرهم من أراضيهم بعد دخول جنود الاحتلال الإسرائيلي إليها، مشيدا بتلك البطولات التي عافت الأموال الطائلة في مقابل التنازل عن الأرض، وآثرت الهجرة إلى أراض أخرى مصطحبة الأمل في العودة عما قريب.

كان عبدالرحيم يتوقع قتله أو سجنه ويعلم يقينا أن النظام السعودي لن يمهله حتى يخرجه من أرضه، إما باعتقاله أو اتهامه بالإرهاب. وأكد أن "نيوم" ستكون مرفأ آمنا، لا يتمتع به المواطن السعودي ولا حتى بأبسط حقوقه كالصحة والأمن.

انتظر "عبدالرحيم" قدوم الموت في خطوات قوات الأمن التي حاصرت قريته ومنزله، وصور عدة مقاطع ونشرها على "اليوتيوب"، ولكن الملاحظ فيها جميعا، رباطة جأش خرافية اتسم بها خلال كلماته، التي استطاع من خلالها عرض قضيته باختصار غير مخل، مضيئا الطريق لكل حر يفكر في التوقف عن الاستسلام لانتهاكات ابن سلمان.

ومؤخرا، اعتقل ابن سلمان شيخ قبيلة "عتيبة" العريقة وأذل رموزها، الأمر الذي مثل شرارة إذا ما قامت القبائل العربية قومة رجل واحد ضد السلطات.

وتنتشر القبيلة في كل من شمال غرب السعودية، والأردن، وفلسطين ومصر، وتتوزع ديارهم في المملكة على ساحل البحر الأحمر ممتدة إلى الداخل حتى جبال السروات، وتنتشر عشائرها على ساحل خليج العقبة من مدينتي حقل شمالا إلى الوجه جنوبا.

ويؤكد ناشطون عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن قبيلة "الحويطات" وفخوذها متجذرون في مناطق شمال غرب شبه الجزيرة العربية من قبل أن يدخل مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز إلى الرياض، في إطار استنكارهم لقرارات التهجير القسري.