محمود العربي.. رجل أعمال مصري لم يتخل عن موظفيه وقت كورونا
"نحن أسرة واحدة والشركة ستتحمل الأعباء، وقررنا تبكير صرف الرواتب والمنح.. لم نقرر لحظة خفض المرتبات، نحن دائما نرفعها.. المركب ستظل سائرة بأمان وسلام.. ربنا ينجينا منها ومن كل كرب".
كلمات باعثة للأمل والطمأنينة في النفوس، شد بها رجل الأعمال المصري محمود العربي، على قلوب وسواعد موظفيه، في ظل جائحة كورونا التي اضطرتهم للمكوث في البيوت.
"الحاج محمود العربي" كما يناديه الجميع هو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي، وصاحب توكيلات شارب وتوشيبا وسيكو قال: "الحمد لله بدأت الشركة أسرة واحدة وستستمر كذلك، وحاليا هناك 35 ألف موظف وأكثر، والحمد لله مر على الشركة الكثير من المحن والله حولها إلى منح".
موقف العربي جاء مغايرا لموقف رجال أعمال آخرين، تذمروا من حظر التجوال الذي فرضته السلطات بسبب كورونا، كان على رأسهم نجيب ساويرس الذي صرح قبل أيام قائلا: "عايزين قرار ثوري بعودة العمل، وإنهم يشتغلوا ويناموا في المصانع وميرجعوش لأهاليهم، وإن الناس دي ممكن شهر ولا اتنين ونلاقيهم انتحروا بسبب عدم وجود الرواتب".
ومثله فعل حسين صبور، رئيس نادي الصيد، معلنا "مش هتبرع لكورونا، ومش مسؤول عن دخل الشعب، ورجعوا الناس للشغل فورا.. شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس".
نموذجين لرجلي اعمال في مصر
— الْدْڪْتْوْرْةْ ���� (@dC00R) April 6, 2020
_مجموعه العربي"لن نتخلى عن أحد منكم ،وسنقديم موعد صرف المنح والمرتبات، ولن نخفض مرتبات موظف
_نجيب ساويرس البالغ ثروته13 مليار دولار ومكسبه فقط بنصف العام الماضي 750مليون جنيه يبتز موظفيه قائلا خفضنا مرتبات العاملين بشركاتنا الي50%#كورونا
قسوة البدايات
في عام 1932، ولد محمود العربي بقرية أبو رقبة التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية شمالي مصر، فكانت النشأة من جذور ريفية، لم يستطع الالتحاق بالتعليم لظروف والده الاقتصادية الصعبة.
منذ الطفولة المبكرة عرف العربي الطريق إلى العمل، حيث استخدم مصطبة منزلهم كأول متجر له يبيع عليها لعب الأطفال البسيطة في الأعياد والمناسبات، ويروي عن نفسه أنه كان يدخر ثمن البيع والأرباح ليشتري ألعابا أخرى يبيعها.
لما اشتد ساعده، اصطحبه أخوه الأكبر محمد العربي، للعمل فى منطقة سوق الموسكي المشهورة بالتجارة في وسط القاهرة، كبائع في محل، وانتقل من متجر إلى آخر.
في عام 1963 وبفضل مثابرته وإصراره وطموحه، استطاع العربي أن يشتري وشريكان له، متجرا صغيرا، وهنا كانت نقطة التحول في حياة محمود العربي، فلأول مرة يصبح صاحب عمل، بدلا من كونه أجيرا.
صديق وفي
برأس مال لا يتعدى 4 آلاف جنيه مصري فقط، بدأ العربي وأصدقاؤه، أنشطتهم فى تجارة الخردوات والأدوات المدرسية ولعب الأطفال، في محل متواضع بمنطقة الموسكي، لكنه ما زال محتفظا به حتى الآن.
بعد أن بدأ العربي عمله الجديد بأيام قليلة، مرض أحد الشركاء الثلاثة لمدة عامين، فأدار الحاج محمود خلالهما المحل بمفرده، ونمت التجارة بسرعة كبيرة واشتهر بأمانته، فكانت سر نجاح منقطع النظير وحقق المتجر أرباحا هائلة.
استمرت الشراكة عامين، تخللها خلاف حول إخراج الشريك الثالث المريض، وهو ما رفضه العربي، وفي النهاية تم فض الشركة وترك العربي وشريكه المريض المتجر، واشتريا متجرا آخر.
بعد فترة عاد الشريك الثالث القديم وعرض العودة مرة أخرى للشراكة، فأصبح لدى الحاج محمود متجران، أحدهما كان يساعده فيه أبناء شريكه المريض، وعندما نمت وتوسعت تجارته، جاء العربي بشقيقيه محمد وعبد المجيد ليعملا معه ونجحت الشركة نجاحا منقطع النظير وحولها إلى شركة مساهمة.
تجارة العربي كانت ترتكز في ذلك الوقت من نهاية الستينيات، على الأدوات المكتبية والمدرسية، وعندما قررت الحكومة صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، اتجه العربي إلى تجارة الأجهزة الكهربائية.
نحو اليابان
في عام 1975 بشكل قدري تعرف محمود العربي على أحد اليابانيين الدارسين بالجامعة الأميركية في القاهرة، والذى كان دائم التردد على محلاته، وكان هذا الياباني يعمل لدى شركة توشيبا اليابانية العالمية، فكتب تقريرا لشركته أكد فيه أن العربي هو أصلح من يمثل توشيبا في مصر، فوافقت الشركة على منحه التوكيل في نفس العام.
زار العربي اليابان ورأى مصانع الشركة العملاقة التي حصل على توكيلها، وطلب من المسؤولين فيها ضرورة إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر، وهو ما تم بالفعل، حيث كانت لديه قطعة أرض على طريق مصر إسكندرية الزراعي قرب مدينة بنها، زارها خبراء يابانيون، وأقروا بصلاحيتها التامة لإنشاء المصنع وتم بناء أول مصنع للشركة في مصر.
تبدل مسار العربي من رجل تجارة لرجل صناعة وإنتاج، وفي عام 1980 تم انتخابه عضوا بمجلس إدارة الغرفة التجارية بالقاهرة، ثم اختير أمينا للصندوق، وفي عام 1995 انتخب رئيسا لاتحاد الغرف التجارية.
قلعة صناعية
في حوار صحفي أجراه محمود العربي عام 2015، تحدث فيه عن قصة حياته، وقصة تأسيس مصانع العربي، قائلا: "بدأنا نخطط ونعمل على تحويل مصنع بنها إلى مجمع صناعي ضخم لتصنيع مختلف الأجهزة الكهربائية، فبالإضافة لمصنع التليفزيون بعد مصنع المراوح والراديو كاسيت، تم إنشاء مصنع المحركات ثم مصنع الشفاط، ثم بعده بدأنا فى إنشاء مصنع مراوح السقف، ثم مصنع المكواة وأخيرا مصنع الغسالات نصف الأوتوماتيك".
وأضاف: "تدريجيا تم تحويل مجمع بنها الصناعي إلى قلعة صناعية تضم 10 مصانع متكاملة، تمتد على مساحة 36 ألف متر مربع".
وأردف: "أحيانا أسأل نفسي: هل كنت أتخيل يوم اشتريت الثلاثة فدادين من الحاج محمد العطار، أنه سيأتي اليوم الذي تتحول فيه مساحة تلك الفدادين الثلاثة إلى ثلاثة أضعاف خلال 20 سنة".
وعلى مدار 3 عقود أصبح العربي كيانا عملاقا يضم 8 شركات تجارية وصناعية وخدمية كبرى ومجمعين صناعيين يضمان 16 مصنعا مزودة بأحدث خطوط الإنتاج في العالم علاوة على عدد آخر من المشروعات الاستثمارية لتصنيع وتسويق المنتجات في المنطقة العربية وإفريقيا.
"الشمس المشرقة"
في مايو/ آيار 2009، حصل محمود العربي على وسام "الشمس المشرقة" من الإمبراطور الياباني أكيهيتو، لدوره في دعم وتحسين العلاقات الاقتصادية المصرية اليابانية، ويعد ذلك الوسام هو أرفع وسام ياباني يمنح للشخصيات الأجنبية.
ويقول العربي عن قصة حصوله على وسام الشمس المشرقة: "الأمر بدأ بلقاءات عديدة جمعتنى بسفير اليابان بالقاهرة، وكانت تربطني به صداقة واحترام".
وأضاف: "علمت فيما بعد أنه صرح للمقربين منه بأنني أستحق الحصول على وسام الشمس المشرقة، الذي يقدمه إمبراطور اليابان سنويا لعدد من الأشخاص على مستوى العالم، ممن عملوا على تعميق العلاقات بين بلادهم وبين اليابان.. إنه أعلى وسام يقدمه الإمبراطور لأي أجنبي يرغبون في تكريمه، ولقد فوجئت تماما بذلك الترشيح الكريم".
مستر "نيشمورو" الرئيس السابق لـ"توشيبا" العالمية، والذي شغل منصب رئيس البورصة اليابانية، سبق له القول: "مستقبل اليابان فى مصر مرتبط باسم العربي، لأنهم هم أصحاب الإنجازات والتطور السريع".