5 تحديات كبرى تواجه بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي

أسامة جاويش | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"تم كتابة التاريخ ولكن القصة لم تنته فصولها بعد"، هكذا تلخص بريطانيا حالها الآن بعد خروجها في 31 يناير/كانون الثاني 2020 من الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي على يد بوريس جونسون رئيس الحكومة البريطانية وحزب المحافظين، بعد عضوية دامت أكثر من 47 عاما.

رفع جونسون شعاره الانتخابي "فلننجز الخروج من الاتحاد الأوروبي" فحقق ذلك وظن أنه يكتب التاريخ، ولكن المستقبل يبدو مظلما، حيث بات على حكومته أن تواجه خمسة تحديات كبرى في أقل من 11 شهرا هي مدة الفترة الانتقالية.

صفقة تجارية

بخروج المملكة المتحدة رسميا، بات عليها أن تواجه أكبر تحد أمامها وهو الاتفاق على صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي في ظل مرحلة انتقالية قصيرة للغاية فرضتها بريطانيا على نفسها بإرادتها بعد الإصرار على عدم تمديد فترة الانتقال (بدأت مع تاريخ الخروج الرسمي وتنتهي مع بداية العام الجديد) بعد "بريكست" إلى ما بعد نهاية عام 2020.

بوريس جونسون تمسك بموقفه في المحادثات مع بروكسل، مطالبا باتفاقية تجارة حرة "على الطراز الكندي" وتعهد بأن بلاده لن تقبل أي قواعد للاتحاد الأوروبي بشأن الحماية الاجتماعية والبيئة.

كما أرسل خطابا للبرلمان البريطاني يتحدث فيه عن اثني عشر شرطا لإتمام صفقة كهذه ما دفع زعيم حزب الليبرالي الديموقراطي بالإنابة السير إد دافي أن يتهم جونسون بأنه يسعى للخروج دون اتفاق وهو الأمر الذي صوت ضده مجلس العموم البريطاني ثلاث مرات في أقل من عام.

كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه أكد أن بروكسل مستعدة لتقديم "عرض استثنائي" لاتفاقية تجارة حرة واسعة النطاق، لكنه قال: إن الأمر مشروط بالاحتفاظ بقواعد الاتحاد وهو ما رفضه جونسون جملة وتفصيلا وقال: إنه لا حاجه للالتزام بشروط منطقة اليورو. 

منظمة التجارة الدولية ذكرت في سبتمبر/أيلول 2019 أن بريطانيا ترتبط بعلاقات تجارية مع دول الاتحاد الأوروبي بما يوازي 49% من إجمالي تجارتها الخارجية، وبنسبة 11% مع دول تلتزم بالسياسات التجارية الحاكمة للاتحاد، وترتبط مع دول خارج منطقة اليورو تجاريا بنسبة 40%.

بريطانيا ترتبط بعلاقات تجارية مع دول الاتحاد الأوروبي بما يوازي 49% من إجمالي تجارتها الخارجية

وهذا الأمر يعني أن خروج بريطانيا دون اتفاق مع نهاية المرحلة الانتقالية بنهاية العام الجاري يعد كارثة اقتصادية حقيقية على المملكة التي تسعى مرة أخرى لتكون بريطانيا العظمى.

ويكفي الاشارة إلى أن الجنيه الإسترليني قد انخفض بنسبة 1.3% أمام الدولار الأمريكي وبنسبة 0.9% أمام اليورو، فور أن ألقى جونسون خطابه الرافض لأي تفاهمات مع الاتحاد الأوروبي في الثالث من الشهر الجاري.

أمن بريطانيا

إذا كان التحدي المتمثل في إبرام صفقة تجارية في غضون 11 شهرا ليس بالأمر الصعب كما يحاول بوريس جونسون الترويج له، فيجب على المملكة المتحدة أن تستعد لمواجهة تحد أكبر فيما يتعلق بالموافقة على إبرام معاهدة للتغلب على التعديلات القانونية المتعلقة بطريقة عمل البلدان معا في مجال الأمن.

فعلى سبيل المثال، ستفقد المملكة المتحدة مكانها في الفريق الذي يدير يوروبول، وهي "الوكالة التي تنسق التحقيقات الرئيسية في الجريمة المنظمة على نطاق أوروبا".

صحيفة الإندبندنت البريطانية نشرت تقريرا مفصلا عن جلسة عاصفة داخل مجلس العموم البريطاني في الثالث من شهر فبراير/شباط الحالي وجهت فيها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي سؤالا مباشرا لوزير الخارجية البريطاني الحالي دومينيك راب عن وضع بريطانيا فيما يتعلق بمكانها داخل اليوروبول وختمت سؤالها قائلة: "حافظوا على أماننا".

اللافت والمقلق أيضا أن وزير الخارجية أكد المخاوف عندما أشار إلى وجود صعوبات حقيقية تتعلق بالاستمرار في عضوية بريطانيا داخل يوروبول، متحدثا عن صعوبات أكبر في توقيع اتفاقية جديدة حول هذا الإطار. 

الوضع ما قبل البريكست والذي سيستمر إلى نهاية الفترة الانتقالية يتيح لضباط الشرطة البريطانية استخدام أنظمة الاتحاد الأوروبي لفحص السجلات الجنائية للرعايا الأجانب، أو التنبيهات بشأن الأشخاص المطلوبين من جميع أنحاء القارة.

لكن الوصول إلى هذه المعلومات قد ينتهي أو يصبح أكثر صعوبة لأن العديد من الدول الأعضاء لديها قوانينها الخاصة التي تحكم تبادل البيانات خارج الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن أولويات الحكومة البريطانية في منع التهديدت الأمنية المحتملة من تسرب عناصر متطرفة أو أسلحة للقيام بعمليات إرهابية عبر القناة الإنجليزية قد يتضاءل أمام فقدانها مكانا في يوروبول بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

الحكومة البريطانية تقول إنها تعمل من أجل المستقبل وهو ما أكده بوريس جونسون أكثر من مرة بعد خروجها الرسمي، فقد تعهدت الحكومة على سبيل المثال، بسن قوانين لضمان استمرار الخدمة نفسها التي تتمتع بها المملكة المتحدة من مذكرة التوقيف الأوروبية واتفاقيات تسليم المجرمين بينها وبين الدول الأوروبية الأخرى.

ولكن السؤال هو ما إذا كان هذا ممكنا قانونا ومع فرضية موافقة دول الاتحاد الأوروبي على ذلك -فهل يمكن القيام به بحلول يناير/كانون الثاني 2021؟

الرسوم الجمركية

من الزراعة وصيد الأسماك إلى التصنيع وتجارة التجزئة، يضيف قطاع الأغذية والمشروبات في المملكة المتحدة 460 مليار جنيه إسترليني إلى الاقتصاد البريطاني كل عام، ويعمل فيه أكثر من أربعة ملايين شخص ويمثل خُمس التصنيع في المملكة المتحدة، وهو الجزء الأكبر من هذا القطاع إلى حد بعيد.

هناك بعض التوتر والقلق الشديدين حول ما سيحدث للطريقة المعقدة التي يأتي بها الطعام والشراب للمستهلكين داخل بريطانيا مع نهاية الفترة الانتقالية، حيث أن ما يقارب ثلث العاملين في الصناعة هم من خارج المملكة المتحدة، والكثير منهم من أوروبا الشرقية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية 2017.

ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث إذا تم تقييد عدد هؤلاء العمال بسبب فرض حد أدنى للراتب للمهاجرين.

 الأمر الآخر يتعلق بسهولة وسرعة دخول بعض المنتجات الغذائية عبر الحدود بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي لأنه مع انتهاء الفترة الانتقالية ستزداد احتمالية فتح المنتجات والتحقق منها عند الحدود ما يمكن أن يضيف مصاريف أكثر ويقلص مدة صلاحية الأغذية الطازجة لانتظارها فترات أطول.

يقول اتحاد الطعام والشراب وهو هيئة تمثل مصنعي المواد الغذائية في بريطانيا: إن التحدي الأكثر تعقيدا يتمثل في محاولة الحصول على صفقة تجارية مع أوروبا ترضي ما يسمى "دول المنشأ" لهذه المنتجات الغذائية، حيث يستخدم المصنّعون في المملكة المتحدة مزيجا من المكونات المحلية والعالمية، والتي لن يُسمح بها بموجب القواعد المدرجة في الصفقات التجارية الأخيرة للاتحاد الأوروبي.

بناء دور جديد

بريطانيا العظمى، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، ربما كانت هذه الجملة حقيقة في وقت من الأوقات وباتت بعدها لسنوات أسطورة يتندر بها الناس ويحكوا عن التاريخ العريق التي كتبته المملكة المتحدة، طيلة عقود ولكنها تراجعت وتقزم دورها بشدة حتى جاء في عام 2016 من يقول ويعد الناس بعودة بريطانيا العظمى مرة أخرى.

بوريس جونسون أمر وزراءه بما أسماه العمل بسياسة خارجية تحقق مفهوم بريطانيا العظمى بشكل فعال، فلن تعد المملكة المتحدة هي الجسر بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بل ستغامر بالانفتاح على قوى اقتصادية كبرى في العالم.

ما أكد ذلك تسريبات لوثائق نشرها زعيم حزب العمال جيرمي كوربن أثناء حملته الانتخابية تظهر اتفاقا بين جونسون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول صفقة كبيرة تتعلق بوزارة الصحة البريطانية.

سياسة جونسون تفرض على الوزراء تطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية ما يعني دعما تلقائيا أقل من المملكة المتحدة لسياسات الولايات المتحدة، وتركيزا أكبر على القضايا المحلية وبدرجة أقل على علاقاتها مع البلدان الأخرى.

تحقيقا لهذه الغاية، تعهد بوريس جونسون في ديسمبر/كانون الأول الماضي بما أسماه "مراجعة متكاملة" لسياسة الأمن والدفاع والسياسة الخارجية البريطانية، ولكن التحدي الأكبر في هذه السياسة هو كيفية السير في طريق متوازن بين قوة الصين المتصاعدة والولايات المتحدة المتحفزة، في ظل خروج بريطانيا من مظلة الحماية الأوروبية.

ما بعد بريكست

بريطانيا الآن في صالة المغادرة، حزمت الحقائب وختمت جواز السفر للخروج ولكن الرحلة تم تعليقها لمدة أحد عشر شهرا، هذا هو المشهد الحالي.

فالمرحلة الانتقالية التي ستمتد لنهاية هذا العام كما أراد جونسون، قد وضعته في وضع لا يحسد عليه، حيث سيكون عليه العمل بجدية على إقناع الشعب البريطاني أن كل هذا العناء والضجيج والصراخ والتظاهرات والأخذ والرد والحلقات التلفزيونية ومقالات الصحف، يستحق العناء بالفعل.

لا يزال هناك من يرى أن مقر رئاسة الحكومة البريطانية قد جلب خرابا على بريطانيا اسمه "بريكست" ويمكن قراءة ذلك في تغريدات رواد موقع تويتر عندما دقت عقارب الساعة معلنة الحادية عشرة مساء 31 يناير/كانون الثاني، فقد كتبوا عبر هاشتاج "خروج لا يعبر عني" مئات الآلاف من التغريدات الرافضة لما يحدث للمملكة المتحدة.

تحد آخر سيكون على الحكومة البريطانية أن تواجهه يتعلق بتصاعد دعوات الانفصال في أسكتلندا، وهو ما يشير إلى استفتاء قادم لا محالة في القريب العاجل وربما قبل انقضاء الفترة الانتقالية وهو ما يدفعنا للتساؤل مرة أخرى: هل هذا آخر فصول حكاية الخروج من الاتحاد الأوروبي أم أنها فقط مجرد بداية لكابوس هو الأسوأ على مدار التاريخ البريطاني.