الصين والأزمة بين إيران والولايات المتحدة.. الدور والسياقات
المقدمة
بين رغبة الرئيس الأمريكي في حشد مناصريه، والاستعداد للمواجهة المرتقبة مع مشروع قرار الإقالة الذي ينتظره في مجلس الشيوخ، ورغبته في الاستعداد له بتعبئة الحزب الجمهوري خلفه، ولتعزيز الخطوط الحمر الخاصة بالسفارات الأمريكية ومنع قتل الجنود الأمريكيين، وللحد من تطور نفوذ إيران في سوريا، لهذا، يرى خبراء أن هذه القائمة من المطالب كانت وراء اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.
غير أن الخطين الأحمرين السالف الإشارة لهما ما هما إلا ضلعان ضمن مثلث تتساوى أضلاعه أو تكاد بوجود ضلع ثالث، ألا وهو تحدي سياسة احتواء الصين.
فالضربة التي أعقبت اقتحام السفارة الأمريكية في العراق أعقبت كذلك تدريبات عسكرية جمعت كل من الصين وروسيا بإيران، ومثلت تطورا مهما في الإستراتيجيات البحرية الصينية، وكانت من أهم العوامل التي دفعت الولايات المتحدة لتقديم عبرة غير مرتفعة الثمن بالنسبة لها، تؤدي لكبح جماح محاولات استدعاء الصين عسكريا، وإسباغ الشرعية على محاولات تمددها البحري الذي تحاول الولايات المتحدة محاصرته في بحر الصين.
فما هي ملامح تأثير هذا المحدد على قرار الولايات المتحدة بقتل "سليماني"؟ هذا ما تجيب عنه الورقة البحثية.
الأزمة
في 3 يناير/كانون الثاني 2020، تمكنت 3 طائرات أمريكية مسيرة، كل منها مزودة بأربعة صواريخ "هيلفاير"، من قصف سيارتين غادرتا مطار بغداد، وكان على متن هاتين السيارتين قائد "فيلق القدس" الإيراني "قاسم سليماني"، وبرفقته أبو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، بالإضافة إلى مرافقين لهما.
تمت العملية في إطار تنسيق أمني أمريكي - "إسرائيلي" - سوري، عمل بموجبه جهاز "الموساد" على مراقبة تحركات "سليماني" لعدة أيام، ووفرت مصادر هذا الجهاز من داخل "مطار دمشق" - بحسب وسائل إعلام أمريكية - معلومات وتفاصيل دقيقة عن رحلة سليماني الجوية من العاصمة السورية إلى نظيرتها العراقية.
وفور تأكيد عناصر ونشطاء المخابرات الأمريكية في مطار بغداد ما سربته المخابرات "الإسرائيلية" من أن سليماني قادم من دمشق إلى بغداد على متن طائرة Airbus A320، رحلات طيران أجنحة الشام، قامت الطائرات الأمريكية بتعقب تحركاته ثم قصفه خارج المطار. وتمت العملية بالتعاون بين المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الأمريكية بحسب شبكة "إن بي سي".
وكانت واشنطن تتهم "سليماني" من قبل بالمسؤولية عن "العمليات العسكرية السرية" في أنحاء الشرق الأوسط، وبخاصة العراق وسوريا، وصنفته "شخصية داعمة للإرهاب"[1].
بعد جنازة مهيبة لقائد "فيلق القدس"، توعدت إيران الولايات المتحدة بالرد عليها، ورغم أن المراقبين أكدوا أن الرد الإيراني سيستغرق وقتا، إلا أن الرد تم بالفعل في غضون أسبوع.
في 8 يناير/كانون الثاني 2020، أي بعد 4 أيام فقط من مقتل "سليماني"، قامت القوات المسلحة الإيرانية بقصف قاعدتين عسكريتين عراقيتين تستغلهما القوات الأمريكية الموجودة في العراق، وهما قاعدتا "عين الأسد" و"حرير"، بوابل من الصواريخ الباليستية (15 صاروخا)[2].
وتعد "قاعدة عين الأسد" (قاعدة القادسية سابقا)، وتقع جنوب العراق، ثاني أكبر القواعد الجوية بالعراق بعد قاعدة بلد الجوية، وهي مقر قيادة الفرقة السابعة في الجيش العراقي.
أما القاعدة الثانية، وهي "قاعدة حرير" في أربيل، فهي قاعدة عسكرية أمريكية متطورة، مزودة بصواريخ دفاعية وطائرات مقاتلة هجومية ورادارات متطورة، وتقع قاعدة حرير على بعد 75 كلم شرق مركز مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وتعد أقرب قاعدة جوية أمريكية من الحدود الإيرانية، وتستخدم منذ بداية من عام 2015[3].
لم تلبث طبيعة الرد الإيراني أن تكشفت بعد أيام من الضربة، فبرغم أن وسائل الإعلام الإيرانية تحدثت عن مقتل وإصابة نحو 80 جنديا أمريكيا جراء القصف[4]، إلا أن مسؤولا عسكريا أمريكيا كشف، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" أن الجيش الأمريكي كان لديه تحذير مبكر بما يكفي من الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على القواعد العسكرية التي تضم قواتا أمريكية في العراق، وأنه كان مبكرا بما يكفي لتشغيل صافرات الإنذار وابتعاد العناصر الأمريكية عن طريق الأذى والنزول إلى الغرف المحصنة تحت الأرض.
المعلومة أكدتها مصادر عراقية أوضحت أن الرد الإيراني كان منسقا مع الولايات المتحدة عبر وساطة "دولة خليجية"، وأن ترتيبات عسكرية اتُّخذت من قبل الجانبين خلال اليومين الماضيين لضمان ألا يؤدي هذا الرد إلى سقوط ضحايا من القوات الأمريكية، وأن الرد الإيراني تم في إطار اتفاق قبلته الولايات المتحدة، التي كانت مثلها مثل إيران "غير مستعدة للتصعيد"[5].
وبعد أيام، صرح المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، "برايان هوك"، أن "الرد الإيراني على مقتل قائد "فيلق القدس" قد انتهى على ما يبدو"[6]. وأعقب هذا أن أعلن مندوب إيران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي، أن الهجمات المنفذة في العراق لم يكن الهدف منها قتل أمريكيين، بل التأكيد على القدرة العالية على توجيه الضربة بدقة[7].
غير أن مقتل "سليماني" لم يكن وحده الأمر الخطر فيما يتعلق بإيران، ففي صبيحة اليوم الذي شهد الرد الإيراني المتفق عليه، أفادت وكالات الأنباء عن تحطم طائرة ركاب أوكرانية من طراز بوينج 737، كانت قد أقلعت لتوها من مطار "الخميني" بالعاصمة الإيرانية "طهران"، وكان على متنها 180 راكبا، مبينة على لسان مدير العلاقات العامة بشركة مدينة مطار الخميني الدولي علي كاشاني أن سبب التحطم كان "خللا فنيا"[8].
ومع تصاعد الضغوط باتجاه التحقيق في سبب سقوط الطائرة، واتهامات كندية بسقوط الطائرة عبر صاروخ إيراني[9]، وفيما وصفته دوائر إعلامية غربية بأنه "تبدل كبير" بعد 3 أيام من الحادث، قدمت إيران اعتذارها لإسقاطها الطائرة الأوكرانية "عن طريق الخطأ"، لكنها أشارت إلى مسؤولية "نزعة المغامرة الأمريكية" في هذه المأساة.
في هذا الإطار، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني - في تغريدة على تويتر -: إن بلاده تشعر بأسف "عميق" لإسقاط طائرة مدنية أوكرانية، معتبرا ذلك "مأساة كبرى وخطأ لا يغتفر"، وأن "التحقيق الداخلي للقوات المسلحة خلص إلى أن صواريخ أطلقت للأسف عن طريق الخطأ أدت إلى تحطم الطائرة الأوكرانية وموت 176 شخصا بريئا"، موضحا أن "التحقيقات مستمرة لتحديد" المسؤولين "وإحالتهم للقضاء"[10]، فيما طالب الرئيس الأوكراني باعتذار رسمي وتعويضات، فيما شكلت كندا لجنة تحقيق مشتركة مع أوكرانيا لمتابعة التحقيقات الإيرانية[11].
خلفية الأزمة
الشائع في تبرير مقتل "سليماني" و"المهندس" أنه نتيجة لتصعيد أعقب تجاوز إيران الخط الأحمر المتمثل في قتل الأمريكيين، حيث قامت ميليشيات الحشد الشعبي العراقية المحسوبة على طهران بقصف قاعدة "كي وان" الأمريكية الكائنة بالقرب من مدينة "كركوك"، شمالي العراق، وقتل في هذا القصف متعاقد أمريكي.
أدى هذا الحادث لإقدام ترامب على اتخاذ قرار بقصف قواعد لميليشيات "كتائب حزب الله العراقي" في سوريا والعراق، وهي الجهة التي تتهمها الإدارة الأمريكية بالوقوف وراء هجوم "كركوك"، وأدت هذه الخطوة التصعيدية الأمريكية إلى تجاوز إيران لخط أحمر ثان تمثل في اقتحام ميليشيات الحشد الشعبي مقر السفارة الأمريكية في بغداد، لتقول واشنطن بعدها: إن هناك رابطا بين الاقتحام وإيران، وهو ما أعقبه تلك الضربة الجوية التي قتل فيها قائد "فيلق القدس" ومرافقوه[12].
هذا بالإضافة إلى أبعاد أخرى، منها تحجيم نفوذ ميليشيات إيران في سوريا بشكل خاص، وهو أمر يرى بعض المراقبين أن له أهمية كبيرة بالنظر لتركيز الانتباه حيال التطورات التي يشهدها الإقليم، وإن كان بعض المراقبين يرون أن اغتيال "سليماني" لن يؤثر على وضع ميليشيات الشيعة التي يراها بوتين أهم من "الأسد"، ويراها التعبير الأهم عن "الوضع الراهن في سوريا[13].
غير أن الهجوم تتبدى له أبعاد أخرى بخلاف قتل الرجل الذي يحافظ على دوران عجلة الإنتاج في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي عبر ابتزاز منطقة الخليج باعتراف قادة الرأي في هذه الدول، ومن بينها المملكة السعودية[14]، حيث يبدو السبب الأهم في هذا الإطار هو رفع تكلفة استدراج الصين للمنطقة عسكريا مجددا.
فبعد نحو شهر من إجراء الصين تدريبات عسكرية بحرية مشتركة مع المملكة العربية السعودية دامت نحو 3 أسابيع في البحر الأحمر[15]، اشتركت الصين في 27 ديسمبر/كانون الأول 2019، مع كل من روسيا وإيران في تدريب عسكري مشترك في خليج عمان بالقرب من السواحل الإيرانية، وذلك للمرة الأولى التي ترسل فيها كل من روسيا والصين سفنا حربية للاشتراك في تدريب مع البحرية الإيرانية، وبناء على طلب الأخيرة بحسب تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية[16]، وهو - في تقدير الباحث - ما جر إيران للمواجهة التي تضمنت مقتل "سليماني".
التدريب الإيراني الصيني الروسي، والذي استمر لمدة 4 أيام، أتى بعد نحو شهرين من تدريب ضخم آخر جرى على صفحة مياه الخليج العربي، ضم قطعا حربية تعود لأكثر من 22 دولة، على رأسها الولايات المتحدة، وضم هذا التدريب إسرائيل كذلك[17].
وبرغم تحفظات الصين، والتي بدت جلية في محاولة تبرير التدريب، إلا أنها تعد الداعم الأساسي للاقتصاد الإيراني، وهو ما يجعل التعاون بين البلدين شاملا، حيث تخطط الصين لاستثمار نحو 400 مليار دولار في مجال الطاقة في إيران على مدى الأعوام الـ25 القادمة.
فضلا عن صفقة استثمارية روسية قوامها 5 مليار دولار مخطط لها أن تتم في غضون عام من تاريخ تقديم الرئيس الإيراني حسن روحاني "ميزانية المقاومة" التي سبق أن قدمها لمجلس الشورى في نوفمبر/تشرين الأول 2019، موضحا أن هذا المبلغ سيدخل ضمن عدة خطط، وليس موجها لمشروع واحد[18].
وفي مايو/آيار 2019، استوردت الصين نحو 900 ألف طن متري من النفط الخام من إيران. وتعتبر الصين إيران عنصرا حيويا في "مبادرة الحزام والطريق" التي تعتبرها مفتاح الوصول إلى أوروبا، وقد وافق الطرفان الصيني والإيراني على تعزيز العلاقات الثنائية في مجال التعاون الدفاعي في 2016.
كما ناقشا، في أغسطس/آب 2019، خارطة طريق للشراكة الإستراتيجية الشاملة بينهما، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للصين[19].
ورغم أن السعودية تعد ثاني أكبر شريك نفطي للصين بعد روسيا، إذ تزود الصين بنحو مليون برميل يوميا، إلا أن الصين تبدو ميالة لتنويع شركائها النفطيين[20]، وهو الأمر الذي يبدو استجابة من الصين لضغوط الولايات المتحدة ومحاولاتها لكبح شراهة الصين للنفط[21]. ويأتي ذلك الحذر الصيني في ضوء العلاقات الوثيقة بين السعودية والولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن التدريب حمل رسالة إلى التحالف في مواجهة إيران، بأن أية مواجهة بين الدول الغربية وإيران يمكنها أن تتصاعد بسرعة باتجاه صدام مباشر وشامل متضمنا القوى النووية الكبرى، وأنها لن تقتصر على القوى الموجودة ضمن إقليم الشرق الأوسط[22].
وتعد المواجهة المحتملة أكبر تهديد للصين، لأنها تمس مصدرين من مصادر الطاقة لديها، وهو ما من شأنه أن يجعلها أكبر المتأثرين بأية مواجهة، حيث ستعاني حالة ركود اقتصادي حادة.
كما أن روسيا - بوصفها قوة متزايدة الوجود في الإقليم على نحو مضطرد فإنها تحمل للمنطقة مشروعا لترتيبات تدخل وهيمنة، لكنه مشروع حذر، ومرتبط بمستقبل النظرة الأمريكية للمنطقة، حيث سبق لها أن طرحت رؤية إستراتيجية روسية للأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي في يوليو/تموز 2019، متضمنة تنظيم مؤتمر دولي للأمن والتعاون في منطقة الخليج، من الممكن أن تقود لاحقا إلى منظمة للأمن والتعاون في المنطقة.
وقد لاقت المبادرة الروسية استحسانا وترحيبا صينيين، على نحو ما صرح المتحدث باسم الخارجية "هوا تشونينج""، الذي دعا لتوسيع نطاق التعاون والتنسيق والاتصالات مع كل الأطراف المستجيبة للمبادرة[23].
طموح الدولتين، روسيا والصين، يأتي في إطار وجود حالة من عدم اليقين حيال استمرار وجود الولايات المتحدة كضامن للأمن في المنطقة التي تعد من أهم موارد النفط في العالم، وهو ما يغري دولا مثل روسيا والصين للعب دور لضمان تأمين تدفق النفط[24].
وتستعد الصين للعب هذا الدور لتأمين احتياجاتها من الطاقة، في ظل غموض مستقبل الدور الأمني الأمريكي الذي لطالما اعتمدت عليه الصين لضمان الحصول على احتياجاتها المتزايدة من النفط.
وهذا التقدير عكسته الرسائل التي حملتها كلمات القادة العسكريين من البلاد المشاركة في التدريب المشترك، فرغم اختلاف لهجات تصريحاتهم، لكنها جميعا حملت رسالة تثير هواجس الولايات المتحدة في تأثيرها على حدة لهجة إيران التي بدت متباهية بقدرتها على تجاوز محاولات العزل الإقليمية - الأمريكية.
فمن جهة إيران، صرح قائد الأسطول الإيراني المشارك في التدريب، العقيد "غلام رضا تهاني" أن التدريب يأتي للبرهنة على متانة العلاقات الإيرانية الروسية الصينية وقدرتها على إحداث تأثير دولي، ودليل على أن إيران لا يمكن عزلها، علاوة على استمرار السلم والصداقة واستدامة الأمن.
وأعلن نائب القوات المسلحة الإيرانية لشؤون التنسيق العسكري "حبيب الله سياري" من أن القطع الحربية المشاركة في التدريبات ستطلق النار على أية قطع بحرية أو جوية تحاول التجسس على التدريبات المشتركة[25].
قضية نجاح إيران في كسر حلقة العزلة التي تريد الولايات المتحدة فرضها عليها كانت كذلك محور تصريح قائد الجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم الموسوي، في تصريحه لوكالة "مهر" للأنباء، حيث اعتبر أن المناورات تعبر عن نجاح لدبلوماسية الجمهورية الإسلامية[26].
وفيما يتعلق بالجانب الروسي، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" بأن روسيا تتعامل - في هذا الصدد - مع قضية الاستقرار والأمن في المنطقة، والحرب على الإرهاب. وأكدت أن التنسيق في هذه التدريبات تم على أساس ترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف، لكن جميع هذه الترتيبات تقف على أرضية شرعية[27].
كما أعلنت أن الترتيب لهذه التدريبات المشتركة تمت خلال الاستعراض العسكري الذي جرى في مدينة "سان بيترسبرج" في يوليو/تموز الماضي[28]، حيث وقع كل من قائد البحرية الإيرانية، الفريق "حسين خازاندي"، مذكرة تفاهم مع قائد البحرية الروسية الشيف أدميرال "نيكولاي إيفيمينوف" لتوسيع نطاق التعاون الثنائي[29].
أما المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، "وو قيان"، فصرح بأن هذه التدريبات تأتي في إطار التعاون وتبادل الخبرات العسكرية بين الدول المشاركة، وأنها محض تدريبات عسكرية طبيعية، وليست مرتبطة - بالضرورة - بالمشاحنات الحادثة في الإقليم[30].
وتأتي تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية تهوينا من شأن التدريب، فيما يراه مراقبون تعبيرا عن حذر الصين من أن تعلق في منتصف مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، غير أن مراقبين أضافوا أن الأسطول الصيني المرابط بجوار المياه الصومالية يرغب - وقائيا - في توسيع نطاق عملياته لتأمين شريان النفط الخليجي الهام للصين، ما رآه مراقبون آخرون بمثابة خطوة دفاعية عن إيران ضد أية عملية أمريكية قد تتسبب في منع تدفق النفط من المنطقة للصين[31].
الرسالة الصينية من المشاركة في التدريبات تأكدت في اليوم التالي لانتهاء التدريبات، حيث انتقد وزير الخارجية الصيني "وانج يي"، خلال زيارة نظيره الإيراني "محمد جواد ظريف""، ما وصفه بـ"ممارسات التنمر الدولية"، مصرحا خلال اللقاء بـ"أننا يجب أن نقف سويا في مواجهة الأحادية والتنمر الدوليين"، وهو التصريح الذي اعتبره المراقبون انتقادا للولايات المتحدة، وهو ما يؤكد توجهات الصين تجاه التدريبات العسكرية غير المسبوقة بين البلدين[32].
الطموح التوسعي الصيني في المشاركة كانت له دلائل. فبرغم أن التدريبات كانت مقتصرة - كما هو معلن - على مواجهة القرصنة وعمليات الإنقاذ وتدريبات إطلاق نار، وهو ما أكدته طبيعة القطع الروسية المشاركة في التدريب، والتي تضمنت الفرقاطة الروسية المشاركة في حراسة أسطول بحر البلطيق "ياروسلاف مودري"، وناقلة النفط "يلنيا"، والقاطرة "فيكتور كونتيسكي"، إلا أن مستوى المشاركة الصينية كان مرتفعا نسبيا بما يرسل الرسالة التي أسلفنا الحديث عنها.
شاركت عن الجانب الصيني مدمرة الصواريخ الموجهة "تشينينج"، وهي المدمرة التي تحمل الاسم الإعلامي "قاتلة حاملات الطائرات"، بسبب حمولتها المتضمنة أنواع مختلفة من الصواريخ الموجهة المضادة للسفن وذات الطبيعة الهجومية بحر - أرض، والمصممة لإغراق السفن المعادية عبر ضربات طويلة المدى[33].
وإن لم يكن معروفا على وجه الدقة نوعية التدريبات التي ستشارك بها المدمرة، بالرغم من البيانات التي صدرت عن الصين أكدت أن هناك تدريبات على "إطلاق النار".
وغطت التدريبات مساحة 17 ألف كيلومتر مربع، بحسب تصريحات العقيد "غلام رضا تهاني"، وتضمنت تدريبات إطلاق نار، بالإضافة لمهام الإنقاذ من الهجوم الصاروخي والحرائق[34].
وبخلاف اللقاء على مستوى وزراء الخارجية، شهدت الأيام التي أعقبت انتهاء التدريبات المشتركة تطورين جديدين، حيث قامت روسيا بإجراء تدريبات تضمنت استخدام صواريخ "هايبرسونيك" (تفوق سرعتها 5 أضعاف سرعة الصوت) [35].
فيما أعلنت إيران أنها بسبيلها لبناء حاملة طائرات "صورية" على هيكل سفينة قديمة، واستخدامها في تدريبات مقبلة لإطلاق النار سوف تباشرها إيران في الربيع المقبل، من دون أن تعلن عما إذا كان هذا التدريب يجمع الصين إلى جانب إيران أو أنه سيكون تدريبا مع أطراف أخرى. وكانت الصين قد سبقت إلى تنفيذ هذه الخطوة التدريبية لمرات عدة، فيما تعتبر التجربة المقبلة هي الثانية لإيران[36].
وصرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "شين روبرتسون" بأن "الولايات المتحدة تتابع هذه التدريبات الثلاثية، وستعمل بالتعاون مع شركائها وحلفائها في المنطقة لضمان حرية الملاحة والتجارة في المياه الدولية"[37].
وتأتي أهمية هذا التعليق الأمريكي بالنظر إلى أن بعض أهم الحروب نشبت بسبب المضايق والممرات البحرية. فقد سعت الدول العظمى والكبرى للسيطرة أو الوجود في تلك المضايق والممرات ضمن الصراع على مناطق النفوذ حول العالم.
وبدأ الصراع بالاحتلال الأجنبي خلال حقبة الاستعمار التقليدي، كما فعلت بريطانيا للسيطرة على كل من جبل طارق وقناة السويس وعدن وهرمز، لتأمين مصالحها في المنطقة العربية والهند، ثم لاحقا من خلال الوجود العسكري ضمن تحالفات إستراتيجية مستقرة، كما هو حادث في الخليج العربي حاليا، أو ضمن تحالفات إستراتيجية إقليمية مرنة ومؤقتة ومن خلال تسهيلات أو وجود مؤقت، وذلك لتأمين أكبر مصادر الطاقة النفطية والغازية، وتدفقها، كما في الخليج العربي وعبر مضيق هرمز[38].
وعلى الصعيد الإقليمي، فإن السبب المباشر وراء اشتعال أكبر حروب المنطقة كان غلق مضيق تيران. كما أن أحد أهم التنازلات الإستراتيجية التي تورطت فيها سلطة 3 يوليو/تموز 2013 (النظام الانقلابي في مصر) كان تسليم منطقة المضائق المصرية للسعودية.
دلالات خلفية الأزمة: إستراتيجية الصين
هناك عناصر عدة لإستراتيجية الصين حيال المنطقة، ولم يكن التدخل في الإقليم عسكريا أحد هذه العناصر من جهة، كما لم يكن التمدد البحري في المنطقة أحدها أيضا. ويمكن القول بأن هناك بعدين لقضية توريط إيران للصين في المنطقة، يمكن الحديث عنهما فيما يلي:
فمن جهة، مهدت إيران الطريق للصين لكسر عدد من الخطوط الحمر في إستراتيجية وجودها العسكري في المنطقة. وفي دراسة أعدها "مركز أرويو للدراسات" التابع لمؤسسة راند، ونوه في مقدمتها إلى أنها أعدت لجيش الولايات المتحدة، أشار الباحثان أندرو سكروبل وعلي رضا نادر إلى أن الصين تتبع حيال المنطقة إستراتيجية "التنين الحذر".
هذه الإستراتيجية من شأنها أن تبقي علاقاتها الدبلوماسية والعسكرية خفيفة في المنطقة في الأجل المنظور، لكن ذلك لم ينسحب - بطبيعة الحال - على ثقلها الاقتصادي في المنطقة.
وفي هذه الدراسة أشار الباحثان إلى أن تمدد الصين في المنطقة يأتي في إطار رغبة الصين في مقاومة سياسة الاحتواء التي تمارسها الولايات المتحدة ضدها، ولكن التمدد كان مشروطا بألا تؤدي سياسة التمدد للاصطدام بالوجود الأمريكي في المنطقة.
وينظر المراقبون إلى أن الصين كانت تنظر بإيجابية لدور الولايات المتحدة في المنطقة، وتراه حيويا بالنسبة لها من جهة تأمينه إمدادات الطاقة التي تحتاجها[39]. وفي هذا الإطار، يأتي تواصل الصين مع إيران بالنظر لقابلية الأخيرة لتحدي الولايات المتحدة، الذي يمثل قاسما مشتركا، وإن كان غير سافر في الحالة الصينية.
ويأتي تمدد الصين غربا، في المحيط الشرق أوسطي بعد تزايد التوتر بين الصين وجيرانها شرقا، حيث ارتأت الصين أن الاتجاه نحو الغرب ضمن سياسة لإعادة التوازن، سيؤدي مع الدبلوماسية الهادئة إلى إصلاح تداعيات "سياسة إصلاح وانفتاح" التي تبناها الحزب الشيوعي الصيني في 1978، والتي تسببت في استنفار الولايات المتحدة نسبيا حيال الدور الصيني الصاعد، ما أدى لتعزيز الخلافات بين الصين ومحيطها المباشر في آسيا، وأدى لقيام منظمة "الآسيان" لاحقا. ويمكن الحديث عن 4 محاور لإستراتيجية الصين في المنطقة، هي[40]:
- يمثل أمن الطاقة المصلحة الرئيسية لبكين في المنطقة.
- تسعى الصين لاغتنام فرص الاستثمار في المنطقة والحصول على عقود تنمية البنية التحتية، وفتح الأسواق أمام المنتجات الصينية، وذلك هو موضوع إستراتيجية الحزام والطريق المعلنة في سبتمبر/أيلول 2013.
- تسعى الصين لتوسيع نطاق نفوذها الجغرافي الإستراتيجي إلى أبعد من جوارها المباشر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتطوير العلاقات مع قوى كبرى أو إقليمية أخرى.
- رغبة الصين في احتواء أية وجهة لمناصرة القوميات الإسلامية المعارضة في شرق الصين، وعلى رأسها الأويجور، وتجنب "سيناريو المجاهدين السوفيتي".
بدأ تدخل الصين العسكري في المنطقة محدودا جدا بالتدخل لإجلاء المواطنين الصينيين من مناطق التوتر (لبنان - ليبيا - مصر.. إلخ) والمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والوجود الخجول مع بعض السفن التجارية الكبرى لأغراض الحماية[41].
يبدو أن إدارة الرئيس "ترامب" لم تكن تواقة لبدء صراع مع الصين، وكان الحذر الصيني العسكري مرضيا لهذه الإدارة، إلى أن حدثت التدريبات المشتركة مع إيران، والتي أعلنت الصين أنها أتت بناء على طلب الأخيرة[42]، كما أنها حملت تحذيرا بتوسيع نطاق المواجهة - إن اندلعت - بما قد يؤدي لصدام مباشر وشامل متضمنا القوى النووية الكبرى، حسب مراقبين[43].
ومن جهة ثانية، فإن طلب الصين هذه التدريبات المشتركة أسهم في كسر العزلة المفروضة على البحرية العسكرية الصينية، ضمن خطة الولايات المتحدة لاحتواء الصين، حيث أدى تنامي القوة الصينية لاتجاه الولايات المتحدة عبر عقود - وبخاصة خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، واستمرت بشكل أو بآخر ضمن أعمال إدارة "ترامب" لاحتواء القوة البحرية الصينية، ومنعها من التمدد في النطاق الآسيوي.
وهو ما دفع الصين لاتهام الولايات المتحدة مؤخرا بأنها تمارس تصعيدا خبيثا في "بحر الصين الجنوبي"، وذلك إثر مواجهة بين سفن البحرية الصينية وسفن خفر السواحل الفيتنامية بعد دخول سفينة استطلاع صينية المنطقة الاقتصادية الفيتنامية ممارسة أنشطة لمسح الزلازل، ما دفع الأخيرة لأن تطلب من الولايات المتحدة أن تطلب من بكين إخراج السفينة من المنطقة[44].
أدت سياسات الاحتواء الأمريكية - اليابانية لدفع دول منطقة جنوب شرق آسيا لتحدي الوجود الصيني، ما بلغ حد احتجاز السفن الصينية، وبخاصة سفن الصيد والأبحاث، وهو ما حدث مع فيتنام على نحو ما أشرنا، والتي سبق لها أن احتجزت سفينة صينية في 2016[45].
كما سبق لإندونيسيا في نفس العام أن احتجزت سفينة صيد صينية بناء على "طلب الإنتربول"[46]، وكانت أزمة "بحر الصين الجنوبي" قد شهدت اشتعالا خلال فترة إدارة "أوباما" بعد احتجاز الفلبين سفينة صيد صينية أيضا[47].
وتكرر الأمر مع اليابان كذلك. ويبدو أن الأمر في اتجاه نحو التصاعد بعد مواجهات الصين مع إندونيسيا، وادعاءات الصين امتلاكها حقوق صيد ضمن "خط تسعة"، والذي يشمل معظم بحر الصين الجنوبي، وهو ادعاء غير معترف به دوليا، ما دفع الصين لحماية سفن الصيد بقطع بحرية عسكرية[48].
وتستمر إستراتيجية الولايات المتحدة في محاصرة الصين عبر دول الآسيان[49]. ورغم بحث الصين ودول "آسيان" عن مدونة سلوك في بحر الصين الجنوبي منذ 2002، إلا أنهم لم يصلوا لنتيجة نهائية بعد، برغم إنتاج مسودة أولية لهذه المدونة هدفها منع تفاقم المواجهات بين الدول المطلة على البحر.
وتقوم سياسة احتواء الولايات المتحدة للصين على 3 محاور، دبلوماسية واقتصادية وعسكرية. وتأتي إستراتيجية الحصار كشق مكمل لاتجاه الولايات المتحدة نحو تقوية وجودها العسكرى فى منطقة شرق آسيا، سواء عبر التحالف العسكرى مع عدد من الدول كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، أو عبر وجود قطعها الحربية مباشرة.
وتحتفظ الولايات المتحدة حاليا بخمسين سفينة بشكل ثابت غرب المحيط الهادئ، فيما تتمركز حاملة الطائرات جورج واشنطن فى اليابان، ومحاولة واشنطن إعادة توزيع 60 % من قواتها البحرية بالمنطقة والاتفاق على وجود 2500 من قوات المارينز الأمريكية فى أستراليا ونشر أربع سفن قتالية فى سنغافورة.
كما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز علاقتها العسكرية مع تايوان التي تعد منصة إستراتيجية هامة لأية عمليات عسكرية ضد الصين وأمنها فى الطاقة.
هذا بالإضافة لقيام الولايات المتحدة بمناورات بحرية واسعة في المنطقة بمشاركة دول الإقليم، كان أهمها التدريبات العسكرية الأمريكية فى خان كويست بمنغوليا على الحدود الشمالية للصين فى عهد إدارة الرئيس أوباما، ما اعتبرته الصين تحديا مباشرا لها. وتقف الولايات المتحدة كذلك موقف المعارضة لبناء الصين مجموعة من الجزر الصناعية ذات الاستخدام العسكري في بحر الصين الجنوبي[50].
الحصار الأمريكي يدفع الصين لإستراتيجية التوسع في بحر الصين الجنوبي من خلال الاعتماد على "أساطيل الصيد"، باعتبارها وسيلة أقل تكلفة، وأكثر ضمانا لعدم تصاعد المواجهات.
ويأتي هذا الاعتماد في إطار تبني الصين "إستراتيجية سلاسل الجزر" التي اعتمدتها البحرية الصينية منذ نهاية عام 1980، والتي طورها الأدميرال "ليو هواتشينج".
وتتضمن هذه النظرية 3 مراحل، تهدف المرحلة الأولى إلى احتواء تايوان واليابان. وتسمح المرحلة الثانية للصين بالتدخل عسكريا في السلسلة الجزرية الثانية التي تغطي بحر الفلبين وجزيرة "جوام" وغينيا الجديدة. وعلى الصين الشعبية، خلال المرحلة الثالثة التي تنتهي عام 2020، أن تكون قد وصلت إلى مرتبة قوة بحرية معترف بها ستسمح لها بالتدخل إلى ما بعد السلسلة الجزرية الثانية.
وأعلنت الصين أن الهدف الأساسي من عملية التحديث السريعة لبحريتها يتمثل في الحفاظ على السلامة الإقليمية، ووضع حد لمحاولات تايوان الاستقلالية، والوقوف في وجه أي ادعاءات تتعلق ببحر الصين الجنوبي.
وفي هذا الإطار كذلك، يمثل طلب البحرية الإيرانية تدريبات مشتركة مع الصين تطويرا لإستراتيجية التوسع الصينية التي تقلق الولايات المتحدة[51].
وتشهد سياسة الاحتواء الأمريكية تناميا منذ وصول الرئيس الصيني شي جين بينج وسعيه لتعزيز قوة جيش التحرير الشعبي وبحريته، على نحو ربما يمثل انتهاء لعهد الاحترام الصيني للقوة العسكرية الأمريكية[52].
غير أن التصور الإستراتيجي الأخطر، من وجهة النظر الأمريكية، في استدعاء إيران للصين يتمثل في توفير أساس عملي جديد لإستراتيجية البحرية الصينية لتحقيق وجودها في المحيط الهندي، وهي الخطة المسماة "إستراتيجية عقد اللؤلؤ"، والتي تسمح وتشرع من خلالها الصين في بناء شبكة من القواعد البحرية تمتد حتى الشرق الأوسط.
ويلفت المراقبون إلى أن الوجود الصيني في المحيط الهندي قد شهد نموا مهما خلال العقود الأخيرة، بحيث أصبح التوسع الصيني في تلك المنطقة أمرا لا مفر منه، وبفضله تضاعفت المناورات البحرية والتعاون العسكري مع دول المنطقة، وهو ما تأتي في إطاره التدريبات المشتركة الصينية - الروسية - الإيرانية.
ورغم الأهمية الاقتصادية لمنطقة المحيط الهندي بالنسبة للصين، ظلت هذه المنطقة مصدر توتر دائم، سواء من باب "مشكلات القرصنة"، أو من باب المنافسين/ الأعداء الإستراتيجيين كالهند، والولايات المتحدة.
وتعمل بكين على إدارة هذه الملفات بقدر من الحذر، وتستغل كل فرصة تجعل من وجودها العسكري أو غير العسكري أمرا أساسيا لا غنى عنه من جهة، وشرعيا في عيون الدول المشاطئة للمحيط الهندي من جهة ثانية[53].
وبقدر ما إن التدريبات الصينية - الإيرانية مدعاة لهز الثقة إستراتيجيا بين الصين والمملكة السعودية، لم يتبق على الولايات المتحدة إلا تحويل إيران إلى عبرة إقليمية لمنع توفير نمط لاستدعاء الصين للمنطقة مجددا على أرضية إستراتيجية عسكرية.
خاتمة
بينما تبذل الولايات المتحدة جهدها لاحتواء الصين عبر استخدام آليات القوة الذكية، سواء دبلوماسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية، تأتي إيران لتخترق هذه الجهود في محاولة لوضع سقف للتهديد الأمريكي لها.
وفي هذا السياق كانت الولايات المتحدة في حاجة لإرسال رسالة لإيران مفادها أن ثمة خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، ومن بين هذه الخطوط أية محاولة لاختراق سياسة احتواء قوة آخذة في التنامي بطريق أن تصبح قوة عظمى ذات حضور جيو إستراتيجي.
ورغم أهمية الاعتبارات الأخرى التي دفعت المراقبين لاعتبار الضربة الأمريكية نتيجة لاختراق "سليماني" عددا من الخطوط الحمر، يأتي اغتيال سليماني عمليا محاولة لاحتواء فيلق القدس من جهة، لكنه رسالة أكثر أهمية لما يمكن للولايات المتحدة الوصول إليه لمنع التلاعب بسياساتها الكبرى.
وتأتي الضربة بهذا القدر من المحدودية، حرصا من الولايات المتحدة على تماسك إيران، وهو ما يراه مراقبون ضروريا بالنسبة للولايات المتحدة لوضع حاجز بين روسيا والخليج العربي ومن ثم المحيط الهندي.
وهو ما دعمه تأكيد "ليونيد بيرشيدسكي" في "بلومبرج نيوز" بإشارته إلى أن روسيا كانت معنية دائما بالحد من دور إيران في سوريا، لأن الكرملين لا قدرة له على التحكم بها أو بجماعتها الوكيلة.
هذا بالإضافة لدور إيران في دعم ابتزاز الولايات المتحدة لدول الخليج العربي، وهي اعتبارات لا تتنافى مع حاجة الولايات المتحدة لكبح جماح إيران، ليس من زاوية علاقتها بمنطقة الخليج، ولكن من زاوية تهديدها لإسرائيل وعلاقتها بالقوى العالمية الصاعدة.
المصادر: