بابك زنجاني.. إمبراطور فساد إيراني اختلس 2.8 مليار دولار وعفا عنه خامنئي
زنجاني كشف أن النظام الإيراني كلفه باسترداد أموال صادرات النفط في الخارج
عاد رجل الأعمال بابك زنجاني أحد أكبر أباطرة الفساد في إيران، إلى الأضواء مجددا، بعدما أصدر المرشد الأعلى علي خامنئي عفوا خاصا عنه.
واعتقل زنجاني المقرب من الحرس الثوري الإيراني، في ديسمبر/كانون الأول 2013، بتوجيه من الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.
واتهم باختلاس 2.8 مليار دولار في تعاملات نفطية غير رسمية تحايلا على العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران حتى حُكم عليه بالإعدام عام 2016، بعد أشهر من المحاكمات العلنية النادرة في طهران.
عفو لافت
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن القضاء الإيراني في 30 أبريل/ نيسان 2024، تخفيف حكم الإعدام الصادر بحق زنجاني الذي أدين باختلاس الأموال من وزارة النفط.
وقال المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانجير للصحفيين إنه "بسبب التعاون الذي قدمه زنجاني أثناء سجنه خلال 10 سنوات قضاها في الحبس، تم تحديد ممتلكاته في الخارج، وتقييم قيمتها بعد إرسال الخبراء المختصين، وتمت إعادتها إلى البلاد".
وأضاف: "بتقرير الجهات المختصة بشأن إعادة الممتلكات تم تقديم طلب العفو لبابك زنجاني من قبل القضاء، ومطالبة رئيس السلطة القضائية بذلك. وبموجب المرسوم، وبموافقة رئيس السلطة القضائية، وعفو المرشد علي خامنئي، تم إلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه وتحويله إلى السجن لمدة 20 عاما".
وبحسب القانون الإيراني، فإن التماسات العفو التي يتقدم بها المحكومون يبت فيها مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي وتصدر عادة خلال الأعياد الدينية في البلاد.
وأدين زنجاني بجريمة "الإفساد في الأرض" التي يعاقب عليها بالإعدام بعد محاكمة علنية مطولة عام 2016، وهو أمر نادر في إيران، إذ تجرى المحاكمات في القضايا البارزة عادة خلف أبواب مغلقة.
ولم يصدر أي قرار رسمي أو توضيح يفيد بالإفراج عن زنجاني وهل الخطوة هي بمثابة عفو كامل أم تخفيف حكم.
لكن محاميه رسول كوهبايه زاده قال إنه نظرا لمرور أكثر من 10 سنوات على مدة السجن، ووفقاً للقوانين واللوائح، فإن موكله لديه إمكانية الاستفادة من الإفراج المشروط لتنتهي فترة السجن الدائم، حسبما نقلت "آرمان ملي" الإيرانية في 1 مايو/أيار 2024.
وفي السياق ذاته، أشارت صحيفة "تجارت" الإيرانية أيضا إلى الموضوع، وكتبت: "ختم النهاية على أكبر ملف فساد في تاريخ إيران".
ومنذ وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية بدأت الكفة تميل إلى صالح زنجاني، إذ أعلن رئيس السلطة القضائية محسني إيجه إي في 19 فبراير/شباط 2024 أن رجل الأعمال دفع ديونه لوزارة النفط، حسبما ذكر موقع إيران "إنتر ناشيونال" المعارض في 30 أبريل.
ولم يكشف مسؤولو وزارة النفط والسلطة القضائية في إيران حتى 1 مايو 2024، تفاصيل ومبلغ الديون المتبقية، والممتلكات التي يدعى أنها تمت إعادتها إلى خزينة الدولة الإيرانية.
وفي مايو 2021، راجت أنباء أن بابك زنجاني ليس في سجن إيفين، وإنما يعيش في فيلته الخاصة بمدينة لواسان شمال طهران، والتي تعد من المناطق الراقية، لكن المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين إسماعيلي نفى صحة هذه المعلومات.
سائق مدير
بابك زنجاني من مواليد 1971، بدأ نشاطه التجاري منذ أن كان جنديا مكلفا بالخدمة العسكرية في مقر قيادة الحرس الثوري بمدينة أردكان، لينتقل كجندي إلى العمل في البنك المركزي، ثم يصبح سائقا للمدير السابق للبنك محسن نوربخش.
وقبل ذلك، كان زنجاني ينشط في إنتاج العطور في جزيرة كيش الإيرانية، وتجارة جلود الأغنام المدبوغة وتصديرها إلى الخارج، وبعد ذلك نشط في نقل الأموال بين البلدان.
بدأ رجل الأعمال الإيراني علاقته التجارية مع الحرس الثوري عندما أصبح القيادي في الأخير رستم قاسمي، قائدا لمقر خاتم الأنبياء عام 2007، والتقى ببابك زنجاني عبر وسطاء.
ثم تعاون زنجاني مع وزارة النفط الإيرانية عام 2010، إذ كانت العقوبات الغربية حينها على بيع النفط الإيراني قد منعت تصدير أهم مصادر الدخل للنظام الإيراني، وأصدر علي خامنئي أمرا يقضي بالالتفاف على العقوبات.
دخل رجل الأعمال الإيراني مجال مبيعات النفط بعد تجربة نقل الأموال لمقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري والذي كان يقوده رسم قاسمي، وشراء بعض المعدات من الخارج.
عندما تولى رستم قاسمي رئاسة وزارة النفط عام 2011، أصبح بابك زنجاني أهم ناشط فيها لبيع النفط الإيراني، ليشتري بعدها بنكا إسلاميا "FIIB" في ماليزيا لتحويل أموال النفط المباع، وتسديد دفعات وزارة النفط للمقاولين الأجانب بهذه الطريقة.
وأنشأ شبكة صرافة في الإمارات وطاجيكستان، جنبا إلى جنب مع بنك ماليزيا، وخلال هذه الفترة، كان يتلقى خطابات الاعتماد من مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري من خلال الفروع المختلفة لبنكي "ملي" و"ملت" في الداخل الإيراني، ويصرف العمولات ويتسلمها في الخارج.
وتقدر الثروة التي كونها زنجاني خلال أقل من عقدين بنحو 28 مليار دولار، ويؤكد أنه حول جميع الأموال التابعة لوزارة النفط، لكن البنك المركزي رفض ادعاءاته واتهمه بتزوير وثائق للتخلي عن تسديد الديون.
وقبل اعتقاله وتعليقا على رسالة نواب مجلس الشورى ضده على حسابه في "فيسبوك" عام 2013، نشر بابك زنجاني أنه ليس "جرثومة فساد" مثلما وصفه النواب، بل إنه كان "جنديا لنظام ولاية الفقيه".
وقبل أشهر من اعتقاله كان زنجاني يعرّف نفسه بأنه أحد عناصر الباسيج الناشطين في المجال الاقتصادي، كما انتشرت له صور في طائرته الشخصية وهو بجوار حسن ميركاظمي، أحد العناصر المقربين من الحرس الثوري، ما أثار جدلا واسعا آنذاك.
صندوق أسود
زنجاني الذي كان يملك 64 شركة في إيران وخارجها ولديه 17 ألف موظف في بلدان مثل طاجيكستان والإمارات وماليزيا وتركيا، صدر قرار اعتقاله عام 2013، غداة طلب الرئيس السابق حسن روحاني من حكومته محاربة "الفساد وخصوصا أولئك الذين استفادوا من العقوبات الاقتصادية".
وقال زنجاني خلال محاكمته العلنية عام 2015، إن وزارة النفط في حكومة الرئيس الإيراني المحافظ الأسبق محمود أحمدي نجاد طلبت مساعدته من أجل إعادة أموال النفط المباع في الخارج.
واعترضت طهران مصاعب كبيرة في إعادة الأموال المستحقة نظرا لتشديد العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي بدءا من العام 2012.
وخلال محاكمته قال زنجاني مرارا إنه على استعداد لدفع الأموال، وطلب من وزارة النفط أن تزوده برقم حساب في أحد البنوك الأجنبية، لكن المال لم يصل أبدا.
وطالت زنجاني عقوبات من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، فيما أعلنت تركيا أيضا عام 2016، عن تورطه في تبييض الأموال فيها.
وكان ديوان المحاسبة الإيراني قال إن شركة النفط الوطنية الإيرانية أوكلت لزنجاني تصدير نفط بقيمة ثلاثة مليارات دولار، حسبما ذكرت شبكة "سي إن بي سي" الأميركية في 7 مارس/ آذار 2016.
وفي عام 2012 جرى تحويل مبالغ مالية ضخمة في حساب بنكه الخاص بتوقيع من 3 وزراء ورئيس البنك المركزي في حكومة أحمدي نجاد، لتبدأ قضية أكبر ملف فساد شهدها الاقتصاد في إيران.
في العام ونصف العام الأخيرين من حكومة أحمدي نجاد (2005 إلى 2013)، حصل زنجاني على 14.5 بالمئة من مبيعات النفط، بالإضافة إلى حصوله على بعض شحنات النفط للبيع في المياه الدولية.
وفي النهاية ارتفعت نسبة ديونه إلى مليارين و967 مليونا و500 ألف يورو لوزارة النفط الإيرانية، وفقا للشبكة الأميركية.
وفي مارس 2016 حكم القضاء على زنجاني بالإعدام بسبب اختلاس 2.8 مليار دولار من شركة النفط الإيرانية المملوكة للدولة في تعاملات نفطية غير رسمية، لكن وزير النفط الإيراني الأسبق بيجن نامدار زنغنه، رفض قرار محكمة في طهران.
وقال زنغنه خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يونيو/حزيران 2016، إنه يعارض تنفيذ حكم الإعدام بحق زنجاني، وإن الأخير بمثابة صندوق أسود ولديه صفقات مشبوهة مع مسؤولين سابقين في عهد أحمدي نجاد، "فإعدامه يعني إخفاء الكثير من القضايا وملفات الفساد".
المصادر
- خامنئي يعفو عن ملياردير النفط الباسيجي بابك زنجاني.. سجن بسبب فساده الهائل
- المرشد الإيراني يلغي حكم إعدام أكبر رجل أعمال متورط بالفساد
- يعيش في فيلا خاصة.. الحرس الثوري يحمي "إمبرطور فساد" بإيران
- آمادگي براي پرداخت بدهي بابك زنجاني شايعه نبود!
- صحف إيران: خامنئي يعفو عن "أكبر مفسد اقتصادي" وإضراب محال الذهب وتعاون تجاري مع طالبان
- وزير إيراني يرفض إعدام الملياردير بابك زنجاني