قرار مصيري سيحدد مستقبل أكبر حزب تركي معارض.. ما المنتظر حتى أكتوبر؟

أرجأت المحكمة قرارها في دعوى عزل زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل
تشهد الساحة السياسية التركية تطورات قد تعيد رسم ملامح المشهد الحزبي، ليس فقط داخل حزب الشعب الجمهوري المعارض، وإنما على مستوى السياسة الوطنية عموما.
واتّجهت الأنظار خلال الساعات الماضية إلى المحكمة المدنية الابتدائية الـ42 في أنقرة؛ حيث كان يُنتظر في 15 سبتمبر/أيلول صدور قرار مصيري قد يحدد مستقبل أكبر أحزاب المعارضة، لكنه تأجل مؤقتا.

تأجيل مؤقت
وطرحت صحيفة حرييت التركية ثلاثة احتمالات لقرار المحكمة، أولها التأجيل أو إبطال الإجراءات دون تدابير مؤقتة أو إبطالها مع تدابير مؤقتة.
وفي 15 سبتمبر، أرجأت المحكمة بالفعل قرارها في دعوى عزل زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل وإبطال نتائج انتخابات المؤتمر العام للحزب لعام 2023، وذلك حتى 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025.
وسجن المئات من أعضاء حزب الشعب الجمهوري على ذمة المحاكمة في تحقيق منفصل واسع النطاق بشأن اتهامات بالكسب غير المشروع ووجود صلات بالإرهاب، وعلى رأسهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الموقوف منذ مارس/آذار 2025.
وإذا ألغت المحكمة نتائج مؤتمر حزب الشعب الجمهوري لعام 2023، فسيجرد أوزيل من منصب رئيس الحزب الذي فاز به خلال المؤتمر في عملية شهدت تقديم رشا للمندوبين لانتخابه، بحسب الاتهامات.
وقبل الإعلان عن قرار التأجيل، قال الكاتب التركي عبد القادر سيلفي في مقاله بصحيفة حرييت: إن الخيار الثاني يتمثل بإبطال الإجراءات دون تدابير مؤقتة، مما يفتح المجال لأوزغور أوزيل للطعن أمام المحكمة العليا والدستورية.
وفي هذه الحالة، يفترض أن يستمر أوزيل في موقعه مؤقتا إلى حين البت بالاستئناف، وفق الكاتب التركي.
والثالث يتمثل بالبطلان المطلق مع تدابير مؤقتة: وهو السيناريو الأكثر تداولا (قد يحدث في أكتوبر)؛ إذ يعني عمليا إعادة زعيم الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو إلى رئاسته.
وذكر الكاتب أنه في حال عودته، تشير التوقعات إلى أن كليتشدار أوغلو لن يكتفي بفترة انتقالية قصيرة، بل قد يبقى في القيادة ما لا يقل عن عام ونصف العام.
وسيستهدف كليتشدار أوغلو إعادة هيكلة الحزب من القاعدة إلى القمة، ومعالجة ملفات الفساد والرشوة التي لطالما وُجهت له.
لكنّ عودته لا تعني بالضرورة مواجهة مباشرة مع معارضيه داخل الحزب، وفق تقدير الكاتب.
فبحسب مقربين يخطط كليتشدار أوغلو للعودة بهدوء، بعيدا عن أسلوب الصدام، وبانتظار أن تهدأ الأجواء قبل أن يفرض سيطرته الكاملة على المقر.

ارتدادات سياسية
وأردف الكاتب التركي: الأزمة في حزب الشعب الجمهوري ليست شأنا داخليا بحتا، بل تحمل انعكاسات واسعة على السياسة التركية.
بالنسبة لرئيس بلدية إسطنبول الموقوف أكرم إمام أوغلو، فإن عودة كليتشدار أوغلو تشكل سيناريو كابوسيا يهدد طموحاته السياسية. وقد أوضحت تصريحاته السابقة قلقه من احتمال دفنه سياسيا داخل الحزب.
أما أوزغور أوزيل، فقد أرسل رسالة تحدٍ قوية خلال التجمع الكبير الذي نظمه الحزب في ساحة تاندوغان بأنقرة، قائلا: "إن الشعب الجمهوري ليس لقمة سهلة، سنقاوم".
ورغم الحشد الواسع في 14 سبتمبر، فإنّ الأعداد لم تصل إلى المستوى المستهدف، ما أظهر محدودية قدرة الحزب على الحشد الشعبي مقارنة بما يطمح إليه.
وأشار الكاتب التركي إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد صراعا داخليا محتدما بين أجنحة الحزب المختلفة.
فإذا عاد كليتشدار أوغلو إلى القيادة، سيحاول فرض مشروع إصلاحي طويل الأمد، بينما سيستمر فريق أوزيل وإمام أوغلو في المقاومة دفاعا عن مواقعهم ونفوذهم.
وذكر الكاتب أن ما يحدث اليوم داخل حزب الشعب الجمهوري لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مستقبل السياسة التركية.
فعودة كليتشدار أوغلو، إذا ما تحققت، لن تعني فقط إعادة ترتيب البيت الداخلي للحزب.
بل قد تفتح مرحلة جديدة من التنافس والصراع على زعامة المعارضة، مع تداعيات قد تمتد إلى الانتخابات المقبلة (الرئاسية والبرلمانية عام 2028) وتوازن القوى في البلاد، وفق تقدير الكاتب التركي.

حشد جماهيري
وشهدت ساحة تاندوغان مظاهرة حاشدة لـ"الشعب الجمهوري"، حملت رسائل سياسية قبل ساعات من صدور القرار القضائي المصيري الذي أمر بالتأجيل.
فقد ألقى رئيس الحزب أوزغور أوزيل خطابا استمر ساعة و21 دقيقة، في أجواء تخللتها الشعارات والهتافات الحماسية.
وألقى رئيس بلدية أنقرة الكبرى منصور يافاش كلمة افتتاحية لاقت ترحيبا من الحاضرين، في وقت انتشرت فيه شائعات غير مؤكدة عن استقالته، فجاء ظهوره بمثابة رد عملي على هذه الادعاءات.
كما صعدت ديلِك زوجة إمام أوغلو، إلى المنصة، ولوّحت للجماهير بعلامة القلب، في مشهد لفت الأنظار. وفي ختام المظاهرة، لوّح أوزيل مع القيادات الحزبية بالعلم التركي دعما لفريق كرة السلة الوطني المعروف بـ"الرجال الاثني عشر".
ولفت الكاتب التركي إلى أنّه بسبب الانتقادات التي تطال أوزيل بأنه يركّز دائما على أكرم إمام أوغلو في خطاباته، فقد حاول هذه المرة أن يوزع حديثه؛ إذ قُرئت رسالة إمام أوغلو على لسان يافاش، بينما تناول أوزيل قضايا أخرى أبرزها الوضع الاقتصادي والضغوط التي يواجهها محدودو الدخل.
مع ذلك، لم يخلُ خطابه من لهجة هجومية أثارت الجدل، فقد وجّه انتقادات حادة إلى وزير الداخلية علي يرلي كايا، مستخدما تعبيرات “جارحة”.
كما انتقد الرئيس رجب طيب أردوغان وعددا من المسؤولين الآخرين، وهو ما عده مراقبون استمرارا في اعتماد خطاب قائم على المواجهة والتهديد.
وأضاف الكاتب: إن أكثر لحظات الحماس جاءت عندما أعلن أوزيل بشكل صريح أن “المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري هو أكرم إمام أوغلو”، لتشتعل الساحة بالتصفيق والهتافات.
كما دعا إلى انتخابات مبكرة، موجهاً تحديا مباشرا للرئيس أردوغان قائلا: "أحضر الصناديق في 2 نوفمبر (تشرين الثاني)... هيا إلى الساحة".
واختتم أوزيل خطابه بالرسالة السياسية الأكثر أهمية؛ إذ أكد أن حزب الشعب الجمهوري "ليس لقمة سائغة ولا حزبا ظرفيا، بل هو حزب التاريخ والكفاح الوطني".
وأضاف متحديا: "لن نتراجع خطوة واحدة، ولن ننحني قيد أنملة"، لتتعالى بعدها الهتافات المتكررة: "سننتصر بالمقاومة".
وهكذا، جمع خطاب أوزيل بين الهجوم السياسي العنيف، والرسائل الرمزية الإنسانية، والتأكيد على وحدة الحزب خلف أكرم إمام أوغلو كمرشح رئاسي.
وفي ظل انتظار القرار القضائي، بدا المشهد كأنه بروفة أولية لمعركة سياسية أكبر، ستحدد مستقبل الحزب وربما مسار السياسة التركية في الفترة المقبلة. وفق الكاتب.