اتفاقية تسليم المطلوبين بين تونس والجزائر.. ما تداعياتها على المعارضين؟

"تفعيل الاتفاقية يأتي في سياق تنفيذ مصالح مشتركة للنظامين التونسي والجزائري في ملاحقة المعارضين"
في خطوة أثارت توجس النشطاء الحقوقيين والسياسيين، صادق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على اتفاقية تسليم المطلوبين بين بلاده وتونس، والموقعة بين الجانبين في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتعهدت تونس والجزائر بمقتضى هذه الاتفاقية التي ستدخل حيز التنفيذ بعد 30 يوما من تبادل وثائق التصديق بين البلدين، بأن يسلّم كل منهما للآخر، الأشخاص المتابعين أو المحكوم عليهم من طرف سلطاتهما القضائية المختصة، وفق قواعد وشروط معينة.
وبحسب ما أوردته الجريدة الرسمية الجزائرية، "تنص الاتفاقية على تسليم المجرمين المدانين في الجرائم المعاقب عليها بمقتضى قوانين البلدين، والمحكوم عليهم بالسجن لمدة لا تقل عن سنة واحدة، على أن لا تقل المدة المتبقية من العقوبة عن 6 أشهر عند تقديم طلب التسليم".
وأضاف في 12 فبراير/شباط 2025 أن "الاتفاقية تتيح جواز رفض التسليم إذا كانت هناك أسباب جوهرية تدعو إلى الاعتقاد أن محاكمة أو إدانة الشخص المطلوب جاءت على أساس عرقه أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية، أو أن الطلب يتعارض مع أمور إنسانية".
وتعمل الجزائر منذ فترة على تحديث سلسلة من اتفاقيات التعاون القضائي وتبادل المطلوبين مع عدد من الدول، من قبيل الإمارات ولبنان والسعودية وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وغيرها.
توجس ومخاوف
وتفاعلا مع هذا التطور، أكد المحامي التونسي محمد عبو، أن ما يثير التوجس والمخاوف في الاتفاقية الثنائية هو الجانب المتعلق بالقضايا السياسية التي قد تخضع لممارسات تخالف ما ينص عليه القانون برفض تسليم المطلوبين على خلفية آرائهم السياسية.
وقال عبو لـ "الاستقلال"، إنه من الطبيعي أن يتم توقيع اتفاقيات ثنائية بين الدول، عربية كانت أو أوروبية من أجل تسليم المجرمين إحقاقا للعدالة وهذا ليس فيه إشكال، إنما الإشكال في القضايا السياسية التي يتم تغطيتها بأوصاف الإرهاب لتنفيذ مطالب التسليم.
وتبعا لذلك، نبّه المتحدث ذاته إلى ضرورة احترام الإجراءات القانونية التي سنها المشرع التونسي والجزائري عند تسليم المطلوبين وترك القضاء هو من يقرر أمر التسليم من عدمه.
ولفت إلى أن ما وقع في أحيان سابقة بين تونس والجزائر هو "التسليم دون احترام هذه الإجراءات ودون إحالة الملف على القضاء وهو أمر مرفوض".
وقال: "في صورة وجود وصف إرهابي لأفعال يتبين إثرها أنها قضية سياسية فمن المفروض ألّا يقع تسليم المطلوبين فضلا عن ضرورة التوقف عن الممارسات التي دأبت الأنظمة على انتهاجها وهو التسليم خارج الأطر القانونية".
من الجانب التونسي، أوضحت وزيرة العدل، ليلى جفال، أن المصادقة على الاتفاقية تأتي لتجاوز بعض الإشكاليات فيما يتعلق بالتواصل بين البلدين وإدراج مفاهيم مثل جرائم الإرهاب، واسترداد الأموال، والتجميد، والمصادرة.
وأشارت الوزيرة خلال جلسة برلمانية بتاريخ 16 يناير/كانون ثاني 2025، إلى أنه تم توقيع اتفاقية "تسليم المجرمين" بين تونس والجزائر في إطار إعادة النظر في اتفاقية تبادل المساعدة والتعاون القضائي، الموقعة بين البلدين في عام 1963.
وكشفت في المقابل، أن عدد الجزائريين المسجونين في تونس يبلغ 199 سجينا، مبرزة أن عدد مطالب التسليم الصادرة من تونس إلى الجزائر يبلغ 8، بينما يبلغ عدد مطالب التسليم الواردة من الجزائر إلى تونس 6 مطالب.
كما أفادت وزيرة العدل بأن الجزائريين القابعين في السجون التونسية- بينهم 6 إناث- متورطون في تهم مختلفة، من بينها التورط في قضايا مخدرات، والهجرة غير النظامية، والإرهاب.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب السياسي عماد الدائمي: إن الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان التونسي هي في ظاهرها اتفاقية عادية كالاتفاقيات التي تربط بين تونس وعدد كبير من الدول العربية والأوروبية أيضا في نفس المجال.
وأضاف الدائمي لموقع "جسور بوست"، في 18 فبراير 2025، "لا سيما أنه بين تونس والجزائر اتفاقيات سابقة في نفس الإطار، لذا هي في الأصل لا تستهدف الحريات والحقوق والمعارضين السياسيين، إنما تبدو مواصلة لمسار تعاون قضائي وتعاون بين البلدين".
وأضاف: "نحن كسياسيين تونسيين ندعم التعاون مع الجزائر في مختلف المجالات التي تهم البلدين الشقيقين، ولكن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي تحدث من وقت لآخر من إيقاف بعض التونسيين في الجزائر أو بالعكس، وهذا يتطلب تدخلا خاصا ويتطلب الحل في إطار رفع الاحتقان وعدم المشاركة في أي اضطهاد سياسي للمواطنين".
وأعرب الدائمي عن أمله أن تبقى الاتفاقية كما هو منصوص عليها لتبادل المجرمين وليس لها علاقة بالسياسيين لتكون خطوة إضافية في الاندماج القضائي مع الجيران.
قوة قانونية
بدوره، يرى إسماعيل خلف الله، المحامي الجزائري والخبير في القانون الدولي، أن تصديق الرئيس الجزائري على الاتفاقية ونشرها بالجريدة الرسمية للبلاد يأتي لتعزيز العلاقات الجزائرية التونسية، خاصة ما يتعلق بالجانب القضائي.
وأضاف خلف الله في تصريح لقناة فرانس 24، أن المصادقة هي بغية إعطاء القوة القانونية للاتفاقية، ذلك أن الأخيرة لا قيمة لها دون مصادقة برلمانية أو تشريعية.
وذكر المحامي الجزائري أن الاتفاقية تتضمن 24 مادة، تركز على الإجرام العام والجريمة الجنائية الجمركية، والفساد المالي والأخلاقي، بغض النظر عن التأويل الذي سيذهب إليه البعض بخصوص الجريمة السياسية.
وقال خلف الله: إن أي طرف مطلوب في إطار ما يسمى بالجريمة السياسية له الحق في رفض تسليمه للدولة المطالبة به، مشيرا إلى أن الاتفاقية أعطت استثناءات أخرى، لاعتبارات إنسانية أو صحية أو غيرها.
غير أن منسق عام "ائتلاف صمود" (ائتلاف مدني حقوقي غير حكومي تونسي)، حسام الحامي، رأى أن مثل هذه الاتفاقيات تثير المخاوف من تبعاتها على الأوضاع الحقوقية في كل من الجزائر وتونس.
وأكد الحامي لموقع الحرة، في 14 فبراير 2025، أن "تفعيل الاتفاقية يأتي في سياق تنفيذ مصالح مشتركة للنظامين التونسي والجزائري في ملاحقة المعارضين".
وقال: إن "الدول التي تحكمها الأنظمة الاستبدادية لديها تقارب وانسجام في كل المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان لذلك تسعى إلى إبرام اتفاقيات تستجيب لرغبة هذه الأنظمة وتحقق أهدافها المشتركة في هذا الجانب".
وأضاف الحامي أنه "ليس هنالك أي إشكال في الوضع القانوني في الجزائر فيما يتعلق بجلب المطلوبين للعدالة، عكس ما يحدث في تونس من ممارسات للسلطة في الضغط على القضاء خاصة في المحاكمات ذات الطابع السياسي".
وشدد الحقوقي أن "الخوف كل الخوف من أن تتحول مثل هذه الاتفاقيات إلى أداة بيد النظام يستغلها في التضييق على الخصوم السياسيين وغلق أبواب طلب اللجوء في بلد آخر".
وسبق للسلطات الأمنية الجزائرية أن اعتقلت في سبتمبر 2021 المرشح السابق للانتخابات الرئاسية رئيس حزب "قلب تونس" (معارض)، نبيل القروي، وشقيقه في مدينة تبسة الجزائرية بعد دخوله البلاد بشكل غير شرعي.
ويلاحق القروي وشقيقه في قضايا تتعلق بـ "غسل الأموال والتهرب الضريبي" قبل أن يصدر القضاء التونسي في فبراير 2024 في شأنه حكما بالسجن 3 سنوات بتهمة "تلقّي تمويلات أجنبية في الحملة الانتخابيّة للانتخابات الرئاسية 2019".
وفي يوليو/تموز 2024، تناولت وسائل إعلام محلية أخبارا مفادها إيقاف النائب السابق في البرلمان المنحل سيف الدين مخلوف داخل التراب الجزائري وإحالته على التحقيق.
اضطهاد سياسي
بالتزامن مع هذه التطورات، دعت الأمم المتحدة تونس إلى وقف "جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين" وضرورة احترام الحق في حرية الرأي والتعبير.
جاء ذلك في تصريحات للمفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، نقلها متحدث المفوضية ثمين الخيطان في مؤتمر صحفي بجنيف، الثلاثاء 18 فبراير 2025، وفق موقع المفوضية الإلكتروني.
وأوضح متحدث المفوضية أن تورك دعا السلطات التونسية إلى "احترام الحق في حرية الرأي والتعبير"، وطالب بالإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمَن هم في سن متقدمة والذين يعانون من مشاكل صحية.
وأضاف المتحدث أن المفوضية تحث تونس على إعادة النظر بتشريعاتها الجنائية، وضمان توافقها مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره.
وأكد أنه "يجب الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفيا، وضمان المحاكمة العادلة ومراعاة الأصول القانونية الواجبة لمَن وجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم".
وفي الجزائر، أعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان عن خيبة أملها العميقة إزاء استمرار اعتقال مدافعين عن حقوق الإنسان.
وقالت ماري لولور في منشور للأمم المتحدة عبر موقعها الالكتروني، 30 يناير 2025، إنه تم اعتقال عدد من النشطاء الحقوقيين "بشكل تعسفي ومضايقتهم قضائيا وترهيبهم وتجريمهم" بسبب أنشطتهم السلمية بموجب أحكام غامضة الصياغة، مثل "الإضرار بأمن الدولة".