مشاهد الفرح بخروج الأسيرات من سجون الاحتلال.. كيف حركت أوجاع المصريين؟
شهد العالم العربي والإسلامي ليلة مليئة بالفرح والدموع، باستقبال 39 من الأسرى النساء والأطفال الذين أفرجت عنهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي عبر صفقة تبادل في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
الإفراج عن الأسرى في الضفة الغربية يأتي مقابل 13 أسيرة وطفلا من الإسرائيليين المحتجزين بقطاع غزة، في أول أيام اتفاق الهدنة الإنسانية المؤقتة الذي توسطت فيه قطر بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
المشاهد المؤثرة للقاء الأسيرات الفلسطينيات بأسرهن بعد إفراج الاحتلال عنهن، بعثت بمشاعر الغبطة لدى الشعب المصري، خاصة وأن هناك 120 سيدة وفتاة في سجون نظام عبد الفتاح السيسي، جميعهن سجينات الرأي والحقوقيات، بخلاف 5 مختفيات قسرا لا يعرف عنهن شيء، بحسب منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" الحقوقية.
أما سجينات الرأي فبعضهن أمهات وأخريات جدّات، فيما كثير منهن مريضات وبحاجة لعمليات جراحية.
والأشد مرارة من ذلك، أن هناك سجينات أنهين فترات العقوبة والحبس الاحتياطي، لكن نظام السيسي رفض خروجهن، وقام بتدويرهن على قضايا جديدة من داخل محبسهن.
ليكون التساؤل مفتوحا عن تاريخ انفراجة للسجينات المصريات على غرار الأسيرات الفلسطينيات المحررات من قبضة المحتل.
خلف القضبان
للمفارقة كان خروج الأسيرات الفلسطينيات، مواكبا لليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (يتزامن مع 25 نوفمبر من كل عام).
لكن المعتقلات المصريات لم يسر عليهن قاعدة مكافحة العنف، وبقين رهن الاعتقال والتدوير والانتهاكات.
ومن أبرز السجينات حاليا في معتقلات السيسي، المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم (64 عاما)، المعتقلة منذ عام 2018، وأصيبت بجلطة في القلب عام 2020.
وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قررت نيابة أمن الدولة حبسها احتياطيا على ذمة قضية جديدة.
وذلك في اليوم الأخير لعقوبة سجنها 5 سنوات، حسبما أعلن مدير "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حسام بهجت.
ويذكر أنه في مطلع نوفمبر 2018، شنت أجهزة الأمن المصرية، حملة اعتقالات بحق عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومن بينهن، هدى عبد المنعم، عائشة خيرت الشاطر، سمية ناصف، سحر حتحوت، راوية الشافعي، علياء إسماعيل، إيمان القاضي، ومروة أحمد مدبولي، وسلوى عبد الكريم"
أولئك السيدات تعرضن للإخفاء القسري، وذلك قبل أن يظهرن في نيابة أمن الدولة العليا التي قررت توجيه اتهامات لهن بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، ومن ذلك اليوم رهن القضبان.
مآسي المعتقلات
وكتبت الناشطة الحقوقية سولافا مجدي، وكانت قد اعتقلت سابقا ثم أفرج عنها، شهادتها عن معاناة النساء في السجون، وذلك عبر صفحتها الشخصية بموقع "إكس".
وقالت: "مش بس (ليست فقط) سجون إسرائيل اللي (التي) فيها أطفال وصغار.. سجون مصر مليانة (مليئة)، كان معايا في نفس الزنزانة بنات قصر زي (مثل) القمر ما كملوش 18 سنة، أغلبهن من سيناء، اتقبض عليهن عشوائي وأقل واحدة فيهن محكوم عليها 10 سنين من محكمة عسكرية!".
وأضافت: "عايزة أوضح بس (أريد أفقط) أن البنات اللي كنت معاهم مش متعلمين تعليم كامل، واجتماعيا تحت خط الفقر حرفيا، وأعمارهن كانت بتتحسب بالتسنين (يسننوا الشخص) عشان (لأجل) تتحسب أعمارهم، علشان يقدروا يسجونهم في سجون النساء زي سجن القناطر!".
وفي 13 أبريل/ نيسان 2023، ذكر موقع "التحرير" المصري، المختص بالجانب الحقوقي، أنه على مدار 7 أعوام، شهدت سجون مصر وخاصة سجني دمنهور والقناطر للنساء "سيئ السمعة" التابع لمحافظة القليوبية، "طفرة في أعداد السجينات".
وأضاف: "شهدت أيضا هذه السنوات تفاقما في مستوى التنكيل والتعنت في التعامل مع السجينات، بداية من التفتيش العاري، وحتى الاعتداء بالضرب والسب والتجريد من المتعلقات الشخصية كافة بشكل دوري".
وأورد: "هذه الفترة بحاجة ماسة للتوثيق والتحليل من أجل فهم أسباب تفاقم مستوى التنكيل، والزج بالسيدات من الصحفيات أو المدافعات، وخاصة من أبناء أو أخوات أو زوجات، من ليسوا على وفاق سياسي مع السلطة وأجهزة الأمن".
ولا يتوقف النظام المصري عن ابتكار وسائل جديدة للتنكيل بالسجينات السياسيات، ووضعهن تحت ضغط نفسي رهيب، مستخدما من أجل ذلك الوسائل الحديثة.
وفي 26 يوليو/ تموز 2023، نشرت شبكة "حقهم" الحقوقية رسالة مسربة من معتقلات في سجن النساء الجديد بمنطقة سجون العاشر من رمضان في مصر.
وكشفت عن أسلوب صادم للتنكيل بالمحتجزات داخل السجن منذ نقلهن إليه.
حيث أكدت الرسالة: "وجود كاميرات تجسس في زنازين المعتقلات بسجن النساء، وقد فوجئت المعتقلات السياسيات بوجود كاميرات المراقبة".
وأضافت أن "المعتقلات اعترضن على هذا الإجراء، إلا أنهن فوجئن برد إدارة السجن أن الكاميرات موجودة لرصد تحركاتهن على مدار الساعة بحسب تعليمات وزير الداخلية".
وأتبعت: "وهو ما اضطرهن لارتداء ملابسهن كاملة بالحجاب طوال اليوم، خوفا من تصويرهن واستغلال هذه الصور ضدهن، كما جرى مع الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح الذي تم تصويره من داخل زنزانته وهو يشرب مياها غازية لإثبات أنه غير مضرب عن الطعام".
الصادم أن المنظمة الحقوقية كشفت أن الكاميرات مراقبة من أكثر من 12 مكتبا رسميا، بدءا من رئاسة الجمهورية حتى ضابط الاتصال في السجن، مرورا بوزير الداخلية ورئيس قطاع الأمن الوطني ورئيس قطاع السجون وضباط الأمن المسؤولين عن السجون، وانتهاء بأربع جهات داخل السجن نفسه.
مراقبة مستمرة
وفي سبتمبر/ أيلول 2017 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، تقريرها عن "واقع السجون المصرية"، يتهم سلطات الأمن بتعذيب المعتقلين لديهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.
واستندت الصحيفة في تقريرها على ما قالت إنها شهادة محام، اختطفه الأمن المصري بشكل غير قانوني، وقضى في السجن 6 أسابيع، وهو المحامي طارق حسين الذي قال نصا في شهادته إن "أصوات السجناء الذين يخضعون للتعذيب كانت تسمع في أروقة السجن على الدوام، لاسيما خلال تعرضهم للتعذيب بالصعقات الكهربائية".
وأضاف: "هناك أيضا نساء سجينات خضعن لانتهاكات بدنية ونفسية قاسية مثل الاعتداء عليهن بالضرب والتلاسن من قبل عاملات السجن بأوامر من الضباط".
المثير أنه من محاولات إنقاذ النساء المحتجزات في مصر، والضغط على نظام السيسي الذي سعى إلى سجن المرأة على خلفية قضايا سياسية، المشروع الذي تقدم به السيناتور الأميركي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ (سابقا)، روبرت مينينديز.
ففي 12 أغسطس/ آب 2021 دعا مينينديز عبر مشروعه الكونغرس الأميركي لإدانة الاعتقال السياسي للنساء والمطالبة بالإفراج الفوري عن السجينات السياسيات، في 10 دول بينها مصر.
وطالب مشروع القانون أيضا بمنح النساء حرية التعبير عن آرائهن، فيما انضم 8 من أعضاء مجلس الشيوخ إلى مشروع مينينديز.
لكن ربما أوقف ذلك المشروع أن مينينديز واجه اتهامات في أكتوبر 2023، بأنه "عميل لدولة أجنبية" وهي مصر، بسبب تلقيه رشاوى وأموال ومشغولات ذهبية، لغض الطرف عن سجلها السيئ في حقوق الإنسان.
وعلق الباحث الحقوقي المصري، مصطفى عز الدين فؤاد، عن المفارقات بين المعتقلات بمصر والأسيرات في سجون إسرائيل، قائلا: "في مصر بطبيعة الحال الوضع أكثر خزيا ومرارة مما يحدث في إسرائيل، وذلك من باب (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة)، ولأن الأسيرة الفلسطينية تعلم أن وراءها شعبا ورجالا وأمة يناضلون خلفها في معركة تحرير طويلة".
وأضاف فؤاد لـ"الاستقلال" موضحا "أما المعتقلة المصرية فهي منسية ومغيبة عن عموم الناس، بفعل النظام ومؤسساته، بل هي مخفية عن أسرتها ومحاميها، وبفعل فرض الخوف الذي جعل قطاعات من الشعب تتجنب الحديث عنها وعن حقها".
وأورد: "ما يحدث مثلا مع هدى عبد المنعم وعائشة خيرت الشاطر، هو انتقام سياسي ممنهج، كما حدث سابقا مع علا القرضاوي وماهينور المصري".
واستطرد فؤاد: "النظام لا يبالي سوى بجعل مجموعة من الناس حتى ولو كن أمهات وجدّات عبرة لمن يعتبر، فكيف لامرأة تجاوزت الـ65 عاما مثل هدى عبد المنعم أن يتم تدويرها على ذمة قضية أخرى، بعدما انتهت فترة حبسها في تهمتها الأولى (5 سنوات) إلا أن تكون حالة انتقامية انتقائية شرسة من قبل النظام".