"إصلاح بريطانيا".. حزب يخترق قصر وستمنستر ويثير مخاوف المسلمين

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

حملت نتائج الانتخابات العامة البريطانية الأخيرة، والتي أعلنت نتائجها يوم 4 يوليو/ تموز 2024، وحسمها حزب العمال بفارق كبير عن حزب المحافظين (الذي كان حاكما) مفاجئات كبيرة.

على رأسها نتيجة حزب إصلاح بريطانيا أو "Reform UK" اليميني المتطرف بقيادة زعيمه المثير للجدل نايجل فاراج، والذي يلقب أحيانا بـ "ترامب البريطاني".

وبدخول الحزب المتطرف إلى البرلمان البريطاني الذي يعرف باسم “قصر وستمنستر” ويقع وسط العاصمة لندن على بعد أمتار من مكتب رئيس الحكومة، يصبح "إصلاح بريطانيا" أحد اللاعبين الأساسيين على مسرح الحياة السياسية في البلاد.

فما هي أجندة "حزب إصلاح بريطانيا"؟ ولماذا يقلق صعوده مجتمعات المسلمين والمهاجرين؟ وما هي أفكار وأطروحات زعيمه نايجل فاراج الذي أصبح نائبا داخل مجلس العموم؟ 

سابقة تاريخية 

في سابقة تاريخية، حقق حزب "إصلاح بريطانيا" الذي يتبنى أفكارا يمينية متشددة اختراقا لافتا، بعد أن دخل الحزب المعادي للمسلمين والمهاجرين البرلمان، وأصبح زعيمه المثير للجدل "نايجل فاراج"، نائبا للمرة الأولى بعد ثماني محاولات.

ونجح الحزب اليميني المتطرف في الولوج إلى البرلمان بعد انتخابات أعادت تشكيل القوى في البرلمان البريطاني.

فمن بين 650 مقعدا، حصل "إصلاح بريطانيا على 4 مقاعد، وهو إنجاز تاريخي، إذ لم يكن لديه سوى نائب واحد سابقا.

كما حقق الحزب المركز الثاني بعد حزب العمال من حيث عدد الأصوات في العديد من الدوائر الانتخابية، متفوقا في بعض الأحيان بشكل كبير على المحافظين، وذلك بعد أن حصد قرابة 14% من الأصوات في هذه الانتخابات، بنحو أكثر من 4 ملايين صوت. 

ووصف "فاراج" فوز حزبه الشعبوي اليميني المتشدد بأنه "غير عادي" مضيفا في أول تصريحات له بين أنصاره داخل مدينة "كلاكستون-أون-سي" الساحلية (Clacton-on-Sea)، أن "هذه هي الخطوة الأولى فقط، نحو شيء سيذهل الجميع مستقبلا". 

النشأة والأيديولوجية

تأسس الحزب رسميا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، باسم حزب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو "بريكست"، الذي يدعو إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة.

في أول اختبار له فاز الحزب بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات البرلمان الأوروبي 2019 في المملكة المتحدة، لكنه لم يفز بأي مقاعد في الانتخابات العامة 2019. 

ووصل الحزب إلى أهم أهدافه في يناير/ كانون الثاني 2020، عندما انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي رسميا.

وبعد عام، في يناير 2021، تم تغيير اسم الحزب إلى إصلاح بريطانيا "Reform UK"، وذلك خلال جائحة كوفيد -19، حينها وجه الحزب سياسته ضد عمليات الإغلاق والعزل الاجتماعي، وطالب بعودة الحياة إلى طبيعتها، ورفض كذلك تلقي اللقاحات على غرار اليمين في أوروبا والولايات المتحدة. 

وفي عام 2022، قام حزب "إصلاح بريطانيا" بأوسع حملاته على منصات التواصل الاجتماعي، مطالبا الحكومة بالحد من الهجرة ومنع وصول المهاجرين إلي البلاد. 

وفي حديث خاص لمجلة "أون هيرد" المحلية، وصف أستاذ السياسة البريطانية "ماثيو جودوين "الحزب بأنه شعبوي ويميني.

لكن في يناير 2024، وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية حزب الإصلاح البريطاني بأنه حزب يميني متطرف، يتبنى الأفكار القومية، وزادت أن له أفكارا تتعلق بتفوق العرق الأبيض. 

وفي مارس/ آذار 2024، وصفت هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" الحزب بأنه يميني متطرف، لكنها سرعان ما تراجعت عن بيانها واعتذرت لحزب الإصلاح البريطاني، بعدما أثار وصفها غضب قادة الحزب على رأسهم زعيمه "فاراج". 

وفي 5 يوليو 2024، علقت صحيفة "مونت كارلو" الفرنسية على أفكار الحزب، بعد فوزه ونجاح "فاراج" في الدخول إلى البرلمان البريطاني.

وقالت: فاراج، يقارن كثيرا بدونالد ترامب، ويأمل أن يؤدي هذا الفوز المشجع لحزبه إلى تحقيق هدفه البعيد المدى، وهو أن يصبح القوة المعارضة الرئيسة بدلا من المحافظين بحلول عام 2029.

واستشهدت بتصريحاته التي قال فيها بثقة "خطتي هي بناء حركة وطنية ضخمة خلال السنوات المقبلة".

وعقبت اشتهر نايجل فاراج وحزبه بمواقفهم القوية ضد المهاجرين، وينذر فوزه في أول انتخابات عامة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتغييرات كبيرة في المشهد السياسي.

يذكر أن الصعود السريع لنجم حزب بريكست كان محل إعجاب الرئيس الأميركي (السابق) دونالد ترامب، الذي أقدم على خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، عندما خص نايجل فاراج باتصال على إذاعة "أل.بي.سي" البريطانية في 8 نوفمبر 2019، للثناء عليه، وإعلان دعمه له.

"مطرقة الكراهية"

وكان أحد أهم الأهداف الأساسية التي رفعها "فاراج" خلال حملته نحو البرلمان البريطاني في 2024، أنه يريد أن يصل بمعدل صافي الهجرة إلى "ًصفر". 

ومما يؤشر أن دخول حزب "إصلاح بريطانيا" إلى البرلمان يمثل حالة جديدة ومختلفة، ما ذكرته قبل سنوات صحيفة "ذا تايمز" البريطانية. 

ففي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وصفت افتتاحية الصحيفة اليمين المتطرف الجديد، على رأسه حزب "إصلاح بريطانيا" بـ"مطرقة الكراهية".

وقالت: "إنه خطر على المجتمع بالرغم من دهائه الإعلامي وتحركه ضمن القانون"

ثم تحدثت الصحيفة البريطانية أن الحزب يمثل تطورا واضحا في أفكار وأيديولوجية اليمين المتطرف في السياسة البريطانية.

وعقبت كان اليمين لسنوات طويلة مجموعات هامشية غير سوية اجتماعيا وثقافيا، ومن المخدوعين الذين أعجبوا بهتلر ورددوا سمومه وشنوا حملة ضد الهجرة، وخاضوا معارك مع اليسار.

وأتبعت لكن الأمور اليوم تبدو مختلفة، فقد عاد اليمين المتطرف منظما من خريجي الجامعات وذوي الدهاء السياسي.

وأشارت الصحيفة إلى تحقيق أجرته يظهر أن اليمين المتطرف (من ضمنه حزب إصلاح بريطانيا) يرى أن البلاد مستعدة لتلقي رسالته.

والتي تكمن في دولة مستاءة من الأقليات العرقية وغاضبة من الإسلاميين وباحثة عن قيادة قوية وإجابات مبسطة للقضايا المعقدة.

ضد المسلمين

يذكر أن المجتمع الإسلامي في بريطانيا، والذي يستهدفه "حزب إصلاح بريطانيا" اليميني ليس بقليل.

إذ يبلغ تعداده في مختلف أنحاء المملكة المتحدة نحو مليونين و800 ألف مسلم، ويشكلون 4.4 بالمائة من سكان البلاد، وفقا لإحصاءات الحكومة البريطانية.

ويحفل تاريخ فاراج السياسي بالكثير من المواقف المعبرة عن عدائه الصريح للمسلمين.

ولا يخفي فاراج خوفه مما يطلق عليه "أسلمة المجتمع البريطاني"، ويرفع شعار استعادة استقلال بريطانيا.

وخلال حملته الانتخابية وما سبقها عبر أكثر من مرة عن أفكار معادية للمهاجرين. 

ويرى فاراج أن الأجانب والمسلمين في المملكة المتحدة يشكلون عبئا على الهوية القومية البريطانية، وخطرا على بعدها الثقافي.

وهناك قيادات قوية داخل الحزب تتبنى رؤية فاراج، ويشتهرون بمناصبتهم العداء للإسلام ورموزه.

مثل عضوة الحزب السياسية البريطانية كاثرين بلايك لوك، التي تمتلئ صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات عنصرية ضد المسلمين.

وتحذر من سيطرة الإسلاميين على البلاد، وتهاجم المحجبات والمنتقبات.

لكنها ذهبت إلى أبعد من هذا عندما  رأت أن تزايد معدل الولادات لدى مسلمي بريطانيا يشكل خطرا على البلاد.

مستقبل مظلم 

وفي حديثه "للاستقلال" قال الناشط السياسي المقيم في لندن "صهيب فرج"، إن صعود حزب إصلاح بريطانيا ودخوله إلى أروقة البرلمان يمثل تحولا خطيرا له ما بعده، خاصة أنه حصل على أكثر من 4 ملايين صوت وهي نسبة لا يمكن أن توصف بالقليلة بين شرائح الناخبين. 

وفسر فرج ارتفاع النسبة التصويتية للحزب اليميني المتطرف، بأنه حصل على عدد كبير من أصوات يمين حزب المحافظين (الحاكم سابقا) الذي خسر الانتخابات.

وكانت تلك الشريحة معترضة على سياسات المحافظين تجاه المهاجرين والمسلمين، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية.

وأضاف الناشط السياسي أن مكمن الخطورة والخوف من مستقبل مظلم يتمثل فيما أعلنه ويخطط له زعيم الحزب نايجل فاراج، إذ يريد أن يكون البديل الحقيقي لحزب المحافظين، ويأمل في استقطاب أكبر شرائح ممكنة من الحزب، حتى يكون البديل الأكثر تطرفا وخطورة.

وفيما يتعلق بعقيدة الحزب السياسية وموقفه من المسلمين، أورد "صهيب فرج" أنه حزب شعبوي يميني متطرف، حتى وإن حاول إخفاء ذلك، فدعايته السوداء تفضحه. 

وضرب الناشط المسلم، مثلا بالدعاية الانتخابية للحزب داخل بعض المدن، حيث عرض صورة لبريطانيا من 20 عاما وفيها جندي إنجليزي يحمل سلاحه ويحمي كنيسة، بينما الجانب الآخر من الصورة تصور بريطانيا الآن وفيها رجل مسلم ملتحٍ يحمل سلاحا ويحمي المسجد والهلال، وفوق الصورة عبارات تحذيرية من المد الإسلامي. 

وأكمل “أما ما يتعلق بالمهاجرين فقبل شهور قام صحفي يعمل في القناة الرابعة الإنجليزية بكشف فضيحة عندما دخل إلى اجتماع سري داخل أروقة حزب إصلاح بريطانيا ومعه كاميرا صغيرة غير مرئية ليصور ما يدور في الاجتماع”. 

وكانت المفاجأة عندما عرض بعض آراء قادة الحزب تجاه المهاجرين، حيث طالبوا بإطلاق النار دون رحمة على المهاجرين غير الشرعيين والحد من وصولهم إلى الأراضي البريطانية ولو بالقتل.