"سنوات حكمه الأخيرة قد اقتربت".. من يخلف المرشد الإيراني علي خامنئي؟

مجتبى نجل المرشد الأعلى علي خامنئي يمتلك خبرة واسعة في السياسة الإيرانية
لطالما راجت الشائعات حول وفاة المرشد الإيراني علي خامنئي على مدار سنوات، وعندما أرجأ "مجلس خبراء القيادة" اجتماعه الرئيس لعام 2024 من سبتمبر/أيلول إلى نوفمبر/تشرين الثاني، تكهّن البعض بأن خامنئي يعاني من أزمة صحية.
وحين استغل خامنئي ذلك الاجتماع للحديث مطولا عن معايير اختيار خليفته، رأى آخرون أن نهايته باتت وشيكة، بل إن غيابه الطويل عن الأنظار يكفي لإطلاق موجة جديدة من التكهنات بأن المرشد الأعلى قد رحل بالفعل.
في هذا السياق، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، مقالا للمعارض الإيراني، العضو السابق في الحرس الثوري، أكبر غانجي، قال فيه: إن "الشائعات حول وفاة خامنئي في الوقت الحالي مبالغ فيها إلى حد كبير".
واستدرك: "لكن من منظور إحصائي، يبدو أن سنوات حكمه الأخيرة قد اقتربت؛ فالمرشد الأعلى، البالغ من العمر 85 عاما، نجا سابقا من مرض السرطان، وفي عام 2022، خلال زيارته لضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد، أخبر مرافقيه أنها ربما ستكون زيارته الأخيرة".
ولذلك، في مستقبل غير بعيد، سيجد "مجلس خبراء القيادة" نفسه مضطرا لاختيار مرشد أعلى جديد.
ولم يعلن خامنئي حتى الآن عن وريث مفضل بشكل رسمي، ومع مرور الوقت، خرج معظم المرشحين الذين كانوا يُعدون الأوفر حظا من دائرة المنافسة. لكنْ هناك اسم يتصدر المشهد بوضوح: مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى.
"فرجل الدين البالغ من العمر 56 عاما يتمتع بالفعل بنفوذ سياسي واسع؛ إذ يتلاعب بالانتخابات لدعم مرشحيه المفضلين"، وفق المقال.
"أما حلفاء والده، فقد بدأوا في الترويج له بصفته القائد الذي تحتاجه إيران، مشيدين به كفقيه ومفكر إسلامي بارز. وفي الوقت ذاته، صوّروه كمُجدِّد قادر على القضاء على الفساد، وإنعاش الاقتصاد المتعثر، وتهدئة الشارع الغاضب".

الولد المحظوظ
ويرى "غانجي" أن "صعود مجتبى كان استثناءً في بعض الجوانب؛ فرغم أن توريث السلطة داخل الأنظمة الاستبدادية ليس أمرا غريبا، إلا أن إيران تُحكم بنظام ثيوقراطي شيعي، ترفض فيه الفلسفة الشيعية التقليدية بشدة مبدأ الحكم الوراثي".
ووفقا للمذهب الشيعي، تستمد الإمامة شرعيتها من تكليف إلهي، لا من حق الوراثة، ما يعني أن اختيار القادة السياسيين ينبغي أن يستند إلى مؤهلاتهم الدينية، لا إلى نسبهم.
وقد استند المرشد الأعلى الأول لإيران، روح الله الخميني، إلى هذا المبدأ عندما حال دون توريث السلطة لنجله الطموح في أواخر الثمانينيات.
وشارك خامنئي ذات يوم وجهة نظر الخميني بشأن الحكم الوراثي، ففي خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني 1990، انتقد الأنظمة الملكية، وسخر من انتقال السيادة من الملك إلى ابنه، واصفا إياه بأنه لا يختلف عن توريث حوض غسيل نحاسي.
واستدرك الكاتب: "لكن اليوم، يبدو أن موقفه قد تغيّر، فقد بدأ علماء دين مقربون منه في الترويج لمجتبى بصفته فقيها بارزا، يمتلك من الكفاءة الدينية ما يؤهله لمنصب المرشد الأعلى".
وفي مقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار بعض رجال الدين البارزين إلى مجتبى بوصفه "آية الله"، رغم أنه لم يحصل رسميا على هذه المرتبة، وزعم هؤلاء أن ترشيحه للقيادة سيكون مستندا إلى مؤهلاته الدينية، وليس إلى كونه نجل خامنئي.
ويشكك "غانجي" في امتلاك مجتبى الخلفية الدينية التي يشترطها الدستور الإيراني، فوفقا لنص الدستور، يجب أن يتمتع المرشد الأعلى بـ "المؤهلات الفقهية التي تمكّنه من إبداء آراء سليمة في مختلف مجالات الفقه الإسلامي"، وهو شرط لا يستوفيه مجتبى.
وقال: "بينما نشر علي خامنئي العديد من الكتب في الموضوعات الدينية قبل توليه السلطة، لم يصدر مجتبى أي مؤلفات".
واستطرد: "صحيح أنه يدرّس الفقه الإسلامي، لكن دروسه لم تُنشر علنا، كما أنه لم يلقِ أي خطابات عامة. ويمكن للإيرانيين العثور على مقاطع فيديو لمجتبى وهو يتحدث، لكنها جميعا لا تتجاوز خمس دقائق".
وفي الجانب السياسي، أوضح الكاتب أنه "ما من شك في أن مجتبى يمتلك خبرة واسعة في السياسة الإيرانية، لكن تدخّلاته كانت دائما لصالح التيار المتشدد".
فعندما فاز الإصلاحي محمد خاتمي بالرئاسة عام 1997، خاض مجتبى معركة شرسة ضده، وبالتعاون مع حلفائه في الحرس الثوري الإيراني، نجح في عرقلة جهود خاتمي لتخفيف القيود السياسية والاجتماعية، حيث أغلقوا الصحف الإصلاحية واعتقلوا الناشطين والمعارضين.
حتى إن خاتمي احتجّ علنا على هذه الممارسات، قائلا: "كل تسعة أيام، كانت تُختلق أزمة لحكومتي".
ووفق المقال، ففي بعض الأحيان، كان مجتبى أكثر تشددا من والده، فخلال الانتخابات الرئاسية عام 2005، دعم خامنئي الأب ودائرته المقربة ترشيح صادق لاريجاني، أحد رموز النظام، لكن مجتبى وحلفاءه نجحوا في توجيه الانتخابات لصالح أحمدي نجاد، عبر التلاعب بالتصويت، واستخدام بطاقات اقتراع مزورة.
وردا على ذلك، انتقد مرشحان رئيسان، أكبر هاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي، هذه التلاعبات علنا، حتى إن الأخير وجّه رسالة إلى خامنئي يندد فيها بـ "تدخل ابنكم المحترم، السيد مجتبى، لصالح أحد المرشحين"، لكن خامنئي لم يتأثر.
وعندما اشتكى مسؤولان إيرانيان بارزان من تدخل مجتبى في السياسة، ردّ خامنئي قائلا: "إنه رجل له وزنه بذاته، وليس مجرد "ابن مسؤول".

فرصة الشعب
وقال "غانجي": من المرجح أن يكون الضغط على المرشد الأعلى القادم أشد من أي وقت مضى؛ فالإيرانيون باتوا أكثر جرأة، والعديد من السجناء السياسيين تمكنوا من الحصول على هواتف ذكية يستخدمونها لبث أفكارهم والتأثير في الرأي العام".
وحذر من أنه "إذا استمر خليفة خامنئي في ترسيخ حكم رجال الدين، فسيواجه مطالب شعبية بتغييرات جوهرية".
وتابع: "قد ينجح المرشد المقبل في قمع الاضطرابات عبر مزيج من القمع والتنازلات الجزئية، لكن من المحتمل أيضا أن يستغل الإيرانيون الفرصة التي يوفرها انتقال السلطة لفرض مراجعة أوسع، فالتغييرات الاقتصادية وحدها لن تكفي لإرضاء الشارع".
واستطرد: "فبعد 46 عاما على الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح المجتمع أكثر تململا، وتجاوزت مطالبه مجرد تحسين الأوضاع المعيشية".
وقال: "مثل أي مرشد أعلى جديد، سيجري مجتبى تعديلات على سياسات طهران بمجرد وصوله إلى السلطة، فقد يخفف، على سبيل المثال، بعض القيود المفروضة على الإنترنت، على أمل منح الإيرانيين الغاضبين متنفسا للتعبير".
ومع ذلك، فإن الاعتقاد بأنه سيصلح إيران بشكل حقيقي هو مجرد وهم -بحسب وصفه- فمشكلة البلاد لا تكمن فقط في القيادة السياسية السيئة، بل في نظام سياسي مختل.
وأكد أن "الإيرانيين لا يريدون مجرد تحسينات شكلية، بل يسعون إلى ديمقراطية كاملة، لا إلى استبداد مقنّع، إنهم يريدون إنهاء التمييز وحكم رجال الدين".
وأضاف: "لكن مجتبى، مثل والده، متمسك بجوهر الجمهورية الإسلامية، لذلك، فإن صعوده، أو صعود أي رجل دين آخر، سيؤدي إلى تصاعد الضغوط الشعبية على طهران، مما قد يفضي إلى احتجاجات واسعة، أو حتى تمرد مفتوح ضد النظام".
وأوضح أن "الولايات المتحدة وحلفاءها لا يستطيعون إشعال انتفاضة شعبية بأنفسهم، لكن بإمكانهم مساعدة الإيرانيين الذين سيحتجون ضد المرشد الأعلى القادم عبر رفع العقوبات القاسية".
"فعلى الرغم من أن هذه القيود قد تحرم طهران من بعض الموارد، إلا أن تأثيرها الأساسي هو إفقار المواطنين العاديين، وهم بحاجة إلى مزيد من الإمكانيات ليتمكنوا من مواجهة الجمهورية الإسلامية بفعالية"، وفق المقال.
وأردف: "ستكون فرصة الإيرانيين للنجاح أكبر إذا تحسنت أوضاعهم الاقتصادية وبرزت طبقة وسطى قوية".
وأشار المعارض الإيراني إلى أن "العقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضها الغرب تهدف إلى إضعاف طهران، لكنها في الواقع حرمت الإيرانيين العاديين من الوصول إلى رأس المال، مما أدى إلى تعزيز قبضة الحكومة وتقليص الشفافية".
"ونتيجة لذلك، أُصيبت مؤسسات المجتمع المدني الإيراني بالشلل، لذلك، ينبغي على صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا إعادة النظر في هذه القيود".
"فمن أجل الانتقال من حكم رجال الدين إلى نظام ديمقراطي ملتزم بحقوق الإنسان، يحتاج المجتمع الإيراني إلى أن يصبح أقوى وأكثر ازدهارا، بحيث يمتلك المواطنون العاديون القوة الاقتصادية اللازمة لتنظيم احتجاجات سياسية غير عنيفة"، بحسب المقال.