"المعركة حول حجب الشمس" لتبريد الأرض.. هل تتطور إلى نشوب نزاعات دولية؟
يبدو أن العالم لن يتمكن من تحقيق أهداف اتفاقية باريس لعام 2015 لوقف الاحتباس الحراري
في وقت تتراجع فيه جهود المجتمع الدولي للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فإن الأفكار التي كانت غير مألوفة في السابق، بشأن تبريد الكوكب بوسائل صناعية، بدأت تكتسب زخما.
في هذا السياق، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالا مشتركا لأستاذ القانون بجامعة واشبورن الأميركية، كريج مارتن، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا، سكوت مور، استعرضا فيه ما وصفاه بـ"المعركة حول حجب الشمس".
وجاء في المقال أن "في مساره الحالي، يبدو أن العالم لن يتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعها في اتفاقية باريس لعام 2015 لوقف الاحتباس الحراري عالميا".
ووفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإن متوسط درجات الحرارة العالمية قد ارتفع بالفعل بمقدار 1.3 درجة مئوية (2.3 درجة فهرنهايت) مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ومن المتوقع أن تتجاوز الزيادة 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) التي حددتها اتفاقية باريس بحلول عام 2040، كما قد تصل الزيادة إلى ما بين 3 و4 درجات مئوية بحلول عام 2100، وهو ما سيكون كارثيا.
حجب الشمس
وأشار المقال إلى أن أحد الحلول المقترحة تتمثل في "خفض درجات الحرارة العالمية عن طريق حجب أشعة الشمس بشكل فعال، وهي العملية المعروفة باسم "الهندسة الجيولوجية الشمسية".
وأضاف: "الواقع أن التقارير الأخيرة الصادرة عن كبار اللاعبين في عالم السياسة نظرت جميعها في هذه التقنية المثيرة للجدل، على الأقل كإجراء مؤقت إلى أن يتسنى خفض تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي".
ومن هؤلاء اللاعبين: مكتب سياسات العلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض (OSTP)، ومدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC).
وتابع المقال: "كما هو الحال دائما، يتأخر التخطيط للسياسات عن الممارسات الفعلية، ففي عام 2022، شرعت شركة ناشئة في كاليفورنيا تُدعى "Make Sunsets" في إطلاق بالونات مليئة بجزيئات الكبريت عاليا في الغلاف الجوي".
وكان من المفترض نظريا أن تبرّد هذه البالونات كوكب الأرض، عن طريق عكس ضوء الشمس القادم إليها، وهذه الطريقة، المعروفة بـ"حقن الهباء الجوي" في الطبقة العليا من الغلاف الجوي، هي السبب وراء الكثير من الاهتمام المتزايد بمجال الهندسة الجيولوجية الشمسية، لأنها تُعَدّ من بين الأساليب الأقل تكلفة والأكثر بساطة.
لكن إضافة الهباء الجوي عن قصد إلى طبقة الستراتوسفير مازال موضوعا مثيرا للجدل، وفق المقال، حيث أدت المعارضة العامة له إلى إلغاء العديد من التجارب التي كانت مقررة، كما رفضت "جمعية الأمم المتحدة للبيئة" اقتراحا متواضعا، طُرح في اجتماعها في وقت سابق من عام 2024، لتشكيل مجموعة دراسة للهندسة الجيولوجية الشمسية.
الهباء الجوي
وأوضح المقال أنه ليس من الصعب تحديد موضع النزاع، إذ إن حقن الهباء الجوي قد يساعد في مواجهة بعض ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ.
"إلا أنه، في الوقت نفسه، قد يتسبب في اضطراب أنماط الطقس والمناخ العالمية، مما قد يقودنا إلى عواقب غير متوقعة، وخطيرة على الكوكب بأكمله".
"بما في ذلك تغيير مواسم الأمطار، والتسبب في جفاف شديد في بعض المناطق، بينما ستحدث فيضانات في مناطق أخرى، مما يهدد الأمن الغذائي وقابلية العيش في مناطق واسعة من العالم".
علاوة على ذلك، "يمكن أن تؤدي جهود التبريد الاصطناعي للأرض عبر هذه التقنية إلى إتلاف طبقة الأوزون، وتسريع عملية تحمض المحيطات، وتدمير النظم البيئية بأكملها".
والأسوأ من ذلك -وفق المقال- أن جهود حقن الهباء الجوي، حالما تبدأ، ستتطلب استمرارا بلا حدود أو إنهاء تدريجيا.
ذلك أن "التوقف المفاجئ عن الحقن سيؤدي إلى ارتفاع سريع في درجات الحرارة، خصوصا إذا استمرت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري دون توقف".
وأوضح المقال أن "التكلفة المنخفضة نسبيا وجدوى التقنيات المستخدمة في حقن الستراتوسفير، قد تجعلها خيارا جذابا لأولئك الساعين إلى حل سريع، رغم عيوبه الجسيمة، وخطره على تغير المناخ".
بالإضافة إلى ذلك، فإن مخاطر هذه التقنية وأضرارها موزعة على نطاق واسع، وهو ما قد يخلق وضعا محفزا لاتخاذ إجراءات أحادية تؤثر على الجميع، وفق المقال.
ومما يزيد القلق في هذا السياق -بحسب المقال- هو "غياب الإطار القانوني الدولي أو نظم الحوكمة العالمية التي تمنع الجهود الفردية في مجال حقن الهباء الجوي، والتي قد تقوم بها دول منفردة أو حتى كيانات غير دولية، مثل الجماعات البيئية الراديكالية أو الشركات التكنولوجية الطموحة".
تحفيز الصراعات
وحذر المقال من أن "الجهود الأحادية الجانب في مجال الهندسة الجيولوجية الشمسية قد تتحول إلى محفز لصراع مسلح، تلجأ فيه البلدان إلى القوة العسكرية لمنع ما تراه تلاعبا خطيرا بمناخ العالم".
وأشار الكاتبان إلى أن "الدول نظرت منذ القدم إلى التدخل الأجنبي في الأمن المائي والغذائي بصفته عملا يبرر الحرب".
وتعكس اتفاقية عام 1977 بشأن حظر الاستخدام العسكري أو أي استخدام عدائي آخر لتقنيات تعديل البيئة، مدى إدراك الدول لمخاطر تعديل الطقس كتهديد محتمل للأمن القومي.
وقد وصفت مؤسسات الدفاع والاستخبارات في الولايات المتحدة والعديد من حلفائها العواقب المترتبة على تغير المناخ بصفتها تهديدا للأمن القومي، وسببا محتملا لزيادة حالات الصراع المسلح.
وأكد المقال أنه "في نهاية المطاف، ستتطلب جهود منع الدول من البدء في جهود تعديل الطقس بشكل أحادي، إبرام معاهدة متعددة الأطراف".
هدف هذه المعاهدة -التي يدعو إليها الأكاديميان الأميركيان- هو "حظر حقن الهباء الجوي بدون تصريح، وتأسيس عملية اتخاذ قرارات جماعية للموافقة على أي استخدام مستقبلي محتمل وكيفية إدارته".
"بروتوكول مونتريال"
ونظرا لأن تداعيات هذه التقنية ستعم كوكب الأرض بأسره، شدد المقال على أن تكون هذه المعاهدة متعددة الأطراف بشكل حقيقي، مع ضمان تمثيل عادل للدول الأكثر تعرضا لتأثيرات تغير المناخ.
وأضاف أنه "ينبغي أن تلزم المعاهدة الدول بمنع الجهات غير الحكومية من المشاركة في جهود تعديل الطقس داخل أراضيها، تماما كما يفرض "بروتوكول مونتريال"، الموقع عام 1987، على الدول منع الشركات من إنتاج أو استخدام المواد الكيميائية التي تضر طبقة الأوزون ضمن أراضيها".
وألمح الكاتبان إلى أن "الأمم المتحدة قد لا قادرة على منع إيلون ماسك أو شركة "Make Sunsets" من محاولة تعديل الطقس، لكن الحكومة الأميركية تستطيع القيام بذلك."
واختُتم المقال بالقول: "من خلال وضع قواعد واضحة وعمليات اتخاذ قرارات وآليات تنفيذية تتعلق بتقنيات تعديل الطقس، يمكن للدول أن تضمن أن أي جهود مستقبلية في هذا المجال سوف تتم بشكل تعاوني، وتحت إشراف دولي، بدلا من أن تحدث بشكل فوضوي وبتحركات أحادية خطيرة".