محمد المنصوري.. ضابط إماراتي متعدد المهام أجرم في اليمن وقُتل بالصومال
أربعة من أفراد القوات المسلحة الإماراتية، بينهم ضابط كبير قتلوا في عملية استهدفت قاعدة "غوردون" العسكرية، التي تديرها الإمارات في العاصمة الصومالية مقديشو.
وفي 11 فبراير/ شباط 2024، كشفت "أبو ظبي" أن الضابط الكبير، هو العقيد ركن طيار "محمد ربيع المنصوري" وشهرته "محمد المنصوري".
وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية أن الضباط الإماراتيين استهدفوا "أثناء أدائهم مهام عملهم في تدريب وتأهيل القوات المسلحة الصومالية، والتي تندرج ضمن اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين".
فيما تبنت حركة شباب المجاهدين الصومالية التي أسست عام 2004 وتتبع فكريا لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم، عبر بيان بثته "إذاعة الأندلس" التابعة لها.
ويعد المنصوري أرفع ضابط إماراتي يقتل في الصومال، خاصة أنه خدم في عديد من أماكن الصراع التي تتورط فيها الإمارات على المستوى الإقليمي، لا سيما اليمن.
أنشطة خارجية
ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية "وام" أنه "وصلت إلى مطار البطين الخاص بأبوظبي، صباح يوم الأحد 11 فبراير جثامين شهداء الوطن الأربعة".
على رأسهم العقيد محمد المنصوري، والوكيل محمد الشامسي، والوكيل خليفة البلوشي، والعريف سليمان الشحي، وذلك على متن طائرة عسكرية تابعة للقوات المسلحة.
والعقيد الإماراتي اسمه بالكامل "محمد مبارك آل ربيع المنصوري"، في الأربعينيات من عمره، ولم ينشر تاريخ محدد لميلاده.
وينتمي إلى قبيلة "المناصير" التي تتمركز في منطقة الظفرة بولاية "أبو ظبي" عاصمة الإمارات.
والمنصوري شخصية عسكرية نافذة داخل القوات المسلحة، واشتهر بأنشطته الخارجية.
حيث شارك في معارك عدن، وأشرف على قاعدة "العند" الجوية في اليمن وكان له دور مهم في الصراعات الإقليمية تحديدا في اليمن والصومال.
مما جعله محل اهتمام وتقدير من قبل رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، الذي كرمه في أكثر من مناسبة، وانتشرت صور لابن زايد وهو يقلد المنصوري بعض الأوسمة.
متهم بالتعذيب
ومع إذاعة خبر مقتل المنصوري في مقديشو، بدأت تظهر ملامح عن تاريخه المثير للجدل في المناطق التي خدم بها.
فكتب الناشط اليمني عادل الحسني عبر "إكس": "الضابط محمد بن مبارك المنصوري، أدار بعض سجون الإمارات السرية في اليمن، وقتل على يديه الكثير، وأصيب آخرون بعاهات مستديمة كالإعاقة وفقد البصر والجنون وغيرها".
وأضاف الحسني وهو رئيس منتدى السلام لوقف الحرب في اليمن: "كان المنصوري أحد ضباط الإمارات الذين قُتِلوا في الصومال، التي تتعرض هي الأخرى لمؤامرات مشابهة بذرائع مكافحة الإرهاب، الذي ترعاه وتدعمه الإمارات نفسها".
وأكمل: "لا أستبعد بأنه تم تصفية المنصوري لتدفن معه ملفات الجرائم، فهو أسلوب ليس بغريب على دويلة المؤامرات".
ولطالما واجه مسؤولون وضباط إماراتيون منهم المنصوري، تهما بارتكاب جرائم حرب في اليمن، ومطالبات بالملاحقة الدولية عبر أجهزة الضبط القانونية في دول العالم كافة.
وسبق أن وجهت وكالة "ستوك وايت" البريطانية (حقوقية مقرها لندن)، تهما لمسؤولين إماراتيين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
وأعلنت في مؤتمر صحفي عقد بلندن في 11 فبراير 2020، أن لديها أدلة كافية لإدانة مسؤولين وعسكريين إماراتيين بارتكاب جرائم حرب، من بينها القتل خارج القانون، وممارسة التعذيب، واستخدام مرتزقة لارتكاب انتهاكات جسمية بحق مدنيين في اليمن.
وذكرت الوكالة أنها قدمت أدلتها إلى دائرة شرطة العاصمة البريطانية في لندن، بالإضافة إلى وزارتي العدل الأميركية والتركية، وطالبت بمنح صلاحيات وولايات قضائية دولية لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، للقبض على المسؤولين الإماراتيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
متعهد قتل
ويعد المنصوري من قادة النشاط العسكري الإماراتي في اليمن منذ بداية عاصفة الحزم عام 2015.
وهو النشاط الذي يُتَعَقَّب حقوقيا لما خلفه من مآسٍ مروعة بحق اليمنيين.
ففي 8 فبراير/شباط 2020 أصدر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني باليمن، تقريرا سنويا قدمه إلى مجلس الأمن، يقع في 214 صفحة، وركز في أحد فصوله على الانتهاكات الإنسانية.
وبحسب التقرير فإنه تم توثيق انتهاكات إنسانية تراوحت بين الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي لمعتقلين مدنيين على يد قوات الحزام الأمني في عدن، التي أشرف محمد المنصوري على تدريبها، بين عامي 2016 و2019، من بينهم 10 أشخاص كانوا معتقلين، وغدوا في عداد المفقودين.
فضلا عن غارات جوية شنتها أبوظبي في 28 و29 أغسطس/آب 2021 من أجل استرجاع السيطرة على عدن، وشارك المنصوري بنفسه في تلك الغارات بوصفه أبرز ضباط سلاح الجو الإماراتي.
وأضاف التقرير: أن "حوالي 146 مدنيا قتلوا، بالإضافة إلى إصابة 133 آخرين في عدة مدن يمنية، بطائرات التحالف العربي"، الذي تقوده السعودية والإمارات.
ويسرد الفريق الأممي في تقريره أنه "يرى أن قوات الساحل الغربي والحزام الأمني والنخبة الحضرمية والشبوانية جماعات مسلحة غير تابعة للدولة أنشأتها وتدعمها الإمارات".
وكان موقع "المشهد" اليمني المحلي، قد أورد عندما نشر خبر مصرع "المنصوري" في الصومال، أنه أشرف على تدريب بعض الفرق اليمنية الخاصة المعنية بتنظيم الأمن في جنوب اليمن.
إلى الصومال
لكن يبدو أن نشاط "المنصوري" في اليمن أغرى القيادة الإماراتية لنقله إلى الصومال، لإعادة التجربة هناك، لا سيما أن مقديشو لها أهمية خاصة في أروقة قصر الحكم بأبوظبي منذ سنوات طويلة.
إذ تولي أبوظبي اهتماما خاصا لمنطقة القرن الإفريقي لما تتميز به من موقع جيوسياسي مهم.
إضافة إلى تحكمها في واحد من أهم طرق التجارة العالمية، لذلك فقد أنشأت أول قاعدة عسكرية إماراتية بتاريخ 12 فبراير 2017، في مدينة بربرة، بعد موافقة البرلمان الصومالي.
وفي 26 ديسمبر/ كانون الأول 2017، نشر موقع "تاكتيكال ريبورت" المتخصص في شؤون استخبارات الأمن والدفاع، أن هناك اتصالا دائما بين محمد بن زايد ووزارة الدفاع الأميركية لتوسعة وتعزيز دور البحرية الإماراتية في منطقة القرن الإفريقي.
وأكد الموقع الاستخباراتي أن الحضور الإماراتي في دول الصومال وإريتريا وجيبوتي، جاء في سياق التنافس الإقليمي والدولي على هذه المنطقة.
ولم تكن الأهداف العسكرية فيما يتعلق بدعم القوات الإماراتية المشاركة في حرب اليمن، والحفاظ على تأمين المدن الجنوبية اليمنية التي سيطرت عليها القوات الإماراتية، هي الأهداف الوحيدة لمساعي الإمارات تعزيز نفوذها في هذه الدول على رأسها الصومال،
وركز الموقع على أن الوجود الإماراتي في الصومال هدفه السيطرة والنفوذ، بما يخدم دور أبوظبي الهدام في منطقة شرق إفريقيا.
وشهدت العلاقات الإماراتية الصومالية تطورات مع صعود الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، إلى سُدة الحكم في 15 مايو/أيار 2022، خلفا لمحمد عبد الله فرماجو، صاحب الصدامات المتعددة بالدولة الخليجية.
واختار شيخ محمود، الإمارات لتكون أول وجهات زياراته الخارجية، حيث استقبله محمد بن زايد في قصر الشاطئ.
بعدها عمل ابن زايد على زيادة تعزيز الوجود العسكري والأمني الإماراتي هناك، وأرسل نخبة من عسكرييه المخضرمين، منهم محمد المنصوري.
وفي 12 فبراير 2024، عقب يوم من مقتل "المنصوري" تحدث مصدر عسكري صومالي لوكالة "رويترز" البريطانية، عن طبيعة المهمة التي كان يقوم بها الضابط الإماراتي في البلاد.
وذكر: "أنه كان من ضمن المشرفين في الآونة الأخيرة على تدريب نحو 10 آلاف جندي من الصوماليين، والذين باتوا يعرفون بالشرطة العسكرية".
وأوضح: "أن هؤلاء كانت مهمتهم الأساسية مواجهة حركة الشباب المجاهدين، وإحكام سيطرة الحكومة المركزية في مقديشو على الأمور".
وادعى أن "المنصوري والضباط الإماراتيين قتلوا نتيجة عملية اختراق أمنية من الحركة المسلحة، إذ تم تجنيد ضابط داخل الوحدة العسكرية (غوردون) ومع اجتماع الضباط قام بفتح النار عليهم ما أدى إلى مصرعهم".